من منا لايعرف العندليب الأسمر أو يسمع عنه ربما بعضنا لم يسمع له ولكني أجزم اننا جميعا دون إستثناء سمعنا عنه ... فماذا نعرف عن عبدالحليم حافظ ..
حيــــــ العندليب ـــــــــــاة
هو عبدالحليم إسماعيل شبانة .. ولد في 21 يونيو 1929 في قرية الحلوات في مصر .. وتوفيت والدته بعد ولادته في نفس يوم .. ونشأ عبدالحليم يتيما من يوم ولادته .. وقبل أن يتم عبدالحليم عامه الأول توفي والده .. ليعيش اليتم من جهة الأب كما عاشه من جهة الأم من قبل .. ليعيش بعدها في بيت خاله الحاج متولي عماشة ..ومنذ دخول العندليب الأسمر للمدرسة تجلى حبه العظيم للموسيقى حتى أصبح رئيسا لفرقة الأناشيد في مدرسته .. ومن حينها وهو يحاول الدخول لمجال الغناء لشدة ولعه به
وبعد مدة طويلة من العذاب والإحباط والمحاولات الفاشلة خصوصا انه كان يرفض أن يغني أغاني محمد عبدالوهاب ويصر أن يغني أغانيه هو .. حتى أتت الفرصة للعندليب الأسمر وذلك عندما غنى أغنية ( على قد الشوق ) من الحان كمال الطويل والتي رفعت أسهم العندليب الأسمر لدى الجمهور بشكل كبير ..ومن بعدها والعندليب الأسمر في صعود مستمر حتى بلغ قمه الهرم الغنائي في مصر والوطن العربي أجمع
دخل عبد الحليم شبانة معهد الموسيقى وتعلم الطرب والغناء والعزف وقد كان أخوه إسماعيل قد تخرج من المعهد نفسه
تخرج عبد الحليم سنة 1949 من معهد الموسيقى وقد عرفت تلك الفترة من الخمسينات تخرّج عمالقة التلحين مثل الموسيقار محمد الموجي ورياض السنباطي.
دخل الإذاعة بهدف إنشاء فرقة لكن صوته شد إنتباه بعض ممن حوله على الرغم من تصدي البعض الآخر لهذا الصوت الجديد.
أول أفلامه كان فيلم «لحن الوفاء» لحلــمي رفلة، مثل عبد الحليم بعدها أمام أجمل جميلات السيــنما المصرية شادية ونادية لطفي ومــريم فخــر الدين وســعاد حسني...
علاقته بسعاد حسني
حيكت حول حياته الشخصية قصص له عن الحب والعلاقات الغرامية ولعل أهــمها علاقــته بسندريلا الشاشة سعاد حسني، فكانت علاقة حبهما او زواجهما محور حديث الأوساط الاعلامية ردها مـــن الزمن ولكن حينهــا أنكــر الطرفان أن يكــون هــذا الزواج قد تم فعلا.
ولكن بعد وفاة السندريلا كشف النقاب عن هذه العلاقة فقد أكد مقربون من الممثلين أن هذا الزواج قد تم فعلا بشهادة شهود الا ان تكتم عبد الحليم على هذا الزواج قد دفع بسعاد حسني لطلب الإنفصال. وقد ساهم عبد الحليم في صناعة شهرة سعاد حسني في بدايتها خاصة فكان يرشدها ويهتم بها وبالأعمال التي تقدمها وقال الكثيرون ممن عرفوا السندريلا خاصة أنها أحبته حبا كبيرا وهو ربما ما دفعها لإخفاء حقيقة إرتباطها به.
كان عبد الحليم حافظ مبدعا في أعماله خرج بالكلمة واللحن والأداء عمّا هو سائد في تلك الأيام فخلق لنفسه فضاء فنيا متميزا سلب عقول الكبار والصغار... المحبين والمجروحين... السعداء والمتألمين.
21 يونيو 1929: ولد عبد الحليم شبانة في قرية الحلوات، مركز فاقوس، الزقازيق، بمحافظة الشرقية مصر.
في سنة 1945 إلتقى عبد الحليم بالفنان كمال الطويل في المعهد الأعلى للموسيقى العربية، حيث كان عبد الحليم طالبا في قسم تلحين، وكمال في قسم الغناء والأصوات، وقد درسا معا في المعهد حتى تخرجهما عام 1949
1951 عمل كعازف لآلة الأوبوا في فرقة موسيقى
الإذاعة
1951 : تقابل مع صديق ورفيق العمر الأستاذ مجدي العمروسي في بيت مدير الإذاعة في ذلك الوقت الإذاعي الكبير فهمي عمر .
1952 : " العهد الجديد " أول نشيد وطني غناه عبد الحليم حافظ في حياته، من كلمات محمود عبد الحي وألحان عبد الحميد توفيق زكي، وقد غناها عبد الحليم بعد قيام ثورة 23 يوليو .
1953 : ظهر بصوته (فقط) بأغنية " ليه تحسب الأيام " كلمات فتحي قورة وألحان علي فراج في فيلم " بعد الوداع "
وشارك عبد الحليم للمرة الثانية بصوته فقط في فيلم سينمائي، هذه المرة مع فيلم " بائعة الخبز" ، حيث غنى شكري سرحان بصوت حليم أغنية " أنا أهواك " ، وذلك أمام ماجدة التي غنت بدورها في الفيلم بصوت المطربة برلنتي حسن .
يوم 18 يونيوفي نفس السنة أحيا عبد الحليم حفلة أضواء المدينة بحديقة الأندلس فيما يعتبر بأنها حفلته الرسمية الأولى، والتي كانت أيضا أول إحتفال رسمي بإعلان الجمهورية. حيث كان يوسف وهبي فنان الشعب قد قدم ذلك المطرب الشاب بقوله " اليوم أزف لكم بشرى ميلاد الجمهورية، وأقدم لكم الفنان عبد الحليم حافظ " .
1953 : تعاقد الموسيقار محمد عبد الوهاب مع الشاب عبد الحليم حافظ على بطولة فيلمين وهما "بنات اليوم" ، و "أيام و ليالى" و لكن لم يتم تنفيذهما ، و بدأ فى تصوير فيلم أول أفلامه بعد ذلك بعامين.
1954 : أول قصيدة تغنى بها عبد الحليم "لقاء" التى كانت من كلمات صلاح عبد الصبور و ألحان كمال الطويل.
ظهرت أغنية "على قد الشوق" فى الإذاعة للمرة الأولى، من كلمات محمد علي أحمد و ألحان كمال الطويل ، والتى ظهرت بعدها بعام فى "لحن الوفاء" أول أفلام عبد الحليم حافظ المعروضة.
1955: بدأ عبد الحليم فى تصوير أول افلامه "أيامنا الحلوة" مع المخرج حلمي حليم و فى نفس الوقت بدأ تصوير فيلم "لحن الوفاء"مع المخرج ابراهيم عمارة ، وقد تم عرض الفيلمين فى فترة متزامنة ، إلا أن "لحن الوفاء" تم عرضه قبل "أيامنا الحلوة" بأسبوع واحد فقط.
لحن الموسيقار محمد عبد الوهاب أول أغانيه لعبد الحليم مع أغنية "توبة"، و التى ظهرت بعد ذلك فى فيلم "أيام و ليالى" فى نفس العام، الذى شهد عرض أربعة أفلام كاملة للعندليب، فيما وصف بأنه عامه الذهبى سينمائياً.
1956: موعد أول لقاء فنى بين الثلاثي عبد الحليم و المحلن كمال الطويل و الشاعر صلاح جاهين ، و ذلك مع أغنية "إحنا الشعب"، أول أغنية يغنيها حليم للرئيس جمال عبد الناصر بعد اختياره شعبياً لأن يكون رئيساً للجمهورية.
محمد عبد الوهاب يقدم على تعاونه الأول مع عبد الحليم فى مجال الأغانى الوطنية، و ذلك مع أغنية "الله يا بلدنا" ، والتى تغنى بها عبد الحليم بعد العدوان الثلاثى.
عبد الحليم حافظ يصاب بأول نزيف فى المعدة. وكان وقتها مدعواً على الإفطار بشهر رمضان لدى صديقه مصطفى العريف.
خرج إلى النور فيلم "دليلة" أول فيلم مصرى ملون بطريقة السكوب، و تقاسم بطولته عبد الحليم مع شادية فى ثانى لقاء سينمائى بينهما، و هو الفيلم الذى راهن مخرجه محمد كريم أن يقود عبد الحليم بعده جيلاً جديداً من المبدعين و الفنانين.
1957: موعد أول لقاء فنى بين عبد الحليم حافظ و الملحن بليغ حمدي مع أغنية" تخونوه" التى ظهرت بفيلم "الوسادة الخالية" . و كان عبد الحليم قد لفت نظره لحن هذه الأغنية للمرة الأولى عندما كان يؤدى بروفاته الخاصة للفيلم، حيث كان يقوم بليغ يؤدى بروفة خاصة به لأغنية "تخونوه" مع النجمة الكبيرة ليلى مراد. فنال اللحن إعجاب عبد الحليم الشديد، حتى إنه استأذن من المطربة الكبيرة أن يرفق الأغنية فى فيلم "الوسادة الخالية"، لتصبح واحدة من أهم أغانى أفلام العندليب على الإطلاق.
1960: تكونت شركة "أفلام العالم العربى" بين عبد الحليم و مجدي العمروسى و مدير التصوير وحيد فريد، ليصبح فيلم "البنات و الصيف" باكورة أعمال الشركة ، و الذى كان عبد الحليم بطلاً لقصته الثالثة.
غنى عبد الحليم "حكاية شعب" من كلمات أحمد شفيق كامل و لحن كمال الطويل، و ذلك فى حفل أضواء المدينة الذى أقيم بمدينة أسوان للإحتفال بوضع حجر الأساس بيناء السد العالى، وقد حضر الحفل جمال عبد الناصر. و ظل الجمهور صامتاً طوال فترة الأغنية مما أثار إحساساً بالقلق من فشلها ، و عندما أعطى إشارة نهاية الأغنية حدثت المفاجأة فقد قوبلت هذه الأغنية بعاصفة من التصفيق الشديد، خاصة من رجال الثورة.
1961 :دخل الموسيقار محمد عبد الوهاب شريكاً مع عبد الحليم فى شركة إنتاج أسطوانات، لتصبح جزءاً من شركة أفلام العالم العربى ، ثم تغير إسم الشركة لتصبح "صوت الفن".
حدث الخلاف الوحيد الذى وقع بين أفراد شركة "صوت الفن" و هى عندما أنتجت الشركة فيلم "الخطايا" ، كانت أغنية "قوللي حاجة" التى لحنها عبد الوهاب من ضمن أغانى الفيلم ، و عندما وضعها المخرج حسن الإمام فى سياق دراما الفيلم قرر أن يقطع الموسيقى لمدة عشر ثواني عندما تتلاقى نظرات عبد الحليم و حبيبته نادية لطفى ، فثار عبد الوهاب على ذلك و قرر إعادة مونتاج الفيلم الذي كان قد تم نسخ عدد كبير منه من أجل وضع أغنيته كاملة.
1962 :أغنية "الجزائر" غناها عبد الحليم ليحيي فيها كفاح أهل الجزائر اللذين نالوا إستقلالهم فى نفس العام.
أغنية "لست أدري" التى غناها عبد الحليم فى فيلم الخطايا ، أهداها إليه الموسيقار محمد عبد الوهاب الذى غناها من قبل فى فيلم "رصاصة فى القلب" عام 1944.
1963 :بدأ تصوير فيلم "معبودة الجماهير" ، وكانت من ضمن أغانيه "بلاش عتاب" التى إستغرق كمال الطويل فى تلحينها مدة الأربعة سنوات التى إستغرقتها مدة تصوير الفيلم.
1964 :وقع خلاف بين عبد الحليم حافظ و السيدة أم كلثوم عندما أخرت دخوله على المسرح فى حفلة عيد الثورة ، وقال يومها قبل غنائه فى الميكروفون "إنه لشرف عظيم أن يختم مطرب حفل بعد أم كلثوم و لكنى لا أدري إذا ما كان غنائى اليوم شرف أم مقلب من أم كلثوم"
1965 :منع عبد الحليم فى هذه السنة من الغناء فى حفلة عيد الثورة بسبب ما حدث منه تجاه أم كلثوم ، إلا أن جمال عبد الناصر رد له إعتباره عندما أعلن عن إقامة حفلة أخرى فى الإسكندرية بعد الأولى بيومين ، والتى أصدر أمر أن يقوم عبد الحليم بإحياءها مع من يشاء من المطربين ، وكانت هذه هى الحفلة الأولى و الأخيرة التى تقام لإحتفالات الثورة فى الإسكندرية.
1967 :ظهر فيلم "معبودة الجماهير" بعد أربع سنوات من التوقفات و المشاكل الإنتاجية و الذى كان بطولة مشتركة بين عبد الحليم و الفنانة شادية و من إخراج حلمى رفلة.
يونيو 1967 : أقام عبد الحليم حافظ خلال الأيام التالية لوقوع النكسة فى مبنى الإذاعة، و ذلك برفقة الكاتب عبد الرحمن الأبنودى و الملحن كمال الطويل. لتكون الحصيلة فى النهاية عشرة أغنيات متعلقة بالمعركة، أهمها أغنية "أحلف بسماها" التى وعد حليم أن يغنيها فى كل حفلاته إلى أن تتحرر أرض مصر فى سيناء.
موعد حفلته التاريخية أمام 8 ألاف شخص فى قاعة ألبرت هول بلندن لصالح المجهود الحربى لإزالة آثار العدوان. و قد قدم عبد الحليم فى هذا الحفل أغنيته "المسيح" لعبد الرحمن الأبنودي و بليغ حمدي فيما كانت أيضاً نسخة الحفل من أغنية "عدي النهار" واحدة من أبرز أغانى حفلات عبد الحليم على مدار تاريخه الطويل.
1969: قدم العندليب برفقة المخرج حسين كمال فيلم "أبى فوق الشجرة" آخر عمل سينمائى له، و الذى حقق رقماًَ فلكياً فى عدد أسابيع عرضه الأول، حيث ظل فى دور العرض المصرية لمدة 52 أسبوعاً كاملاً .
1973 قام عبد الحليم ببطولة المسلسل الإذاعي "أرجوك لا تفهمني بسرعة"، و هو المسلسل الوحيد الذى شارك فيه عبد الحليم كبطل للحلقات، و ذلك برفقة نجلاء فتحى و عادل إمام و إخراج محمود علوان.
أغنية "عاش اللي قال" أول أغنيه غناها عبد الحليم بعد نصر أكتوبر 73 . من كلمات محمد حمزة و ألحان بليغ حمدي. ، و كانت أول أغنية أشاد فيها بدور الرئيس محمد أنور السادات فى إنتصار مصر العظيم.
1974 :غنى عبد الحليم اغنية "فاتت جنبنا" فى حفل بجامعة القاهرة للمرة الأولى ، من كلمات حسين السيد و الملحن محمد عبد الوهاب. و غنى معها "أى دمعة حزن لا لا " للكاتب محمد حمزة و الملحن بليغ حمدي.
موعد أخر عمل بين عبد الحليم و كمال الطويل مع أغنية "صباح الخير يا سينا".
1975 : بعد إعادة إفتتاح قناة السويس للملاحة العالمية غنى عبد الحليم آخر أغانيه الوطنية "النجمة مالت على القمر" كلمات محسن الخياط و ألحان محمد الموجي. و أغنية "المركبة عدت" من كلمات مصطفى الدمراني و ألحان محمد عبد الوهاب.
1976 : آخر ما تغنى به عبد الحليم "قارئة الفنجان" فى حفلة شم النسيم، و التى كانت من كلمات نزار قبانى و ألحان محمد الموجي .
كتوبر 1982: طرحت فى الأسواق مجموعة شرائط "عبد الحليم و مصر" التى جمعت كل أعمال عبد الحليم الوطنية ، مع حذف إسم الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، ولكن على الرغم من ذلك وقفت عراقيل عدة أمام إصدار الشريط، و الذى يجد طريقه إلى الأسواق إلا بعد إصدار الرئيس حسنى مبارك لأمر بضرورة خروج هذه الوثائق التاريخية إلى النور
لا يعرف الكثيرون الإذاعي الكبير حافظ عبد الوهاب الذي اكتشف العندليب الأسمر عبد الحليم شبانة وسمح له باستخدام اسمه "حافظ" بدلا من شبانة، وهو من أوائل العاملين في الإذاعة المصرية عند انشائها. شغل حافظ منصب مراقب الموسيقى والغناء في الإذاعة
يعشق المصريون الأساطير و طالما ألصقوا هذه الصفة بأكثر من شخصية فى حياتهم المعاصرة، و للأسف فإن معظم هذه الأساطير كانت فى الأغلب من ورق، تم تلطيخ أسطورتها بالكثير من المساحيق لتبدو و كأنها حتى أشباه أساطير ، و لكن يبقى عبد الحليم حافظ هو التعريف الرسمى لكملة " أسطورة "، فلم يكن هذا المطرب النحيل بحاجة إلى أية رتوش أو مساحيق، فهذا الشاب اليتيم صعد من أسفل السلم ليصبح مطرب الجيل، لم يتزوج من قبل و هو الذى علم فتيات العالم العربي كلهن الحب، و فى الفترة التى كان كبده ينزف فيها أكثر من ثلاث مرات فى اليوم كان يقدم للموسيقى العربية أفضل لحظاتها فى الخمسين عاماً الماضية، إنه ربما الشخصية العربية الوحيدة الى مازالت حياتها حافلة بالأسرار و الصفحات المجهولة على الرغم من رحيلها قبل 26 عاماً كاملة.
يتحدث الكثيرون عن عبد الحليم حافظ على إنه نبتة ظهرت فى أرض مصر و إختفت دون سبب ، و لكن للأسف كان عبد الحليم حافظ نموذجاً لجيل كامل ظهر فى مرحلة بالغة الأهمية فى حياة المصريين بمنتصف القرن الماضى. فقد ولد عبد الحليم حافظ يتيماً فى 9 فبراير من عام 1929 بقرية صغيرة تدعى الحلوات بمحافظة الشرقية ، و كان شأنه كشأن المئات من أقرانه الذين تشكل الموسيقى و الغناء مساحة لا بأس بها من حياتهم اليومية، فقد كانت الموسيقى نافذة عبد الحليم على عوالم أخرى لم يحلم بها طفل فى العاشرة من عمره قط، و هو الذى كان يتسمر أمام دكان بقال القرية أملاً فى أن يستمع إلى أغنية من الردايو لعبد الوهاب أو ام كلثوم. و لا يمكن أيضاً تجاهل دور الموالد العديدة التى حضرها بقريته أو بمحافظات أخرى لتشكل جانباً مهماً من ثقافته الموسيقية، مثلما كان الحال مع معظم مطربى مصر الكبار، الذين تعرفوا على ملامح الحس الشعبى المصرى، و " المزاج" الموسيقى الخاص بناس هذا البلد... فقط من خلال "مدرسة المولد".
قرر عبد الحليم فى سن السادسة عشرة الذهاب للقاهرة و الإلتحاق بمعهد الموسيقى العربية، مفضلاً الإنضمام لقسم الآلات، و ذلك على عكس ما توقع البعض و فى مقدمتهم صديقه و زميله فى المعهد آنذاك كمال الطويل. تخرج حليم من المعهد عام 1948 عازفاً لألة الابواه دون أن يضع قدمه فى عالم الغناء بعد ، و لكن كما يذكر مجدى العمروسى مدير أعمال " العندليب " فى مذكراته كان للصدفة عامل كبيرفى تفكير حليم الجدى فى التفرغ للغناء، حيث كان حليم عازفاً للأبواه فى فرقة تنتظر فى أحد أستوديوهات لتسجيل إحدى ألحان كمال الطويل لنجم الفترة آنذاك عبد الغنى السيد، و الذى تأخر كثيراً عن موعد التسجيل، و ماكان من الطويل إلا أن طلب من حليم تسجيل الاغنية هذه المرة بصوته. و ما أن فرغ المطرب الشاب من الغناء حتى كانت علامات الدهشة الممزوجة بالإعجاب تبدو على وجه كل الحاضرين فى الاستوديو. ليقتنع عبد الحليم بعدها أن موهبته فى الغناء تستحق أن يطلع عليها جمع أكبر من الناس.
لم تكن بداية عبد الحليم كمطرب مبشرة بأى حال من الأحوال حيث قوبل بصافرات الإستهجان فى معظم حفلاته الأولى، التى قدم من خلالها مجموعة من أغنياته الخاصة مثل "صافينى مرة" و قصيدة "لقاء" لصلاح عبد الصبور، حيث لم يكن الناس على إستعداد لتلقى هذا النوع من الغناء الجديد. و لكن مع إنتشار عدوى الثورة فى كل مكان عقب يوليو 1952، أصبح المناخ معداً تماماً لأستقبال حليم و معه جيل كامل من المبدعين، كانوا أشبه بجنود للثورة أكثر من كونهم فنانين عاصروها. و لا يوجد ما هو أدل على ذلك سوى تقديم المذيع الكبير جلال معوض لحفلة أضواء المدينة فى يوم 18 يونيو 1953 ،و هو أول إحتفال غنائى يقام بعد إعلان الجمهورية فى مصر، حيث أفتتح معوض إحدى وصلات الحفل بقوله "اليوم أزف لكم بشرى ميلاد الجمهورية، و المطرب عبد الحليم حافظ"، و لم يكن هذا تقديماً لمطرب شاب فحسب بل كان تنصيباً لعبد الحليم كمطرب لمرحلة و جيل و أمة بأكملها تتطلع إلى التغيير
لم يفوت حليم الفرصة هذه المرة فقد نجح من خلال مجموعة أغانى خفيفة مثل "على قد الشوق" و " أنا لك على طول" و "الحلو حياتى" و "هى دى هى" فى ترسيخ أسلوب جديد فى الغناء الشرقى بالإشتراك مع أسماء مثل الشاعر مرسى جميل عزيز و الملحنين محمد الموجى و كمال الطويل. حيث أعتمدت تلك الأغانى من ذوات الخمس دقائق على الإيقاعات و المقامات الشرقية المعتادة ممزوجة بحس غربى فى التوزيع الموسيقى لايفتقد للوعى،و ذلك جاء متسقاً مع حالة الإنفتاح الثقافى التى كانت سائدة فى الوسط الموسيقى آنذاك. و قد قاد عبدالحليم جيل كامل من المطربين لأحداث تغيير كامل فى بنية الاغنية العربية خاصة فى ظل إنتشار الاذاعة و السينما و إزدهار صناعة الاسطونات، وهى وسائط جعلت متطلبات الأغنية شديدة الاختلاف حتى عن عقد مضى و هو ما عرف بعض المعارضين بطبيعة الحال. ولكنه عرف ترحيباُ أكبر من شباب الوطن العربى بأكمله.
كان لإقتحام عبد الحليم حافظ مجال السينما أثره البالغ فى إنتشار شعبيته داخل و خارج القطر المصرى، إضافة إلى تواجد عبد الحليم دوماً ضمن "فترينة" الثورة، التى تسوق جميع مبادئها فى العالم العربى. بل أن أغانى عبد الحليم عقب العدوان الثلاثى، و فى مقدمتها "الله يا بلدنا الله"، و من بعدها "تحت راية بورسعيد" أكدت أن نبرة أغانى عبد الحلبم الثورية أصبحت طريقاً يجب السير على نهجه. و قد واصل عبد الحليم "إكتساحه" للمشاعر القومية خلال فترة الستينات من خلال أغانى مثل "المسئولية" و "بستان الاشتراكية" ، "يا أهلاً بالمعارك" و صورة " مع شاعر الثورة الراحل صلاح جاهين، و الذي كان رفيقاً فكرياً لعبد الحليم طوال سنوات "المعركة القومية".
و كما كانت بدايته مع غناء القصائد باللغة العربية مع "لقاء" لصلاح عبد الصبور فقد واصل عبد الحليم مشواره مع غناء القصائد خلال عقدى الستينات و السبعينيات، و قد تعاون مع معظم أسماء الوزن الثقيل فى كتابة القصائد على رأسهم فيلسوفه كامل الشناوى، و الذى غنى له عبد الحليم "حبيبها" و "لا تكذبى" ، و ذلك قبل أن يدخل أثناء فترة السبعينات فى موجة نزار قبانى و التى شهدت أهم أعماله فى تلك الحقبة "رسالة من تحت الماء" و "قارئة الفنجان".و يذكر مجدى العمروسى أيضاً فى مذكراته أن مرحلة الاعداد للقصائد بالنسبة لعبد الحليم كانت أشبه بالقنابل الموقوتة، نظراً لتدقيق حليم الشديد فى كل كبيرة و صغيرة، و مطالبه التى لا تنتهى، و التى تصل أحياناً إلى حد تعديل بعض الكلمات.
لم تكن مرحلة السبعينات بالنسبة لحليم فترة أكثر روعة من سابقتيها حيث لم يعد حليم قادراً على العمل بنفس الغزارة التى كان يرجوها، خاصة بعد أن تملكه مرض الكبد تماماً خلال تلك الفترة، بل إنه أصبح زبوناً دائماً فى مستشفيات لندن ، أما فى أوقات العمل، فقد كان الاستديو الخاص به أشبه بالمستشفى المتنقلة، و ذلك فى نفس الوقت الذى أنهالت عليه صحافة القاهرة بإنه يدعى المرض إمعاناً فى نسج الأسطورة من حوله، و لكن بالفعل كان "العندليب" منشغلاًَ خلال سنوات السبعينات على العمل مع بليغ حمدى بشكل أكبر ، و الذى كان من أغزر الملحنين الذى عمل معهم عبد الحليم بعد الثلاثى عبد الوهاب و الموجى و الطويل، و قد أثمر هذا التعاون عن أشهر أغنيات تلك الفترة مثل "زى الهوا" ..."نبتدى منين الحكاية" ..و "فاتت جنبنا"، و التى تعتبر واحدة من أخر أغنياته الجماهيرية قبل وفاته فى مارس من عام 1977.
امذ إذا وقع إختيارنا على واحدة من حفلات عبد الحليم لتكون حفلته المختارة فإن الإختيار سيكون بالغ الصعوبة، خاصة أن حليم كان يعشق الأداء الحى و له صولاته و سقطاته أيضاً على خشبة المسرح لا يستطيع أحد أن ينساها بسهولة، و لكن ستبقى حفلته الشهيرة عقب نكسة 1967لصالح المجهود الحربى فى قاعة ألبرت هول بالعاصمة البريطانية لندن من اهم الحفلات التى أداها مطرب عربى على الاطلاق، خاصة أن وصلته الغنائية شملت أغنينتين من أفضل أغانى عبد الحليم الوطنية و هما "عدى النهار" و "المسيح"، و هناك العديد من الخبراء و المؤرخون الموسيقيون يؤكدون أن مكتبة هواة الغناء العربى لن تكتمل إلا بتسجيل هذه الحفلة ، و التى حققت نجاحا مادياً و أدبياً غير مسبوقاً فى تلك الفترة.
عايش عبد الحليم فترات سياسية هامة عاشها القطر المصري مثل حربه مع اسرائيل وفترة العدوان الثلاثي والنكسة وقد كان له شأن في تسجيل هذه الحقبة بأغانيه الوطنية الخالدة التي شحذت همة الشعب المصري الذي تفاعل معها وتغنى بها.
ويبقى أهم ما غنّى في هذا النمط الغنائي «نشيد الوطن الأكبر» والذي يخرج فيه بمفهوم الوطن الى سائر البلاد العربية. وكانت هذه تجربته في الغناء الجماعي اذ أتى الدور الرئيسي وسط عدد من المطربات بينهن وردة الجـزائرية وشادية ونجاة...
أشعلت أغانيه نار الحب الذي لا يعرف الحدود ونار الجرح الذي لم تمحه السنون.
وعلى الرغم من مرور 27 سنة على رحيله فقد ترك لنا العندليب أغان لا تنسى أحبها حتى من لم يعرف هذا الفنان المتألم.<!-- / message -->
ساحة النقاش