وجاء في الأخبار ......
«طالبة في الصف التاسع طرحت معلمتها أرضًا وانهالت عليها بالضرب، وحاولت رميها من الطابق الثاني، بإحدى المدارس صباح الاثنين»!
«وقال مصدر مطلع: إن الأحداث قد بدأت عندما حاولت الطالبة مغادرة الغرفة الصفية..، إلا أن المعلمة منعتها... فما كان من الطالبة إلا أن طرحتها أرضًا وانهالت عليها بالضرب»!
«وحاولت الطالبة جر المعلمة خارج الصف ..وحملها لإلقائها من الطابق الثاني للمدرسة! كما أقدمت على ضرب زميلاتها الطالبات اللواتي حاولن منعها من استمرار الاعتداء على معلمتهن ...واستمر الحال .. إلى أن تنادت المعلمات..وأبعدنها عن المعلمة»!
«إنها أحداث (معركة حقيقية)...في غرفة الصف!
ولقد قرأت الخبر عدة مرات بعد أن نقلته لأوراقي..لأقول فيه قولًا (..؟.) من واقع تجربتي كمعلم. ولقد بدا لي أن من الصواب الابتعاد عن (أسلوب الخطابة) المعتادة..(كضياع القيم) ... و(الضرب بيد من حديد).. ومما يحضر في هذه المناسبات.. مع تناسي سمات العصر وثقافته التلفزيونية المحرضة على العنف ... والعبث وتغييب العقل وتحدي النظام وتسخيف الاحترام..واستحضار الغرائز ...!!
الخروج من الصف؟
طالب المرحلة (المتوسطة) هو طالب مراهق!
وهذه السن فيها من الفوران الجسدي والعقلي ونمو روح التحدي والاعتزاز بالنفس الشيء الكثير ...والحاد أيضًا!
ذلك مما نعلمه من واقعنا...ومن معطيات علم النفس ..وهو ينظر في نمو الإنسان العقلي والبدني والنفسي في هذه المرحلة الحرجة من بناء الشخصية الإنسانية وتطورها! ومن سماتها: سرعة الغضب، والميل إلى المشاكسة والمماحكة وإثبات الذات ويوصى الآباء والأمهات والمعلمون وكل من يتعامل مع أولئك الشباب مراعاة ذلك ...بعدم الاستفزاز وبذل التقدير والعناية بحاجات النفس التي تميل إلى الاحترام والاعتزاز بالنفس، والمداراة والملاطفة .. وبذل النصح.
وبناء القيم الإيجابية..هي إحدى وسائل المربي ..في العلاج والإصلاح ...وإعادة التأهيل!!
والحاجة إلى الخروج من الصف أمر قائم دائمًا.. للصغار والكبار. وقد أدى عدم السماح بالخروج، من الصف، في مرات كثيرة مشهودة، إلى إحراج الصغار خاصة، في حاجاتهم البدنية الملحة...مما كان له الأثر السيئ على الطفل.. وعلى أهله أيضًا ..مما سبب اللوم الشديد للمعلم وهو يستخدم سلطته متعسفًا!!
والخروج العابث – كما قد يكون في قناعة المعلم – أفضل ألف مرة من عدم الخروج.. تحت أي تقدير .. قد يفضي إلى مشكلة مهما كان احتمال ذلك ضئيلًا!
ففي صفوف الصغار من الطلاب.. قد يسمح المعلم للطالب أن يخرج.. وعندها ترتفع الأصوات الكثيرة بطلب الخروج... وقد يكون أحدهم فعلًا محتاجًا... وقد يمنع المعلم هذا السيل الخارج من الصف لسبب أو لآخر.. هذا ما يواجه المعلم ..وخاصة معلم الصغار.... إنها ظاهرة..!!!
وفي مواجهة الطالب في المرحلة الإعدادية أو الثانوية... وقد أبدى رغبته في الخروج لسبب أو لآخر فإن الواجب يقتضي تقدير الموقف بدقة... ومن العقل والفطنة ..أن يلاحظ المعلم الوضع ويستجيب له بالسرعة الممكنة ..كأن يشترط سرعة العودة.. أو أن يغسل التلميذ وجهه. تلطيفًا للموقف، وإزالة للاحتقان من نفس التلميذ .. ذلك أن كثيرًا مما في النفس.. قد يظهر على ملامح الوجه... وخبرة المعلم بطلابه .. تعطيه فكرة عن سلوك كل منهم!!
إن تفويت الفرصة على الطالب المشاكس لافتعال مشكلة أو تخريب النظام..أو اختبار محاولة المعلم الحفاظ على كرامته وكرامة الصف.. والمدرسة أمر.. يعلو على كل انفعال ..!!
فهل أخطأت المعلمة (هنا) في تقدير الموقف عندما رفضت أن تسمح للطالبة بالخروج...؟؟
أقول، وفي ذهني (سيناريوهات) كثيرة عما حدث ..نعم إنها أخطأت ..فلو سمحت لها أن تخرج لكان أفضل مما حدث وأحفظ لكرامة المعلمة والمدرسة والنظام!!
ولا شك أن الطالبة كان لديها شحنة من التمرد على النظام وعلى سلطة المعلمة، وقد تكون افتعلت الخروج استفزازًا واختبارًا...!! ذلك أن ما حدث من ضرب المعلمة، وضرب الطالبات ومحاولة جر المعلمة..وحملها لرميها من الطابق الثاني.. هو عملية شروع في القتل!!
ذلك السلوك إنما ينم عن حقد دفين متراكم .. وعن وجود مشكلة تغذيها المماحكات... حتى اتخذ سلوك الطالبة هذه العدوانية.. والحقد ...ومحاولة قتل المعلمة!!!
لم يقل الخبر شيئًا من ذلك.. وإنما هو تصور يفرضه تحليل الأحداث وهو أقرب للصواب.. والمنطق ..وهو ما تنبئ عنه الخبرة في العمل التعليمي.
إن صح التصور والتقدير.. إن للمشكلة جذورًا سابقة فلماذا ترك الأطراف المشكلة دون حل؟
لماذا لم تخبر المديرة.. وإن أخبرت لماذا لم تتصرف؟! على أني وبالرغم من كل ذلك، فإني أوصي المعلم أو المعلمة:..أن لا أحد يمكنه أن يحل مشكلتك أفضل من حلك أنت لها!! وكظم المعلم غيظه وتسامحه وكتم انفعالاته .. والسيطرة عليها.. وامتصاص استفزازات الطالب.. وحسن توجيهه.. وتجاهل دوافعه وتحويرها.. كل ذلك.. يمكنه أن يستل من صدر الطالب ما تفور به نفسه من تحديات .. تقوده قودًا إلى السلوك.. السلبي وسوء التصرف.. كالذي حدث!!
وهذا لا يعني أنني ألتمس العذر للطالب في اعتدائه على المعلم وفي عدم توقيره المدرسة والنظام العام...
ولكننا - من طبيعة العملية التعليمية -...نضع المعلم في موضع الأب الحنون الناضج... ونضع الطالب في موضع الابن الصغير ...وهكذا فإننا نهيب بصاحب العقل المميز الناضج الأبوي أن يتصرف بحكمة وصبر، تغالب الانفعالات.. وتدعو إلى التريث والتسامح والفطنة إلى دقائق الموقف وتقديره التقدير الحسن حتى يمكن تفويت الفرصة على الانفعالات السلبية أن تحكم الموقف... وتدفعه إلى ما لا يحمد عقباه!!
والغضب انفعال سلبي..كما رايناه في سلوك الطالبة ...وهو أيضًا انفعال سلبي ...في سلوك المعلم الذي قد يدفعه إلى إنزال العقوبة بالطالب. ككسر اليد.. أو ذهاب العين أو الوفاة أحيانًا... وهي حوادث معروفة ومشهورة!!
وماهو الحل..؟
لا يجادل أحد أن النظام والاحترام هما روح المدرسة.. والعملية التعليمية برمتها.
وإذا فقد النظام.. لم يتعلم أحد .. ولا كان له فرصة في خلق حسن أو شخصية سوية نافعة.. أو رجاء في نفع سواء للطالب او للوطن!
وغياب النظام في المدرسة، كما عرفناه وخبرناه ينعكس على كل شيء فيها حتى على حجارتها ومقاعدها..! ويتجرأ الطلاب على معلميهم ..ويفقدون الرغبة في التعلم..!!
وهكذا فعند حدوث مثل هذه الحوادث في المدرسة..فيجب أولاً فحص النظام فيها.. وغالبًا ما يكون سوء الإدارة وراء ذلك.؟!
فالمدير الذي يحب كرسيه.. ولا يغادر غرفة الإدارة.. والمدير الذي لا يعالج الشكاوي التي تصل من أي طرف من الأطراف في المدرسة...
والمدير الذي لا يبدي اهتمامًا بما يدور حوله إنما يحكم على النظام ..الذي يجب أن يكون بيده بالانفلات والضياع! وهذا مرض ما أن يحط في المدرسة حتى يسري في أوصالها كالنار في الهشيم .. تأتي على كل شيء!!
إنه لا يمكن قبول سلوك الطالبة على الإطلاق.. مهما كانت دوافعها. كان باستطاعتها الخروج دون النظر إلى سماح المعلمة، فقد كان ذلك أقل ضررًا مما فعلته..!
وكان يمكن أن تقدم شكواها للمديرة.. أو أن تقدم شكواها لولي أمرها.. ليتولى مراجعة المديرة في ذلك!!
ومن العلاج:
يجب نقل الطالبة من المدرسة.. على أقل تقدير!
ويجب كذلك نقل المعلمة.. مساعدة لها وحفظًا لمشاعرها مما حدث!
حدثني صديق لي قال: «دخل معلمي إلى المكان الذي أجلس فيه.. وكنت جالسًا على كرسي أتناول الشاي.. ومد يده.. ونظرت في وجه باسم..وعرفت أنه معلمي من خمسين عامًا...!
وأمسكت يده.. ولم أفلتها.. وقمت وأجلسته على كرسي مجاور وأتممت أنا السلام عليه وقبلت رأسه.. وقلت للحضور: إنه معلمي في ذلك الزمن البعيد السعيد.. ما كان يمكن لي أن أتم السلام عليه وأنا جالس وهو واقف!!
نعم إن المعلم يستحق كل تقدير واحترام.. وكذلك المعلمة!!
نشرت فى 4 ديسمبر 2011
بواسطة alfaresmido
الفارس أحمد عطا
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
115,358
ساحة النقاش