أحيانا يعتقد البعض أنه قد أسرف على نفسه في الملذات، وابتعد عن الطاعة، وتأخر طويلا عن اللحاق بركب الصلاح والتقوى، وقد يكون من أهل الطاعة، ولكنه يرى أنه ليس من أصحاب الإرادة والهمة العالية، وأعماله لن تصل به إلى أن يكون منهم.
إن هذا وذاك ينظرون خلفهم إلى السنوات التي ضاعت منهم، ويبكون عليها تارة، وتارة أخرى ينوحون، ثم ينضمون إلى صحبتهم من القانطين، الذين يعلنون بإصرار أنهم لم يعودوا قادرين على تغيير أنفسهم أو إضافة جديد لحياتهم؛ بحجة تقدمهم في العمر أو حسب تعبيرهم "إن القطار قد فاتنا".
غير أن الفقهاء المحدثين، والدعاة المنيرين يبشروننا بعكس ما يعتنقه هؤلاء الباكون على حالهم، ويخبرنا شيوخنا الأجلاء بأن باب التوبة مفتوح دائما، وبأن الاجتهاد الدؤوب قادر على تعويض سني عمرك الفائتة.
والكثير منهم يرون في شهر رمضان فرصة لتعويض ما فات، أو الارتكاز عليه ليكون قاعدة انطلاق لتعويض ما سبق، والاستفادة بما بقي من العمر.
بطل رغم التقدم في العمر
وعلى نفس النهج يمكننا أن نسير في كافة مناحي الحياة، وهذا ما عرفه العديد من البشر في كل زمان ومكان ممن رفضوا أن تهزمهم أعمارهم، بل يعتبرونها عاملا مساعدا لهم تمدهم بالخبرة والجلد، ويرون في أنفسهم دافعا على التطوير وإضافة الجديد، مثل خالد بن الوليد الذي نعرفه جميعا كسيف مسلول من سيوف الله.
خالد الذي شهد بداية الدعوة الإسلامية في مكة، ولم يفكر في الانضمام إليها، وبعد هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم حارب المسلمين والدعوة بضراوة، وكان سببا في اختلال زمام المعركة في أُحُد من أيدي الجيش الإسلامي في غزوة أحد، عندما التف بفرسانه حول جبل الرماة ووضع الجيش المسلم بين شقي الرحى.
خالد الذي لم يكن من السابقين إلى الدخول في الإسلام وتأخر إسلامه أكثر من عشرين عاما.. عشرون عاما من شروق شمس الإسلام سبقه خلالها من سبقه من الصحابة، فعشرات الرجال والنساء أسلموا في مكة، وفي المدينة ووصل العدد للآلاف، وابن الوليد لم يتخذ قرار إسلامه بعد!!
يصنع تاريخ جديد
إلى أن حانت لحظة الإيمان وأسلم قبل الفتح بفترة وجيزة، وعندما أسلم كان عمره قد تعدى الأربعين بعام تقريبا، وبدأت مهارته الحربية في الظهور في غزوة مؤته، ومن بعدها في حروب الردة أي أنه كان يقترب من الخامسة والأربعين عاما!!
ومع كل هذا لم يفر من المسئولية بحجة كبر سنه بالمقارنة بشباب الصحابة أهل السبق للإسلام، ولم يجلس في ركن ويبكي حظه، ويندم ندما سلبيا على تأخره في الإسلام، ولكنه اجتهد ليعوض سني عمره التي ضاعت بعيدا عن نصرة الدعوة لله عز وجل، فحقق في سنوات لا تتجاوز الخمس عشرة سنة ما يكفي أن تبقى ذكراه إلى الآن في قلوبنا وكتبنا.
وحتى كتب الأكاديميات العسكرية الكبري في العالم ما زالت تتذكر خالد بن الوليد وهي تدرس خططه في المعارك الحربية لطلابها.. فعل بطلنا كل هذا؛ لأنه لم يقف ليحسب كم عمره، ولكن تتطلع إلى ما يمكنه إنجازه، فحقق الله له ما أراد.
كفاك بكاء على ما فات
وبات اليوم هذا الفارس المغوار والقائد الشجاع معروفا لدى عامة المسلمين وغيرهم أكثر من العديد من كبار الصحابة الذين كانوا قد سبقوه إلى الإسلام، وأنت يا صديقي القارئ هل شعرت من قبل أنك تأخرت في تعلم مهنة أو علم تحبه؟!
هل بكيت يوما على إضاعتك لفرص عديدة من بين يديك؟!
هل أعلنت في خجل لنفسك أن قطار النجاح قد فاتك، وأنك لم تعد قادرا على تقديم الجديد؟
إذا كنت قد وقعت في هذا الشرَك من قبل، فاتركني أبشرك بأنك مخطئ، وبأن قطار الحياة ما زال بإمكانك اللحاق به على عكس ما تظن.
فقط ابدأ الآن ولا تنظر طويلا إلى ما فات، ولكن ركّز نظرك على ما هو آت، وتذكر ابن الوليد وإنجازاته، ولتخطو بخطوات حثيثة في الأيام المتبقية من رمضان لتعوض ما فاتك وتلحق بقطار النجاح، فما زال في العمر بقية..
نشرت فى 31 أغسطس 2011
بواسطة alfaresmido
الفارس أحمد عطا
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
115,373
ساحة النقاش