<!--<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0in 5.4pt 0in 5.4pt; mso-para-margin:0in; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->
إنّ مما يُسخط الناس على أنفسهم وعلى حياتهم، ويحرمهم لذة السعادة، أنّهم قليلوا الإحساس بما أسبغ الله تعالى عليهم من نعم غامرة، فيكونون ساخطين على ما في أيديهم، متغافلين عما وهبهم الله من نعم لا تعد ولا تُحصَى، فكثير من الناس يتلقون نعمة الله فلا يعرفونها ولا يعرفون قيمتها، بل لا يرون فيها إلا نقصاناً عن حقهم؛ حتى ليكاد الواحد منهم يصل إلى حد جحود النعمة وإنكار وجودها وقيمتها؛ لأنّه قصر نظره على جوانب منها في ظاهرها سلبية، وهي بحد ذاتها قيمة إيجابية، والذي يستغرق في النظر إلى سيئات الأمور يعمى في النهاية عن الإيجابيات التي منحه الله تعالى إياها، فأولى له أن يؤدي حق النعمة بشكر المنعم.
فكلما عظمت نعمة على عبد، عظم حق المنعم عليه بالشكر، إنّ العبد لن يبلغ درجة الشاكرين إلا إذا قنع بما رزق. قال الجاحظ: القناعة هي الاقتصار على ما سنح من العيش، والرضا بما تسهل من المعاش وترك الحرص على اكتساب الأموال، وطلب المراتب العالية مع الرغبة في جميع ذلك وإيثاره والميل إليه وقهر النفس على ذلك والتقنع باليسير منه، فالقناعة هي الرضا بالقسم (أي النصيب)، القناعة عرفاً الاقتصار على الكفاف.
- فضل القناعة:
1- لقد وجه النبي (ص) أُمّته إلى التحلي بصفة القناعة حين قال: "ارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس". وكان يدعو ربه فيقول: "اللّهمّ قنعني بما رزقتني، وبارك لي فيه، واخلف على كل غائبة لي بخير". والقانع بما رزقه الله تعالى يكون هادئ النفس، قرير العين، مرتاح البال، وأكثر دعة واستقرار من الحريص المتفاني في سبيل أطماعه وحرصه، فالقانع لا يتطلع إلى ما عند الآخرين، ولا يشتهي ما ليس تحت يديه، فيكون محبوباً عند الله وعند الناس، ويصدق فيه قول الرسول (ص): "ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس".
2- إنّ العبد القانع عفيف النفس لا يريق ماء وجهه طلباً لحطام دنيا عمّا قليل تفنى، وهؤلاء هم الذين مدحهم الله بقوله: (لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ) (البقرة/ 273).
3- والقناعة بعد هذا تمد صاحبها بيقظة روحية، وبصيرة نافذة، وتحفزه على التأهب للآخرة. بالأعمال الصالحة، وتوفير بواعث السعادة فيها، ومن الأسباب المؤدية للقناعة:
1- تقوية الإيمان بالله تعالى، وترويض القلب على القناعة، والرضا بما قسمه الله تعالى مع العلم بأنّه ما كان ليخطئني ما أصابني، وما كان يصيبني ما أخطأني، والاستعانة بالله والتوكل عليه والتسليم لقضائه وقدره.
2- النظر في حال الصالحين وزهدهم وكفافهم وإعراضهم عن الدنيا وملذاتها.
3- تأمل أحوال من هم أقل منا.
4- معرفة نعم الله تعالى والتفكر فيها، وأن يعلم أن في القناعة راحة النفس وسلامة الصدر واطمئنان القلب.
5- معرفة حكمة الله تعالى في تفاوت الأرزاق والمراتب بين العباد.
6- العلم بأنّ الرزق لا يخضع لمقاييس البشر من قوة الذكاء وكثرة الحركة وسعة المعارف، واليقين بأنّ الرزق مكتوب والإنسان في رحم أُمّه.
وفي حكم وقصص الصين القديمة أن ملكا أراد أن يكافئ أحد مواطنيه فقال له: امتلك من الأرض كل المساحات التي تستطيع أن تقطعها سيرا على قدميك، فرح الرجل وشرع يذرع الأرض مسرعاً ومهرولا في جنون، سار مسافة طويلة فتعب وفكر أن يعود للملك ليمنحه المساحة التي قطعها، ولكنه غير رأيه وقرر مواصلة السير ليحصل على المزيد، سار مسافات أطول وأطول، وفكر في أن يعود للملك مكتفيا بما وصل إليه، لكنه تردد مرة أخرى، وقرر مواصلة السير؛ ليحصل على المزيد والمزيد، ظل الرجل يسير ويسير ولم يعد أبداً، فقد ضل طريقه وضاع في الحياة، ويقال إنّه وضع صريعاً من جراء الإنهاك الشديد، ولم يمتلك شيئاً ولم يشعر بالاكتفاء والسعادة؛ لأنّه لم يعرف حد الكفاية (القناعة).
اللّهمّ قنعنا بما رزقتنا، وبارك لنا فيه آمين يا رب العالمين.
ساحة النقاش