الخوف المفرط عند الطفل يؤدي إلى إعاقة نموه
أي أم تحب طفلها, باعتباره أثمن ما لديها, لذا تشعر بأن عليها أن تحميه من أي أذى أو ضرر قد يتعرض له, ولكن الحماية الزائدة والخوف المفرط على الأطفال يؤدي إلى مشاكل نفسية يعاني منها الطفل وتفقده الاستمتاع بطفولته واكتسابه مهارات جديدة تساعده على تنمية شخصيته المستقبلية وهذا ما أكدته أحدث الدراسات التربوية
حيث أوضحت الدراسة أن الإفراط في حماية الأطفال ربما يكون سبباً في إعاقة نموهم الطبيعي وفرض قيود أمنية بدافع الخوف عليهم مما قد يحرمهم من ممارسة طفولة طبيعية, ويؤكد خبراء تربية الأطفال أن عدم السماح للطفل بأخذ زمام المبادرة والمغامرة من شأنه إعاقة اكتساب مهارات مهمة قد يحتاج إليها في حماية نفسه وتكوين شخصية تعتمد على نفسها في جميع مراحل النمو.
ويرى " تيم جيل " خبير تربية الأطفال : أن مواجهة بعض المشكلات التي تعترض الأطفال تتيح لهم اكتساب مهارات التكيف وتنمية حس المغامرة لديهم وتطوير روح المبادرة والاعتماد على النفس.
ويؤكد جيل أن هذه الدعوة ليست من أجل تحرير الأطفال من كل الضوابط والقيود بغير شروط لكنها من أجل الحفاظ على سلامة الأطفال النفسية.
البنية النفسية للطفل .
ويتفق مع الرأي السابق د. حسين عبد القادر أستاذ علم النفس بكلية الآداب جامعة عين شمس بالقاهرة فيقول : إن كثرة الخوف على الأطفال قد يؤدي إلى أثر غير طيب في البنية النفسية للطفل, فالطفل في أيامه الأولى ينشأ على يد الأم ثم يدخل الأب في محيط رؤية الطفل تدريجياً ثم يتأثر بالمحيطين من الكبار ويتعلم من تصرفات المحيطين به ولذلك إذا تصرف الأب أو الأم بخوف وقلق غير طبيعيين فهذا ينعكس على تصرفات الطفل, مما يخلق منه شخصية هشة, وكما يردد دائماً علماء النفس أن المرض النفسي للشخص يبدأ منذ الطفولة, فالطفولة هي التي تخلق البؤرة التي يرجع إليها الطفل عندما يكون في سن البلوغ ومرحلة الشباب وما يليها من مراحل أخرى فيلجأ إلى حل مشاكله بطريقة طفولية كما تعلم من الآخرين مما يجعله شخصية هشة غير مفيدة لذلك يجب أن يتعلم الأبوان كيفية حجب الخطر عن أبنائهما ولا يزرعا فيهم بذرة الخوف عبر سلوكهم الخائف باستمرار, حتى إذا شعر أحد الأبوين بالخوف على الطفل يجب ألا تظهر هذه المخاوف أمام الطفل إلا عند الضرورة.
الحواديت المخيفة .
كما يرى د.عادل المدني أستاذ الطب النفسي بكلية الطب جامعة الأزهر : أنه في مراحل الطفولة الأولى يكون الطفل غير خائف لأنه لا يدرك جيداً عواقب الأمور لذلك قد يرى نفسه في مكان عال دون الخوف, ويبدأ الطفل منذ سن الرابعة من عمره في إدراك المخاطر المحيطة به, وذلك من خلال المقربين منه وهنا تبدأ بداخله عملية ربط داخلية بين الأشياء والمخاوف فما دام الكلب مثلاً يعض إذن كل الكلاب تعض ومن هنا يخاف من كل الكلاب والقطط وبعد ذلك في مرحلة عمرية أكبر يبدأ الطفل في عملية الربط الموضوعي بين الخوف والأشياء المحيطة به.
ويؤكد د. عادل أن الطفل الأكثر ذكاء هو الذي يستطيع أن يوازن بين الأمور بشكل صحيح, ولا يعمم نظرية الخوف من كل شئ وعلى الأباء والأمهات ألا يقوموا بتخويف أطفالهم بالحواديت والأساطير المخيفة كما يجب عليهم إذا شعروا بالخوف من شئ ما أن يحترسوا أمام الأبناء لأنهم يكتسبون سلوك الخوف منهم ولا يجب فرض مخاوف معينة على الأطفال لأن ذلك يرجع إلى أسباب شخصية تختلف من فرد إلى آخر مع الأخذ في الاعتبار أن هناك مخاوف عامة كالنار والأماكن المرتفعة والحيوانات المتوحشة حتى لا يضع الطفل نفسه في مأزق, أما إذا كان الخوف من أشياء كالقطة مثلاً أو أي حيوان صغيرفيجب أن نخلصه من هذه المخاوف عن طريق الرسم بأن نرسم له قطة مثلاً أو أي حيوان صغير أو عصفوره ونجعله يلونها بنفسه مما يمحو الخوف من داخله وحتى ينظر إلى الحياة بشكل أفضل.
سياسة التخويف .
وتشاركهم الرأي د. سميحة نصر أستاذة علم النفس بالمركز القومي للبحوث فتقول : دائماً ما ينعكس خوف الأم على طفلها في صورة تحذيرات مباشرة تبث في نفسه الخوف من الإقبال على أي شئ, حيث من السهل جداً أن يصير الخوف طاغيا متمكنا من عقل الطفل إذا ما تابعنا التلميح والإيحاء له بإمكانية تعرضه للخطر, وتشير د. سميحة إلى اتباع بعض الأباء لأسلوب التخويف والتنبيه المباشر حتى لا يصيبهم الأذى ويعتاد الطفل على سماع عبارات محددة مثل : لا تتسلق الشجرة لئلا تقع, سيخطفك الشحاذ إذا خرجت من البيت, إذا أكلت الحلوى ستصاب بالمرض, سوف تتركك أمك وحيداً إذا كنت شقياً, وغير ذلك من عبارات التخويف, وقد يكون هذا التحذير وسيلة مؤقتة للتهذيب لكنها ليست ذات أثر طيب في غرس السلوك الحميد.
وتضيف: فليتذكر الأباء أنهم إذا ما ربطوا عنصر الخوف ببعض المواقف أو الأشخاص أو الأشياء بهدف إخافة الطفل أو إرهابه فإنهم لا يلحقون به ظلماً كبيراً فحسب بل إنهم في ذلك يحطمون ثقته بوالديه, لذلك يجب ألا تكون انفعالات الأطفال مجالاً للاستغلال والاستخفاف لأن ذلك لا يقل خطورة عن العبث بإحدى حواس الطفل التي يجب على الوالدين العناية بها والمحافظة عليها.
وتنصح د. سميحة الأباء والأمهات أن يعملوا على تنمية قدرات ومهارات أطفالهم من أجل الحفاظ على صحتهم النفسية عن طريق توجيههم المستمر وإعطائهم معلومات متجددة باستمرار بدلاً من حبسهم في إطار من الخوف مع الأخذ في الاعتبار تعليم الطفل الصواب والخطأ حتى يتمكن من اتخاذ القرار السليم بدلاً من فرض مخاوف كثيرة حول الطفل مما يعوق نموه النفسي والجسدي أيضاً, ويجب تشجيع الطفل على المغامرة المحسوبة العواقب بدلاً من سجنه في إطار من الخوف المستمر كي نصنع منهم قادة للمستقبل القريب.
ساحة النقاش