أصل الفعل الدرامى المشاهد
الفعل الذى يرى هو جوهر الفرق الكبير بين القصة القولية الروائية والقصة الفعلية الدرامية.
- القول يسمع أو يقرأ
- الفعل يشاهد ويرى
بالاختصار الشديد وليس كما أسرفنا بالتوضيح والتبيان فى الكتاب ( أسس وقواعد الدراما من القرآن الكريم ) نعرف الفعل الحقيقي الحق القويم ونقول ، جميع رسالات الأنبياء كانت فعل حقيقي وهو الفعل اليقين ، فكل رسول وكل نبي من البشر أرسله الله لمجموعة من البشر وسيدنا محمد للجميع ، أرسلهم الله برسالة تنحصر فى حاجة عظيمة وهدف نبيل ،
واستغرق الفعل عددا من السنين ، وهذا العدد هو الطول المعقول للرسالة ،
الفعل الحقيقي يبدأ منذ أن يكلف الله النبي ويحدد له حاجته وهدفه ، وما أن يتمهما ينتهي الفعل .
وهذا باختصار مقصدنا وأصل الفعل الحق الحقيقي الذى يفترض أن يكون أصل الفعل الدرامي الذى يصنعه المؤلف والمخرج والممثلين بمثل هذا الفعل فى عظمة وفى تشابهه مع الواقع بحسن صنعة ونبل هدف.
وليس شرطا أن يكون بطل الفعل نبيلا وفاضلا حتى يكون الفعل نبيلا وبديعا.
الله القوة العليا يخلق فعل حقيقى ونحن البشر( مؤلف مخرج ممثل ) نخلق فعل تشبيهى مستغلين القدرة الإلهية فى عملنا ، فالمؤلف مستخلف عن الله ويكتب بقبس منه وعليه أن يخلق دنيا نشاهدها كما خلقها الله بحسن صنعة على سبعة أسس .
وفى سيرة سيدنا محمد (ص) الفعل الحقيقى الحق يبدأ منذ أن قال له :
{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ } [ العلق1]
واستغرق الفعل حوالي ثلاثة وعشرون سنه حتى اتمه وحصل على حاجته وحقق هدفه ، وصل إلى النهاية التى قال الله له فيها على
{... الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً ...} [المائدة 3]
وفى يوسف ( قولية ) منذ أن قال :
{إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ } [ يوسف4]
حتى حصل على حاجتة بالمنزلة العليا ، وحقق هدفه بأن سجد له ابويه واخوته ، وكانت النهاية
{وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّداً وَقَالَ يَا أَبَتِ هَـذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ } [ يوسف100]
قلنا فى كتاب ( أسس وقواعد الأدب والرواية من القرآن الكريم ) وأثبتنا أن القصة نوعان ، قصة قولية روائية حدثت وما حدث لا يعود إلا قولا يحكى بالأخبار والتعريف , لما حدث عن طريق القص المكتوب كما فى قصص الانبياء ، وتبقى سيرة سيدنا محمد هى الفعل الحقيقى الذى لم يقص وسيظل على حاله فعل حقيقى إلا أن تقوم الساعة ، والأنبياء السابقين ايضا ولكن عند اقوامهم من اليهود والمسيحيين لأن قصص انبيائهم عندنا هى سيرة عظيمة عندهم وليست قصة تحكى .
وهنا نصل إلى النوع الثانى من القص وهو القصة الفعلية الدرامية المشاهدة التى تحكى بالصوت والحركة والصورة والاسماع بغرض المشاهدة ، والفعل من طبيعته أن يكون مشاهدا من قبل مجموعة من الناس , لأن القائم بالفعل لا يعيش بمفرده بل فى وسط أناس آخرين على الأقل المقربين منه يشاهدونه ويعرفون عنه الكثير ، والفعل من طبيعته أنه لا يحدث إلا فى الحاضر وأداة تحقيقه فاعل ،
والفعل فى أبسط معانيه وتعريفه هو كل ما يقوم به فاعل من عمل ومن طبيعة الفاعل الحق المقصود الحتمى هو الإنسان كائن اجتماعي بطبعه ، ومن طبيعة الإنسان أن يعمل فى وسط آخرين فيصبح عمله مشاهدا من قبلهم حتى العبادات.
ما الفعل المشاهد الذى يصلح لأن يكون فعلا فنيا دراميا يشاهد ؟!
القصة لها خصوصيتها وعالمها وعلمها الذى لا يتحقق إلا من خلال ، أسس ، وقواعد ، وأصول ومكونات ، وقوانين ، ،ومعايير ، وشروط ، وأهداف ، وعندما يخضع الفعل المشاهد الحقيقى الواقعى أو ما يكتبه المؤلف للشروط والقوانين والأسس والأصول والمعايير التى سبق ذكرها ، ويحوله مخرج من مجرد كلام على الورق أو شخوص فى الواقع يعيد انتاجها بعمل تشبيهى بعد أن يكتبه المؤلف حسب أصول الكتابة الفنية ، حينها يصبح الفعل فنى يشاهد من قبلنا نحن بعد أن تحققت له الصلاحية الفنية الجمالية والأدبية .
لأن القصة الفعلية الدرامية لها خصوصيتها وطبيعتها والفعل فيها لا يتحقق إلا عندما تكون الشخصية التى تقوم بالفعل ذات واعية تملك عقلا فى القلب وعقلا فى المخ ولا يتمتع بذلك غير الإنسان ، ولها حاجة تريد الحصول عليها ، ولها هدف تريد تحقيقه ، حينها يكون ذلك بداية الفعل الدرامى .طبيعة الفعل المشاهد الدرامى أن يكون قضية أو إشكالية أو تأزما من شأنه أن يشدنا بمجموعة الروابط التى سبق تناولها , والتى تعتمد على العواطف والمشاعر والأحاسيس والغرائز وغيرها ، التى تربطنا بما نشاهده ويؤثر فينا تأثيرا كبيرا ،
آية ذلك هذا المشهد من الأمر الرباني من الله والذى يطبق فى بعض الدول
{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ } [ النور2]
هذا هو الفعل الدرامي الواحد - سواء كان مشهدا واحدا أو مجموعة من المشاهد - المطلوب لبناء القصة الفعلية المشاهدة ، هذا مشهد كامل تام وله بداية وعقدة وحل ، ولكنه لا يكفى أن يكون قصة لها طول تحقق الإمتاع منه ، ولو وضعناه فى مشاهد القصة سيكون مشهدا من أهم مشاهدها، وهذا الفعل تنفذه دولة مثل السعودية وربما غيرها0 ولو أردنا الوقوف على حقيقة هذا المشهد ووضعناه فى سياق قصة درامية فعلية لا يكون إلا مشهد النهاية لقصة مأساة سوداء بطلها من أصحاب النفس الأمارة بالسوء ارتكبا الزلة وهما قاصدان وعامدان ومتعمدان , فلذلك حق عليهما العقاب ، كما قطعا بداخلنا نحن المشاهدين أى عطف أو شفقة أو خوف أو رحمة أو رأفة أو تضرع لله من أجليهما ؛ لأنهما ارتكبا الزلة بإرادتهما الحرة فاستحقا العقاب ، وهى نهاية مأساة مؤلمة محزنة مفجعة لهما ، مفرحة سارة لنا نحن المشاهدين ؛ لأن الظالمين والمعتدين والمستبدين والخارجين عن طاعة الله والفاسدين للمجتمع وللناس ، قد تحقق فيهما عدل الله ، وأخذا عقابهما الذى يستحقون0 ويكون عبرة وعظة لنا نحن المشاهدين بإثارة الخوف والترهيب لنا حتى نتجنب الوقوع فى مثل هذا الفعل المشين ، وتشنيعًا وزجرًا وإهانة وعظة واعتبارًا للذين ارتكبوا الفعل نفسه0
هذا المشهد يعتبر لبنة من لبنات بناء القصة ومشهدا من مشاهدها0
قد بينا مقصدنا من الفعل سواء حملناه على محمل الجمع أى أن القصة تتكون من أفعال ومن مشاهد تشاهد ، أو حملناه ووضحناه على محمل الفعل المفرد الواحد حتى نبين أن الفعل الواحد مشهد واحد سواء كان متواصلا أو متقطعا0
وما سنتبعه ونسير عليه حتى نتجنب الغلظة فسنقصد بالفعل الجمع لا المفرد ويصبح تعريف القصة الدرامية أنها فعل يشاهد ، تام كامل عظيم واقعى متحقق0
الفعل التام
ما يتوجب عليه قطع وتخطى سبعة أطوار بعمل جاد للقائم به تمكنه من الحصول على حاجته وتحقيق هدفه الحتمى ، سر وجود ونشوء الفعل نفسه الذى يضفى عليه النبل والعظم والاحترام والتقدير والتوقير وهى : بداية ، وابتلاء ، وزلة ، وعقدة ، وانفراجة ، وتعرف ، ونهاية 0
الفعل التام المكون من البداية التي لا يسبقها شيء ولكن يتبعها شىء آخر يبنى عليها أو تكون مسببة له بالضرورة ، و الابتلاء ما يسبقه شىء يكون هو نتيجة له ويعقبه شىء آخر ينتج عنه بالضرورة لا رفاهية ، والزلة تنشئ تأزما و تتولد من شىء يسبقها ، وتعقد شيئا يلحقها ، و العقدة تكون نتيجة لأحداث تسبقها بالحتمية ، ويتبعها شىء آخر بالضرورة ، وتكون الانفراجة لشيء قبلها تكسره وتسهله لما بعدها حتمى الحدوث ، ويكون التعرف ويبنى على شىء قبله مأزو أشد تأزم ومجهول إلى شىء ميسر معلوم ، والنهاية التى تكون لأشياء قبلها ولا يتبعها شىء بالضرورة الحتمية ، فقد ولى زمن النهايات المفتوحة ، فإن لم يكن المؤلف بارعا فى وضع النهايات وحل ما يطرحه من مشكلات ، فمن الذي سيحل أو له القدرة على الحل ؟! إذا كان المؤلف لا يعرف حل ما عقده ، فنحن لسنا بصدد فزورة ولا يجب أن تكون كذلك على الإطلاق ، وكيف يبدأ القصة إذا كان لا يعرف النهاية ، إن النهاية تكتب فى ورق منفصل ، قبل أن يبدأ فى كتابة القصة نفسها ، إذ كيف تستقل قطارا وأنت لا تعرف إلى أى الأماكن أو المدن تذهب ، هل نعرف نحن؟
الفعل الكامل
ما يستوفى قوانينه الملزمة بسبعة أطوار تسمح بتغير حال القائم به من حال إلى حال ، من الضعف إلى القوة ، من العسر إلى اليسر ، من الحزن إلى الفرح 0 وانقلاب من حالة إلى عكسها ، من الجهل إلى العلم ، ومن الكراهية إلى الحب ، ومن الفشل إلى النجاح ، ومن الزلة إلى التوبة ، ومن الامتحان إلى النتيجة [ وهم من خصائص الفعل المأسملهاة ]
الفعل الممتع
ما له طول يستغرق عمله وقتا طويلا متغيرا مشمولا بغموض وإثارة وتشويق وإبهار ، ومجمل بمجموعة من الجماليات للشخوص القائمة به ، والأمكنة التى يجرى فيها ، من خلال مشاهد متتالية تفصح وتكشف عن مضمون القصة جزءا جزءا مما يحقق الغاية منه بإحداث الإمتاع ، الذى يراوح فيه القائم بالفعل الصعب الشاق الذى يريد أن يحصل على حاجته ويحقق هدفه ، من البداية التى تكون نية ومقصدا القائم بالفعل ومن أجله يفعل ويعمل ، إلى الحد الذى يحول فيه هذه النية إلى حقيقة بحصوله على حاجته وتحقيق هدفه وتكون النهاية ، وما بين النية والتحقيق يقطع البطل رحلة شاقة وطريقا صعبا غير ممهد على الإطلاق ، يراوح فيه ويتقلب ما بين الحزن والفرح ، ومن العسر إلى اليسر ، ومن الغموض إلى الوضوح ، ومن المستحيل إلى الممكن ، ومن غير المتوقع إلى المتوقع ، ومن التمهيد إلى المواجهة ، ومن اللين إلى الشدة ، ومن العجز إلى المقدرة ، ومن الشقاء إلى السعادة 0 فى فترات زمنية تسمح بكل هذه المراوحة بين الأفعال ونتيجتها الحتمية أوالمحتملة ، وهو مبعث الإقناع والإمتاع والتصديق والتعليم ، مع المحافظة على عدم الإسراف فى الطول غير العادى حتى يستطيع العقل إدراكه وفهمه واستيعابه , ليعينه على التعلم بما جاء به من فكر وفلسفة ونصح تغلفه الأفعال المتواصلة ، ويحقق أكبر قدر من التسلية والتسرية والتعلم والعظة 0
الفعل العظيم
هو القضية الكبرى التى يتناولها المؤلف ويريد طرحها ليفندها ويعريها ويكشف خللها ، ويصوغ حلولها من خلال عقيدته ومعتقده ، هو الرسالة التى يجب على البطل أن يحققها ، من خلال الحاجة المطلوبة له والتى يسعى لتحقيقها ويحصل عليها فى نهاية القصة ، وكذلك يحقق الهدف الذى من أجله يفعل منذ البداية ، والذي يحققه هو البطل لأنه حاجته هو وهدفه هو ، ورسالة المؤلف وفلسفته ومعتقده الذى يصوغه ويدشنه لنا فى نهاية المطاف - أى القصة لنأخذ به - إن كان حسنا ، أو ينهانا عن قبيح ويرهبنا لتركه ؛ لأن الخوف هو العامل المؤثر القوى الذى يردع عقل المخ المتحرر، الذى لا تحده حدود ، ولا تردعه قوى ، غير الضغط عليه من قبل المشاعر والأحاسيس المتولدة من القلب من جراء الخوف والتهديد ، المرسلة بقوة من عقل القلب الذى ليس له سيطرة تامة كاملة على عقل المخ ، إلا من خلال الترهيب والتخويف والتهديد التى تجبر عقل المخ على الاستجابة اتقاء العقاب المتخيل بالقياس ، فيحدث وينتج ويحقق الأمن الذى يشفى الفؤاد0
الفعل الواقعي
يتحقق فى مكان وزمان ما بشخوص يعملون على سطح الأرض بما تشملها ، أو فى الفضاء ، شرط الإقناع والمعقولية ، بفعل حقيقى تماما يقوم به ممثلون مهرة يجيدونه تمام الإجادة ، وهو مناط الواقعية التامة ، لأن الفاعلين أناس حقيقيون ، وما داموا يستطيعون فعله فهذه هى الواقعية المرجوة التامة العظيمة ، وحتى فى مشاهد الإبهار الذى لا غنى لأى قصة عنه ، والمبنى على المستحيل الذى سيكون ممكنا لمقدرة البطل على تحققه ببذل مجهود غير عادى ، وإلا لماذا نتوجه بطلا؟ّّ!! ، وتنفيذه من مخرج لديه الإمكانية والخيال الخصب لتنفيذ المستحيل إلى ممكن ، ولا يعدو أن يكون ذلك فكرا يضاف إلى فكر المؤلف ، لأن الفكر لا يكون إلا للمؤلف فقط ، وليس من حق المخرج ولا المنتج ولا الممثل أن يتدخل فى فكر المؤلف ماداموا قبلوا واختاروا قصته التى هى فكرته الخالصة ، وهبوا يصنعونها بحرفية ويحولون المستحيل إلى ممكن مقنع 0 ومشهد الإبهار لابد منه لأنه فرض على المؤلف ليحملنا نحن على الصلاة على الأنبياء ، وهذا ليس رفاهية من المؤلف أو المخرج أو أى واحد آخر بل هو شرط من شروط القصة ؛ لأنه يجعلنا نؤدي نوعا من العبادة نثاب عليها ونحن نشاهد عملهم مما يشعرنا بنوع من الراحة المخلصة من تأنيب الضمير أننا نضيع وقتنا وننصرف عن العبادة 0
الفعل المتحقق
يأتي من خلال المخرج والمنتج والممثلين والفنيين الذين يقومون بالفعل بتنفيذ عملى لمشاهد القصة ، سواء كان بعرض مباشر مثل المسرح ، أو عرض غير مباشر مثل السينما والتليفزيون ، شرط المشاهدة من قبل مجموعة منا نحن المشاهدين0
من كتاب أسس وقواعد الدراما من القرآن الكريم
يباع لدى مكتبات
المكتبة الازهرية ، حراء ، الكيلانى ، الأنجلو ، وامام اكاديمية الفنون
ساحة النقاش