كيف كتب الله القصة
وهى من قصة يوسف التى وصفها أنها من أحسن القصص ؛ لانها اشتملت على علم القصة القولية بكل انواعها واجناسها واصنافها من قصيرة ورواية وملحمة وقومية .
البداية
بداية البداية
{إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ }يوسف4 ]
حدث مثير ومبهر ومدهش وجذاب ومشوق وممتع ، لشخصية عظيمة ونبيلة له حاجة كبيرة يريد أن يحصل عليها ، وهدف نبيل يريد أن يحققه
{قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ }يوسف5]
ولكن الشيطان ومن على شاكلته من الناس عدو لدود.
{وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }يوسف6 ]
لمن يؤمن بالله ويسلك الطريق المستقيم وله هدف عظيم يريد أن يحققه
{إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ }يوسف8]
يختلف عن هدف آخرين فتنشأ المشاحنة والمجابهة والبغضاء والصراع ، من تتعارض حاجاتهم وأهدافهم عن حاجته وهدفه ، وهم أقل شأنا ومكانة متواضعين ليسوا بالنبل الكامل ولا الوضاعة التامة ، من حقد وكراهية ونقص يحركهم ، وتكون المفارقة أن الصراع يشب من أقرب الناس إليه
ذروة البداية
{اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِينَ } يوسف9]
فيتآمرون عليه للوقيعة به وإبعاده عنهم بأى طريقة من الطرق ، أو التغلب عليه فى مكان معلوم فيتولد لدينا الخوف
{قَالَ قَآئِلٌ مَّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ }يوسف10]
فيضعون له العقبة تلو العقبة فى طريقه
{ قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ{11} أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ{12} قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُواْ بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ{13} قَالُواْ لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذاً لَّخَاسِرُونَ{14} فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَـذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ{15}
ويبدأون فى استعمال الدهاء والمكر والحيلة ، بأن يظهروا له أنهم سيساعدونه فى الحصول على حاجته وبلوغ هدفه وهم يقصدون غير ذلك تماما ويتغلبون عليه فى مكان مجهول يصعب عليه العودة منه ، ويضعونه فى أزمة كبرى، يهددون حياته – فنخاف عليه - فيصبر ويحاول الخروج منها، ويتلمس الأسباب والسبل الممكنة المحتملة أمامه وفى حدود مقدرته العقلية والجسدية ويعمل جاهدا للتغلب عليها
{ وَجَاؤُواْ أَبَاهُمْ عِشَاء يَبْكُونَ{16} قَالُواْ يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ{17}
بينما هم يتظاهرون كذبا بالحزن عليه ، وهم فى الحقيقة سعداء لأنهم انتصروا وتغلبوا عليه
{وَجَآؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ{18}
ظنا منهم أنهم نجحوا فيما خططوا ودبروا له
{وَجَاءتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَـذَا غُلاَمٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ{19}
وتحدث المصادفة المفرحة ، ويسخر منهم القدر – فنضحك عليهم - حيث محتاج يريد الحصول على حاجته ، ومن غير أن يقصد يساعد محتاجا آخر من أرادوا الوقيعة به فيكون سببا فى مساعدته ونجاته ، وتكون فرجا وسعادة له ، ولكن السعادة لا تدوم ، حيث تحدث المفارقة العجيبة ويكتشفون نجاته
{ وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ{20}
فيتآمرون عليه مرة أخرى أنكي وأشد ، أن من ساعده فى الخروج من أزمته يكون هو نفسه سببا فى شقائه بوضعه فى ورطة أكبر، فيصبر ويحتسب ويستسلم لأنه لا يستطيع المواجهة فقد نجا من الموت ، ولو واصل صراعه وهو لا يقدر على المواجهة فليس ببعيد أن يتغلبوا عليه هذه المرة ، وتحدث المفارقة مرة أخرى أن من كان سببا فى شقائه وورطته....
نهاية البداية
{ وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ{21}
يكون سببا فى سعادته ، حيث يجد نفسه يقترب كثيرا من الحصول على حاجته..
الابتلاء
بداية الابتلاء
{ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ{22} وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ{23}
ابتلاء فى أخلاقه وقيمه وقوة عقيدته ومدى تحمله ، وفى نفسه وعزيمته فينزع إلى الصواب
{ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ{24} وَاسُتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءاً إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ{25}
وتحدث المفاجأة أن من يكون سببا فى مساعدته فى الحصول على حاجته من غير أن يدرى ويضع فيه ثقته 0 يجد نفسه متهما بالخيانة مع أقرب الناس لمن أولاه ثقته وعطفه وكرمه ومساعدته
{ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ{26}
فيحاول الدفاع عن نفسه ؛ لأنه بريء لم يخن من أحسن إليه ، ويفعل المستحيل من أجل إظهار براءته من تهمة الخيانة ، ويجد حكما أمينا ويرضى بحكمه
{ وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ{27} فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ{28}
فتظهر براءته ويشهد من أحسن إليه بذلك
{ َإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ{27} فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ{28}
ولكن تحدث المفارقة من أن آخرين يتدخلون ويفسدون عليه هذه البراءة بإشاعتها وتأكيدها عند أكابر القوم ، فتكبر الفضيحة حتى تسبب له أزمات جمة من أنها تعوقه فى الوصول إلى حاجته ، بل تسد أمامه كل الأبواب المفتوحة ، فيصارعهم ويحاول دفع الأذى عن نفسه
{ فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّيناً وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا هَـذَا بَشَراً إِنْ هَـذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ{31}
ولكنه يجد التكالب عليه من كل صوب ، مجبرا أن يواجه الجميع مع أنه لا يمتلك شيئا إلا أنهم يطمعون فيه
ذروة الابتلاء
{ قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِّنَ الصَّاغِرِينَ{32}
ويحاصرونه من كل جهة ، ويجبرونه لسلك طريق آخر يبعده كل البعد عن حاجته وهدفه ، فيضطر لاختيار الصعب ، فليس أمامه غيره
نهاية الابتلاء
{ قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِّنَ الصَّاغِرِينَ{32} قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ{33} فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ{34} ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ{35} وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانَ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْراً وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ{36}
ويحاول أن يجتهد بعلمه وخبرته وخلقه ويفعلها عساها تساعده فى الوصول إلى حاجته ، وتفتح له طريقا ينفذ منه ويخرج من ورطته ، ويلتمس طريقه الصحيح الذى رسمه نحو غايته ، فيجد من يحتاج إليه فيما هو بارع ومتفوق فيه ، فيمد لهم يد العون والمساعدة
{ قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ{37} وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِـي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَن نُّشْرِكَ بِاللّهِ مِن شَيْءٍ ذَلِكَ مِن فَضْلِ اللّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ{38}
ويقول ما يستطيع قوله فى الوقت المناسب من نصح وإرشاد وفكر من عقيدة سماوية يدعو بها الآخرين مأزومين مثله ، عساها تفرج عنهم همهم وورطتهم ويتضرعون مثله لمن بيده الأمر من قبل ومن بعد
{ يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ{39} مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ{40}
وهو الله الذى لا تجوز العبادة إلا له وهو مفرج الكروب وقاضى الحاجات
{ يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً وَأَمَّا الآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِن رَّأْسِهِ قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ{41}
ويعمل من أجل ذلك المستحيل ، ويحاول أن يستغل أى أمل يجول أمامه يساعده أو حتى يقربه من الحصول على حاجته ، فيستعمل ذكاءه وعلمه وخبرته وكل ما يمتلكه من أدوات 0 ويحوز ثقة الآخرين الذين يعرفون عنه ما يمتاز به ، ولكن لا يقدمون له شيئا ، فيلتبس عليه الأمر ويتسرع ويأتي...
الزلة
بداية الزلة
{ وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ... {42}
يطلب العون والمساعدة من دون الله ، ومن واحد مثله يظن فيه الخير ويأمل فى أن يساعده بأى طريقة من الطرق المتاحة أمامه ..
ذروة الزلة
فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ ...} وخاصة أنه يعرف أن من طلب المساعدة منه يعرف شخصية كبيرة فى الحكم بيدها الأمر إن أخبره عن الظلم الذى تعرض له وعما يمتاز به عن غيره
نهاية الزلة
{ ... فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ... }
ولكن من طلب منه المساعدة ينسى ، فتناله الآلام والمعاناة ، وتكون
العقدة
بداية العقدة
{ ..... بِضْعَ سِنِينَ {42}
ويصبح فى عقدة كبرى ، فهل بعد السجن من عقدة ، وما أدراك ما السجن ، ففيه حبست حريته ، وأصبح مقيدا عن فعل أى شىء فلا يستطيع التقدم قيد أنملة ، فهو لا يمتلك قراره ، وليس أمامه أى اختيار غير الصبر والتضرع واللجوء إلى الله حتى يفتح له طريقا ، أو يسبب له سببا يفتح له بابا ليخرج من السجن أولا ، وثانيا يعاود المجابهة للحصول على حاجته وهدفه الذي توقف تماما ، وأبعد عنه فلا طريق أصلا أمامه يسلكه ، أيا كان هذا الطريق ، فما بالك أن من أدخله السجن ؟ وزير، وبنت أخت الملك ، فهل له مخرج وهو على هذه الحالة؟ إنه تعقيد تام كامل ليس فيه شىء من الحتمية على الإطلاق ، وما يتبقى شىء من الاحتمال الذي نعرفه نحن ويجيده يوسف نفسه وبراعته فى تفسير الرؤيا ، هذه هى أداته الوحيدة ، فمن يعرف عنه ذلك أصلا !! وإن عرف فهل يمتلك المقدرة على إخراجه من السجن؟! الذي أدخله وزير ، فمن الحتمى أن من يستطيع إخراجه منه لا يكون إلا من هو أقوى وأعلى من الوزير ، وله صلاحياته ، ملك مثلا أو رئيس تمنحه سلطاته الدستورية وتمكنه من ذلك ، فهل يحدث ذلك!! ويوسف أعلى سلطة دينية وهو مستغرق فى هذه العقدة ، وعقدة بعقدة فمن يساوى يوسف فى السلطة الدينية ، لا أحد ، ولكن هنالك سلطة دنيوية يمثلها ملك مصر أعلى سلطة دنيوية - هذه هى المثانى المفردة فى الأسماء نوعها تقابل– يوسف والريان ، سلطة بسلطة ، أعلى بأعلى ، عقدة بعقدة – الكل متساو ولا احد مستثنى - فما هى عقدة الملك؟
ذروة العقدة
{ وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ{43}
منَّ يعول عليه حل مشكلته هو الآخر فى ورطة كبرى وعقدة مستحكمة
نهاية العقدة
َ{ قالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلاَمِ بِعَالِمِينَ{44}
ولا أحد يستطيع أن يحل له هذه المشكلة التى تواجهه ويخرجه من عقدته وهو الذى يمتلك كل الإمكانات فى تقابل بديع وغريب ، حيث يصير المحتاج المأزوم الضعيف الذى لا يمتلك أى شىء إلى محتاج مأزوم يمتلك كل شىء ، ولكن تتعقد الأمور أمامه أيما تعقيد ، ولكن حل مشكلة الشخصية الكبيرة بيده ولكن من يعرفه عليه ؟!! الله أكبر الله أكبر الله أكبر ، ها هى المثانى مرة أخرى ، مثانى مفردة نوعها تقابل : عبد وحر ، فمن الذي يحتاج إلى الآخر ؟!! سيقول الجميع العبد ، ولكن انظر إلى عدل الله وكيف يكون التساوي والتكامل ، فالكل عبيد له وحده جل شأنه وهو المتصرف وحده لا شريك له ، العبد يحتاج إلى الحر ، والحر يحتاج إلى العبد وحل عقدة العبد عند الحر ، وحل عقدة الحر عند العبد ، وأعلي سلطة دينية وأعلي سلطة دنيوية يحتاجان إلى الأقل منزلة ومكانة وفقرا إنه خادم - يا سبحان الله - هو الله الواحد الأحد الفرد الصمد لا شريك له ولا ولد ، وقد عبرت بالعبد ليوسف لأنه لا يملك حريته فهو مازال فى السجن ، وهو الذى يستعمل كل أدواته وما يملك من علم وخبرة وحيلة ودهاء ومكر، فلا يستطيع ، ولكن من الذي يعرفهما على بعضهما البعض ؟؟!! من الذي يحدث بينهما التلاقي ؟!! من الذي يمتلك المعرفة بين السجين والحر ؟!! إنه ساقي الملك ، ولكن ساقي الملك الذي كان مع يوسف فى السجن وعاد إلى عمله فى بلاط الملك أنساه الشيطان هو الآخر ويحتاج إلى الله لكى يتذكر ، من يستطيع حل العقدة للاثنين ؟!! يوسف يسلم الأمر لصاحب الأمر والتصريف يتضرع إلى الله ويرجع الفضل إلى الذي بيده كل شىء - فنشاركه حيرته وندعو له ، ويستجيب الله له...
الانفراجة
بداية الانفراجة
{ وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَاْ أُنَبِّئُكُم بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ{45}
فيقع حدث بعيدا عنه ولكن له دخل به يكون أول بارقة أمل تجول أمامه ،وهو يعلم أن حل هذا الحدث بيده ويهيئ له الله الأسباب
ذروة الانفراجة
{ يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ{46} قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ{47} ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ{48} ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ{49} وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ{50}
فيستغلها ويجتهد بعمله وعلمه وتفانيه وإخلاصه وصدقه ويفعِّل كل أدواته حتى يكسب بها ، فيعجب به الشخصية الكبيرة ويريد أن يقابله ، ومع أنه محتاج له ويعرف أن حل مشكلته بيده إلا أنه يرفض لقاءه فى أكبر سخرية من كبير بل ويشترط عليه وهو المحتاج له
{ قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ{51}
وتحدث المفارقة من أن الشخصية الكبيرة يقبل صاغرا شرطه ويلبيه له ومنه يعرف حقيقته ويتأكد من نبل خلقه ، ومن أنه مأزوم فيعمل على رفع الظلم عنه ويساعده فى تجاوز أزمته وعقدته المستحكمة
ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ{52} وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ{53}
ويتعرف على كامل حقيقته فيطلب لقاءه ويعده أن يساعده جل المساعدة لأمانته وحسن خلقه وسلوكه
{ وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مِكِينٌ أَمِينٌ{54}
ويمنحه ثقته الكبرى ويخرجه من أزمته
نهاية الانفراجة
{ قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ{55}
ويجد نفسه فى موقف يساعده من الوصول إلى حاجته فيطلب المساعدة ويتغير حاله من الشقاء إلى السعادة ، ليكمل خط سيره الصحيح ليحصل بعلمه وعمله وبشهادة الآخرين ، وبسعي وطلب واجتهاد منه ؛ ليحصل على حاجته
{ وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاء وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ{56} وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ{57}
ويلبى طلبه ويستطيع أن يحصل على حاجته ، ويصبح ذا مكانة كبيرة ، وعمل مرموق يؤهله للسيادة على الآخرين ، ولكنه لم يحقق هدفه بعد ثم يجاهد من أجل تحقيق هدفه ، ويسعى بكل جهده ، ويحتاج إليه من له حاجة ويحدث...
التعرف
بداية التعرف
الذى يساعده على تحقيق هدفه
{ وَجَاء إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ{58}
ويكون أول المحتاجين له أقرب الناس إليه الذين تآمروا عليه ويصبحون هم الأضعف وفى موقف لا يحسدون عليه ، فى مفارقة عظيمة ما بين التراوح فى المكانة والمنزلة والغلبة ويعكس الوضع تماما ، حيث يضعف القوى برغم قوته ، ويقوى الضعيف برغم ضعفه ، ويصبح البائع مشتريا والمشترى بائعا، ويظل النبيل نبيلا والوضيع وضيعا ، ويدفعه نبله وحسن أخلاقه إلى أنْ يترفق بهم ؛ لأنه عرفهم وترفق بضعفهم ، وهم لم يعرفوه بعد ، فهم لا يصدقون أن من فعلوا به الأفاعيل يصبح فى هذه المكانة وتلك المنزلة وهم يأتون إليه أذلاء محتاجين مساعدته
{ وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَّكُم مِّنْ أَبِيكُمْ أَلاَ تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَاْ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ{59} فَإِن لَّمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلاَ كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلاَ تَقْرَبُونِ{60}
فلا يتأخر عنهم ويمد لهم يد العون بسخاء ، ويبسط لهم نفسه ويذللها حتى يتعرفوا عليه بدون خوف ، ولكنه يفرض شروطه ويطلب منهم طلبا ويعدوه بتلبيته
{ قَالُواْ سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ{61} وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُواْ بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ{62} فَلَمَّا رَجِعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُواْ يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ{63} قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَمَا أَمِنتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِن قَبْلُ فَاللّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ{64}
ولكنهم لوضاعتهم وكذبهم ومكرهم يصبحون هم فى ورطة حيث يجدون صعوبة فى الوفاء بطلبه
{ وَلَمَّا فَتَحُواْ مَتَاعَهُمْ وَجَدُواْ بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَـذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ{65}
ولذكائه وعلمه بأخلاقهم يحفزهم على الطمع واستجابة طلبه ، ولأنهم طامعون يفعلون المستحيل من أجل استجابة طلبه
{ قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِّنَ اللّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ{66}
ويقبلون أذلاء صاغرين بما لم يقبلوا به فى السابق ، ويجبرهم على الصدق والوفاء بالعهد مع أقرب الناس لهم ، ليعرف هل سيصدقون هذه المرة أم سيعاودون سيرتهم الأولى فى الكذب والخداع مرة أخرى
{ وَقَالَ يَا بَنِيَّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنكُم مِّنَ اللّهِ مِن شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ{67} وَلَمَّا دَخَلُواْ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم مَّا كَانَ يُغْنِي عَنْهُم مِّنَ اللّهِ مِن شَيْءٍ إِلاَّ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ{68}
ويستجيبون لطلبه ويعودون إليه بما طلب ..
ذروة التعرف
{ وَلَمَّا فَتَحُواْ مَتَاعَهُمْ وَجَدُواْ بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَـذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ{65}
ويمتحنهم هو هذه المرة ويرد لهم تآمرهم ولكنه لا ينوى بهم الشر، بل يريد أن يتقرب منهم ليعرفوه دون أن يخافوا ، وهو يريد بهم الخير
{ قَالُواْ وَأَقْبَلُواْ عَلَيْهِم مَّاذَا تَفْقِدُونَ{71} قَالُواْ نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَن جَاء بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ{72}
يجد منهم ثمة تغير وهم ينزعون إلى الصدق هذه المرة
قَالُواْ نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَن جَاء بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ{72}
ويحكمهم فى مشكلة يصنعها بنفسه ليعلم مدى صدقهم ، وينفذ ما حكموا به على أنفسهم فى سخرية مبطنة
{ قَالُواْ تَاللّهِ لَقَدْ عَلِمْتُم مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ{73} قَالُواْ فَمَا جَزَآؤُهُ إِن كُنتُمْ كَاذِبِينَ{74} قَالُواْ جَزَآؤُهُ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ{75} فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاء أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِن وِعَاء أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مِّن نَّشَاء وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ{76} قَالُواْ إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً وَاللّهُ أَعْلَمْ بِمَا تَصِفُونَ{77}
ولكنهم يتهمونه بما ليس فيه ، ويخطئون فى حقه وهم لا يعرفون أن من يخطئون فيه هو من يطلبون منه المساعدة وهو الذى يفرض شروطه عليهم وهم أذلاء أمامه يحاولون استرضاءه بكل الطرق
{ قَالُواْ يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ{78}
ويتوسلون إليه ويحاولون استمالته ، وهم يثبتون له بغير قصد وبمفارقة جميلة سارة ما يتمنى
{ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ أَن نَّأْخُذَ إِلاَّ مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ إِنَّـا إِذاً لَّظَالِمُونَ{79}
فيترفع ويتدلل عليهم ويرد لهم الكرة بأن يجعلهم هم أنفسهم فى حيرة شديدة وورطة كبرى ما بين الصدق والكذب ، والوفاء والنقض بالعهد ، ويجعلهم فى اختبار ، يتمنى لهم أن ينجحوا فيه ، ويتعرفوا عليه لكى يستحقوا خيره والمكانة التى ستعود عليهم منه وبسببه
{ فَلَمَّا اسْتَيْأَسُواْ مِنْهُ خَلَصُواْ نَجِيّاً قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُواْ أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُم مَّوْثِقاً مِّنَ اللّهِ وَمِن قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّىَ يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ{80} ارْجِعُواْ إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُواْ يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ{81} وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيْرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ{82} قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ{83} وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ{84}
لكنه يحدث عكس ما انتوى تماما ، ويوقع بنفسه الفعل المفزع بأقرب الناس له دون أن يدرى
{ قَالُواْ تَالله تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ{85} قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ{86} يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ{87} فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ قَالُواْ يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ{88}
ولكنهم من غير قصد يكشفون له ما حاق بأقرب الناس له دون أن يعرفوا
{ قَالَ هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ{89}
فيضطر لجهلهم الأمر أن يكشف لهم نفسه أكثر ، بأن يذكرهم بأشياء لم يفعلها أحد سواهم000
نهاية التعرف
{ قَالُواْ أَإِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَـذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ{90}
وأخيرا يفهمون ويتعرفون عليه ويسعدون بمعرفته ، ويعترفون بسوء نيتهم ومقصدهم منه ، ورغم المؤامرة عليه إلا أنه تفوق ونجح ، وحدث ما كانوا منه يحقدون ، ويصبح ذا مكانة ومنزلة وهم دونها ويحتاجون إليه ويتذللون له حتى من قبل أن يعرفوه...
النهاية
بداية النهاية
وهم من يساعدونه فى بلوغ هدفه
{ قَالَ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ{92}
ويريد أن يصلح ما وقع بسببه من ضرر لم يكن يقصده
{ اذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَـذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ{93} وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلاَ أَن تُفَنِّدُونِ{94} قَالُواْ تَاللّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ الْقَدِيمِ{95}
يقدم لهم ما يعينهم على إصلاح هذا الضرر بشيء بسيط لا يصدقونه ولكنهم لا يستطيعون الرفض أو التعليق أو حتى السخرية على ما يطلب ، ويستجيبون له مرغمين غير مقتنعين..
ذروة النهاية
{ فَلَمَّا أَن جَاء الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ{96} قَالُواْ يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ{97}
يكون سببا فى إحراجهم وكشف كذبهم وحقدهم ، فيعترفون بكذبهم ويطلبون الغفران والسماح ويحدث ما لم يكونوا يصدقونه ويصلح الضرر ، بل ويكون سببا فى التعرف دون أن يقولوا هم شيئا
قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ{98} فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِينَ{99}
ويعودون إليه جميعا...
نهاية النهاية
{ وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّداً وَقَالَ يَا أَبَتِ هَـذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ{100}
ويقرر رأيا صالحا :
{ رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ ...{101}
ويقرر حقيقة عامة :
{ ...تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ{101}
ويسعد الجميع وتكون النهاية مفرحة فتبهجنا وتسرنا وتغبطنا وتعظنا وتفرحنا وتمتعنا وتعلمنا ، وتكون سببا فى التسرية عن النفس ، وسببا فى العلاج من الأحزان والأدران مما وقر فى نفوسنا من معاناة وأمراض تكون سببا فى علاجها .
العظة
{{ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ{111}
ساحة النقاش