جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
مفهوم التراجيديا عند المسلمين
يتجلى مفهوم المأساة من هذا التناول فى الحقيقة وفى الواقع وفى أنفسنا نحن البشر، من مأساة صغرى حتمية ، ومأساة كبرى محتملة ، كما أخبرنا الله بها ويعرفها البعض من الناس الطائعين منا والعاصين ، بشكل لا لبس فيه 0 وبعيدا عن سر المأساة للقصة نبتغيها لا تحمل غير نهايتها مما لا تسمن ولا تغنى من جوع لسبر أغوار ودهاليز القصة المأساة بوحداتها السبع 0 بل سنناقش المأساة فى حياتنا ودنيانا التى من الممكن أن تتحقق لأى واحد منا ويكون بطلا لها ، وبذلك نعكسها على القصة من مشاربها وأصولها الحقيقية من أنفسنا ، لأننا كذلك بالفعل نسير ونعمل ونجد ونجتهد فى دروب الحياة نبتغى السعادة وننشد الراحة وتحقق الأهداف والآمال ، ونحن لدينا تخوف من أن تنزل بنا نازلة تضرب أسباب سعادتنا وتقضى على أدوات قوتنا التى تحصلنا عليها من بعد جهد جهيد وعرق أكيد، ولكنها مؤجلة لموعد غير معلوم، مع أننا متأكدون من ذلك ، ولكنها لا تظهر بوضوح للبعض منا وربما لا ينشغل بها الكثيرون ومعهم بعض الحق بدعوى أنه ما من قضاء لله إلا وينفذ وليس بوسع أحد صده أو منعه أو الهروب منه ، ولا ننكر عن مثل هؤلاء الناس إيمانهم وعدم انشغالهم بما لا يعرفونه على وجه الدقة والحقيقة ، ولكن معرفتهم بشكل عام بأن أمر الله لا يرد أبدا إلا بشىء يسير لا يكلف شيئا ولا جهدا ولا عناء ولا يستحق من أن نجيش من أجله الجيوش لأنها ليس بوسعها صد عدوانه أو منعه إلا بالدعاء ، وهذا غاية ما نستطيعه وما نمتلكه ، وهو السلاح الوحيد الفعال الذى لا يصد البلوى ولكنه فقط يخفف منها على القدر الذى يأذن به الله فارضها ومقررها وميسرها أو مصعبها 0 بينما العامة من الناس الذين هم السواد الأعظم منا ، والذين يعانون أصلا من الصراع فى دروب الحياة الشاقة المجهدة ، من أجل استيفاء حاجاتهم الضرورية ، والقيام بأعبائهم العائلية ، ومتطلباتهم العقائدية التى نلتزم فيها بالطرق المستقيمة ، والتى تفرض علينا صراعا آخر مع أنفسنا التى لها مادة وهى الجسد وعاء الروح ، والجسد له احتياجاته وضروراته وفرائضه الكثيرة الضاغطة بقوة على ( بوصلة ) ضبط الروح وهو عقل القلب المتقلب القابل للتغير لا الثبات التام الذى تأمن له ، إلا أن المؤمنين منا الثابتين على إيمانهم هم وحدهم الذين يسلمون من ضغوط وهوى وتميع البوصلة الموضحة وهو القلب الذى يمرض ، وعند مرضه لا يكون للروح مرجع ولا محدد ولا منظم لأوامرها وفرائضها والتى تسوق النفس إلى طرق عدة يستفرد بقرارها عقل المخ الحر مستغلا فقدان البوصلة أو تعطلها أى حين إصلاحها ، وتدخل الروح النفس فى العصيان والعناد وعدم الانصياع للأوامر والنواهي الربانية تلهث وراء حاجياتها التى لا تحدها حدود ولا تمنعها موانع ، تلك الروح المتمردة الحرة التى تسكن الجسد وتفعله من قوى شهواتها وغرائزها وحاجياتها الداخلية ولها فرائضها ومتطلباتها 0 وكذا قوى الشيطان الذى يريد أن يضل النفس عن جادة الطريق القويم والنهج المليح ويضغط , ليضلل عقل القلب ويلوث الروح النقية الشفافة التى تتوق إلى العلاج بعد ذلك إن اهتدت ، كل ذلك يزيد من أوار الصراع النفسي الذى إن انفلت يعاند القوة العليا سيتحدى مشيئتها وذلك هو الخسران المبين 0 بينما الوجهاء والأمراء والوزراء وأصحاب المكانة والحظوة والمال والسلطة والنفوذ ومن فى مستواهم ، يظهر بوضوح لديهم هذا التخوف من أن تنزل بهم نازلة أو تحط عليهم مصيبة تسلب منهم ما هم فيه من عظيم النعم ، وجلال المكانة ، ونبل الوجاهة ، وحلاوة النجاح ، ومتع النفوذ ، وطراوة السيادة ، وجمال السعادة ، وقهر الشقاء ، مما يصيبهم بالتوتر والقلق والضيق من جراء الهم من بلية منتظرة ليس على الأعتاب قدومها ، وربما تكون بعيدة مما تجعل البعض منهم يسترخى مستبعدا حدوثها الآني مما لا يجعلها فى بؤرة الاهتمام ، ولكنها كامنة فى وجدانه وراء خطوط الدفاع ، مما تساعد على عدم الاستعداد لها أو الانشغال بها تمام الانشغال ، تستدعى إلى بؤرة الاهتمام حين التعرض لأى مخاطر تلوح فى الأفق ، ولكنها سرعان ما تهمل إلى ما وراء خطوط الدفاع الواهية عندما لا تحدث ، لمتانة المكانة للبعض منا الذى يخيل إليه أنه بوسعه أن يكون فى مأمن إلى حد ما منها ، ويتخيل بعدها ، بناء على تعقل وفكر رشيد يجعله يجيش لها ما يستطيع تجييشه من ماديات وخلافه ، وتوثيق أواصر الروابط بكل الأدوات ما بين المال والسلطة ، والبعض منهم من له بصيرة يجيش إلى جوار السابق أفعال الخير والبر التى تقربه من الله تخفف عنه عند البلية بتبسيطها لا رفعها بالكلية ، وهؤلاء الفئة منا هم الراشدون فعلا والمستعدون حقا لما نستطيع الاستعداد له من بلوى لا نعرف لها موعدا ولا مكانا ولا غيره ، مع إدراكنا جميعا على السواء أنها مهما تطول فهى نازلة لأنها فرض من الله علينا يعرفه الطائعون أكثر من العاصين ، ولكنها مجهولة الموعد والميقات والمكان وهذا سر بلائها وتفوقها وانتصارها وجبروتها من أنها لا تقاوم ولا ترد حتى ولو كان هنالك استعداد كما قلنا ووصلنا إلى أكثره نفعا ، وحينها يتأكد الساهون والمستعدون من بطشها ويستبينون حقيقتها ويعرفون شدة وقعها وبأسها وفعلها المزلزل ، حسب مكانته ومنزلته تقضى على بعض أسباب سعادته ، وإما تسلب بعض أدوات قوته ، مما تسبب الألم الشديد والخسران الكبير والمعاناة العظيمة والحزن العميق ، وهنا يتبدى عظم المجابهة بالرضي وعدم العناد ، ونبل الصراع بالصبر وعدم التسرع ، وطهر المحاربة ليس بالرفض بل بالقبول والشكر ، مما تتطلب أكبر قدر من السيطرة على النفس الثائرة المنكسرة المغلوبة التى تبحث عن جبرها ودوائها بكل السبل ، وهى ما يجب كبحها والسيطرة عليها حتى لا تذهب بك إلى المهالك الحقة التى تجعلك تعاند القوة العليا وترفض مشيئتها المتحققة فيك ، فلا تستبين الطرق السليمة التى يجب عليك أن تسلك ، ويغيم الطريق وتندفع نحو الخطيئة التى لا تغتفر تظنها المخرج لك مما أنت فيه وهو ليس حقيقة ، وإن لم تتريث وتعاود التفكير وتتحمل الصبر المرير وتشكر الله على ما ابتلاك لن يهتدى قلبك إلى السبيل الذى تستعيد منه أسباب قوتك وأدوات نجاحك ، بل ستستمر تتحدى الله ومشيئته وقضاءه وقدره ، مما يحملك على العصيان التام والعناد الأكبر والتحدي الذى لا تقدر عليه وترتكب الذنب تلو الذنب ، حتى يصدر الله حكمه المهلك فيك 0 وهو الذى لا يعاند ولا يرد بأسه ولا بلاؤه إلا بالاستعانة به علي ما قضى وفرض وأمر وهو غاية الجهاد من الصالحين منا ، مما يحمله على الرحمة والاستجابة واليسر والتبسيط والتهوين من وقع البلوى ، ويعوضنا بأسباب سعادة أخرى أو أدوات قوة جديدة ؛ لأن ذلك ليس نهاية الدنيا وليس نهاية النفس لأن البلوى هدفها لا تقضى على النفس بل لتمتحن صاحب النفس أيستحق السعادة أم يستحق الحزن ؟! أيستحق الحساب أم يستحق المكافأة ؟! أيستحق النجاح أم يستحق السقوط ؟!! أيزل زلة متعمدة أم يزل زلة غير متعمدة ؟! ومن خلال النتيجة يتحدد مصير الإنسان وتتحدد نهايته ، إن كانت بفاجعة مسببة تقضى على المادة الحاملة للروح وهو الجسد وتفنيه وتحطمه وتكسره ، أم بنهاية طبيعية تفارق فيها الروح المادة الحاملة لها , مما تتركها تفنى وتتحلل ويأكلها الدود ، وتذهب هى إلى حيث مستقر حسابها أو عقابها ، إلى الجنة أم إلى النار 0 ولذلك سنصوغها بشكل مفصل من زاوية قوة الضعف المخلوقة ، وقدرة القوة الخالقة ، والعلاقة بينهما المولدة للمأساة {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ } [ الذاريات ] إن الله هو القوة الكبرى المقدس عن الضعف 00والقوة العليا الجبارة المهولة المنزه عن النقص ، والقوة المسيطرة المتحكمة المهيمنة التى لا تقهر، والقوة الخالقة التى لا تدانيها ولا تساويها قوة أخرى فلا يغالب ؛ لأن له القدرة والقوة كلها {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ } [ الحشر ] وهو الإله الذى لا اله إلا هو ، الملك الحاكم المتحكم فى جميع الأشياء ، المالك لها والمتصرف فيها كيف يشاء ومتى يشاء بدون أدنى ممانعة أو مقاومة أو مدافعة ، ولا يحتاج إلى مساندة ولا معاونة لكى يتفوق وينجح ويسود لأنه سلم من كل عيب وكل نقص وكل ضعف ، الرقيب على كل خلقه فلا تخفى عليه خافية مهما تدنت وصغرت وأخفيت ، العزيز الذى لا يغالب ولا يقاوم ، الجبار الذى لا يقهر بل هو الذى يقهر جميع العباد ، المتكبر الذى له الكبرياء والعظمة لأن أمره من قوته لا يرد ولا يهزم أبدا ، يتكبر ويتعالى على من يخالفه ويعانده ، وليس له نهاية ينتهى عندها ولا تحدها {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } [ البقرة ] وهو الذى خلق جميع ما فى الأرض ومهدها وثبتها وزينها وجملها ، وكذلك خلق سبع سماوات ، عليم بكل شيء يحدث فيهم {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ } [ الأنعام ] وهو الذي خلق أبا الإنسان آدم من طين وأنتم أيها الناس سلالة منه ، ثم كتب مدة بقاء الإنسان في هذه الحياة الدنيا وقيد عمره بمدة محددة متفاوتة ومختلفة من واحد لآخر ، وكتب له أجلا آخر محدَّدًا لا يعلمه إلا هو جل وعلا عندما يعيده إلى الحياة مرة أخرى يوم القيامة الذى يتم فيه الحساب ، ثم أنتم أيها الناس بعد هذا تشكُّون في قدرة الله تعالى على البعث بعد الموت {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ } [الروم ] الله الذى هو القوة العليا هو الذى خلق الإنسان الذى يمثل القوة الصغرى الضعيفة التى تقوى ، ولكنها تظل القوة الأدنى الضعيفة بالنسبة للقوة العليا ، ولذلك تحتاج إلى المساندة والمعاونة مهما بلغت من قوة حتى تستطيع التفوق والنجاح ، { لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ{4} أَيَحْسَبُ أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ{5} يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالاً لُّبَداً{6} أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ{7} أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ{8} وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ{9} وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ{ [البلد ] لأنها خلقت فى تعب وعناء وجهد مما يحد من اكتمال قوتها إلى أوجها الذى به تستطيع المواجهة والوقوف أمام أى قوة ، ومع ذلك تستطيع أن تطور نفسها وتصل إلى درجة من القوة التى بها تتفوق وتنجح وتستطيع أن تسير فى الحياة وتحقق الكثير وتصل إلى درجة كبيرة من النجاح والسعادة والغرور {عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ{5} كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى{6} أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى{7} إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى{8} [ العلق ] بعد أن علمتها القوة العليا ومكنتها من حسن إدارة شئونها وبسطت لها الأرض ومهدتها وزينتها وجملتها وأمرتها أن تخرج خيرها ونفعها له ، لتعينه على الحياة ليحقق المطلوب منه وهو إعمارها ويكون خليفة للقوة العليا فيها ، فهى لم تخلقه عبثا ولم تزين له الدنيا لهوا {يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُواْ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ أَنَاْ فَاتَّقُونِ } [النحل ] ولم تتركه فى حيرة لا يعرف ماذا يصنع وماذا يعمل وما المطلوب منه ، وقد خلق وأعد الله له هذه الدنيا الواسعة وجملها وحسنها لتكون فى خدمته يعيش فيها ويأكل من خيرها وينعم بما فيها بدون أن يعلمه ويعرفه ماذا يريد منه؟! بل ينزِّل الملائكة بالوحي مِن أمره على مَن يشاء من عباده المرسلين الذين يختارهم من بين الناس ويعهد إليهم برسالته وما يطلبه من توضيح وإعلام وإخبار للناس ، ومن أولها بأن خوِّفوا الناس من الشرك بمن خلقهم وجعلهم فى أحسن صورة , وأنه لا معبود بحق إلا هو ، فاتقوه وخافوه بأداء فرائضه التى يطلبها منكم وفرضها عليكم ، من إفراد العبادة والإخلاص له وحده {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [ البقرة ] وقد أرسل رسله مبشرين لمن يطيع الله ومنذرين للذين يخالفونه ولا يطيعونه وذلك بعد أن أنزل مع كل نبى كتابا منه يوضح فيه ويعلم ما يتوجب عليه فعله ، وما يتوجب عليه تركه ، وهو المرجع الحاكم لما يشب بين الناس من خلاف وصراع ، وألزم الناس أن تطيع أنبياءه ورسله {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً } [النساء ] وقرن طاعته بطاعتهم ليكون كلامهم موضحا وشارحا وهاديا وملزما لجميع الناس ، وقد وضح لهم الطريقين طريق الخير والطاعة وطريق الشر والمعصية ، وترك لهم حرية الاختيار {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً } [الأحزاب ] لما فضلهم به عن سائر المخلوقات من عقل فى المخ يمكنهم من اختيار ما يفعلونه سواء كان طاعة أو معصية 0 ولكنه تعالى قرن هذا الاختيار بحساب ، ولكى يكون عادلا فى حسابه ليعرف المطيع من المذنب فرض على الإنسان الابتلاء الذى هو امتحان عظيم شاق صعب ، تنزل بالإنسان بلية عظيمة ومأساة تسبب الألم الشديد والمعاناة العظيمة والحزن الكبير ، لتجازى وتكافئ من ينجح فى الابتلاء ويتحمل نتائجه بصبر وعزيمة يسير فى طاعته راضيا بما حدث له {وَالَّذِينَ آمَنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُواْ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ أُوْلَـئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } [النساء ] مصدقا بوحدانيته وأقرَّ بنبوَّة رسله أجمعين ولم يفرق بين أحد منهم وتمسك وعمل بشريعة الله ، أولئك سوف يعطيهم جزاءهم وثوابهم على إيمانهم به وبرسله0 وكان الله غفورًا رحيمًا لمن يزل منهم زلة غير مقصودة ولا متعمدة {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [ النحل ] تغفرها له القوة العليا وتجعله يستمر يعيش حياته بسعادة 0 وتعاقب بقوة وقسوة من يخالفها ويعاندها ويكفر بها ويزل زلة مقصودة ومتعمدة ومتواصلة بدون رجعة ولا توبة تحول حياته إلى بؤس وشقاء وفشل وعناء {وَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ } [ المائدة ] لأنهم جحدوا وحدانية الله الدالة على الحق المبين ، وكذَّبوا بأدلته التي جاء بها الرسل ، هم مذنبون ومن أهل النار الملازمون لها 0
نستنتج مجموعة من الاستنتاجات وهى أن المأساة تتولد وتنتج وتتحقق من خلال العلاقة بين القوة العليا : الله ، والقوة الضعيفة : الإنسان ، سواء بالاتحاد والتوافق من القوة الضعيفة بطاعة القوة العليا ، أو التحدي والصراع معها وعصيانها 0 ونصل إلى المعنى المطلوب توضيحه ، ما المعيار المحدد للمأساة ؟ حيث تظهر على وجهين ، وتحمل على ثلاثة احتمالات ، وتفسر على أربعة تفاسير ، وتتحقق على أربعة أنواع ، وهناك قاعدتان حاكمتان لها ، كما تشمل صنفين إما شخصية وإما قومية ، وكلها صحيحة الاستنتاج لأن لها أدلة من قصص القرآن سنوردها فى موضعها بما هو مباح لنا وميسر لنا فهمه وإدراكه لأنه من المعلوم لنا وهنالك نوع غير معلوم من الغيبيات لا نعرفه ولن نستطيع أن نعرف أسبابه ولماذا يحدث 0
المعيار المحدد لعظم المأساة
المعيار الوحيد تحدده العلاقة بين القوة العليا – الله – والقوة الضعيفة – الإنسان – هذه العلاقة تتجلى فى الطاعة أو المعصية ، وتفرز ثلاثة أنواع للنفوس البشرية ، كما حددها الله - تبارك وتعالى - وهو العليم بكل شيء والمحيط به ، وهو الذى خلق النفس ويعرف أسرارها ويحدد أطوارها ويكشف مكامنها المعلنة والمخفية ، وبالتالي يحق له أن يحددها ولها ثلاثة وجوه لا ثالث لها ، إما الطائع ، وإما العاصى ، وأما المزاوجة بينهما0 {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً } [النساء] من يطع الرسول الذى أرسله الله للناس من أجل أن يحدد لهم ما يتوجب عليهم فعله وما يتوجب عليهم تركه ، وبين ووضح لهم الطريقين اللذين رسمهما الله وحددهما ووضحهما الرسول الموكل والمختار من قبل الله وأيها يسلك وأيها يترك ، فمن يطع هذا الرسول يطع الله وهو من أصحاب النفس المطمئنة العامرة بالإيمان ، الآمنة من عقاب الله لأنها طائعة لله محبة له ولرسوله الذى أرسل مصدقة له غير معرضة عنه ، لأن الرسول ما هو إلا بشر، وواحد من الناس اختاره الله بناء على مشيئته وخصه برسالته وحفه بالعناية والرعاية والعصمة وأيده بالمعجزات الخوارق للعادة ، حتى لا يشك المتجبرون ولا يرفض المتكبرون ولا يقتنع المعاندون ، والتى تؤكد صدق رسالته وحقيقة دعوته وسر علاقته بالله الذى أمر فيجب الطاعة والانقياد لما أمر ، والإعراض عما نهى عنه {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ } [ التغابن ] فيما بلَّغكم به عن ربه ، فإن أعرضتم أيها الناس عن طاعة الله ورسوله ، فليس على الرسول ضرر في إعراضكم وإنما عليه أن يبلغكم ويوضح ويشرح لكم ما أرسل به من تعاليم من عند الله بلاغًا واضح البيان ، وأنتم أحرار فيما تختارون من بين طريقين بما أنتم مميزون به من عقل فى المخ وعقل فى القلب ، سواء اخترة الطاعة التى تفوزون بها برضي الله وهم أصحاب النفس المطمئنة العامرة بالإيمان 0 أو تعرضوا وتخالفوا فتنالوا عقابه الشديد وسخطه الكبير وغضبه العظيم فى الدنيا والآخرة ، ويتحمل كل واحد نتيجة اختياره وعمله وفعله وقوله فكل شيء سيحاسب عليه ، من يخالف أمر الله ورسوله وهو من أصحاب النفس الأمارة ، يعاند ويعصى ويذنب ويصر عليه فإن الله شديد العقاب له فى الدنيا والآخرة 0 وأما من يزاوج بين الطاعة والمعصية صاحب النفس اللوامة التى أقسم الله بها لحبه لهذه النفس الصالحة التى تحاسب صاحبها تلومه على ترك الطاعات وارتكاب المعاصي ، واعدا إياها بالعفو والسماح والغفران حال الرجوع إليه بالتوبة عن المعصية 0
وما يثبت صحة ما أوردنا من اجتهاد وتحليل من هذا المنظور العقلاني بالقياس والاستنتاج المؤيد بمنظور دينى ، ما قصه الله تعالى يؤكد هذا التطابق وهو يشرح نفسه بدون ترتيب منى , كما فى الجزء السابق بل هو ترتيب الله العلى القدير ، فى قصة شهيرة جدا لشخصية أشهر وهو فرعون مصر العظيمة {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ } [ القصص ] فرعون عندما كتب الله عليه هذا القضاء وهذا الحكم وهذا التحدي لم يكن يعرف الله ولا يعلم ما فى الغيب ؛ لأنه أولا لم يكن فرعون يعرف أن للكون إلها ، وثانيا كان يظن نفسه هو الإله الحاكم المسيطر ولا أحد غيره ، ولذلك كان يفعل ما يريد يحب من يحب ويستذل من يريد ، فأحب قومه من المصريين الفراعين ، وكان يكره ويستعبد الإسرائيليين الذين ليسوا من أصل قومه بل من أرض كنعان وقدموا إلى مصر واستوطنوها إبان تولى واحد منهم سيدنا يوسف وزيرا فى عهد استعمار مصر من الهكسوس الرعاة , كما أثبت علماء التاريخ وأكد على ذلك دكتور زغلول النجار ، ولذلك فرق فرعون الذى تتحكم فيه النزعة العرقية والاستعلائية فى المعاملة بين قومه وقومهم واستعبدهم وعندما عرف أنهم يتناقلون ويتواصون فيما بينهم أنهم أولاد وأحفاد أنبياء الله وهم فعلا كذلك – بالنسبة لنا لا له - وإن واحدا منهم سيكون زوال ملكه على يديه ، بل وهلاكه نفسه ، مما أشعل النار فى جوفه ، يريد أن يتحدى تلك المقولة التى أقلقت مضجعه إلى أبعد حد وأراد أن يحترز تمام الاحتراز ؛ لأنه يواجه خطرا شديدا سيهلك فيه ويفجع فى حياته ، لذلك صراعه من أجل ما يتهدد حياته صراع به من النبل ما يحملنا على الإشفاق والعطف والخوف والاحترام ، ويحملنا على المؤازرة والرأفة وهو يجاهد ويصارع من أجل سلامة نفسه ويجابه ما يتهدده من بلوى ، رغم أنه ملك لدولة كبيرة ويمتلك من الأدوات من جيش وشرطة ، ولكننا بشعورنا الإنساني النبيل نتعاطف معه لأنه رغم ما يتمتع به من مكانة وقوة إلا أن هنالك جهة ما تهدد حياته 0 فأمر بقتل أى ولد يولد لبنى إسرائيل من الذكور ، وهو الذى يأمر فيطاع ، أصدر أمره وهو فى كامل وعيه وبنية كاملة وعزم صادق بذبح كل الغلمان ، وهى جريمة كبرى لا تغتفر ومن أولها قطع الشفقة والعطف والخوف والمؤازرة منا عليه ؛ لأننا أدركنا وتأكدنا من مدى جرمه وذنبه الذى ارتكب ، ومتحديا المشيئة الإلهية التى لم يكن يعرفها ، ولكنه تحدى النبوءة ، فماذا حدث ؟ تحدى فرعون من لا يستطيع بشر تحديه ، وولد الغلام موسى ، والأنكى أن جعل فرعون نفسه هو الذى يربيه فى قصره حتى صار شابا قويا ، وبما أن الله عادل وعدله مطلق لا ينزل غضبه ولا يحق عقابه إلا على من يعرفه وينذره ولا يطيعه ويقيم البينة عليه ، لذلك كبر موسى وعرفه الله على ذاته العلية ، وأيضا على حقيقة فرعون ومن سواه من البشر أن لا أحد منهم إله بل هو إله لهذا الكون الخالق له والمتحكم فيه ، وليس لأحد فيه مشيئة تعلو غير مشيئته هو تعالى ، فأرسله لفرعون ليعرفه ما يتوجب عليه فعله وما يتوجب عليه تركه ، وأنه ليس إلها ولا تجوز العبادة له ، وليس من حقه أن يفرق بين رعيته مهما كانوا ، وأنه يريد أن يسمح له بخروج من يستعبدهم إلى حيث أمره الله بالعودة إلى بلادهم بيت المقدس التى كتب الله لهم ، ولكن فرعون عاند الله بعد أن أراه سيدنا موسى المعجزتين ثم بعد ذلك معجزته على انتصاره على السحرة ، ولكن فرعون لم يرتدع ولم يتراجع ولم يطع الله الذى صار يعرفه وأصبح معلوما بالنسبة له من خلال موسى ، وأقام الحجة والدليل على نفسه من استحقاقه غضب الله وعقابه ، ففجعه الله فى حياته وأغرقه فى البحر الأحمر0
وجها المأساة
الوجه الأول : المأساة الصغرى وهى مفروضة على الناس جميعا الطائع منها والمذنب0
وتعنى الألم الشديد والمعاناة العظيمة والحزن الكبير الذى لا يستطيع كائن من كان رده أو منعه أو عناده أو مقاومته أو الوقوف ضد مشيئته ، وينتج من الابتلاء المفروض من الله على جميع الناس ، والعناد فيه لا يفيد ، والصراع من أجله لا يجدي وتحديه مستحيل ؛ لأنه من الله {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ } [ الملك ] الذى خلق الموت والحياة ؛ ليختبر الناس أيهم يعمل خيرا ويخلصه ، وهو العزيز الذي لا يعجزه شيء ، الغفور لمن يتوب منهم ويتمسك بطاعته 0 وليس بوسع أحد أن يهرب من هذا الاختبار لأنه واقع به ومتحقق لا محالة {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ } [ العنكبوت ] حتى لا يظن الناس أن بوسعهم أن يقولوا آمنا دون امتحان واختبار لقولهم هذا ، ولكن الاختبار لا يفقد فيه الإنسان حياته ، ولكن النجاح فيه ليس صعبا مع أنه مكلف تكلفة كبيرة يخسر فيه الإنسان إما أسباب سعادته وإما أدوات قوته {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ } [ البقرة ] يستطيع أن يستعيد أسباب سعادته ، أو أدوات قوته ويواصل حياته نحو السعادة حتى منتهاه الطبيعي الحتمي الذى ينتهي إليه جميع الناس وجميع الخلائق وهو الموت0ويتجلى الصراع كما سبق أن قلنا ليس فى صد ما يتهدد بعض سعادته أو بعض أسباب قوته ، ولكن الصراع النبيل يتجلى فى الكيفية التى تجعله ينجح فى تحمل آثار البلوى ، وكيفية الخروج منها نحو اكتساب واستعادة أسباب سعادته وأدوات قوته دون أن يخطئ الخطأ الكبير العظيم بنية وتعمد , مما يحمله على عدم الرجوع ويلتزم جادة الصواب من طريق مستقيم غير معاند للقوة العليا ولا متحد لمشيئتها بدعوى أنه أخطأ وواصل الخطأ الذى يوصله إلى الضلال ويورده مورد الهلاك ، ولا تساعده القوة العليا بكشفه له هذا الضلال بل تزينه وتجمله له , مما لا يعرف للحق طريقا ولا للهدى سبيلا ولا للنجاة سلاحا مرة أخرى 0 ويظل الأمل فى النجاح والنجاة معقودا على قمة المحاربة والانتصار والتفوق ألا يدخل نفسه فى صراع هو لا يقدر عليه ، يتأتى من عناد ومجابهة القوة العليا نفسها ، مما يحتم ويستوجب على نفسه الهزيمة والبلية العظيمة التى لا تبقى ولا تذر عليه0
الوجه الثانى : المأساة الكبرى وليست مفروضة على الجميع :التى تعنى الطامة الكبرى والبلية العظيمة والفاجعة المهولة التى تنهى الحياة 0
من الله على إنسان خالفه ولم يطعه ففجعه فى حياته وسعادته وأسباب قوته بأسباب مقنعة
من أجل الله فى إنسان لم يخالفه وأطاعه ففجع فى حياته وسعادته وأسباب قوته بأسباب وجيهة ونبيلة وعظيمة 0
وعلى ثالث لم يخالف الله وأطاعه أو كان بمنزلة بين الطاعة والمعصية ، ومع ذلك فجعه الله فى حياته دون أسباب واضحة ، وهى من الغيبيات التى لم يطلع عليها أحد 0
الاحتمالات الثلاثة للمأساة
الاحتمال الأول للمأساة : ليست قدرا محتما لا مهرب منه :
المأساة تعنى الطامة الكبرى ، والبلية العظيمة ، والفاجعة المهولة والخسارة الجسيمة، للإنسان الفاضل النبيل المؤمن المطيع الذى هو القوة الأضعف تفعل المستحيل من أجل رضى وطاعة القوة العليا وعدم مخالفتها ولا الصراع معها ولا الخروج عليها ولا عنادها وهو الذى يسير فى الطريق الشاق المحفوف بالأمان من القوة العليا ، {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ }[ البقرة ] المحفوف بالمخاطر المهولة والأشواك العظيمة والموانع الكبرى من الشيطان ومن أعوانه من الإنس الذين يصارعونه ويعارضونه - يسير بكل ثقة وعناد وصبر وعزيمة قوية وعمل مخلص ومقاومة عظيمة ، وتحد كبير وصراع مرير من أجل ألا يتصادم أو يخالف أو يصارع أو يعاند القوة العليا التى هى الله ، لينجو من عقابها وغضبها ويكسب رضاها ويفوز بجائزتها الكبرى ، مستعدا فى ذلك أن يدفع عمره موافقا أن يفجع فى حياته على ألا يخالف هذه القوة العليا مهما حدث ، والتى لا تتركه يفعل ذلك دون أن تختبره اختبارا عظيما وشاقا ومكلفا مفروضا عليها ، لتعرف المطيعة من العاصية ، المحسنة من المسيئة من تستحق الثواب ممن تستحق العقاب ، من تستحق السعادة ممن تستحق الحزن ، من تستحق النجاح ممن تستحق السقوط ، من تستحق الرضي ممن تستحق الغضب - امتحان لا يستطيع تحمله إلا من كان صادق العزم شديد الطاعة قوى الإيمان يستحق أن يكون بطلا ، فيتحمل الاختبار ويدخل فى غماره متحملا كل نتائجه مستعينا بالقوة العليا على نفسها وفرضها ، يبذل فى سبيل ذلك تمام البذل مستعدا بالتضحية بنفسه ، متسلحا بالصبر والعزيمة الفولاذية ، مصمما على النجاح الذى يتجلى فى عدم التذمر أو التمرد أو العناد او التحدي ولا العصيان للقوة الكبرى ، ويستطيع أن يقاوم ويبذل عظيم الجهد والعرق ، ويستعيد أسباب قوته وأدوات نجاحه بدون عصيان القوة الكبرى التى تغفر له غلطة قد يفعلها بغير معرفة ولا قصد ولا عمد ويرفل بسببها فى معاناة كبيرة يحاسب نفسه حتى يكتشف خطأه فيسارع بالتوبة والتذلل بطلب الصفح والغفران حال اكتشافه أنه فى سبيل رضى الله أخطأ، وهو الذى يجاهد من أجل عدم عصيانها وكسب عداوتها ونيل عقابها الشديد الذى يعرف أنه لا قبل له على تحمله ، ويظل يقاوم عداوة الشيطان الذى يشده نحو المعصية ، ويصارع شهوات نفسه ومطامعها وغرائزها وتمردها وتكبرها ، ويصد كل من يحاول استمالته نحو المعصية بقوى الإغراء والفساد والمكانة والمال ، ويحدوه أمل أن ينجح ويتفوق ويتغلب على كل من يصارعه ويقف فى طريقه ويحاول أن يدخله أتون عصيانها والتصادم معها ويصده عن كسب رضاها والفوز بجائزتها ووعدها ونعيمها غير مخالف لمشيئتها التى لا يعرفها ، غير مستحق غضبها وانتقامها ، ويصارع ويجابه ويحارب حتى ولو فقد نعيم الدنيا وسعادتها ، ببلية عظيمة وفاجعة كبرى من قوى الشر التى لا تبقى عليه ولا تذر ، تتغلب عليه وتنهى حياته التى لا يندم على فقدانها وخسارتها لأنه ضحى بها ولم يخالف القوة العليا التى وعدته بالنعيم المقيم والجزاء العظيم ، ويتجلى عظمها ونبل بطلها أن ما اختاره من طريق ليس قدرا محتما عليه ، لا مهرب ولا مفر منه مجبرا أن يسير فيه حتى النهاية ، بل هو اختيار بإرادة حرة كاملة ، لأنه بوسعه أن يختار غير ذلك 0وهى تخص بطل المأساة الشخصية الإلهية ، والمأساة القومية الإلهية 0
الاحتمال الثانى للمأساة : قدر حتمى لا مهرب منه : للإنسان الذى هو القوة الأضعف يخالف الله الذى هو القوة العليا أو يتحدى مشيئتها ، ولا يظهر ذلك جليا من البداية التى قد نرى فيها هذا الإنسان السعيد ذا المكانة الكبيرة أو حتى المتواضعة يقاوم شرا أو خطرا أو بلية ما ، هو يعد لها ويقاومها من أجل ألا تقع به وتسبب له التعاسة والحزن والألم أو تفجعه فى حياته أو تهدد سعادته أو تضرب أسباب قوته ، مما يحملنا على الخوف على مصيره المرير الذى من الممكن أن يلاقيه حال فشله فى دفع الضر عن نفسه ، لأننا في بداية الأمر نتوهم ونحسبه ونعده أنه فاضل ونبيل وبريء ومطيع لله ، ولكن مع توالى أعماله التى تكشف فعله وتستبين جوهره نعرف أنه يخالف الله ويعاند مشيئته ويخالف أوامره {إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } [ غافر ] ويصر على عناده وتكبره وغروره مختالا بقوته معتمدا عليها يعاند من لا يعاند ، ويصارع من لا يصارع ، ويغالب من لا يغلب ، ويتفوق على من لا يستطيع التفوق عليه ، ويكسب من الذى لا يخسر أبدا , و يدخل فى حرب خاسرة لا يستطيع كسبها أبدا ، ومع ذلك يعاند ويكابر ويدخلها على أمل ، مخيلا إليه أنه باستطاعته منازلتها ومغالبتها يقبل الصراع معها وعنادها ، وهو الذى يسير فى الطريق الشاق المحفوف بالمخاطر المهولة والأشواك العظيمة والموانع الكبرى بكل ثقة وعناد وصبر وعزيمة قوية وعمل مشين ومقاومة جبارة لكل قوى النبل والرحمة ، وتحد كبير وصراع مع القوة العليا ، يشترى عداوتها ويجلب غضبها ويثير سخطها ويستنفد شفقتها ويفقد رحمتها ويخسر كرمها ، وهو ما يسحب من رصيد العطف والرحمة والمؤازرة والشفقة والخوف والحزن عليه ، تلك المشاعر الإنسانية الطبيعية التى تتجلى بوادرها وتتولد فعالياتها من مبعثها وتولدها وإثارتها من مكامنها داخلنا نحن ، من أجل قوة ضعيفة إنسان مثلنا لم نعرف حقيقته بعد ، تدخل فى صراع مع قوة عليا كبرى تفوقها ، ولكن سرعان ما ينسحب هذا الرصيد وتتبخر تلك المشاعر المتولدة إلى عكسها من الذم والقدح ,عندما ندرك أنه هو نفسه الذى لديه ميل بقبوله دخول الصراع بنية مبيتة وعزيمة غير مهتزة مخالفا لما هو عليه سائر القوى الضعيفة التى تطلب مساعدة القوة العليا لا الصراع معها ، وهو الذى لا يقدر عليه حتى لو بذل عظيم البذل ، وليس لديه أى ميل أن يخسر أمامها أو أن يتصالح معها ويعترف بقوتها وسطوتها وتسيدها وتفردها ، وهى التى تصطبر عليه وتمد له فى غيه مدا عساه يتراجع أو يتوقف أو يتوب عن عنادها ، تفرد له جناح الرحمة وتمد له يد الصلح وتفتح له باب التوبة ، وتخلق له جسور الرجعة ، ولكنه يواصل عناده وصراعه متخيلا أن بمقدوره مجابهتها ومصارعتها والتفوق عليها والنجاح بدونها ، فتمتحنه لتذكره وتنبهه بعظيم قوتها ومقدرتها وسكوتها وإرادتها - تمتحنه فى أسباب سعادته وأدوات قوته ، توقع به ألما شديدا ليعيد حساباته ، وتمنيه بخسارة كبيرة فيهما أو فى إحداهما ليحزن ويستفيق من عناده ويعرف قدر نفسه ، كما تؤكد على نيته السيئة وعزمه الخائب لتقدر عليه العقاب من عدمه ، مع أن علمها مسبق ، تعرف كل تحركاته وسكناته وحتى ما يفكر فيه من حديث سرى بينه وبين نفسه تطلع عليه وتعرفه قبل أن يفعله ؛ لأن علمها محيط بكل شيء ، فيسقط فى الامتحان ولا يصبر على ما أصابه فيهب يستعيده ، مستغنيا عن القوة العليا متحديا لها ، مستعينا بقوى أخرى ضعيفة تزيده فى عناده وضلاله ، ولا تتركه القوة العليا يفعل ما يشاء دون أن تنازله وتصارعه وتخاصمه وتكرهه وتعانده وتوقع به فتنزل غضبها وعقابها، ومن ثم تفرض سيطرتها وقوتها وجبروتها تقسمه ، وتفجعه فى نفسه فجيعة كبرى تقضى على حياته ، وإن أمهلته متسعا من الوقت والعمر والجهد والصحة تؤلمه أشد ألم وتحزنه أشد حزن لتجعله يعترف بخسارته ويقر بندمه ، ليعترف قانعا ومرغما ومجبرا بتفوقها وقوتها وسطوتها ، طالبا صفحها وغفرانها ورحمتها ، ولكنها لا تمهله فسحة أخرى ليعرف رأيها 0
وبذلك تكون مأساة ليس لبطلها أى نوع من النبل والعظم والاحترام والتبجيل والتهليل والمدح ؛ لأنه هو الذى عاند وكابر وقبل أن يدخل فى صراع قوى هو لا يقدر عليه آملا أن يفوز فيه ويحقق فيه الانتصار ، وهذا مبعث العطف والشفقة والحزن من الذين لا يعرفون الله ولا يؤمنون به ولا بعدله ورحمته وغفرانه وصبره فلا يفوز ولا ينتصر ويقهر ويغلب وهو يستحق ذلك بكل تأكيد وهذا من وجهة نظرنا نحن المؤمنين بالله المطيعين له ؛ لأنه لم يتحل بالعقل الرشيد ولا الروية المطلوبة ولا الخلق الرفيع ولا الاحترام الواجب ولا الإيمان المطلوب ، ولا الصبر العظيم ، وهذه الصفات مبعث عدم العطف ولا الشفقة ولا الحزن عليه - منا نحن المؤمنين - ولو بدرجة من ذلك ؛ لأننا ندرك من داخلنا أنه يستحق ذلك نتاج عمله ، وأن ما حدث لم يكن مفاجأة له ولا لنا ، لإدراكنا أنه ولا غيره بوسعه أن يكسب أو ينجو من هذا المصير التعس الذى جنته يداه بنية مبيتة منه لم تكن قدرا محتما عليه ، بل هو الذى استدعى هذا القدر الحتمى وفرضه على نفسه 0 وهى تخص بطل المأساة السوداء بنوعيها0
الاحتمال الثالث للمأساة : قدر محتمل على البعض دون الآخر:
وهى قدر محتمل على بعض الناس ، ولا يستطيع الإنسان المقدر عليه ذلك الفكاك منه على الإطلاق فهو نازل به لا محالة مهما فعل ومها أوتى من قوة ومن أسباب نجاح وتفوق غير مدرك ولا عارف به ، ولكنه يستطيع أن ينجح فى الابتلاء ويتحمل آثاره التى يرفل فيها أن يدحرها ويلتمس طريقا للنجاة منها بمجهود جبار وصبر عظيم ونية صادقة وعمل نبيل وطاعة كبرى ، ويسير بهذا العزم الكبير فى طريق غير محفوف بالمخاطر لأنه يتجنب الصدام مع القوة العليا غير معاتب لها على ما أنزلته به مستعينا بها على ما قدرته وفرضته عليه ، متذللا لها أن تساعده لترفع عنه آثار البلوى والطامة الكبرى التى حلت به ، وهو لديه يقين أنها لن تبخل عليه بالمساعدة والمساندة ولن ترده خاسرا ولا نادما ، مادام معترفا بتفوقها وقدرتها وتفردها وغلبتها ، مقسما متعهدا ألا يعاندها أو يخرج عليها أو يصارعها أو يجابهها ، والانسحاق أمام سطوتها وجبروتها وتسيدها ، شاكرا لها على ما أنزلته به ، راضيا بحكمها وقضائها ، آملا أن ينال رضاها وعفوها وسماحها ، عن طيب خاطر وبدون تذمر ولا غضب ولا عصيان فينال مساعدتها وشفاعتها ورحمتها ومؤازرتها ورضاها ، فتخفف عنه ما هو فيه ، وتعيد له أسباب سعادته وأدوات تفوقه أو تعوضه بغيرهم ، وبذلك يستطيع معاودة استكمال حياته وما كان عليه من سعادة ونجاح وتفوق ، ويواصل طريقه نحو الحاجة التى يريد أن يحصل عليها والهدف الذى يريد أن يحققه ، وتساعده القوة العليا فى ذلك أيما مساعدة ، ولكنها بغير أسباب معروفة تفجعه وتنهى حياته بطامة كبرى ونهاية مؤلمة 0 إنه قدر من الله عليه ، والقدر من الله من أسراره العليا ، ومن الغيبيات التى ليس لنا الحق فى الجدال ولا حتى السؤال فيها ، وذروة الإيمان فيها أن نسلم بها 0 وتخص بطل المأساة الإلهية بنوعيها0
التفاسير الأربعة للمأساة :
التفسير الأول : إنسان يميل أن تنتهى حياته بفاجعة 0{لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ } [ المائدة ] هل كان هابيل لديه ميل نحو أن تنتهي حياته بفاجعة ؟؟! نعم ؛ لأنه لم يقاوم التهديد ، ولم يدافع عن نفسه مع أن ذلك مشروع ومباح من الله لكن انظر كيف تصرف هابيل ، أفرط فى المسالمة والتسامح وعدم الممانعة بقناعة وتقوى غير عاديين إلى أبعد حد فى أشد المواقف ، بتهديد صريح وواضح وجدي لحياته بالقتل 0 وهل كان قابيل يتحدى مشيئة الله وحكمه ، نعم 0
وهو الإنسان المسالم الخير الذى لا يرد الظلم عن نفسه بظلم مثله ، آثرا عدم غضب الله متسامحا فى أعلى درجات التسامح ، غير مشته للانتقام أو رد الأذى بأذى مثله ، نبيلا إلى أعلى درجات النبل0 وهو الذى يحافظ على طاعة الله وعدم مخالفتها مهما حدث وتعرض له , ويدخل فى صراع مع قوة أخرى لها من المكانة والقوة والجبروت والطغيان والتمكن والحقد والحسد والكراهية والبغضاء ، وبأنواع كل الحيل الممكنة والإغراء ، مما يجعل مجابهتها والانتصار عليها به من الصعوبة ما به ، ومع ذلك لا يتراجع بل يصر ويبذل فى سبيل ذلك تمام البذل ، ويقاوم فى ذلك تمام المقاومة سواء مقاومة متطلباته وشهواته وغرائزه التى تخالف أوامر الله ونواهيه وتحضه على التراجع ، ولا يتحصل عليها إلا بما يرضى الله ويوافق شرعه ومنهاجه ، ويقاوم قوى الشر الأخرى مثل الشيطان الذى هو عدو مبين للإنسان وظاهر عداوته يريد أن يشده إلى طريق الغواية والضلال ومعصية الخالق ، فيواصل المقاومة والصراع ويتمسك بطاعة الله ونيل رضاه ، مستعدا أن يضحى بنفسه فى سبيل ذلك على ألا ينال عقابه ، آثرا مشتهيا جزاءه الجميل وأجره العظيم المستوفى لجميع من يطيعه ويتمسك بالإيمان به ، مؤمنا بوعد الله الذى لا يخلف ، وعهده الذى لا ينقض ، مفضلا خسارة الدنيا مكتسبا نعيم الآخرة 0 وتخص بطل المأساة الإلهية بنوعيها0
التفسير الثانى : إنسان لديه إصرار أن تنتهى حياته بفاجعة : {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ } [ آل عمران ] وهو المجاهد فى سبيل الله تجد بداخله إصرارا وعزيمة ونية صادقة ، وأن غاية ما يتمنى أن يستشهد فى سبيل الله ، أو سبيل الوطن ، أو سبيل قيمة كبرى ، أو هدف نبيل ، أو قضية عظيمة ، شرط طاعة الله ، وهو من أصحاب النفس المطمئنة ، أو اللوامة الذى يتقرب إلى الله بهذا الجهد الكبير، وهو ما يصلح فعلا أن يكون بطل مأساة عظيمة ، تنتهى القصة بحزن جميل ، حزن من نوع يمتزج فيه الحزن مع الفرح ، ولا تستطيع أن تفصل بينهما ، فإذا ما حزنت أنه قتل سرعان ما تتذكر أنه من أهل الجنة، حزن لنا لا له ، إنه حتما سيكون سعيدا لأن ذلك ما كان يصبو إليه وما يهدف وقد تحقق له ما يريد ، ويرجع الحزن لنا من نوع خاص وإنه حزن جميل لأنه يشعرنا بشرف انتسابنا للإنسان الذى كرمه الله وفضله على جميع الخلائق ، وثانيا أننا ندرك ونعرف أن هذا الشهيد سيدخل الجنة وينعم ويخلد فيها ، ثالثا أنه سيكون مع الأنبياء والصديقين فى الجنة ، رابعا قد حكم له الله حكما لا يتبدل ولا يتغير ومستوفى منه تعالى تؤكده الآية السابقة0 وتخص بطل المأساة العظيمة بنوعيها 0
التفسير الثالث : إنسان ليس لديه أدنى ميل أن تنتهى حياته بفاجعة
{أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِ اللّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ فَمَا لِهَـؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً } [ النساء ]
من كتابى
أسس وقواعد الدراما من القرآن الكريم
يباع لدى مكتبة ، حراء ، الآداب ، المكتبة الأزهرية ، الأنجلو ، مدبولى
المصدر: بقلم فتحى حسان محمد
أسس القصة بصفة العموم الروائية والدرامية:
البداية - الابتلاء - الزلة - العقدة - الانفراجة - التعرف - النهاية
القواعد : الصراع - الحبكة - التغير - الانقلاب - اللغة
المكونات : الاحداث - المكان - الزمان - المؤثرات - الفكر - الفكرة
ساحة النقاش