جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
الفصل العاشر
اصل مأساة (تراجيديا) المعاناة
( قصة أيوب )
هى ابتلاء عظيم {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ }ص41 ] من الشيطان ، أو من الناس ، واقع بفعل مؤلم ومثير ومدهش ومفزع وغامض وهالك، يسبب تعب وشقاء وآلام فى الجسد ، واعتلال فى الصحة ، ونقص فى المال ، وبغض من الأهل وفقد فى الولد 0 يقع على شخصية عظيمة ونبيلة {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ }ص41] فيصبر ويحتسب 0وله حاجة يريد أن يحصل عليها {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ }الأنبياء83 ] أن يكشف الله عنه هذا الضر0 وهدف يريد تحقيقه يتعارض مع حاجة نفسه ، فينشأ الصراع الداخلي النفسي المرير ، ما بين الطاعة والصبر والاستغفار والذكر والحمد والتسبيح ، وما بين الكف عنهم والعصيان 0 ثم صراع خارجى مع آخرين لا يحتملونه ولا يريدونه بينهم ، فيقومون بفعل مفزع للوقوع به يهددون حياته ، حيث القوه على مزبلة لبنى إسرائيل تختلف الدواب فى جسده - فنخاف عليه - ويزداد الصراع إلى أشده الابتلاء يصيب الإنسانة الوحيدة التى تعينه وتكون له السند ، وهى زوجته التى تعوله وتقوم بمصلحته تضعف وتعتل صحتها ، ويقل مالها ، فتلجأ إلى الخدم فى البيوت0 فيتآمرون عليهما للوقيعة به ، فيرفضون استخدام زوجته عندهم لعلمهم بمرضه وخوفا أن ينالهم بلاءه ، أو تعديهم بمخالطته 0 فيضعون له العقبة في طريقه فيصبح في أزمة يحاول التغلب عليها ويلتمس الأسباب والسبل الممكنة المحتملة أمامه وفى حدود مقدرته العقلية والجسدية فيصبر ويحتسب وهو يعانى قمة المعاناة ، حتى جاءا إخوان له يوما فلم يستطيعا أن يدنوا منه من ريحه فقاما من بعيد فقال أحدهما لصاحبه : لو كان الله علم من أيوب خيرا ما ابتلاه بهذا ، فجزع أيوب من قولهما ، وحزن حزنا شديدا، وزوجته لا تجد مالا تشترى له به طعام طيب ، ويحاول أن يجتاز هذه العقبة بكل السبل ، فتبيع زوجته ضفيرة شعرها بطعام طيب ، فيضعون أمامه عقبة أخرى في مكان أخر بدهاء ومكر وحيلة فتبيع ضفيرتها الثانية 0 فيمتحن في أخلاقه وقيمه وقوته وعقيدته ويسأل زوجته من أين لك بثمن هذا الطعام ، فتقول له : خدمت عند أناس ، فانكره وحلف لا يأكله حتى تخبره من أين لها هذا الطعام ؟ فتكشف عن رأسها خمارها ، فيرى رأسها محلوقا ومع ذلك ينزع إلى الزلة بأن يقسم أن يضرب امرأته عند شفاءه مائة سوط 0 فيدعو الله و يصطبر ويتحمل و يذكر الله ويشكره ليستجيب له الله ، ليحقق حاجته بدون ضرر ومع ذلك يوقعون به أزى نفسي يعانى منه طويلا بلغ سنين وهو يصطبر ، وتنسد أمامه كل الطرق حتى من أخوته الذين قالا : لو كان الله علم من أيوب خيرا ما ابتلاه بهذا0 ويضعونه في أزمة نفسية أخرى خانقة تكون العقدة 0 ويحاول التغلب علي ألآمه وبعد الناس عنه ، ووسوسة الشيطان ، فيصبر ويداوم على الذكر والاستغفار ، ليخرج منها منتصرا فينازع وينازل ويحاول فى حدود مقدرته وما تبقى له من قلب ولسان يذكر ، فيلجا إلى الله، ويقول : اللهم إن كنت تعلم انى لم أبت ليلة قط شبعانا وأنا اعلم مكان جائع فصدقني ، اللهم إن كنت تعلم انى لم يكن لى قميصان قط وأنا اعلم مكان عار فصدقني ، اللهم بعزتك وخر ساجدا فقال : اللهم بعزتك لا ارفع راسي أبدا حتى تكشف عنى ياتى الحكم من الله {نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ }ص44] ويستجيب الله له وتحدث الانفراجة فما رفع رأسه حتى استجاب الله له ، وصار يستطيع بعض الحركة ، و يسمع صوت الوحي من الله يقول له ،{ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ }ص42 ) فيمتثل لأمر الله فيضرب الارض برجله فانبع الله عينا باردة من الماء يدرك أن بها العلاج الكامل ، فيغتسل فيها ويشرب منها ، فيذهب عنه الله ما كان يجده من الألم والأذى والسقم والمرض 0 الذي كان فى جسده ظاهرا وباطنا ، وأبدله الله كله صحة ظاهرة وباطنة ، وجمالا تاما ومالا كثيرا ، حتى صب له من المال صبا ، وتغير مجرى طريقه نحو هدفه وألبسه الله حلة من الجنة، فتنحى أيوب وجلس فى ناحية ، فجاءت امرأته فلم تعرفه ، فتقول : يا عبد الله 00اين ذهب هذا المبتلى الذي كان ها هنا ؟ لعل الكلاب ذهبت به أو الذئاب ، وجعلت تكلمه ساعة التعرف فقال : ويحك أنا ايون ، قالت : أتسخر منى يا عبد الله ؟ فقال : ويحك أنا أيوب قد رد الله علي جسدي وعافاني الله عز وجل ولابد أن افى بقسمي ولا احنث {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ }ص44 ) قد أفتاه الله عز وجل أن يأخذ ضغثا وهو كالعقال الذي يجمع به الشماريخ ، فيجمعها كلها ويضرب بها زوجته ضربة واحدة، ويفعل ؛ فيقربه -عدم الحنث – وإطاعة الأمر والوفاء بالقسم كل التقرب من حاجته وهدفه وتكون النهاية يصل إلى هدفه بعدم انقطاعه عن الذكر ، وعدم كف لسانه الاستغفار ، وما تبقى من جوارحه ألفاعله عن العبادة ، ويمن عليه الرحمن بالرحمة الكبرى العظيمة ويرد له أولاده وماله ويعافى ويصبح غنيا كما كان{وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَى لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ }ص43 ) تمت0
نستنتج من القصة :
1- تحققت فيها شروط وأصول وقواعد وقوانين وأهداف ومكونات ونتائج القصة0
2- التعرف على حقيقة القدرة الإلهية ، وحقيقة الماء، والتحقق الكامل للوعد من أن جزاء الصابرين على شدة البلاء المحتسبين الذاكرين ، كيف يفي الله بوعده ويتحول حالهم من الشقاء إلى النعيم المقيم فى الدنيا والآخرة 0 وأداة التعرف هى الماء الذي حوله من مريض كامل لا يقوى على شىء إلى صحيح معاف شاب ، والتعرف هنا تعرف بالاستنتاج واليقين وأنتج تحولا0 من الإعلال إلى الصحة ، والتعرف على حقيقة الماء كعلاج
3- أنها اشتملت على التغير في حال الشخصية من حال التعاسة والبؤس إلى حال السعادة والنعيم0
4- ومن ضمن عظم مأساة المعاناة أن من الأفعال فعل مطمأن لا مفزع ، مع انه بدا مفزع ، عندما يخرج الماء وينتشر ويحاط من لا يستطيع الحركة ، ولكن التعرف بالاستنتاج ، تحول الماء من قوة هالكة – فى بعض الأحيان – وتعداه إلى غير طبيعته ليكون علاج وهو مستحيل وصار ممكنا 0
5- اعتمدت جميعها فى النصف الأول من القصة على المعاناة الباعثة على قمة الشفقة التى تحض على التضرع إلى الله بابتهال وإذلال من البطل ، ومنا نحن الجمهور المشاهد0
6- حاجة واحدة ، وهدف واحد0
7- التغير من الشقاء إلى السعادة ولا يصح غير ذلك0
8- النهاية الواحدة ولا تكون إلا سعيدة0
9- خلق المعانات بكل أنواعها النفسية والجسدية ، ومن العوز والحاجة والفاقة والعمل ، ومن الأولاد والمال وغيرهم0
10- أن المعاناة لا تشمل البطل وحده فمن الممكن أن تشمل تابعيه من الدرجة الأولى 0
11- تعتمد على الصبر وقوة التحمل 0
12- لا تعتمد على رد الفعل وهو الانتقام ، بل التسامح فى أعلى درجاته والعفو 0 13- أن التعرف لا يشترط أن يكون بين شخص وشخص ، بل بين الشخص واى فعل أخر يكون الفعل ينتج له مثل تعرفه على شخص ، حيث يكون الفعل أو الشخص آدات مساعدة كبيرة تعينه على الوصول إلى حاجته وتحقيق هدفه0
المصدر: فتحي حسان محمد
أسس القصة بصفة العموم الروائية والدرامية:
البداية - الابتلاء - الزلة - العقدة - الانفراجة - التعرف - النهاية
القواعد : الصراع - الحبكة - التغير - الانقلاب - اللغة
المكونات : الاحداث - المكان - الزمان - المؤثرات - الفكر - الفكرة
ساحة النقاش