جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
الفصل الرابع عشر
معنى المأساة من القرآن الكريم
المأساة
المأساة أى الحزن حتى نقف على حقيقتها :
أولا : من المتسبب فى الحزن ؟!! إنه الفاعل نفسه0
{أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى{38} وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى{39} وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى{40} ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاء الْأَوْفَى{41} وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى{42} وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى{43} أنه لا تؤخذ نفس بإثم غيرها ، ووزرها لا يحمله عنها أحد ، وأنه لا يحصل للإنسان من الأجر إلا ما كسب هو لنفسه بسعيه، وأن سعيه سوف يُرى ، فيميَّز الله حَسَنه من سيئه ؛ تشريفًا للمحسن وتوبيخًا للمسيء 0 مما يُجزى الإنسان على سعيه الجزاء المستكمل لجميع عمله ، وأنَّ إلى ربك -أيها الرسول- انتهاء جميع خلقه يوم القيامة. وأنه سبحانه وتعالى أضحك مَن شاء في الدنيا بأن سرَّه ، وأبكى من شاء بأن غَمَّه نتيجة عمله 0
{وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا{1} وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا{2} وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا{3} وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا{4} وَالسَّمَاء وَمَا بَنَاهَا{5} وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا{6} وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا{7} فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا{8} قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا{9} وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا{10}أقسم الله بالشمس ونهارها وإشراقها ضحى ، وبالقمر إذا تبعها في الطلوع والأفول ، وبالنهار إذا جلَّى الظلمة وكشفها ، وبالليل عندما يغطي الأرض فيكون ما عليها مظلمًا ، وبالسماء وبنائها المحكم ، وبالأرض وبَسْطها ، وبكل نفس وإكمال الله خلقها لأداء مهمتها ، بيَّن لها طريق الشر وطريق الخير ، قد فاز الإنسان مَن طهَّر نفسه ونمَّاها بالخير ، وخسر مَن أخفى نفسه في المعاصي0
مما سبق لكى أستدل منه هنا فى موضع قضيتنا أن الله هو الذي يضحك الإنسان بأن يسره وأن يبكيه فيحزنه ، فهل هذا قضاء وقدر من الله على الناس ؟! أم تقدير وإلزام وفرض لا فكاك منه ؟! هذه هى الإشكالية الكبرى القضاء والقدر الذي هو من شعب الإيمان الست ، قضية شائكة ، ولقد أسهب فيها العلماء والشراح والوعاظ وغيرهم وذهبوا إلى معان كثيرة للأسف الشديد شتّت الناس وحيرتهم ، ما بين أن الله يكتب كل شىء على الإنسان ، السعادة والشقاء ، والفرح والحزن الرزق والعمر ، الكفر والإيمان وغيره بما لا حصر له ولا دخل للإنسان فيه، حتى شك الناس أن أفعالهم ليسوا مسئولين عنها لأنها قدر أى فرض من الله عليهم حتى من يرتكب المعاصي يتعلل بذلك ، وهذا ليس صحيحا كل الصحة ، ثم التخويف الشديد لمن يقول نحن نمتلك حرية أنفسنا فنحن مخيرون ولسنا مسيرين نفعل ما نشاء ولذا نحن مسئولون عن أعمالنا وأفعالنا ، وهذا قول فيه الكثير من الصحة والصواب أيضا ، أو من يزاوج بينهما وهذا فيه بعض الصواب أيضا 0
أولا يجب أن نعرف و نفرق بين معاني الكلمات : القضاء ، القدر ، التقدير أو الفرض ، فإن القضاء غير القدر، والقدر له معنيان منطوق الحكم ، والفرض أو التقدير 0 إذ إن القضاء هو الفصل فى القضايا والحكم فيها {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً }النساء65 ] 0 أقسم الله تعالى بنفسه الكريمة أن هؤلاء لا يؤمنون حقيقة حتى يجعلوك حكمًا فيما وقع بينهم من نزاع في حياتك ، ويتحاكموا إلى سنتك بعد مماتك ، ثم لا يجدوا في أنفسهم ضيقًا مما انتهى إليه حكمك ، وينقادوا مع ذلك انقيادًا تاماً ، فالحكم بما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكتاب والسنة في كل شأن من شؤون الحياة من صميم الإيمان مع الرضا والتسليم0
القضاء هو ساحة الحكم الذي يُفَصْل فيه فى القضايا وهذا هو المعنى الأعم ، والقاضي هو الذي يقضى بين الناس بالعدل أو يحكم بين المتخاصمين وهذا هو المعنى الأخص ، وعبر الله بالأعم ونستدل منه نحن الأخص ، إذ لا يمكن أن تكون هنالك ساحة قضاء أى محكمة ولا يكون فيها القاضي الذي يحكم بما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكتاب والسنة في كل شأن من شؤون الحياة!! ، وهذا المعنى مشاع ومعروف للعامة قبل الخاصة ولا خلاف ولا جدال فيه ، إن القضاء يتم فيه الفصل فى القضايا بالحكم فيها0
أما القدر فهو منطوق الحكم لهذه القضايا - وهو محل عدم الفهم من البعض للأسف الشديد وجاء منه الالتباس - ولذا جاء القدر ملازما للقضاء ولا ينفصلان أبدا ، أى منطوق الحكم لا بد أن يكون تابعا ويلي الحكم ، وهذا يقودنا إلى حتمية الإيمان بالقضاء والقدر أى الإيمان بالحكم ومنطوق الحكم ؛ لأن بالقضاء يتحقق العدل بين الناس ، بين المتخاصمين الفاصل بينهما كتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، فما بالك وأن الحاكم والفاصل والقاضي فى القضايا بين الخلق هو القاضي الأعظم الله الذي هو العدل نفسه ، لذا صار القضاء والقدر المتحققين من الله من شعب الإيمان به ؛ لأن الله تعالى هو الحَكَمْ ، هو القاضي ، هو من يفصل فى القضايا وهو واجد القضاء ، وهو من يصدر منطوق الحكم ، وهو مالا يجوز الشك فى حكمه لأنه عادل وعدله مطلق، لأنه عالم وعلمه مطلق ، وهو العدل وهو العادل ولذا حكمه أى قدره كذلك ، مما يستوجب على المحكوم عليه أن يرضى بهذا الحكم ولا يشك فيه قيد أنملة أن به شيئا من الهوى أو قدرا ضئيلا من الظلم ؛ لأن الله ليس بظلام للعبيد وعملهم لا يزيد فى ملكه شيئا ، ولا ينقص من ملكه شيئا ، ولا هو تعالى يريد شيئا من العبد فلماذا لا يكون عادلا ؟! ومن أى باب من الممكن أن يدخل الشك ؟! وهذا ما يستوجب الإيمان التام بحكمه أى القضاء وبمنطوق حكمه أى القدر ، ولذلك جعل الرضي بحكم الله من الإيمان ، وعليه ينصرف الإيمان فى جميع ما يحكم الله من قضايا وفى الأمور كلها عاجلها وآجلها ، لأن لديه علمه الكامل والإنسان لا يزال فى بطن أمه ، وكل شىء مكتوب فى اللوح المحفوظ الذى لم يطلعه على أحد من خلقه ، ولذا عندما يحكم الله فى قضية لا يحتاج إلى شهود ، ومع ذلك يطلب الشهود - يوم القيامة يوم الحساب الأعظم - من أعضاء جسم الإنسان نفسه لا من غيره {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }النور24] ، لتكون البينة والشهود أمام من يحاكم من نفسه التى لا يستطيع هو نفسه أن يكذبها 0
القدر له معنيان الأول معناه منطوق الحكم فى القضايا0 والمعنى الثانى الظاهر وهو الفرض الذي انصرف جهد العلماء والشراح فيه ولم يدركوه حق إدراكه وحسمه ، وهو الذي سيحل الإشكال ويوضح المعنى ويجلى الالتباس ويريح الجميع بإذن الله ، القدر أى الفرض أو التقدير معناه ما أوجبه الله على نفسه تجاه جميع الخلائق الإنسان منها والحيوان وحتى الجماد ، ومنها كفل الرزق والحياة والعمر والموت وغيره مما يجعل الإنسان لديه الحدود التى يستطيع أن يعيش بها ويؤدى الفرائض ويُمْتَحَنْ فيها أى يبتلى وما يثبت هذا الكلام الآتي :
{الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً }الفرقان2] الله الواحد الأحد الذي خلق كل شيء – جميع الخلائق - فسوَّاه على ما يناسبه من الخلق وَفْق ما تقتضيه حكمته دون نقص أو خلل0وهذا فرض على الله للمخلوق0
{وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ }يس38] آية وعلامة وبيان أمام أعيننا الشمس تجري فى مجراها ، فى طريقها المرسوم لها ، تقدَّير الله لها لا تتعداه ولا تقصر عنه ولا تغيره ولا تعدله ؛ لأن ذلك فرض العزيز الذي لا يغالَب ، العليم الذي لا يغيب عن علمه شيء0
{اللّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقَدِرُ }الرعد26] الله وحده المتحكم فى الرزق يوسِّع الرزق لمن يشاء من عباده ، ويضيِّق على مَن يشاء منهم ، وليس لنا أن نسأل لماذا 0
{وَاللّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْرِّزْقِ }النحل71] الله فَضَّل بعضنا على بعض فيما أعطانا في الدنيا من الرزق ، فمنا غني ومنا فقير ذلك تقدير الله علينا ، والكل لابد أن يرضى بما قسمه الله له وتقدير الله له على ما أعطاه لحكمة منه لا يجوز أن نتجاوز حدودنا ونسأل لماذا 0
{كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ}آل عمران185 ] فرض على العمر له نهاية ، كل نفس لا بدَّ أن تذوق الموت 0
ولما كفل و فرض الله على نفسه تعالى للناس من مثل ما سبق من الرزق والعمر وغيره ، أوجب أو قدر أو فرض أو تقدير حتمي على الإنسان وهو الابتلاء، وما من أحد بوسعه الفكاك من هذا القدر أى الفرض أبدا ، من أجل أن يعرف الله المحسن من المسيء ، المؤمن من الكافر ، وهو علام الغيوب ولكن ليقيم الحجة علينا وليجزى المؤمن بإيمانه فى الدنيا بأن يسره منطوق الحكم من أنه نجح فى الابتلاء فله السعادة فى الدنيا والآخرة بالجنة 0 ويعاقب الكافر بكفره فى الدنيا بأن يغمه منطوق الحكم هذا ويجعله يحزن لخسارته وسقوطه فى الامتحان وفى الآخرة النار0
وإليكم الأدلة :
{الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ }الملك2] الذي خلق الموت والحياة ؛ ليختبركم - أيها الناس- أيكم خيرٌ عملا وأخلصه؟ وهو العزيز الذي لا يعجزه شيء ، الغفور لمن تاب من عباده0 وفي الآية ترغيب في فعل الطاعات والنجاح فى الابتلاء ، وزجر عن اقتراف المعاصي والسقوط في الابتلاء ، لأن الابتلاء سنة مؤكدة مفروضة من الله على جميع خلقه من البشر ؛ لأن الإنسان وحده هو الذي قبل حمل الامانة0
{وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ }البقرة124 ] اختبر الله سيدنا إبراهيم بمجموعة من الاختبارات أو الامتحانات أو البلاء أو الابتلاءات كما وضحناها واحدة تلو الأخرى عند تناول المأسملهاة الشخصية ، فأدَّاها وقام بها خير قيام ، وحكم الله له أنه نجح فى الامتحانات بجدارة غير منقطعة النظير ، ومنطوق الحكم هذا من الله سر إبراهيم ، وسرور وفرح الله منه للدرجة التى قال له: إني جاعلك قدوة للناس0 قال إبراهيم: ربِّ اجعل بعض نسلي أئمة تفضلا منك ، فأجابه الله سبحانه أنه لا تحصل للظالمين الإمامةُ في الدين ولكن ستكون الإمامة من الصالحين من ذريتك ، وكما نعلم أن الأنبياء جميعا جاءوا من نسل سيدنا إبراهيم ، أنبياء العجم – اليهود - من ابنه إسحاق ، والنبي الخاتم من العرب محمد صلى الله عليه وسلم من ولده إسماعيل0
وعد من الله أوجبه على نفسه نظرا لما فرضه وقرره وألزم به خلقه من امتحان شاق وصعب أنه من يزل منهم أثناء الامتحان ، أى يخطئ غير عامد ولا قاصد أن يغفر له هذه الزلة ، وقد شرحناها كثيرا فى الفصول السابقة وفى أسس القصة 0 أما إذا زل وهو قاصد ومتعمد فتصبح خطيئة كبرى لا تغتفر وسيحاسبه الله وسينزل به العقاب لا محالة فى الدنيا والآخرة ، وهذا حتمى يعرفه كل الناس المؤمنين منهم والعاصين وحتى الكافرين 0 وعليه أن الإنسان فى حالة ارتكابه الجرم أو الخطيئة عامدا متعمدا أوجب على نفسه العقاب من الله {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ }المدثر38] ؛ لأن كل نفس بما كسبت من أعمال الشر والسوء محبوسة مرهونة بكسبها وفعلها وقولها ، ولا يفك رهنها وأسرها حتى تؤدي ما عليها من الحقوق والعقوبات0 أما إذا ما ارتكب الخطيئة غير عامد ولا قاصد منحه الله فرصة أخرى بأن فتح له بابا للتوبة ، فله أن يتوب لأن الله تواب رحيم {وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ }التوبة118 ] تاب الله على الثلاثة الذين خُلِّفوا من الأنصار -وهم كعب بن مالك وهلال بن أُميَّة ومُرَارة ابن الربيع- تخلَّفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وحزنوا حزنًا شديدًا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بسَعَتها غمًّا وندمًا بسبب تخلفهم ، وضاقت عليهم أنفسهم لِمَا أصابهم من الهم ، وأيقنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ، وفَّقهم الله سبحانه وتعالى إلى الطاعة والرجوع إلى ما يرضيه سبحانه. إن الله هو التواب على عباده الرحيم بهم0
البرهان :
نستلهم ونستدل بالدليل القاطع أن الله يسر الإنسان فى الدنيا عندما ينجح فى الابتلاء الذي سلك فيه الطريق القويم الصالح مؤمنا بالله وسنة نبيه غير مخالف ولا عاص لهما ، صابر محتسب شاكرا لله على ما ابتلاه به ، مقاوم للشيطان ولم يطعه وأحرقه ، فيثيبه الله الجزاء بأن يحكم له أنه نجح فى الابتلاء ، ولذا منطوق الحكم هذا يسر ويسعد ويفرح المبتلى الناجح فيه 0 بينما من سقط فى الابتلاء الذي لم يتحمله ولم يصطبر وأجهد وتسرع و سلك الطريق المعوج الفاسد عاصى لله ولرسوله غير قابض على دينه ، حكم الله عليه أنه سقط فى الامتحان ، مما تستلزم العقاب ومنطوق الحكم هذا يحزن ويغم ويؤلم المبتلى الذي سقط فيه0
إذن الإنسان يعرف ويعلم تماما أن الله قدر أى فرض عليه الابتلاء حتى يعرف حقيقة إيمانه ومنه يستطيع حسابه نتاج عمله وفعله وقوله وطرقه التى يسلك ، فإن نجح فى الابتلاء وحكم الله له بذلك فسينعم ويسر ويفرح بحكم الله وسيكون سعيدا ، يحقق السعادة - ويعينه الله فيها - بنفسه ولنفسه ، ولله الذي أسعده وأفرحه إيمان عبده به وبحبيبه محمد صلى الله عليه وسلم 0 بينما لو سقط أوجب على نفسه العقاب – وسيشدد الله عليه - وأقله الحزن والغم والآلام والمعاناة فى الدنيا ظاهرة له فى نفسه بالأمراض مثلا ، وفى ماله بفقده وخسرانه، أو ولده بأن يكون عاقا به ، أو غيره ، المهم أنه سيعرف أن الله غاضب عليه ، وأن الله يزيده فى الحزن إن لم يرتدع ويتوب ويستغفر الله0
وتكون تلك القاعدة الحاكمة الفيصل التى لا تقبل الشك ولا التأويل 0أن الإنسان مخير ويمتلك قرار نفسه ، ويعمل بإرادته الحرة ، ومفروض عليه الامتحان تقدير وأمر وفرض وسنة من الله ، لا يستطيع أحد الفكاك منه إلا ويدخل غماره وهو غير مسلوب الإرادة و لا غير عارف وعالم بما يجب أن يفعله وما يتركه ويتجنبه لينجح فى الاختبار ؛ وقد منحه الله الحرية والاختيار والتصريف والتفضيل بين الأشياء ، وبين له الطريقين ايهما يسلك وأيهما يترك 0
ها أنت أيها المؤلف قد عرفت وتيقنت أن الإنسان فى الواقع وبطل قصتك المأساة كذلك يعرف ويعلم تمام العلم ، كما تعرف أنت – يجب أن تعرف - أنك تسير فى الدنيا وتعمل وأنت حر ولكن تتهدد حياتك وسعادتك فاجعة أو مصيبة أو بلية فى صحتك أو ولدك أو مالك أو أى شىء آخر الله أعلم به ، فأنا مثلك تماما أعرف ما يتهدد حياتي وسعادتي بما ذكره الله فى القرآن الكريم وصار معلوما لنا وأشياء أخرى من الابتلاء غير منصوص عليها فيه غيبية لا نعرفها ، لذا نحن نعيش فى الدنيا ولا نعرف للبلوى موعدا ولا زمانا ولا مكانا ولا إشارة ولا علامة ، وهى مبعث خوفنا وقلقنا وانتظارنا متى يحدث هذا التهديد الذي هو واقع بنا لا محالة ، أما مبعث بعض الطمأنينة للمؤمنين منا الماسكين على دينهم المتبعين لسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم والمحافظين عليها ، مستعدين قانعين منتظرين ملتحفين بالصبر متدثرين بالإيمان متيقنين أن البلوى ترفع عنهم ذنوبهم ، مداومين على الذكر والدعاء والاستغفار ليكون ذلك زادنا للتحمل والصبر والنجاح إن شاء الله ؛ لأن الله تعالى حال الذكر والتضرع له يخفف عن المحتسب الذي يقول عند وقوع المصيبة حسبنا الله ونعم الوكيل ، فنحن نوكل الله فى قضاء الله ، ولذا يخفف الله من وقع البلية على المحتسب بأن ينعم عليه بالسلوى ، والسلوى علاج للمبتلى لأننا نعرف أن السلوى ماء طيب يشرب منه الإنسان ، والوجه الآخر منه علاج كما حدث لسيدنا أيوب عندما قال له إبان صبره على بلائه العظيم فى جسده وصحته قال له : اضرب برجلك هذا مغتسل بارد وشراب ، واغتسل منه فشفى فى جسده من الخارج ، وشرب منه فشفى من الداخل ، إذا سلوانا نحن المحتسبين الظانين بالله ظن الخير أن يساعدنا فى تحمل الصبر وتحمل الصبر الذي يعيننا الله عليه هو نوع من رفع البلية وتيسيرها ؛ لأن فى الصبر مشقة ولا يقدر عليه إلا ألو العزم من الرسل لا منا ، فما بالك بنا ؟!! إنه حق ابتلاء عظيم كل على قدر إيمانه ، امتحان صعب وشاق لأن نتيجته بيدنا وهذا ما يصعبه علينا أكثر وأكثر ؛ لأننا حال السقوط فيه لا قدر الله لا نستطيع أن نلوم أحدا أو نلقى بفشلنا على أحد ، فالواحد منا هو المسئول الأول والأخير عن النجاح أو الرسوب ، ففي النجاح نجنى السعادة والسرور ، وفى السقوط نرفل فى الأحزان والآلام والمعاناة 0 هذا هو حالى وحالك وحال جميع الناس ، وعليك وأنت تشرع فى كتابة قصة مأساة أن تختار شخصية بطلها من علية القوم من الأغنياء أو الملاك أو الوجهاء أو الوزراء أو المشاهير أو غير ذلك - أما من غيرهم من الفقراء مثلا فأنت تستلب تعاطفنا الانسانى تجاههم عندما يبتلون ويقدمون على الخطيئة التى بها يستحقون العقاب ، وهذا مورد خطأ من المفروض ألا يكون - حتى يكون عندك مساحة لتتحرك فيها بيسر، لترسم وتحبك خيوط القصة وشخصياتها وعلاقاتها دون أن تجعلنا نتعاطف مع المخطئ ، ولأن هؤلاء الفئة القادرة هم الأكثر رد وانتقام وتمسك بالنجاح المتواصل فى أعمالهم وإمبراطورياتهم ولا يقبلون الفشل أو الخسارة أو المذلة أو ذهاب الجاه والسلطان والهيلمان الذي يحيط بهم ، وكل شىء لديهم عزيز عليهم إلى أبعد حد ومن أوله المال والولد والصحة والرشاقة والمكانة ، فمن السهل عليك أن توجد مادة الابتلاء له وتحددها بدقة ، ليكون رد فعله المنتظر والمتوقع ليس الصبر على البلية وما أصابه من خسارة فى الصحة أو الولد أو المال إلا بسبب شىء تافه حقير صغير لا يتوقعه ، فيكون رد فعله وبما أنه قادر متسرع يتوق إلى الوقيعة بمن كان السبب فى خسارته ولا يستبين من أوقع به جيدا مدفوعا بغيظ وغضب وشهوة الانتقام غير معط جهة البحث والتقصى والتحقيق الوقت الكافي لتكشف له المسبب الحقيقي لخسارته أو فاجعته ، ويتقدم بشواهده هو واستنتاجه هو أى شخص يثق أنه السبب ويقتله ، فيرتكب الخطيئة عامدا متعمدا يفقد بسببها تعاطفنا وشفقتنا وعطفنا ومؤازرتنا هذا أولا ، ثم تتوصل جهة البحث على الفاعل الحقيقي ، فيكتشف أن من أوقع به القتل أو الرعب أو غيره ليس هو من كان السبب فى خسارته ، وبالتالي يعرف أنه قد خسر حريته لأنه سيعاقب ويقدم للقضاء الذي سيحكم عليه بالإعدام أو السجن ، ولا يكون أمامه غير الندم والحسرة على ما ارتكب من جرم يستحق عليه العقاب فى الدنيا بالسجن وفى الآخرة من أهل النار ، فتكون النهاية تعيسة محزنة مؤلمة له ، مفرحة لأنه سينال عقابه ، مبهجة لتحقق عدل الله ، مغتبطة لأن القضاء اقتص منه ممن قتله ظلما وعدوانا0
ماهو المطلوب من المأساة أن تحققه ؟ أن نحزن أم نفرح نحن المشاهدين ؟!!
إجابة السؤال الحتمى هى التى ستحدد عظم المأساة من رداءتها ، حسنها من سوئها ، ونعرف الإجابة من سر إيجاد القصة فى القرآن الكريم وقد عرفناها ، ولا بأس أن نعرفها مرة أخرى ، حيث يقول الشيخ الشعراوى رحمه الله ورضي عنه وغيره من العلماء والمفسرين : أن القصص نزلت لتثبت قلب النبى محمد صلى الله عليه وسلم ؛ لأن القلب عرضة لأن تهزه الأهواء ، وجاءت لتسره وتغبطه وتسرى عنه عند الهم والكدر والحزن والضيق وتعلمه وتعظه وتسليه ، ولن أدلل بأكثر من قصة يوسف التى قال المفسرون والعلماء : إنها نزلت عليه إبان عام الحزن الذي فقد فيه عمه ومعينه وسنده أبا طالب ، وكذا زوجته السيدة خديجة بنت خويلد ، اللذين كانا سنده العضوض 0
البرهان : أن القصة تصنع منك أنت من أجل أن تبهجنا وتسرى عن أنفسنا و تثبت الإيمان فى قلوبنا لتناولها قضية أخلاقية أو سلوكية أو قيمية أو دينية أو معتقدا صحيحا وغيره ، وتسلينا ، وتفرحنا وتغبطنا وتعلمنا وتعظنا0 لا أن تحزننا وتبكينا وتؤلمنا وتغمنا ، وما يعظم من اثر فى القصة يبقى فى نفوسنا هى النهاية 0 وعليه لابد للمأساة أن تكون نهايتها مفرحة لنا ، محزنة لبطلها المخطئ الذي لابد أن يعترف بخطئه وأنه خسر وندم ، ولا تتحقق الخسارة ولا الندم إلا بذنب جناه يستحق عليه العقوبة التى تحزنه وتغضبه وتؤلمه هو لا نحن ، ولكي يكون من أحسن الخطائين عليه بالتوبة كما جاء فى الحديث : حدثنا أحمد بن منيع ثنا زيد بن الحباب ثنا علي بن مسعدة عن قتادة عن أنس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كل بنى آدم خطاء وخير الخطائين التوابون " رواه ابن ماجه والترمذي والدرامى0
لنحدد سمات بطل المأساة :
{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ }المائدة27]
تعكس قصة قابيل ملمحا من ملامح الصراع الأبدى الأزلى فى المثانى من التضاد بين الخير والشر ، والمثانى من التقابل بين الأسماء قابيل وهابيل ، وكذا ملامح سمات البطولة للإنسان الذى يجب هو أن يحزن لا نحن – مع أنه ليست من البطولة فى شىء بالنسبة للواقع ؛ لأن الخاسر لا يمكن أن يتوج بطلا أبدا - إلا إذا كان نبيلا فاضلا خسر بشرف- ولكنه وصف لابد منه للقصة الفنية درجنا عليه - قصة قابيل كونها تتعرض لشخصية مكابرة تعيسة حزينة ارتكب خطيئة عامدا متعمدا كانت السبب في تحويل حياته من السعادة إلي الشقاء ، ويرجع خطأ قابيل أو سوء تقديره لسلوكه المنحرف والمتسرع بدافع الحقد والحسد والغيظ والكراهية والنقص والسقوط فى الاختبار لعدم الإيمان و لم يتقبل الله قربانه ، وإلي ثقته الزائدة فى قدراته الذاتية بالإصرار والتوكيد على ما يريد – لأقتلنك - دون رجوع لأى سبب من الأسباب ، رغم وجود التنبيه والإعلام والإخبار والتعريف تبوء بإثمى وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين ، وتلك توضح سماته الشخصية كنموذج لطبيعة الشر والعدوان من العناد والمكابرة والأنانية والتكبر والغطرسة وضلال القلب وظلام العقل ، رغم أنه ترافقه وتواجهه وتصارعه وتنصحه شخصية أخرى وديعة طيبة أقرب الناس له أخوه هابيل ، نموذج البطولة الخيرة المتواضعة الوديعة المقاومة الممانعة المفعول به النازلة ، الناجح فى الابتلاء بشهادة الله نفسه وحكم له بذلك ، مع أنه كان قادرا على الفعل ورد الأذى والضرر عن نفسه ، ومع ذلك لم يفعل ، مما استوجب علينا احترامه وإكباره والخوف والإشفاق والمؤازرة له مما يتهدد حياته من مخاطر وفواجع ورعب وقلق على يد أخيه اقرب الناس له ، مما تثير كل أحاسيسنا وتستنهض كل خوفنا إلى ذروتها ، وتجيش وتستنفر كل مشاعرنا الإنسانية ، وهو يتمسك بإصرار وصبر وعزم لا يلين على النجاح فى الاختبار الثانى حيث الأول نجح فيه ، ولم يقابل الشر بالشر ولم يرد الأذى بالأذى ، ولم يقاوم إلا بالتي هى أحسن ، حيث قدّم النُصح والإرشاد والتوضيح لأخيه عن عاقبة ما سيناله من عقاب سيوجبه الله ويحكم به عليه ، وعرف قابيل ما هو يعرفه من شرع الله وما ذكره ونصحه به أخوه ليس عن ضعف ولكن بقوة إيمانه وحسن خلقه وخوفه من الله ، ومع ذلك لم يرتدع – قابيل - ولم ينتصح ولم يتراجع ولم يتعظ ولم يخف من عقاب الله وحكمه ، وقام بإصرار ونية كاملة بإتمام الفعل وقتل وارتكب الخطيئة ، ولو لم يكن كامل الوعي تام النية والقصد لكانت زلة أوجب الله على نفسه أن يغفرها له ، ولكنه فعلها بقصد ونية قتل عامدا متعمدا ، فحزنا على أخيه المفعول به – هابيل - الطيب المؤمن التقى المسالم الناصح وبكينا من أجله وما آل إليه مصيره المؤلم التعس الذي لا يستحقه 0 بينما استحق قابيل العقاب بأن كشف الله له جهله وأرسل له من به يعرف أنه جاهل خاسر ساقط فى الاختبار للمرة الثانية ، بدوافعه الخبيثة الفاسدة المسيطرة عليه التى هى أسباب مأساته الحقيقية لا سواها التى دفعته لارتكاب الخطيئة التى ارتكبها متجاهلا حقيقة توابع الجريمة ومردودها عليه ، التي تحول حياته من السعادة إلي الشقاء ، فيستبين جهله ويجر أذيال الخسارة وينهار من الندم ويرفل فى الحسرة ويغرق فى الدموع ، معلنا أنه خسر وأنه نادم وأنه ليس أمامه من باب غير التوبة إلى الله عساه أن يتقبلها منه وهو يبكى لا يهمه كرامته ولا مكانته ولا ما حققه ولا ما كان يهدف إليه أو أى شىء آخر وتكون تلك النهاية التى لا يجب أن تعطى أى إشارة له - ولا لنا - تريحه أو تطمئنه من أن الله قبل توبته 0
إذن عظم المأساة أن يتحقق فيها الحزن المضاعف والفرح على الوجهين الأكملين الأملحين : الحزن على المفعول به الذي يستحق أن نحزن عليه وهو الطرف الثانى من طرفي الصراع ، والحزن من الفاعل الذي يجنى هو الحزن ، بينما نجنى نحن المشاهدين الفرح فيه 0 إذ ليس من عظم أو جمال أو روعة أو حسن أى قصة فعلية فنية درامية مشاهدة فى السينما أو التليفزيون أو المسرح أو أى وسيلة للمشاهدة الأخرى أن تحزن الجمهور عن أى ذنب جناه ، أو تصدم مشاعره فى العدل ، أو تخيب رجاءه فى الأمن ، أو تخلف ظنه فى الإمتاع 0 بل لابد أن تفرحه لما يوافق فطرته السليمة وإيمانه ، وتغبطه من كشف الدهاء والمكر والخبث ، وتسره من الأخذ بحق المظلوم0
المأساة تعنى الحزن ولها طرفان أحدهما فاعل والثاني مفعول به0
الحزن والضيق والخوف والرعب على منَّ ؟!!
على المفعول به الخير الصالح
و ممنّ ؟؟!!!
1-من الفاعل صاحب النفس الأمارة بالسوء، وصاحب النفس اللوامة0
الشرير المتكبر الطاغية الفاسق الفاجر الذي لا يأتمر بأوامر الله ونواهيه ، وله حاجة وضيعة يريد أن يحصل عليها غصبا وإجبارا ، وله هدف فاسد يريد أن يحققه وتهديده لشخص خير فاضل نبيل مؤمن يقاومه ويصارعه0 فهل يصح أن نحزن على قابيل وفرعون وهامان وقوم فرعون ، وعلى الملك الظالم الذي قتل الغلام الصالح فى قصة أصحاب الأخدود ، وعلى قوم صالح الذين نحروا الناقة المباركة ، وعلى أخوة يوسف الذين يعتبرون من أصحاب النفس اللوامة الذين ألقوه فى الجب ثم باعوه كالعبيد ؟؟!!!!!!!
يجب أن نتذكر أن كل إنسان له زلة أى غلطة ، والغلطة منه مباشرة أو غير مباشرة من تابعيه المقربين ، كما أثبتنا بالدليل من قصص الأنبياء التى سبق تناولها0 وهم يعتبرون من أصحاب النفس المطمئنة رغم أنهم فى حفظ الله ورعايته ومكلفون منه تعالى برسائل نبيلة وأهداف عظيمة للناس لا شك ولا مراء فيها ومع ذلك رفلوا فى الأحزان والمعاناة والآلام بسبب الزلة وتمسكهم بحاجتهم وأهدافهم لثباتهم على الحق ، وعفا الله عنهم زلاتهم ومن مثلهم منا وفرج عليهم ، وتحول حظ حياتهم من الشقاء إلى السعادة حال جميع الأنبياء حتى زكريا الذي قال المفسرون إنه ذبح نشرا بالمنشار كان حظه قد تغير من الشقاء إلى السعادة عندما حصل على حاجته بأن رزقه الله بالولد وهو على كبر وكانت زوجته عاقرا ، وحقق هدفه بأن جعل الله له ولده يحيى نبيا ومن الصالحين 0 وهؤلاء أصحاب النفس المطمئنة ومن أمثالهم من الصالحين منا مستبعدون تماما أن يكونوا أبطال مأساة تنتهى حياتهم بحزن أو بفاجعة أو يتحول حظ حياتهم من السعادة إلى الشقاء وتكون تلك النهاية محزنة لهم ولنا 0
المأساة الحقة تنتهى قصة حياة بطلها – لا حياته نفسها - بحزن شديد وتحول حياته من السعادة إلى الشقاء والتوبة والإنابة إلى الله ، من بعد عصيان بسبب جهله ، وظلم بسبب عدم كمال علمه ، وجحود بسبب غروره ، وصلف بسبب تكبره، وحماقة بسبب تسرعه ، وتكبر بسبب غطرسته ، يرزخ فى الحزن والمعاناة والآلام حتى النهاية 0 وما من طريق أمامه غير اعترافه بخسارته وندمه وحزنه والتوبة والتذلل لله فيتوب ويتذلل ، وهو منكسر الكرامة كارها للسلطة والمال والولد ، يبتغى رضى الله وحده أن يقبل توبته ، وتكون النهاية التى لا تحسم أقبل الله توبته أم لا ، وهذا مدعاة لنا لأن نخاف أن نخطئ كما اخطأ ونجنى كما يجنى مما يستوجب علينا الحرص واليقظة والحيطة والحذر0
عظم المأساة يتجلى فى إعلاء وعيد الله للذين يخطئون ، ويكون عظم الخطأ منهم سببا فى أحزانهم وعنائهم ، فأنت أيها المؤلف بذلك تعظم شعائر الله ، ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب ، عندما نشاهد نحن البطل المتكبر والمتعطر المغتر بقوته ونفوذه وماله وجاهه وسلطانه ، يحزن ويعانى ويتألم ويذل بعد عز ويتواضع بعد تكبر و غطرسة ، ويضعف بعد قوة – رغم ماله ومكانته – المنكسر رغم قوته ونفوذه وماله وسلطانه ، يتذلل ويتضرع لله ، ويعترف بذنبه وبسوء تصرفه ، وبقصور علمه وجهله ، وأنه عبد أولا وأخيرا لله الواحد القهار الذي يلجأ إليه يتمنى رضاه فى أن يقبل توبته وندمه على ما أسرف من معاص هو وحده لا غيره الذي يستطيع أن يغفرها له وينجيه من عذاب الدنيا والآخرة ، فإن ذلك مدعاة لنا لنتخلص من عنادنا وأخطائنا وغرورنا وتكبرنا ، ونتعظ من واحد يتمتع بمال وجاه وسلطان لم ينفعوه ولم يرفعوا عنه حزنه ولم يحققوا له السعادة من بعد الحزن الذي أصابه برعونة وعناد وإصرار منه لا من أحد سواه من نفسه هو ، ولم يستطع رغم ما يملك أن ينجى نفسه من المهالك ولجأ إلى الله الذي يلجأ إليه جميع البشر نحن الفقراء ولجوئنا إليه زادنا وزوادنا ، وهاهو غنى قادر فى النهاية يلجأ مثلنا معلنا ضعفه كحالنا ، فذلك مدعاة لأن تطمئننا وتخلصنا من أحقادنا ، وتجعلنا أكثر رضى وقناعة بما وهبه الله إيانا فنحمد الله ونشكره على نعمه وما بين أيدينا مهما كان قليلا ، ولكن ما شاهدناه جعلنا نؤمن حق الإيمان بالقناعة بأنها كنز لا يفنى ، وبذلك المأساة التى تثير فى نفوسنا الخوف من عذاب الله ، والحزن على ما بدر منا وتكون لنا علاجا وراحة نفسية ، فأنت الذي تقدر على البطل ما يقوم به وما يفعله وما يعمله وما يقوم به ، وما يجب عليه أن يصل إليه من نتيجة حتمية لا غيرها أن مرتكب المعاصي والأخطاء وكان قاصدا متعمدا مدفوعا بأى سبب لابد أن يعترف فى النهاية بخسارته ويقر بندمه على ما فعل ، ويتوب إلى الله 0 فنحن الذين نشاهد نعرف ذلك أنك الذي تقرر وإن لم تقرر أنت فنحن الذين نقرر لأننا لدينا المعرفة بتوابع من يرتكب الجريمة ، وإن خالفت توقعنا وحكمنا فأنت المخطئ وسنصب جام غضبنا عليك لأنك مخالف لشرع الله ومعطيا فرصة للمنحرفين والخاطئين للنجاة ، أنت الذي تكتب للبطل أن يفعله ويعمله لا قوى غيبية تفرض عليه ما يتوجب القيام به ، وأقصد القدر ، أو ما يطلق عليه الآخرون القضاء والقدر وغيرهم بالقوى الغيبية ، وأسرف مفكرو الفن ومناظروه فيه إسرافا كبيرا ، كأن البطل وجميع الشخوص تسير بسبب قوى غيبية تحركهم وتحضهم وتأمرهم وكأنهم من غير إرادة أو اختيار، وكأنهم لم يعرفوا أن للكون إلها واحدا خلق الإنسان ومنحه حرية التصرف عندما اختار هذا الإنسان لجهله وعدم تمام علمه وظلمه لنفسه حمل الأمانة التى هى عقل المخ المميز بها عن سائر المخلوقات ، فصار به يمتلك حريته الكاملة ، وأرسل الله له الأنبياء والمرسلين ليعرفوه ويعلموه ماله وما عليه ؛ لأنه سيختبر وسيحاسب ، وبذلك يعرف كل منا ما يجب عليه فعله ليسعد وينعم وينجح ، وما يجب عليه تركه حتى لا يسقط ويناله العقاب 0 ونصل إلى سؤال مهم :
تتجلى المأساة الحقة العظيمة لشخص فاسد فاعل من أصحاب النفس الأمارة بالسوء أو اللوامة يوقع فعلا مثيرا مرعبا فجا غليظا غير مقنع ، من أجل حاجة وضيعة يريد أن يحصل عليها غصبا وقهرا وجبرا 0 وهدف فاسد يريد أن يحققه على حساب أى فضيلة أو أى شخص ، وبما أن الإنسان مقدر عليه الابتلاء فسيمتحن فى حاجته وصلابة هدفه حتى تكون عليه البينة واضحة جلية تقطع منا الشفقة عليه ، وهو يعيش وسط آخرين يختلفون عنه وتتعارض حاجاتهم مع حاجته وأهدافهم عن هدفه ويقف له أحدهم – يعرفه - بالمرصاد يحاول صده ونصحه ورجوعه عن مقصده الخبيث ونيته السيئة وعزمه الفاسد فينشأ الصراع، فيعترضه ويصارعه ويتمسك بهدفه غير النبيل الذي يريد أن يتمه ، ويحاول التغلب والنجاح على من يعترضه ويصرعه ويتفوق عليه قاصدا متعمدا ، ويرتكب الجريمة وهو يعرف المفعول به ويعرف حقيقته ، ويعانى الذل والخسران والندم وتصعب عليه حاجته وتعطل هدفه ، فتتعقد السبل أمامه تعقيدا تاما ، ويحاول قدر جهده التغلب على هذه العقبة وتلك العقدة ويبذل أقصى ما فى وسعه وهو يئن من الخسران ويرفل فى الندم فلا يستطيع ، فيتضرع إلى الله مجبرا نادما معترفا بذنبه وخسارته مقرا بندمه ، و يمن الله عليه بانفراجة من عنده ليسخر منه بمشهد يقع بالقرب منه يكون سببا فى كشف جهله وسبب خسرانه الحقيقي ، مما يزيد من ندمه وخسارته ، ويكتشف ظلام نفسه وعدم كمال خلقه ومدى جرمه ونقص علمه بتعاليم الله وفرائضه ونواهيه ، وأنه لا بد من التوبة إلى الله ، وتكون النهاية محزنة مؤلمة مفجعة له ، مفرحة لنا فتكون لنا عبرة ودرسا تخلصنا من العناد والتكبر والفساد وتحضنا دوما ذكر الله والتوبة اليه فى كل وقت وحين ، وإن لم تكن تلك نهايتها ودعواها فلا عظم لها ولا إجلال 0ولا يكون التغير فى حظ حياة بطلها إلا من السعادة إلى الشقاء ولا تكون غير ذلك أبدا وإلا فقدت عظمها
من كتابى أسس وقواعد الدراما من القرآن الكريم0
المصدر: فتحي حسان محمد
أسس القصة بصفة العموم الروائية والدرامية:
البداية - الابتلاء - الزلة - العقدة - الانفراجة - التعرف - النهاية
القواعد : الصراع - الحبكة - التغير - الانقلاب - اللغة
المكونات : الاحداث - المكان - الزمان - المؤثرات - الفكر - الفكرة
ساحة النقاش