أسس وقواعد الرواية والدراما من القرآن .. فتحى حسان محمد

authentication required

أصـــــول القصــــة

الأحداث - اللغة - الفكر  - الفكرة

 

( من كتابى أسس وقواعد الأدب والرواية من القرآن الكريم )

 

أولا- الأحداث

      القصة تتكون من عدد من الأحداث . والحدث هو الشيء المدبر والمرسوم والمحبوك حبكة جيدة ، فيقع فينتج عنه أثر مدو ، بغرض أن ينشأ تأزم وصراع بين شخوصه الذين يقع عليهم أو بهم الحدث ؛ لأن الحدث يدور فى فلكه أشخاص أى يفعل من خلال الأشخاص لأنهم مادته وعماده ، وأحداث يدور فى رحاهم أشخاص.

   لابد من جملة الأحداث من حدث رئيسي مفزع وآخر مبهر وثالث مؤلم ، واحد لكل منهم على الأقل ليميز القصة ويجعلها ذات حبكة معقدة0 ومن بين الأحداث لابد أن تشتمل على ثلاثة أساسيين وهم :

 

1- حدث مبهر ليحفز على الذكر

 

ويبنى على المستحيل الممكن الذي يقع فجأة ، فمن طبائعنا نحن عندما نرى شيئا مبهرا تجدنا نقول عفويا وفطريا : اللهم صل على سيدنا محمد ، هذه فطرة سليمة ، والمستحيل الممكن أكبر مولد للإبهار ، والإبهار هو إثارة المشاعر وتحفيز الأحاسيس ، واستنطاق المشاعر ، وتهييج العقل ، وشحن الفؤاد0وهو يأتى من شىء غير مألوف أو غير متعارف عليه ، أو أعلى من تخيلنا  ، أو من شىء يدهشنا والإدهاش ارتباك وتهييج  للعقل والرؤية وهو أعلى  درجات الإثارة ،  والمشوق هو الشيء المحبب للنفس فيثير شجونها وعواطفها فتصبح فى حالة انتظار بلهفة على قدوم الشيء المحبب للنفس والغائب عنها فترة والذي يغلفه شىء من الغموض وهو الحدث أو النتيجة المعلقة التي لا نعرفها نحن ونكون فى شوق لحدوثها وظهورها0  والإثارة هى مسببة للتشويق.

 

2- حدث مؤلم ليثير الشفقة والعطف والرأفة فالتوبة إلى الله ، وما يثير العطف هى المعاناة التى يعانيها شخص مثلنا لا يستحقها جراء زلته غير المقصودة ، أى يسترق القلب ويجعله يهتم ويتأثر ويحن ويشارك الشخصية مصابها وما ألم بها لأنه إنسان مثلنا لا يستحق ما هو فيه من عناء ، ويستنهض بداخلنا مشاعرنا النبيلة الإنسانية لنشفق على من يواجه المصير المحتوم الذي لا يستحقه من معاناة وعذاب وألم ومكائد ومصائب ومؤامرات تحاك به بسبب زلة منه لم يكن يقصدها 0    المعاناة هى الباعثة على الشفقة والدعاء ، وهما مسببان للمشاركة الوجدانية التى تحدث العلاج النفسي بداخلنا ،والتضرع والدعاء يطهران النفس من شرورها ومخاوفها وهما نوع من العلاج الباعث على الراحة النفسية ،وهو أحد أهداف القصة.

 

3- حدث مفزع ليثير الخوف:

وهو الشيء المخيف المرعب، شديد التأثير على المشاعر ، والمخالف لطبائع البشر وما درجوا عليه وما اعتادوه ، ولذلك يكون غير متخيل بالمرة ، ولكنه يجب أن يكون محتملا ، والاحتمال هو أقل درجات الحدوث ، أو التوقع عكس الحتمي .

   الخوف يأتى من الغلظة والجبروت ، وهو ما يهيج المشاعر إلى أعلى درجاتها ويستنفرها أيما استنفار، ارتعاد المفاصل وانقباض القلب واهتزاز الجسد ، ولا بد أن يأتى من هول وفاجعة ومؤامرة من فاعل  لتحيق بالشخصية البطل  وتهدد حياته وسعادته وراحته بالقتل حسب ما سبق وصفه  ولابد أن يعمد ويقصد المؤلف ذلك.

 

     خصائص الحدث المفزع

 

يرتكب هذا الحدث ( الفعل) من شخص فاعل أو أشخاص يعدون ويجهزون لإحداث فعل مفزع للوقيعة بشخص آخر مفعول به0  والشخص الذي يعد ويوقع أو يتوقف في اللحظة المناسبة يكون بين :

1- من هم شركاء فى الدم أى تربط بينهم صلة القرابة من الدرجة الأولى، الأب وولده ،الأخ وأخيه ، الأم وابنها0 وهو أجمل  وأفضل الأنواع على الإطلاق 0

2- من هم أصحاب ، وهو مؤثر عند الامتناع فى اللحظة المناسبة0

3- من هم أعداء ، وهذا شىء طبيعي لأنه يوافق ميولنا وطبائعنا و تأثيره علينا قوي.

 

ثانيا- اللغـــــــــــــة

ما اللغة ؟ هى جملة الحروف والكلمات والجمل المعبرة عما يريد الشخص قوله ، وجملة ما يريد الشخص قوله هى جملة ما يختمر فى العقل والمشاعر والأحاسيس والقلب ليوصلها إلى الآخرين 0عن طريق الصوت المسموع واللسان المتحرك.

وهى أداة التوصيل للفكر والفكرة  وهى المفسرة والمعبرة عن أفكار وكلام وأفعال الشخصيات وهى أداة الوصف لكل أحداث القصة  بالكلمات والجمل المكتوبة.

صفات اللغة :

   واضحة لها معنى ،  والوضوح يأتى من الحروف والكلمات المتداولة0معبرة ، والمعبر ما يأتي من الكلمات المعروفة ، والجمل القصيرة السهلة الواضحة 0 جيدة أى التى تؤدى دورها بفاعلية وكمال ومفهومة ، وتكون جميلة أى التى بها جرس موسيقى رنان من السجع ، والتطابق ، والجناس ، ومحببة للنفس لا منفرة ، جاذبة لا طاردة 0مشوقة أى من حسن ترتيبها ، وكيفية نطقها وإخراجها ومن التورية التى بها والتي تحمل أكثر من معنى تؤديه ظاهريا أو باطنيا0

مسببات اللغة:

 مسببات داخلية : الحاجات والبواعث الداخلية ، ما يختمر فى العقل والمشاعر والأحاسيس ، التعريف بالقصة والإفصاح عنها0

مسببات خارجية :الأسئلة المباشرة ( أى الحوار) ، إجابة الآخرين وتفسير ما يحدث وتعليله ، درء الشبهات ، ودفع المظالم ، ورفع الظلم ، الفزع والخوف والجزع وتتطلب التعبير حركيا أو صوتيا ، الإصابات المباشرة ، والنوازل الجارحة 0

نتائج اللغة :

 التواصل بين الشخصيات والإفصاح عن القصة ومجرياتها ، التعرف على حاجات الشخصيات وأهدافها ومقاصدها ، التميز والفهم والإدراك ، تحقيق الغايات ، علاج للنفس المأزومة ، كشف مكنون الذات وتفاعلاتها وصراعها  ، المحاسبة أى أداة لمحاسبة الشخوص من أقوالهم.

 

ثالثا- الفكر

 

نجمله فى معتقد أو عقيدة المؤلف الذي يطرحها من خلال شخوص قصصه  ويعتنقها شخوصه ويتفكرون ويتصرفون ويقولون ويفعلون ويختارون من خلالها ، ولذا هى مناط الحكم عليهم من قبلنا نحن ، هذا بالنسبة للقصة ،ولا تهمني كثيرا ، ولكن جل ما يهمني مبدعها أنت ، فإذا صلحت أنت صلح إبداعك بإذن الله ، ولا خوف عليك وعلى ما تبدع ، وقد سبق شرحها ، وزيادة فى التوضيح بدون تعقيد على ماهو شائع ومعروف 0الفكرهو المنتوج الذهني الذي يطرحه العقل وينتجه من خلال  التأمل والموهبة والقدرة على الإبداع ، القدرة على إيجاد الجديد الذي يضاف إلى ما هو موجود ، أو يغير ما هو قائم فاسد  ، والإلهام يأتى بفكر من غير المؤلف ولكن يخبر به بطريق ما ، والإلهام إما أن يكون قبسا من عند الله وهو الفكر الصائب الخير النافع  وإما أن يكون من الشيطان وهو الفكر الخطأ الفاسد0 المعرفة تأتى من التعلم والعلم والخبرة الذاتية والحياتية والثقافة العامة أو المتخصصة  0وإذا كانت الثقافة هى زهرة العلم والمعرفة عطرهما الفواح ، فإن الفكر هو زهرة الموهبة ، والإلهام والثقافة والتعلم  والخبرة  وإعمال العقل0 وما دام عقل الشخصية  أنتج فكرا فمن المؤكد أنها تعتنقها و تحملها ، وهو ما يظهر من تصرفاتها وأفعالها وسلوكها0

    إذن الفكر هو العقيدة التى يعتنقها المؤلف - عقيدته ومعتقده - ويعتقد فى صحتها وصوابها ، وبالتالي يريد طرحها على الآخرين ، فإن كانت صالحة فهو يهدف إلى صلاح حال المجتمع والناس ، ويوجه السلوك الإنسانى ويقومه ، ويقدم العظة والنصيحة ، ويطرح قيما جديدة ليهتدي بها الناس تُقًوّم أفعالهم وأخلاقهم ، و تكون نهج حياة لنا ، تثاب عليه- أنت - ونشكرك نحن ، وأن يكون – فكرك أنت - طاقة متجددة ننهل منها ونسير على خطاها ، أما إذا كان الفكر فاسدا فإنه يؤدى إلى التضليل والتشكيك والضلال بالبعد عن العقيدة  ويحدث خلخلة فى قيم المجتمع  ليتعلموها ويأخذوا بها ، وينتفعوا منها 0وعادة يكون فكر المؤلف ومعتنقه ورسالته التى يريد أن يوصلها للناس من خلال شخوص قصصه 0

     فى يوسف حيث كان الفكر حول الإله ، وكانت الشخصية المؤدية لذلك والموصلة هو يوسف نفسه بطل القصة عن عقيدة من الله رب العالمين يريد أن ينشرها لقوم معينين 0وقد جاء ذلك من الله إلى رسوله وجعلها تجرى على لسانه وبالطبع انتهى الوحي وانتهت الرسل بخاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم الذي جاء بعقيدة الإسلام التامة الكاملة0 ومن بعده استحالة توصيل رسالة من الله إلا بوحي غير مباشر عن طريق المنام ، وفى الحديث حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -  قَالَ : الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنْ اللَّهِ وَالْحُلُمُ مِنْ الشَّيْطَانِ فَإِذَا حَلَمَ أَحَدُكُمْ حُلُمًا يَخَافُهُ فَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ وَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهَا فَإِنَّهَا لا تَضُرُّهُ [ صحيح البخارى ، كتاب بدء الوحى ، برقم 3049 ] ولكن المؤلف من خلال هذه العقيدة التامة التي تعلمها وصارت من ضمن ثقافته ، ثم يأتى إعمال عقله وعليه أن يبتكر معتقدا ما ، أو رسالة ما  ليوصلها إلى الناس ، وقولنا معتقد ما ليس بعقيدة دينية بالطبع  ولكن ما نقصده معتقد أى أيديولوجية ( عقيدة )  سياسية أو اقتصادية  رأسمالية أواشتراكية مثلا ، أو فكرية ، أو فلسفية ، أو قيم إنسانية ، أو قيم خلقية مستوحاة من عقيدة ربانية0 أو برسالة عكسهما تماما 0 ولكن يجب أن يخلق شخصية فى القصة بصفات وخصائص تناسب الرسالة أو المعتقد الذي يريد المؤلف توصيله ونشره والاقتداء بها والتعلم أيضا أو أخذ العبرة منها ، لكي تكون الشخصية مقنعة للناس حتى يقبلوها منه0

صفات الفكر :

1-     أن يكون نافعا ومقنعا وقابلا للتحقيق والاقتداء به0

2-  أن يكون خلاقا متجددا مبهرا0 فى ضوء العقائد السماوية ويتماشى معها ومع يقين القلب ، ولا يخالفها حتى يكون فكرا بناء وليس هداما ولا محرضا ولا مكفرا ولا منفرا 0

3-      أن يحتمله العقل ويدركه ويصدقه ويستوعبه ، أى لا يكون خارجا عن نطاق الطبيعة إلى اللامعقول أو اللامتناهي0

4-     ألا يكون مفسدا أو محرضا أو مخيبا لآمال الناس ولطموحاتهم0

5-     ألا يكون هداما لما هو قائم من شأن الفضيلة أو العقيدة0

6-     أن يكون مبعثا للسعادة والنقاء والصفاء 0

7-     أن يكون مقربا ومحببا لله الواحد القهار ، لا منفرا

8-     أن يعمق ويحبب العقيدة فى النفوس 0

9-     أن يكون قدوة لمن يقتدي صالحا لا مفسدا0

10-أن يكون مقنعا ، لا مشككا0

11-أن يخص الإنسان أكثر من أى شىء آخر0

12-أن يكون نذيرا للمفسدين ومبشرا للصالحين0

13-أن ينبه ويكشف المخاطر والمفاسد ونتائجها0

14-أن يعلى من شأن الإنسان وقدره ، لا أن يحط منه0

15- أن يعطى أملا فيما هو أحس وأفضل ، لا أن يقتل أملا فى الخلاص والنجاة0 رابعا- الفكـــــــــــرة

     هى الموضوع ،  هى القضية  ، هى الشيء المراد طرحه وتوضيحه وإثارته وتبيان خطئه من صوابه ، خيره من شره ، اعتناقه أو الكفر به  ، هدام أم بناء ، نافع فيؤخذ به أم ضار فيجب نبذه ، ثم طرق علاجه 0والفكرة إما أن تكون صالحة ، وإما أن تكون طالحة 0

 الفكرة الصالحة الحسنة تنتج :

1-     استخلاص الطيب من الخبيث 0

2-      تثبيت القيم ونزع المفاسد 0

3-      توضيح ما يلتبس على الناس 0

4-      التنوير والاسترشاد 0

5-      إيقاظ العقل وتفعيله 0

6-      جلاء الصدأ عن النفوس 0

7-     التمسك بالحق والعدل والمساواة 0

8-      إعادة الوعي واستيقاظه واستنفاره لكى يدرك ويعرف نفسه وحاله وحال من حوله وحال مجتمعه وأمته0

 الفكرة الطالحة الفاسدة تنتج :

1-     تضليل الناس بإفساد السلوك 0

2-      هدم القيم ، بتمييع الفضيلة ، التشكيك فى العقيدة 0

3-     تغييب الوعي بتغييب العقل وتشتته وتشككه 0

4-      التدمير للأخلاق 0

   مثال: فى قصة يوسف الفكرة هى الأب الذي يفرق بين الأبناء فى الحب والمنزلة والمكانة 0وكيف تؤدى هذه التفرقة إلى الحسد و الغيرة والكراهية والبغضاء والتناحر، الذي يصل إلى المؤامرة فى أن يقتل الأخ أخاه ، ولولا أن إخوة يوسف أولاد نبي ، ويقال إنهم أيضا أنبياء لكانوا قتلوا يوسف أخاهم فعلا0 فما بالك لو تقع هذه التفرقة بين أناس عاديين هم بدرجة ما من الفضيلة والسوء ، من المحتمل توجههم إلى أخيهم  ولم يخففوا الحكم بأن يبعدوه ويلقوه فى مكان من المحتمل أن ينقذ منه ويعيش حياته 0

    فى موسى جاءت الفكرة حول التفريق بين الرعية من قبل الحاكم ، ألا وهو فرعون حيث استعبد وأذل واستحل فئة من رعيته ، وأعلي وأعز منهم فئة أخرى على حساب الأولى0

ب- مسببات الفكرة

1- أن تكون ظاهرة اجتماعية:

  كل نقيصة فى المجتمع سواء كانت سياسية ، أو اجتماعية ، أو إنسانية  ، أو أخلاقية  أو سلوكية.

من كتابى أسس وقواعد الأدب والرواية من القرآن الكريم .

يباع لدة مكتبات : الآداب ، حراء ، مدبولى ، الانجلو ، المكتبة الازهرية . خالص تحياتى وتمنياتى للجميع بالتوفيق

 فتحى حسان محمد

aldramainquran

أسس القصة بصفة العموم الروائية والدرامية: البداية - الابتلاء - الزلة - العقدة - الانفراجة - التعرف - النهاية القواعد : الصراع - الحبكة - التغير - الانقلاب - اللغة المكونات : الاحداث - المكان - الزمان - المؤثرات - الفكر - الفكرة

  • Currently 79/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
26 تصويتات / 413 مشاهدة
نشرت فى 16 مارس 2010 بواسطة aldramainquran

ساحة النقاش

فتحى حسان محمد

aldramainquran
أديب روائى ودرامى وكاتب سيناريو، مؤلف كتابيى أسس وقواعد الأدب والرواية من القرآن الكريم ، وأسس وقواعد الدراما من القرآن الكريم ، ومجموعة من سيناريوهات الافلام والمسلسلات التى فى عقالها. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

128,278