أسس الأدب
1- المخ ، عقل المخ :
عقل المخ الذي هو خلاصته وشرفه وتشريفه ؛ لأن المخ فى الحيوانات أيضا ، وموجود فى الجمجمة والعظام ، العقل هو خلاصة المخ ومهمته تتوجه للإنتاج والتوجه الخارجي ، وما يتبقى من مخ يتوجه إلى المنتوج الداخلي الذي يسير حركة الجسم
لقد ذهب بعض المفسرين والعلماء بمعنى الأمانة إلى معان كثيرة ، ولى منها بعون الله معنى آخر، أبدؤه بسؤال يوضح ما أذهب إليه ، ما الشيء الظاهر لكل البشر فى الفرق بين الإنسان وباقي المخلوقات وأخص منها الحيوان؟! سيجيب الجميع إنه العقل ، ولكن أى عقل – عقل المخ بالطبع فعقل المخ خصه الله للإنسان دون سائر مخلوقاته ، وهو الذي به يطيع أو يعصى 0 وما الشيء الذي رفضته جميع المخلوقات ؟ من أكبرها طولا وعرضا مثل السماوات والأرض ، ومن أشدها تمكنا وقوة ورسوخا إنها الجبال! وغيرهما مما لم يذكره الله ورفضوا حملها ! عدا الإنسان كثير الظلم لنفسه ولغيره ؛ لعدم تمام علمه ، فلا إنسان يستطيع أن يعرف كم من السنين يعيش ومتى يموت ؟ ومن أين سيحصل على رزقه المكفول والمضمون له من الله ؟ وبما أنه أكثر المخلوقات ظلما وأكثرها جهلا بكمال العلم والمعرفة ونتيجة لظلمه لنفسه ولعدم كمال علمه فيما هو معلوم له أو غير معلوم قبل حمل الأمانة من الله عندما عرضها تعالى على من قدر عليه الاختيار، إذن الأمانة هى عقل المخ ، ولذا عقل المخ مناط التكليف للحساب واستحقاقا للثواب وللعقاب ، والدليل على ذلك أن الله أعد الجنة والنار للناس لا إلى شىء من مخلوقاته غيرهم ؛ لأن المخلوقات جميعا عدا الإنسان ، بما أنها ليس لها عقل فى المخ فلن يحاسبها الله ؛ ولذلك خلقها مسيّرة وليست مخّيرة ، وتخيير الإنسان دون سائر المخلوقات يرجع إلى الأمانة التى هى عقل المخ مناط الحساب ، لأن المخلوقات الحية الدواب كلها لها قلب وعقل فيه وتتساوى مع الإنسان فيه وهى تسير به ، وعندما يفقد الإنسان عقل مخه يسير بعقل قلبه مثل المخلوقات الحية وصار مسيرا ورفع عنه الحساب 0 ودليل ثالث لقول الرسول فى حديثه ، محققه الشيخ الألباني وقال إن سنده صحيح ، حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا حماد بن سلمة عن حماد عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة - رضي الله عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ وعن المبتلى حتى يبرأ وعن الصبى حتى يكبر " والابتلاء هنا ذهاب عقل المخ لا عقل القلب ، وما دام الإنسان سيعمل مسترشدا بعقل مخه مهتديا بعقل قلبه ، له أن يفعل ما يشاء ووجب عليه الحساب 0 إن مكمن الحساب والجنة والنار هو ما قبله الإنسان من أمانة أى عقل المخ ، وهى فى حقيقة الأمر صعبة ؛ لأن السماوات والأرض والجبال خافت ولم تقبل حملها ، وحملها الإنسان ، فلو كان كامل العلم ما قبل حملها 0 والدليل الثاني بما أن الإنسان قبل الأمانة وصار له عقل مخ ويمتلك حرية نفسه وحرية كل شىء ، أوجب الله على نفسه إرسال الرسل برسالات وعقائد تنظم لمن لا علم كاملا عنده فتنظم حياته وتهديه إلى الحق من الباطل والمفيد من الضار والحرام من الحلال لأنه سيحاسبه ومادام سيحاسبه والإنسان حر، وضح الله له ما يريده أن يفعله وحلله له ، ومالا يفعله وحرمه عليه ، واستوضح وأبان واظهر له كل ما يريده ما بين حسن وسيئ وغيره ، كلفه بعقائد وعبادات لا بد له أن يؤديها ومن لا يؤديها بعد أن اختار الأمانة وعرف ماله وما عليه فلا يلومن إلا نفسه 0 ودليل رابع وهو معتقد وافق عليه البشر جميعا من قانون وضعي أعفى المجنون من الحساب ، لأنه صار غير مسئول عن تصرفاته وهذا معتقد صحيح لم يرفضه أو يعترض عليه علماء الدين ، وصدق من قال إن الأزهر قلب المسلمين فى العالم ، وأضيف أن الأزهر الشريف هو قلب من لا قلب له من الذين يبدعون ويكتبون ويؤلفون0
عقل المخ هو مركز تفكير فى تلك العضلة الرخوية الكائنة والمحفوظ فى ذلك المكان الحصين فى قلعة الجمجمة وهى المخ الليّن الرخوي ، وهو الصانع والمنتج للفكر والفهم مع أنه لا يرى ولا يسمع ولا يحس ، فهو ليس مركز إحساس بل مركز إنتاج للفهم والفكر ...
لكي نفكر بعقول أمخاخنا لأن عقول قلوبنا ثابتة الإيمان مطمئنة لا يشكك فى قدرة الله فى إحياء الموتى والبعث وغيره لأن فيه العقيدة السليمة ، ولكن عقل المخ لا يكتسب علمه ومعلوماته ومعرفته من قوته الذاتية ، وإنما يكسب معرفته وعلمه من خلال السمع والإبصار والقلب التى تحصل المعلومات والمعرفة ، ثم بدوره يقدم القلب هذه المعلومات ويرسلها إلى عقل المخ الذي يعيد تدويرها وهضمها وفهمها ، ثم يخرجها بمنتوج جديد يسمى الفكر الذى يحكم عليه عقل القلب
ونفهم من ذلك أن الإنسان مسئول عما استعمَل فيه سمعه وبصره وفؤاده فإذا استعمَلها في الطاعة والخير نال الثواب ، وإذا استعملها في المعصية والشر نال العقاب وهنا لم يضم الله عقل المخ واستثناه من المسئولية كالسمع والبصر والقلب ؛ لأنها هى المسئولة عن نقل وتوصيل هذه الحقائق والمعلومات لعقل المخ الذي يعمل على هذه البيانات وهذه المعرفة التى وصلته وأدركها ، وبالتالي يخرج منتجه منها ويرده إلى عقل القلب ليصدر عليها حكمه بصلاحها من عدمه وحلالها من حرامها ، وهذا يدل على أن القلب هو الذي يتحكم فى منتوج المخ ، فله أن يأخذ به وله أن يرفضه ، وإن لم يأخذ به فوجب الحساب على عقل المخ لأنه يمتلك قرار نفسه وقد نصحه وأبان واستوضح له عقل القلب ما يتوجب عليه أخذه وما يتوجب عليه تركه0 والقلب هو المؤتمن على العقيدة ، فماذا نسمى ما ينفلت من عقل المخ إلى ما هو ليس حسنا ويخالف شرع الله ؟! لأنه ليس كل قلب مؤتمن أمين ، فإذا كان صاحب هذا القلب لم يدخل الإيمان قلبه فماذا تنتظر منه ؟ وإذا كان به عقيدة ولكنه لا يُفعِّلُها ولا يعمل بها وبما فيها من أوامر ونواهٍ وعبادات هو لا يؤديها ، فهل تنتظر من قلبه أن يراقب عقله أو أن يسيطر عليه ؟ لا ؛ لأن من القلوب ما هى اشد قسوة من الحجارة وأجهل عقلا من الدواب ؛ لأنه بعد كل هذه المعجزات الخارقة اشتدت قلوبكم وغلظت ، فلم يَنْفُذ إليها خير ، ولم تَلِنْ أمام الآيات الباهرة التي أراها إياهم ، وكانت قلوبكم مثل الحجارة الصمَّاء ، بل هي أشد منها غلظة ؛ لأن من الحجارة ما يتسع وينفرج حتى تنصبَّ منه المياه صبَّا فتصير أنهارًا جاريةً وغيرها0 إذن مَنْ قلبه مثل الحجر ليس به عقيدة ولا حتى معتقد فليس منتظرا أن يراقب قلبه منتوج عقله ، بل سيكون ما ينتجه عقله سيخرج للناس دون أن يعيه صاحبه سواء كان صوابا أم خطأ ، ويأتي الحكم على منتجه الفكري منا نحن ، ومن القلب البديل الذي هو قلب من لا قلب سليما له ، الأزهر الشريف هو قلب من لا قلب له0 أو من آخرين أصحاب القلوب السليمة المؤتمنة إيمانا كاملا على ما فيها من عقائد سماوية أو معتقد قد شهد له من مبتكره ومن الآخرين بصوابه وصلاحه.
2- القلب و عقل القلب :
إذن القلب مركز الإحساس والشعور ، وهو الوعاء الأمين والخزانة القوية الحارسة للمواجيد الربانية بما وضعه فيها من دستور ، بادئة من الفطرة السليمة ، ثم أمدها بالعقائد التى أتى بها الرسل واستأمنه عليها ، وبما أبدعه العقل الإنساني (عقل المخ ) من معتقد صدق على صلاحه وحسنه فريق كبير من البشر0 لذلك جعل الله القلب هو المشرف على المخ ، بينما منتجه يحكم عليه عقل القلب 0وهو الذي يدركها من خلال العلم والمعرفة التى تصله من السمع والإبصار والقلب ، فلولا وجود هؤلاء ما وعى عقل المخ وما أدرك شيئا لينتجه .
إن الله يخلق الإنسان كاملا فى أحسن صورة ، تاما متمتعا بالسمع والبصر والفؤاد ، ويدخل المولود إلى الدنيا بهم ، ومع ذلك لا يفهم ولا يعرف شيئا لماذا ؟؟ لعدم تمام الوعي ، والوعي هو الفهم الذي يصنعه عقل المخ فقط ، برغم وجود أدوات الإدراك ، والإدراك هو المعرفة ، والمعرفة أدواتها من إدراك السمع وإدراك البصر وإدراك القلب ؛ ولذلك لا يكلف الله الرضيع ولا الطفل حتى يكبر، وفى الحديث عن الرسول - صلى الله عليه - أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ ابْنُ سَلَمَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ الأسْوَدِ عَن عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاثٍ عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنْ الصَّغِيرِ حَتَّى يَكْبُرَ وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ أَوْ يُفِيقَ "[ سنن النسائى – كتاب الطلاق - برقم 3378 ] من ضمن الذين رفع عنهم القلم أى التكليف والحساب منهم الطفل حتى يكبر برغم وجود القلب ووجود المخ ولكن عقل المخ لم ينضج بعد ، وعليه يكون العلم غير المعرفة ، فالمعرفة تخص القلب ، بينما العلم يخص المخ ، والمعرفة أشمل وأعم من العلم ؛ لأن العلم جزئي ، بينما المعرفة كلية لأن المعرفة أنواع شتى من العلوم0 فالفهم - من خلال ما يرسله له القلب - والتفكير والتدبر والإبداع والإنتاج من سمة عقل المخ ، بينما يظل اليقين والإدراك - المشبع من الحق من خلال العقائد السماوية سمة القلب ، واليقين هو الطاعة ، والطاعة هى تمام الإيمان ، وتمام الإيمان جاء من القرآن ، ولذلك جاء الحق الذي هو القرآن أولا ليوضع ويؤتمن عليه القلب . ثم بعد تمام اليقين فى القلب يأتى الإيمان ومن الإيمان يأتى الحق الذي هو الطاعة ، والحق هو ما فى القلب لذا هو المهذب الحاكم الحكم – فى بعض الأحيان – فى منتوجات عقل المخ المناور الهائج الذي لا تحده حدود لا معقولة ولا ممنوعة ولا مدركة وليست لها نتائج مضمونة، إن لم توضع على الميزان الحق أى توافق مواجيد القلب الربانية (عقل القلب) إذن القلب هو الذي يعلى من منتوج العقل قيمة وفائدة ويجعله أكثر إدراكا وأشد نفعا ، و نتائجه موثوق منها مؤكدة مقبولة ومستساغة طيبة مباركة بإذن الله لأنه غير ذي عوج ، مما يتوافق مع نفوس وعقول وقلوب البشر0 فلو كان عقلا لقبله عقل مثله وما مس شغاف القلب فى شىء ، ومن لا يوافق شغاف القلب تجد به قصورا فى الإقناع والقبول ؛ لأنه غير مميز ، غير محسومة نتيجته من قبل من هو موكل له بالحكم بعد الله فى الإنسان وهو عقل القلب الذي فيه نور الله نموذج الإجابة الصحيح ، الحق من القرآن الحكم والحاكم ولما كان منتوج عقل المخ ليس محكوما عليه إن كان نافعا أم ضارا ، إن كان حلالا أم حراما ، فجاءه النصب وأصابه القصور وضعف الإقناع 0 القلب فى الجسم بمثابة الملك أو الرئيس لدولة الإنسان – فى الدول العربية - وعقل المخ بمثابة رئيس الوزراء ، ولا يعيب عقل المخ فى شىء إن كان عليه رئيس أو ملك العقل ( عقل المخ) أعمى وأصم وأبكم لا يحس ولا يشعر ولكنه يدرك معلوماته من خلال السمع والأبصار والأفئدة ، ولكنه يفهم ويرسم الخطط ويضع القواعد وإدارة شئون الدولة ويبقى للرئيس أن يوافق على هذه الخطط أو يرفضها – حال الدول الاشتراكية بينما فى الرأسمالية لرئيس الوزراء أن يأخذ برأي الرئيس أو لا بمثابة عقل المخ المنفلت- ما يؤكد أن القلب والسمع والبصر هى المعنية من الله بالدرجة الأولى لا العقل ؛ فلا حساب على العقل إن لم يقدم له البصر والسمع والقلب العلم الصحيح والمعرفة الموثوق منها ، ولذلك هم مناط العناية من الله ؛ لأنه بضمان صلاحهم سيصلح عقل المخ ؛ لأنه سيبنى فكره ومنتجه على أساسهم هم 0 إن الله أنزل القصص فى القرآن لتثبت به قلب النبي صلى الله عليه وسلم ، وعند تثبيت القلب ووضع العقيدة فيه تصبح فى مأمن وأمان من أهواء وتقلبات عقل المخ ، فلا خوف على عقل المخ إن فكر وتدبر ووعى وهاج وماج وتقلب وأوجد وأبدع ، فإن هنالك بوصلة و من سيرشده ويلجمه ويهذبه ويعلمه 0 عندما سأل سيدنا إبراهيم ربه أن يريه كيفية البعث ، فقال الله له: أولم تؤمن؟ قال: بلى ، ولكن أطلب ذلك لأزداد يقينًا على يقيني ، ولم يقل ليطمئن عقلي ؛ لأن العقل يأخذ إدراكه ووعيه واطمئنانه من القلب السليم هذا إن أراد الاطمئنان أصلا ، فالعقل لا يعي شيئا من المعلومات إلا من خلال القلب والأذن والعينين ، والكل يعرف أن المعلومات هى أساس إعمال العقل ، وأساس لكل علم ، إذ لا يبنى علم فى العالم إلا من توافر المعلومات ، إذ عقل المخ مثل رئيس المخابرات فى مكتبه الحصين يجلس ينتظر المعلومات من رجاله وعملائه واستخباراته ليخرج منها بقرار أو بناء خطة أو تنفيذ عملية حتى ولو كانت قذرة من تصفية شخصية مهمة أو هدم هدف لعدو ، إذ لا أخلاق تحكم عمل المخابرات وكذا السياسة كما يقول العالم كله وهو يعنى إبعاد حكم القلب تماما ؛ لأن وجود وإعمال عقل القلب حتما سيرفض لهم الكثير من التصرفات والأفعال ، والدليل على ذلك عندما تريد دولة ما ظالمة شن حرب على دولة أخرى، أول ما يبحثون ليقنعوا المجتمع الدولي يبحثون عن غطاء أخلاقي – لاحظ أنه تعبير سياسي لا ديني - لشن هذه الحرب حتى ولو كانت ظالمة وهى من المؤكد جائرة وإلا ما بحثوا عن ذلك الغطاء الذي يطيرونه فى كل وسائل الإعلام شهورا وربما سنين محاولين إرضاء عقل القلب الذى هو الضمير واستلاب موافقته .
ساحة النقاش