أسس وقواعد الرواية والدراما من القرآن .. فتحى حسان محمد

التراجيديا الشخصية العظيمة

     بطلها من أصحاب النفس المطمئنة أو اللوامة  00  وهم الذين لديهم عقيدة ثابتة  من فكر صالح ، ونية صادقة من إيمان كامل بالجهاد ، وعزيمة لا تلين من أجل فكرة صالحة حسنة ، يسيرون نحو أن تنتهى حياتهم بالشهادة فى سبيل الله ، أو سبيل الوطن ، أو سبيل قيمة عظيمة ، والجهاد فى اللغة : بذل ما في الوسع والطاقة من قول أو فعل . والجهاد فى الشرع : بذل الجهد لإعلاء كلمة الله 0 والشهادة فى اللغةً معناها الخبر القاطع ، والحضور والمعاينة والعلانية ، والموت في سبيل الله0

   العنوان المشرق والبدر الساطع والشمس التى لا يغيب نورها ولا يخبو ضياؤها ، الذى يعرفه كل مسلم ويحتفل بمقتله كل مؤمن ، سيد شباب أهل الجنة سيدنا الحسين بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ، وأمه فاطمة الزهراء بنت النبى محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  نشأ وترعرع في أحضانه وأحاطه في طفولته بمشاعر الحب والحنان ، وكان يحمله وأخاه الأكبر الحسن على صدره الشريف ، ويصرح أمام أصحابه ويعلن عن هذا الحب الأبوي الكبير ويقول :( اللهم إني أحبهما وأحب من أحبهما )، ويقول في عبارات أخرى: ( إن ابني هذين ريحانتاي من الدنيا)  وكان رسول الله ذات يوم يصلي والحسن والحسين عليهما السلام يتناوبان على ظهره الشريف فباعدهما الناس عن ظهره فقال:   ( دعوهما بأبي هما وأمي من أحبني فليحب هذين) 0

    خرج سيدنا الحسين من المدينة المنورة رافضا للسلطة اليزيدية ومعلنا الثورة على يزيد بن معاوية الذى تولى الخلافة بتوصية وإزكاء من والده غصبا وكرها وفرضا ويريد البيعة من الجميع حتى يكون لديه شرعية يحكم بها ، وهو ما رفضه سيدنا الحسين عندما أرادوا أخذ البيعة منه بالإكراه والتهديد الذى وصل إلى القتل ومع ذلك لم يأبه بالقتل ولم يخف من التهديد ورفض إعطاء البيعة لمن أرسلهم يزيد موكلين عنه لأخذ البيعة , وهب يخرج له فى أرض العراق حيث مكان الخلافة ، ويقول سيدنا الحسين : لم أخرج أشرا ولا مفسداولا ظالماً وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أريد أن آمر بالمعروف وأنهي عن المنكر وأسير سيرة جدي وأبي"  ويوضح سبب رفضه لبيعة يزيد بقوله: " يزيد رجل فاسق شارب للخمر قاتل النفس المحرمة معلن بالفسق ومثلي لا يبايع مثله"  فالإسلام يشترط في القائد الذي يقود الأمة ويمسك بزمام الأمور أن يلتزم بقواعد القسط والعدل ويحترم قوانين الشريعة وإرادة الأمة ويلتزم  بسيادة القانون ويتجرد عن حب التسلط واستغلال المنصب وجعله طريقاً للإثراء والمتع والاستئثار، فقد كان سيدنا الحسين رضى الله عنهما يرى القيادة أداة ووسيلة لوضع الأمة على طريق الهدى والصلاح ، فهو يعلم أنه القادر على هز الحكم الأموي الفاسد  وتفجير البركان تحت عرش يزيد ، وأنه القادر على إحدى الحسنيين: النصر أو الشهادة ، لقد خرج سيدنا الحسين من مدينة جده الرسول الخالد محمد - صلى الله عليه وسلم - وسلك درب الكفاح الطويل ، فقد اصطحب معه أخوته وأبناءه وبني أخيه وجل أهل بيته ، ولم يغادر المدينة المنورة حتى زار قبر جده رسول الله - صلى الله عليه وسلم  زيارة المودع الذي لا يعود ، ووقف إلى جوار القبر الشريف فصلى ركعتين ثم وقف بين يدي جده العظيم محمد - صلى الله عليه وسلم - يناجي ربه ويقول : "اللهم هذا قبر نبيك محمد  وأنا ابن بنت نبيك  وقد حضرني من الأمر ما قد علمت ، اللهم إني أحب المعروف وأنكر المنكر، وأنا أسألك يا ذا الجلال والإكرام بحق القبر ومن فيه إلا ما اخترت لي ما هو لك رضى ولرسولك رضى" , وهكذا كانت عزيمته إصرار وحزم القائد الذي لا يلين  قال فيه بعض الرواة : ( والله ما رأيت مكسورا قطّ قد قتل ولده وأهل بيته وأصحابه أربط جأشاً ولا أمضى جناناً ولا أجرأ مقدماً منه ، والله ما رأيت قبله ولا بعده مثله وإن كانت الرّجال لتشدّ عليه فيشدّ عليها بسيفه فتنكشف عن يمينه وعن شماله انكشاف المعزى إذا شدّ فيها الذئب ، ولقد كان يحمل فيهم فينهزمون من بين يديه كأنّهم الجراد المنتشر، وهو الذي حين سقط عن فرسه إلى الأرض وقد أثخن بالجراح ، قاتل راجلاً قتال الفارس الشّجاع يتّقي الرّمية ويفترص العورة ، ويشدّ على الشّجعان وهو يقول: " أعليّ تجتمعون " وهو الذي جبن الشّجعان وأخافهم وهو بين الموت والحياة صبر على طعن الرّماح وضرب السّيوف ورمي السّهام حتى صارت السّهام في درعه كالشوك في جلد القنفد وحتى وجد في ثيابه مائة وعشرون رمية بسهم و في جسده ثلاث وثلاثون طعنة برمح وأربع وثلاثون ضربة بسيف) هكذا فعل الأوغاد بحفيد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أوغاد خونة من المسلمين للأسف الشديد ، وهذا ما يعزز الحزن الشديد والمأساة العظيمة فعلا ، عظيمة لأن المقتول حفيد رسول الله ، وعظيمة لأن القتلة مسلمون لم يكونوا كافرين ، ولم يكونوا غير عرب ، وهذا ما يدمى قلوبنا ويحرق أعصابنا ، ويهطل الدموع من عيوننا ، ويؤجج نار الغضب فى نفوسنا ، ويشعل نار الانتقام والتشفي منهم ، ويجعلها مأساة تحز فى نفوسنا يتوارثها جيل بعد جيل إلى أن تقوم الساعة ، نتمنى أن نلتقيه رضوان الله عليه فى جنة الخلد لنعتذر له ألف مرة ، ونبكى اعتذارا وخجلا لجده ملايين المرات عما فعله السفلة منا  بحفيده الذى أوصى بحبه فقتلناه ومثلنا بجسده الطاهر الشريف 0

   ومثله انتهت حياة سيدنا عمر بن الخطاب ، وعثمان بن عفان ، وعلى بن أبى طالب ، وهم من هم صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخلفاء الراشدون العدول التقاة ، وغيرهم0

    هذا هو نموذج بطل المأساة العظيمة صاحب النفس المطمئنة ، ويصلح أن يكون بطلها من أصحاب النفس اللوامة ، إن بطلها يسير نحو الشهادة بإرادته الحرة القوية ابتغاء مرضاة الله وحده ، يطمع فى جنته وصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم فى دار مقامته فى جنة الخلد ، ولا يمكن بأى حال من الأحوال أن نقول إن نهايته محزنة على الإطلاق فهل بوسع إنسان أن يضمن الجنة ويحزن ؟!! سؤال لا يحتاج إلى إجابة ، ولكن النهاية محزنة بالنسبة لنا!! وكما قلت إنه حزن جميل مطهر لنا من الرياء والتكبر والغطرسة والقنوط  ، شاف لنا من اليأس والحقد والغل والحسد ، حزن مطهر للنفس من أدرانها وأحقادها ، حزن مخلص من الكبر والتعالي ، حزن فى أنبل وأجل وأعظم معانيه ، حزن مهذب للنفس الفاسدة مفرح للنفس العامرة بالإيمان ، حزن ممزوج بفرح ، حزن من نوع خاص تمتزج فيه دموع الحزن بدموع الفرح من عين واحدة 0 من استشهد عزيزا لهم تبارك وتهنيء الناس أهله ، ولهذه الخصوصية يكمن عظم وإجلال  المأساة العظيمة التى لم أجد لها اسما أشرف وأحسن وأجمل من ذلك0

تعريف التراجيديا الشخصية العظيمة

    البداية مشهد مثير ومشوق ومدهش وجذاب وممتع ، ومبنى على المستحيل الممكن المقنع لشخصية عظيمة ونبيلة له حاجة يريد أن يحصل عليها وهدف يريد تحقيقه ، تتعارض مع حاجات آخرين وأهدافهم ، فتنشأ المشاحنة والمجابهة والبغضاء ، فيقومون بعمل مفزع يهددون حياته - فنخاف عليه - فينشأ الصراع على أشده ، فيتآمرون عليه  للوقيعة به وإبعاده عنهم أو التغلب عليه فى مكان معلوم ، فيضعون له العقبة فى طريقه ويصبح فى أزمة يحاول التغلب عليها ، ويتلمس الأسباب والسبل الممكنة المحتملة أمامه وفى حدود مقدرته العقلية والجسدية ويحاول أن يجتاز هذه العقبة بكل السبل حتى يجتازها  فيضعون أمامه عقبة أخرى فى مكان آخر بدهاء ومكر وحيلة، ويحاول التغلب عليها ، ويستغرق منه وقتا ليعد عدته ويجهز أدواته جيدا ويقطع فيه زمنا يتعلم فيه ويتدرب  ويحسب حساباته جيدا لينجح ويواصل طريقه نحو مسعاه 0فيكون الابتلاء فى أخلاقه وقيمه وقوة عقيدته ومدى تحمله فينزع إلى الصواب والإصرار عليه ليحقق حاجته بدون ضرر، ولكن قوة الابتلاء والاصطبار عليه، تدفعه دفعا إجباريا وتغير مجرى طريقه نحو هدفه وتجبره على سلك اتجاه آخر يبعده كل البعد عن حاجته وهدفه ، فيغيم الطريق أمامه ويلتبس عليه الأمر وهو يحاول أن يتلمس طريقه الذى رسمه لهدفه الذى لا يتراجع عنه أبدا عاقد العزم والنية على تحقيقه ، فيأتي الزلة  التى تكون سببا فى آلامه ومعاناته ويحاول بسرعة أن يتجاوز هذه الزلة ، ولكنهم يشددون عليه الحصار ويسدون أمامه كل الطرق , ومع ذلك يوقعون به ويضعونه فى أزمة أخرى ويحاول التغلب عليها والخروج منها منتصرا , فينازعهم وينازلهم ويحاول دفع الأذى عن نفسه ولكن بدون فائدة ولا جدوى  فيجد أمامه عقبة أشد وأقوى0ويُحكمون عليه الحصار ويسدون أمامه كل الطرق  فتتعقد أمامه كل الحلول ، وتكون العقدة الكبرى المستحكمة ما لها قرار ولا حل ، يحاول التغلب عليها والخروج منها ، فيستعمل كل أدواته وما يملك من علم وخبرة وحيلة ودهاء ومكر، يحاول التغلب عليها يبذل تمام البذل مستعدا أن يضحى بنفسه فى سبيل الوصول إلى ما يريد وتحقيق ما يهدف إليه ، ويرفع عن نفسه الآلام والمعاناة ، ويسبر أغوار تلك العقدة فلا يستطيع سبر أغوارها بمفرده ، فيلجأ إلى الله ، ويرجع الفضل إليه الذي بيده كل شيء - فنشاركه حيرته وندعو له ، و يتضرع إلى الله ويذكر الأنبياء ،– فنصلى عليهم -  فيستجيب الله له وتحدث الانفراجة يفرج عنه ويهيئ له الأسباب ، فيقع حادث بعيد عنه يكون سببا فى أول بارقة أمل تجول أمامه ،  فيستغلها ويجتهد بعمله وعلمه وتفانيه وإخلاصه وصدقه ويُفعل كل أدواته حتى يكسب بها  ، أو يكسب معاونين له قد يمدون له يد العون ويساعدونه فى حل بعض خيوط العقدة ليتلمس طريقه الصحيح مرة أخرى ليحصل بعلمه وعمله وبشهادة الآخرين ، و بسعي و طلب واجتهاد منه ليحصل على حاجته، ، ثم يجاهد من أجل تحقيق هدفه  ويسعى بكل جهده إلى أن يحدث التعرف على واحد يكشف له حقيقة من يواجههم  ، ومع ذلك يواصل طريقه بعزيمة وإيمان وثبات  يلجأ إلى الحيلة وإلى كل ما يملك من أدوات قوة يستعملها ويحاول أن يكسب بها ، بغية تحقيق هدفه دون هوادة ولا كسل ولا تراخ بل بعمل وجهد وصبر وإصرار ، حتى تخور قواه وتكون النهاية يتغلبون عليه ويوقعون به ويقضون على حياته ، وهو ينازع النفس الأخير , ورغم آلام خروج الروح إلا أن ملامحه تشي بالسعادة والرضي ، يستشعر رحيق الجنة التى تتراءى أمام عينيه والروح تصل إلى الحلقوم ، فيلفظ أنفاسه الأخيرة برضي ، وسرعان ما يكتسى وجهه بالنور ، وروحه تصعد إلى السماء تحفها الملائكة الكرام بهالة من النور وتدثرها بالثياب البيض المعطرة بأريج الجنة ، وتتصاعد الملائكة بالروح حتى تدخل به الجنة ويسكنونه قصره المحفوف بالبساتين والرياحين والأنهار والحور العين ، والولدان الحسان الذين يكونون فى خدمته يقدمون له الماء الطهور ، والعسل المصفى ، والخمر الجميل ، والكل فرحون به مهنئون ، فيفرح كأن لم يفرح من قبل 0 ولذلك يكون حزننا نحن المحقق لتوه عليه يتحول إلى فرح عليه 0عندما نرى نهايته تتحقق على النحو الذى كان يأمل وينوى وتحقق له ذلك 0وهو ما يجب على المؤلف أن يتمه ، ويصوره المخرج على أعلى فرضية ممكنة له من أدوات , لأنه مستحيل ولكن على المخرج أن يبذل مجهودا غير عادى حتى يحققه حتى ولو بدرجة كبيرة منه لأن له غاية التأثير المكثف الذى يبقى فى نفوسنا أمدا بعيدا ، يعظم طاعة الله ونعيم ثوابه وتحقيق وعده الذى لا يخلفه أبدا ونحن نسير حسب أحكامه لا نخالفها ولا نبتدعها ، ولا نلتفت لرأى الفلاسفة الذين لا يؤمنون بالبعث والحساب  وقالوا إن من مثل ذلك شيء خارج عن نطاق الطبيعة وذلك بالنسبة لهم لأنهم لا يعرفون كلام الله المنزل فى القرآن الكريم ، ووصفنا للجنة وتصويرها بتشبيه ما وصفه الله ليس فيه من الحرام أو التجاوز أو عدم العلم والمعرفة ، أو أن حكمنا على البطل أنه من أهل الجنة هذا حكمنا نحن وتقديرنا نحن لا ، بل هو حكم الله كما بينا وأسلفنا ، ولأن الله وصفها على هذا النحو البديع الجميل

المصدر: أسس وقواعد الدراما من القرآن الكريم
aldramainquran

أسس القصة بصفة العموم الروائية والدرامية: البداية - الابتلاء - الزلة - العقدة - الانفراجة - التعرف - النهاية القواعد : الصراع - الحبكة - التغير - الانقلاب - اللغة المكونات : الاحداث - المكان - الزمان - المؤثرات - الفكر - الفكرة

  • Currently 195/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
65 تصويتات / 878 مشاهدة
نشرت فى 9 يناير 2010 بواسطة aldramainquran

ساحة النقاش

فتحى حسان محمد

aldramainquran
أديب روائى ودرامى وكاتب سيناريو، مؤلف كتابيى أسس وقواعد الأدب والرواية من القرآن الكريم ، وأسس وقواعد الدراما من القرآن الكريم ، ومجموعة من سيناريوهات الافلام والمسلسلات التى فى عقالها. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

128,283