نشر بواسطة الاستاذ /عواد هريدى عبدالرحيم
على البلدان العربية، رغم أنها لا تساهم بشكل رئيسي في انبعاثات الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي، أن تباشر جهوداً تخفيفية كجزء من جهد عالمي.
ويظهر استعراض للتقارير الوطنية العربية المرفوعة الى اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ والمشاريع والمبادرات الحالية أن كثيراً من البلدان العربية تنفذ في الواقع مجموعة من السياسات والتدابير الصديقة للمناخ، تشمل اجراءات لخفض انبعاثات غازات الدفيئة التي هي من صنع البشر، فضلاً عن اجراءات لتعزيز "خزانات الكربون"، خصوصاً الغابات.
ومن الأمثلة المحددة في العالم العربي استخدامات طاقة الرياح على المستوى التجاري في مصر، واستعمال الطاقة الشمسية على نطاق واسع لتسخين المياه في فلسطين وتونس والمغرب، واعتماد الغاز الطبيعي المضغوط كوقود لوسائل النقل في مصر، وأول مشاريع الطاقة الشمسية المركزة في مصر وتونس والمغرب والجزائر، وأول مجلسين عربيين للأبنية الخضراء في الامارات ومصر، وبرنامج التحريج الضخم في الامارات، والمدينة الأولى الخالية تماماً من الكربون (مصدر) في أبوظبي، والمشروع الرائد لاحتجاز الكربون وتخزينه في الجزائر، واعتماد اعفاءات من الرسوم والضرائب في الأردن لتشجيع استعمال السيارات الهجينة (هايبريد). لكن غالبية هذه المبادرات مجزأة ولا يبدو أنها تنفذ كجزء من اطار سياسي شامل على المستوى الوطني، ناهيك عن المستوى الاقليمي. وفي تطور واعد بشكل خاص، اختارت الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (IRENA)، التي تم تأسيسها حديثاً، مدينة مصدر في أبوظبي مقراً لها. ولا تنحصر أهمية هذا الخيار في انعكاسه على العالم النامي برمته، بل يؤمل أن يفضي أيضاً الى أبحاث جوهرية واستثمارات في الطاقة المتجددة في الاقليم العربي.
ويمكن أيضاً تحسين التعاون بين البلدان العربية، وذلك، على سبيل المثال، في مجالات كفاءة الطاقة والطاقة المتجددة، واستعمال الغاز الطبيعي المضغوط كوقود لوسائل النقل، والاستثمار في احتجاز الكربون وتخزينه. ونظراً لأهمية صناعة الوقود الاحفوري في الاقليم العربي، فإن للبلدان العربية مصلحة خاصة في المساعدة على تطوير تكنولوجيا احتجاز الكربون وتخزينه للمساعدة في مقايضة الانبعاثات نتيجة استعمال الوقود الأحفوري. وفي النهاية، اذا كان ممكناً جعل هذه التكنولوجيا قابلة للاستمرار بالشكل الكافي، فهي ستكون جزءاً مهماً من استراتيجيات الحد من تغير المناخ العالمي. وبما أن الوقود الأحفوري سوف يبقى جزءاً مهماً من مزيج الطاقة في أي سيناريو مستقبلي، فإن احتجاز الكربون وتخزينه هو مجال مهم يجب على العلماء العرب العمل عليه كما يجب تكريس الموارد لدعم تطويره.
المناطق الساحلية وتغير المناخ في العالم العربي:
المناطق الساحلية في الإقليم العربي ذات أهمية بالغة. ويبلغ الطول الإجمالي للسواحل العربية 34 ألف كيلومتر، منها 18 ألف كيلومتر مسكونة. كما أن غالبية المدن الكبرى والنشاط الاقتصادي في الإقليم هي في المناطق الساحلية، وتقع الأراضي الزراعية الخصبة الفسيحة في مناطق ساحلية منخفضة مثل دلتا النيل، كما تعتمد النشاطات السياحية الشائعة على أصول بحرية وساحلية مثل الشعاب المرجانية والأنواع الحيوانية المرتبطة بها.
البلدان العربية كل على حدة سوف تتأثر بشكل متفاوت في ظل توقعات متنوعة لارتفاع مستويات البحار المتعلق بتغير المناخ. وتعتبر قطر والامارات والكويت وتونس الأكثر تعرضاً من حيث كتلتها البرية: سوف يتأثر واحد الى ثلاثة في المئة من أراضي هذه البلدان بارتفاع مستوى البحار متراً واحداً. ومن هذه البلدان، تعتبر قطر الأكثر تعرضاً الى حد بعيد: ففي ظل توقعات مختلفة لارتفاع مستويات البحار، يرتفع الرقم من قرابة 3 في المئة من الأراضي (متر واحد) الى 8 في المئة (3 أمتار)، وحتى الى أكثر من 13 في المئة (5 أمتار).
وبالنسبة الى تأثير ارتفاع مستويات البحار، فإن اقتصاد مصر هو الأكثر تعرضاً الى حد بعيد: مقابل ارتفاع مستويات البحار متراً واحداً، يكون أكثر من 6 في المئة من ناتج مصر المحلي الاجمالي في خطر، وهذه النسبة ترتفع الى أكثر من 12 في المئة مقابل ارتفاع مستويات البحار 3 أمتار. وقطر وتونس والامارات معرضة أيضاً، اذ أن أكثر من 2 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي لكل منها هو في خطر مقابل ارتفاع مستويات البحار متراً واحداً، وهذه النسبة ترتفع الى ما بين 3 و5 في المئة مقابل ارتفاع مستويات البحار 3 أمتار.
وفي ما يتعلق بالقطاع الزراعي، سوف تكون مصر الأكثر تأثراً بارتفاع مستويات البحار. فأكثر من 12 في المئة من أفضل الأراضي الزراعية في دلتا النيل هي في خطر من ارتفاع مستويات البحار متراً واحداً، وتزداد هذه النسبة دراماتيكياً الى 25 في المئة (مقابل ارتفاع مستويات البحار 3 أمتار)، وحتى الى 35 في المئة تقريباً (في أقصى سيناريو لارتفاع مستويات البحار البالغ 5 أمتار).
صحة البشر في العالم العربي وتغير المناخ:
بدأ العلماء يدركون بشكل متزايد أن تغير المناخ يشكل عامل خطر ناشئاً على صحة البشر. وستكون لعدد من تأثيراته المتوقعة تداعيات سلبية على الصحة. والتأثيرات الصحية قد تكون مباشرة، كما في الأحداث المناخية المتطرفة كالعواصف والفيضانات وموجات الحر، أو غير مباشرة كالتغيرات في نطاقات ناقلات الأمراض (مثل البعوض) ومسببات الأمراض التي تنقلها المياه ونوعية المياه ونوعية الهواء وتوافر الغذاء ونوعيته. وعلاوة على ذلك، ستكون التأثيرات الصحية الفعلية مختلفة باختلاف البلدان العربية، وذلك وفقاً للأوضاع البيئية المحلية والظروف الاجتماعية والاقتصادية، ومدى الاجراءات الاجتماعية والمؤسساتية والتكنولوجية والسلوكية المتخذة.
وقد أظهرت الأبحاث المحدودة التي أجريت في البلدان العربية أن تغير المناخ يؤدي دوراً مهماً في تفشي الأمراض المُعدية التي تحملها الناقلات، مثل الملاريا والبلهارسيا (مصر، المغرب، السودان). وهو يؤثر أيضاً على التركيزات الموسمية لبعض المواد المثيرة للحساسية في الغلاف الجوي، ما يسبب ردود فعل مثيرة للحساسية وأمراضاً رئوية (لبنان، السعودية، الامارات)، ويفاقم تأثير موجات الحر على صحة الجمهور، خصوصاً في البلدان العربية التي تعاني من مناخات صيفية حارة.
ومن المتوقع أن تصبح موجات الحر أكثر شدة وأكثر تكراراً وأطول مدة نتيجة تغير المناخ. وقد تناول عدد من الدراسات في الاقليم معدلات الوفيات المرتبطة بالحر، ووُجدت بشكل متناغم علاقة جوهرية بين درجة الحرارة ومعدل الوفيات.
وقد تمّت على نطاق واسع دراسة العلاقة بين الأمراض المُعدية ـ التي تقتل عالمياً ما بين 14 و17 مليون فرد كل سنة ـ والأوضاع المناخية. فالملاريا، مثلاً، التي تصيب نحو 3 ملايين فرد في الاقليم العربي كل سنة، قد تصبح أكثر انتشاراً لأن ارتفاع درجات الحرارة يخفض مدة احتضان المرض ويمدد مجال البعوض الناقل للملاريا ويزيد تكاثره.
هناك عدد من تأثيرات تغير المناخ التي تمت مناقشتها بشكل غير مباشر في أجزاء مختلفة من هذا التقرير، قد يكون لها أيضاً تشعبات صحية. فعلى سبيل المثال، قد يؤثر ارتفاع مستويات البحار والفيضانات الساحلية على الأمن الغذائي ويؤدي الى سوء تغذية ومجاعة، وقد يفاقم انخفاض المتساقطات وارتفاع درجات الحرارة شح المياه، ما يزيد تأثيره السلبي على صحة البشر. من الضروري، إذاً، أن تكون النظم الصحية في العالم العربي متكيفة ومستعدة للاستجابة لعواقب تغير المناخ.
المياه العذبة وتغير المناخ في العالم العربي
المياه شحيحة في أنحاء الاقليم، حيث الموارد المائية المتاحة أدنى من 1000 متر مكعب للفرد سنوياً في جميع البلدان العربية باستثناء العراق ولبنان وسورية. وعلى رغم أن الاقليم العربي يحتل 10 في المئة من الكوكب، فهو يحوي أقل من 1 في المئة من موارد المياه العذبة في العالم. والتأثيرات المتوقعة لتغير المناخ في الاقليم العربي، خصوصاً ازدياد درجات الحرارة وانخفاض المتساقطات المعرضة لمزيد من الاضطراب، من شأنها أن تفاقم حالة التأثر الحرجة أصلاً، وتلقي حتى بمزيد من الضغط على موارد المياه العذبة المحدودة. إن كمية الموارد المائية العذبة ونوعيتها في خطر. وارتفاع معدلات النمو السكاني في الاقليم وارتفاع معدل الاستهلاك الفردي للمياه العذبة يجعلان المشكلة مزمنة ويفاقمان تأثيرها، إذ أن نحو 80 في المئة من الموارد المائية العذبة مكرسة للزراعة.
ومن المتوقع أن يؤثر تغير المناخ على تدفق الأنهار، ما قد يسبب نواقص مائية (في حال انخفض هطول الأمطار) أو فيضانات (في حال حدوث ازدياد دوري في هطول الأمطار). والأنظمة المائية في البلدان النهرية سوف تؤثر أيضاً على البلدان العربية التي تعتمد على أنهار تنبع من تلك البلدان، مثل العراق وسورية ومصر والسودان.
وتشمل تدابير التكيف التي أوصى بها تقرير "أفد" تغيير الأنماط الزراعية، وتبني تقنيات الاقتصاد بالمياه، واعتماد ادارة متكاملة للموارد المائية، وتطوير أنواع جديدة من المحاصيل تكون أكثر تكيفاً مع ارتفاع درجات الحرارة وملوحة التربة، ومباشرة تكنولوجيات مستحدثة لتحلية المياه المالحة. وأخيراً، على البلدان العربية أن تعيد النظر في توزيع المياه على نشاطات انمائية مختلفة بناءً على كفاءة استعمال المياه، ممثَّلة بالانتاج لكل متر مكعب من المياه بدلاً من الانتاج لكل وحدة مساحة من الأرض، أي الارتقاء باستعمال المياه، خصوصاً في الزراعة، الذي يعطي حداً أقصى من العائد الاقتصادي لكل وحدة حجم من المياه.
انتاج الغذاء وتغير المناخ في العالم العربي:
الأمن الغذائي في العالم العربي كان منذ وقت طويل خاضعاً لضغوط بيئية واقتصادية واجتماعية. وحالات الجفاف السائدة، والموارد المائية المحدودة، والأنماط الزراعية المضطربة، والرعي المفرط، والنمو السكاني، وانخفاض مستويات المعرفة والتكنولوجيا، تؤثر جميعاً على نظم انتاج الغذاء في الاقليم.
النظام الزراعي السائد في معظم البلدان العربية هو الزراعة البعلية المعتمدة على هطول الأمطار. لذلك، فإن الانتاجية الزراعية السنوية والأمن الغذائي يرتبطان الى حد بعيد بالتقلبات السنوية للمتساقطات. وتغير المناخ قد يزيد تقلبات هطول الأمطار وبذلك يزيد حالات حدوث جفاف.
وقد يكون للتغيرات المناخية المتوقعة آثار كارثية على الانتاج الزراعي في العالم العربي. وكما أظهر عدد من الدراسات، فإن ازدياد درجة الحرارة يسبب ارتفاعاً كبيراً في كميات المياه اللازمة للمحاصيل الصيفية. ومن المتوقع أن يزداد شح المياه في الاقليم العربي، ولذلك فإن الزراعة معرضة بدرجة كبيرة لتغير المناخ، مع خطر انخفاض انتاج الغذاء 50 في المئة اذا استمرت الممارسات الحالية، بما لهذا من آثار كارثية على الأمن الغذائي.
ما هي السياسات التي قد تساعد على تكيف القطاع الزراعي في العالم العربي مع تغير المناخ؟ يوصي هذا التقرير الصادر عن "أفد" بأن تنويعات المحاصيل والأسمدة والري وغيرها من ممارسات ادارة المياه يجب أن تعدل، حسب اللزوم، في ضوء امكانات التعرض للتغيرات المناخية. كما يجب تحسين المعلومات حول التقلبات المناخية والتوقعات المناخية الموسمية بغية خفض الخطر الذي يتعرض له الانتاج.
السياحة وتغير المناخ في العالم العربي:
السياحة مهمة لعدد من الاقتصادات العربية. لكنها، مثل معظم قطاعات النشاط الاقتصادي، تتعرض لتأثيرات تغير المناخ.
جاذبية المقصد السياحي تعتمد بدرجة كبيرة على المناخ، لكن من الواضح أن عدداً من العوامل الأخرى مهم أيضاً. وباستعمال مؤشر للعوامل المناخية المتنوعة، فإن "مؤشر الراحة السياحية" يقيس درجة المتعة المناخية في موقع معين. لكن مع تغير المناخ، تتغير هذه العوامل. فعلى سبيل المثال، سوف تتمدد الأراضي الجافة في الاقليم العربي، متحركة شمالاً في شمال افريقيا.
"مؤشر الراحة السياحية" قد ينخفض في العالم العربي خلال العقود المقبلة. ومعظم المناطق المصنفة حالياً بأنها "جيدة" و"جيدة جداً" و"ممتازة" سينخفض تصنيفها إلى ما تحت المقبول بحلول سنة 2080، حيث تقع الملامة على تغير المناخ. وكثير من التغيرات المناخية المتوقعة في العالم العربي سوف تؤثر على جاذبية المقاصد السياحية العربية. ومن الأمثلة على ذلك ارتفاع حرارة فصول الصيف، وموجات الجفاف، والأحداث المناخية المتطرفة، وشح المياه، وتدهور النظم الايكولوجية.
والشعاب المرجانية هي مفاتن سياحية مهمة لمصر والأردن. لكنها، في الوقت ذاته، معرضة الى أبعد الحدود للتغيرات المناخية، التي تحدث نتيجة ازدياد درجات الحرارة وارتفاع حموضة المحيطات، مما يساهم في ابيضاض الشعاب المرجانية. كما أن تآكل الشواطئ يشكل خطراً على جاذبية المناطق الساحلية. والشواطئ الرملية الضيقة المنخفضة سوف تتأثر الى حد بعيد، وسوف يصبح كثير منها غير مناسب لمرتادي البحر.
مستقبل السياحة العربية يعتمد على الطريقة التي قد يتكيف بها هذا القطاع مع تغيرات المناخ. فالتنمية السياحية في المستقبل يجب أن تأخذ التغيرات المتوقعة في الاعتبار، من خلال التخطيط المتكامل والشامل، مثل وجود قواعد توجيهية أوضح تتعلق بالمسافة المسموح بها بين المنشآت الدائمة والخط الساحلي. ويجب استكشاف خيارات لسياحة بديلة وأكثر استدامة تكون أقل تأثراً بالمتغيرات المناخية، مثل السياحة الثقافية والتراثية. أخيراً، يجب تطوير المزيد من المراكز السياحية الداخلية والصحراوية، كبديل عن الشواطئ المعرضة للفقدان.
البنى التحتية في العالم العربي:
من المتوقع أن يؤثر تغير المناخ بشكل كبير على البنى التحتية في أنحاء العالم العربي. فالبنية التحتية للنقل معرضة عموماً لزيادات متوقعة في شدة وتكرار الأيام الحارة، وهبوب العواصف، وارتفاع مستويات البحار. والبنى التحتية في المناطق الساحلية معرضة على الخصوص لارتفاع مستويات البحار والعواصف القوية المحتملة. وهذه الأخطار تبلغ ذروتها في مصر والبحرين والامارات.
وسوف تتأثر موثوقية نظم امداد المياه بتضاؤل الامدادات المائية العذبة وارتفاع معدل درجات الحرارة. وتتعرض شبكات المياه المبتذلة على الخصوص لأحداث هطول أمطار مفرطة في فترات قصيرة، وارتفاع مستويات البحار. وتوليد الطاقة سوف يعوقه ارتفاع درجات الحرارة المحيطة التي ستخفض كفاءة التوربينات الغازية وقدرتها، وتخفض كفاءة التبريد في المعامل الحرارية. وسوف تصبح شبكات نقل الطاقة وتوزيعها أكثر عرضة للأعطال، إذ تغدو الأحداث المناخية المتطرفة أكثر تكراراً.
ما الذي يجب فعله؟ يجب تعزيز البنى التحتية كي تتحمل تغير المناخ، وتحديث المعايير والعمليات التصميمية كي تأخذ ذلك في الاعتبار، كما يجب استخدام تكنولوجيات جديدة، واشراك الجمهور في عملية صنع القرار.
التنوع البيولوجي في العالم العربي:
كثير من الأنواع النباتية والحيوانية في العالم العربي تواجه أصلاً تهديدات لبقائها، وسوف يتفاقم تعرضها نتيجة التأثيرات المتوقعة لتغير المناخ. وعدد الأنواع في العالم العربي منخفض أصلاً بحسب المقاييس العالمية، والقساوة العامة للمناخ الحار تجعل الاقليم معرضاً على الخصوص لخسارة جوهرية للأنواع. وباستخدام معايير التهديد لدى الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة (IUCN)، يتبين أن لدى اليمن العدد الأكبر من الأنواع النباتية المهددة، إذ تبلغ 159 نوعاً، بينما لدى كل من السودان والصومال 17 نوعاً.
ولدى جيبوتي ومصر والأردن والمغرب والسعودية والصومال والسودان واليمن مجتمعةً أكثر من 80 نوعاً حيوانياً مهدداً، وتأتي مصر في رأس القائمة إذ لديها 108 أنواع. وقد يعدِّل تغير المناخ البنية الحيوانية للنظم الايكولوجية برمتها.
وتنوع الطيور ذخر رئيسي للعالم العربي، وهو مهدد جداً نتيجة تغير المناخ. وتقع بلدان عربية كثيرة على مسارات مهمة لهجرة الطيور. وتؤوي جيبوتي وموريتانيا والبحرين، على الخصوص، ملايين الطيور المهاجرة ومستعمرات كبيرة للتكاثر.
والأنواع الفريدة المحصورة في مجال موئلها، أو التي وصلت الى حافة قدراتها على التحمل الايكولوجي، هي الأكثر عرضة لتغير المناخ. وتشمل هذه الموائل في الاقليم العربي أشجار المنغروف في قطر وغابات الأرز في لبنان وسورية وجزر جيبوتي ومستنقعات (أهوار) العراق وسلاسل الجبال العالية في اليمن وعُمان والأنهار الكبيرة، وهي النيل (مصر والسودان) ودجلة والفرات (العراق وسورية) واليرموك (سورية والأردن).
والعالم العربي، ككيان جغرافي مترابط، يجب أن يطور وينفذ آليات اقليمية لتنسيق النشاطات في هذا المجال. والتبدل في مجالات تواجد الأنواع وتأثيرات الأحداث المتطرفة غالباً ما يحدث على نطاقات اقليمية. لذلك فإن استراتيجية فعالة لتغير المناخ يجب أن تشمل آليات لتنسيق جهود الحماية على المستوى الاقليمي عبر الحدود السياسية ونطاق سلطة الهيئات المختصة.
ملاحظات ختامية
إن امكانات التعرض للتأثيرات المحتملة لتغير المناخ في الاقليم العربي كبيرة، والقدرات والجهود الحالية غير كافية، والاستراتيجيات الفعالة لتخفيف تغير المناخ والتكيف معه مطلوبة بإلحاح. وكون مساهمة الاقليم في المشكلة صغيرة نسبياً لا يعني أن غض النظر السياسي والديبلوماسي هو خيار مقبول. فالبلدان العربية هي من الأكثر تعرضاً للتأثيرات المحتملة لتغير المناخ بسبب امكانات تأثرها الحالية، خصوصاً شح المياه وموجات الجفاف المتكررة.
لقد وجد هذا التقرير المنذر بالخطر أن لا عمل ينفذ فعلياً لجعل البلدان العربية مستعدة لتحديات تغير المناخ. ولم تتضح أي جهود جماعية لجمع المعلومات وإجراء البحوث في ما يتعلق بتأثيرات تغير المناخ على الصحة والبنى التحتية والتنوع البيولوجي والسياحة والمياه وإنتاج الغذاء. ويبدو أن هناك تجاهلاً تاماً للتأثير الاقتصادي. ونادراً ما توجد سجلات موثوقة للأنماط المناخية في الاقليم. وهذا يسلط الضوء على الحاجة الى معلومات وأبحاث مناخية عالية الجودة، حيث أن التوقعات المناخية الاقليمية ضرورية للتخطيط وإدارة المخاطر. يجب أن تفرض على المباني والمنشآت والبنى التحتية معايير تأخذ تغير المناخ في الاعتبار. ومن الضروري التعجيل في تَبنّي سياسات حكومية تروج للسلع والخدمات القليلة الكربون والكفوءة، واعتماد ادارة مستدامة للموارد الطبيعية وحماية السواحل. كما يجب اشراك القطاع الخاص من خلال تقديم حوافز ملائمة لتنفيذ حلول فعالة.
ويرى هذا التقرير أن التكيف، في حالة البلدان العربية، سوف يوفر فوائد محلية على المدى القريب ويؤمِّن، كناتج ثانوي، حلولاً فورية لمشاكل عربية متأصلة لا يسببها بالكامل تغير المناخ، مثل الجفاف وشح المياه وتلوث الهواء.
هناك عدد من المبادرات الواعدة في الاقليم العربي: شركة أبوظبي لطاقة المستقبل (مصدر) تبني مدينة مستحدثة نظيفة الطاقة وخالية تماماً من الكربون، وجامعة الملك عبدالله للعلوم والتكنولوجيا (KAUST) في السعودية تم تأسيسها كمركز للتفوق يعنى خاصة بدراسات الطاقة، وهما تجسيد مثالي لتحويل دخل النفط الى تكنولوجيا المستقبل. وهناك أيضاً مبادرة الاقتصاد العربي الأخضر التي أطلقها المنتدى العربي للبيئة والتنمية، للمساعدة في التحول إلى نشاطات اقتصادية سليمة بيئياً. من الضروري أن تصبح هذه المبادرات جزءاً من خطة انمائية متكاملة كبيرة ومستدامة.
ساحة النقاش