العدد8 لسنة 2016

شجرة الحياة


عبد الكريم ساورة ... المغرب

 

عندما تحاول أن تتسلق شجرة الحياة، استفت قلبك، هل تستطيع أن تكون يوما ما غصنا تتنقل بينه الطيور وتبني أعشاش العمر، ولما لا تكون ورقة من هذه الشجرة تسقط ذات يوم من أجل الآخرين. ما أجمل أن تدوسك أقدام العشاق وأنت في الأعلى تتحسس تنهداتهم وتسجل أقدس ذكرياتهم .
حكاية هذه الشجرة مع الإنسان قديمة منذ السقوط الجميل لأدم، إنه اكتشاف لقواعد جديدة في الحياة واحتفال أول، لعيد الأرض وأسرارها المؤلمة. آلا يعتبر هذا أول درس في تاريخ الألم ؟
عقدة التاريخ أنه رجل مخلص للأحداث المؤلمة، لا يستحضر لون الفراشات وشقائق النعمان ، لا يؤمن سوى بفصول الحروب وأهوالها ولا يتحمل قلبه سوى الدمار الشامل. إنها حكمته واختياره المفضل في لعبة شجرة الألم. أليست الحروب جوهر الحياة ؟
قصص مثيرة ومؤلمة أ شرقت وجه الحياة وأخرجتها من عقم الظلمة و الرتابة إلى رحابة الأنس والفرجة. حكاية علاء الدين والمصباح السحري رحلة عقاب وألم طويل لخادم مطيع من الجن لإرضاء شهوة سيده. من يستطيع الهرب من قدره سواء إنسا أوجنا من صعود هذه الشجرة الملهمة ؟
ضحايا الحب وفتنته ملأت صفحات كثيرة وأسالت مدادا ، منْ صاحب الفضل الكبير، من غير – جلالة الألم- في إخراجهم من العتمة إلى النور كما تخرج الحية من الجحر بفعل الناي وسحره الأثر. أتباع كثر تألموا لروميو وجولييت ورقوا لحال قيس وليلى وأعلنوا الحداد الأبدي احتفاء بالعشق وأبطاله .
في الكثير من الأحيان، لا نصادف في كتابة السير الذاتية أو الروايات، سوى حالات ووضعيات درامية لشخوصها و كلها تلتقي في ثلاثية البكاء والحسرة والانكسار. هل بالضرورة لايمكن فهم وضعية العالم سوى انطلاقا من مأساة ونكبات هؤلاء الضحايا ؟ من منا لايستحضر في كل لقاء نضالي أو بطولي بخيبة و نكبة حزيران ويستشهد بمقاطع من كتاب " لماذا تأخر العرب وتقدم غيرهم" وضياع حلم القومية العربية والأوجاع التي ألمت بنا منذ ذلك التاريخ الأسود. وهل فعلا تاريخنا المؤلم يبدأ من هذه الفترة بالذات ؟ وماذا عن تاريخ الأدب ؟ ربما في معظمه، محصلة كتب في حكمة العذاب والمعاناة ؟
أسرار السجون والجلادين مسلسل جد مشوق من الأحداث المروعة، حياة لأبطال أو مجرمين كتبوا مجدهم بالدم على جدران من حديد. مواجهة الألم هو الذي يوحدهم جميعا لتحقيق حلمهم المنشود، رغم أن الأحلام كانت متباينة بينهم.
العديد من الرجال العظام من العلماء والدراويش ومعتنقي قضية ما ركبوا جميعا سفينة الألم مسلحين بالأمل وبيقين الرسالة وهم يواجهون عواصف البحر وعجائبه للوصول إلى بر الحقيقة التي تبقى أكبر ألم.
شجرة الحياة، لتنمو وتثمر تحتاج إلى ماء الألم وحكمة الفلاح وصفاء القلب . هنا فقط تتحقق متعة التسلق.
كاتب مغربي

المصدر: البيت الثقافي العراقي التونسي.
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 96 مشاهدة
نشرت فى 16 سبتمبر 2016 بواسطة albashiq
albashiq
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

25,698