المهدي المنتظر والفتن

 

 

 

 

 

تتفق جميع الفرق الإسلامية على ظهور رجل في آخر الزمان يملأ الدنيا بالقسط والعدل، ويقيم دولة الحق لتشمل جميع أرجاء المعمورة مصداقا لقوله تعالى: (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون)(1).

وقوله تعالى: (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين)(2).

وكذلك: (ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون... ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون)(3).

وقد بين المصطفى (صلى الله عليه وآله) المنتظر هو من أهل بيته بقوله: "لا تذهب الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي"(4).

وعن أبي سعيد الخدري، قال الرسول (صلى الله عليه وآله): "لا تقوم الساعة حتى تملأ الأرض ظلما وجورا وعدوانا ثم يخرج من أهل بيتي من يملأها قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وعدوانا"(5).

وعن أبي هريرة، قال الرسول (صلى الله عليه وآله): "لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطوله الله عز وجل حتى يملك رجل من أهل بيتي، يملك جبل الديلم والقسطنطينية)(6).

وعن أم سلمة، قال الرسول (صلى الله عليه وآله): "المهدي من عترتي من ولد فاطمة". وقد أخبر الرسول (صلى الله عليه وآله) أن عيسى (عليه السلام) الذي سيظهر في آخر الزمان أيضا سيصلي وراء المهدي، فعن أبي هريرة، قال الرسول (صلى الله عليه وآله): "كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم"(7).

وقال الحافظ في شرح صحيح البخاري: "تواترت الأخبار بأن المهدي من هذه الأمة وأن عيسى بن مريم سينزل ويصلي خلفه"(8).

وقد أصدر المجمع الفقهي في رابطة العالم الإسلامي الفتوى التالية بشأن المهدي المنتظر والمؤرخة في 31 أيار 1976: "المهدي (عليه السلام) هو محمد بن عبد الله الحسني العلوي الفاطمي المهدي الموعود المنتظر، موعد خروجه في آخر الزمان، وهو من علامات الساعة الكبرى يخرج من المغرب ويبايع له في الحجاز في مكة المكرمة بين الركن والمقام بين باب الكعبة المشرفة والحجر الأسود الملتزم. ويظهر عند فساد الزمان وانتشار الكفر وظلم الناس ويملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما، يحكم العالم كله ويخضع له الرقاب بالإقناع تارة وبالحرب أخرى. وسيملك الأرض سبع سنين وينزل عيسى (عليه السلام) من بعده فيقتل الدجال أو ينزل معه فيساعده على قتله بباب لد بأرض فلسطين.

وهو آخر الخلفاء الراشدين الاثني عشر الذين أخبر عنهم النبي (صلى الله عليه وآله) في الصحاح... وإن الاعتقاد بخروج المهدي واجب وإنه من عقائد أهل السنة والجماعة ولا ينكره إلا جاهل بالسنة ومبتدع في العقيدة"(9).

وهكذا فإن أهل السنة يتفقون مع الشيعة بأن الإمام المهدي هو آخر الخلفاء الاثني عشر الذين بشر بهم الرسول (صلى الله عليه وآله) في أحاديث كثيرة، ويتفق الفريقان كذلك حول معظم النقاط الأخرى المتعلقة بالإمام المنتظر.

وأما أهم الاختلافات بينهما بشأنه فهي:

 

الأول: يعتقد معظم أهل السنة أن الإمام المهدي (عليه السلام) سيولد في آخر الزمان بينما يعتقد الشيعة بأنه ولد في عام 255 ه،‍ لأبيه الإمام الحسن العسكري وهو حادي عشر أئمة أهل البيت، ولكن الله تعالى غيبه عن العيون لحكمة رآها، ولا يزال حيا وسيظهره في آخر الزمان.

 

الثاني: يعتقد أهل السنة كما في الفتوى أعلاه أن المهدي هو ومن ولد الحسن (عليه السلام) وأن اسم أبيه هو عبد الله استنادا إلى رواية عندهم "...يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي" بينما يعتقد الشيعة أن المهدي ينحدر نسله من الإمام الحسين (عليه السلام) وقد ولد لأبيه الحسن العسكري، وأن الرواية الأخيرة هذه يروونها: "...يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم ابني" إشارة إلى حفيد الرسول (صلى الله عليه وآله) الحسن السبط (عليه السلام). وحاول بعض الكتاب من أهل السنة التشنيع والطعن في الشيعة لاعتقادهم بولادة الإمام المنتظر وتسلمه مقاليد الإمامة وعنده من العمر 5 سنوات.

ويرجع هذا التشنيع في المقام الأول إلى التعصب لما هم عليه من اعتقاد، فكل ما يخالف اعتقادهم أو ما ألفوه أو ورثوه فإنهم يحكمون في الحال ببطلانه دون النظر إلى ما احتج به غيرهم. وردا على ذلك نقول:

 

أولا: إن هناك كثير من علماء أهل السنة يعتقدون بأن المهدي هو محمد بن الحسن العسكري وأنه لا يزال حيا حتى يظهره الله موافقين بذلك ما يقوله الشيعة الإمامية الاثني عشرية.

 

ومن هؤلاء العلماء:

1 - محي الدين بن العربي في فتوحاته المكية.

2 - سبط بن الجوزي في كتابه تذكرة الخواص.

3 - عبد الوهاب الشعراني في كتابه عقائد الأكابر.

4 - ابن الخشاب في كتابه تواريخ مواليد الأئمة ووفياتهم.

5 - محمد البخاري الحنفي في كتابه فصل الخطاب.

6 - أحمد بن إبراهيم البلاذري في كتابه الحديث المتسلسل.

7 - ابن الصباغ المالكي في كتابه الفصول المهمة.

8 - العارف عبد الرحمن في كتابه مرآة الأسرار.

9 - كمال الدين بن طلحة في كتابه مطالب السؤول في مناقب الرسول.

10 - القندوزي الحنفي في كتابه ينابيع المودة وغيرهم(10).

 

ثانيا: لا يوجد أي دليل شرعي يثبت عكس ذلك، وغيبة الإمام المنتظر لها ما يشابهها الكثير من المعجزات التي أخبر بها القرآن الكريم، فنوح (عليه السلام) لبث في قومه 950 سنة يدعوهم (فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين)(11)، وقد عاش بالطبع أطول من ذلك، ولبث أهل الكهف 309 سنوات وهم نائمون، ورفع الله تعالى عيسى (عليه السلام) إليه ونجاه من القتل وسيعيده إلى الدنيا في آخر الزمان أيضا، والخضر (عليه السلام) لا يزال حيا غائبا عن العيون.

وأما بالنسبة لصغر سن المهدي (عليه السلام) عند تسلمه الإمامة بعد وفاة أبيه الحسن العسكري حادي عشر أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، فإن هناك معجزات تماثلها بل وأكبر منها، فقد جعل الله عيسى بن مريم (عليه السلام) نبيا وهو في المهد رضيعا: (فأشارت إليه * قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا)(12)، وأعطى الله تعالى كذلك الحكم ليحيى (عليه السلام) وهو صبيا (يا يحيي خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيا)(13).

وإذا قيل بأن هذه المعجزات كانت للأنبياء، فنقول بأنه ليس هناك أي دليل شرعي يشير إلى توقف المعجزات بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله)، والمعجزات ليست للأنبياء فقط، فأهل الكهف لم يكونوا أنبياء، وحتى سيد الشياطين "إبليس" فإن الله قد أمد في عمره حق قيام الساعة.

ومن ناحية أخرى، فإن الذين يعترضون على الاعتقاد بغيبة الإمام المنتظر فهو راجع أيضا لجهلهم بمقامه وحقيقته فالمهدي (عليه السلام) سيكون إماما لعيسى (عليه السلام) الذي جعله الله نبيا وهو في المهد رضيعا، وهكذا فإنه لو علم أهل السنة وتيقنوا بأن الله تعالى هو الذي اختار الأئمة الاثني عشر من أهل البيت ليكونوا خلفاء

للرسول (صلى الله عليه وآله) وحفظة للرسالة المحمدية، فإن استغرابهم بما أحاطه الله من عناية بخاتم هؤلاء الأئمة - حتى يظهره ويتم على يده نصر الحق المبين وإظهاره على الدين كله - سيزول ولن يكون له أي مبرر.

فأغلبية أهل السنة لا يستغربون لما أخذوه من طريقهم أو من كل ما ينسجم مع مذهبهم بل يضعونه محل القبول والتسليم، وهذا ليس فقط بشأن تلك المعجزات التي ورد ذكرها في القرآن الكريم والتي لا يستطيع أحد بالطبع أن يثير أي شبهة حولها، وإنما يشمل هذا الاعتبار ما أخذوه من روايات صحيحي البخاري ومسلم، فكما يروون - مثلا بنزول الله إلى السماء الدنيا آخر الليل وكشفه عن ساقه ووضع قدمه في جهنم يوم القيامة (والعياذ بالله)، أو احتمال سهو النبي ووقوعه تحت تأثير السحر ونسيانه للقرآن أو فقأ موسى (عليه السلام) لعين ملك الموت، ورجحان إيمان أبو بكر على إيمان الأمة بكاملها، أو اختراق رؤية عمر للآفاق آلاف الأميال والتي عرفت قصة " سارية " المشهورة عند أهل السنة، أو قولهم " لو كان نبي بعدي لكان عمر " أو قولهم بأن الملائكة تستحي من عثمان وإلى غير ذلك الكثير الكثير من الحكايات التي يتقبلها غالبيتهم كما هي وبالرغم من وجود العلل الكثيرة فيها، وأما ما يعتقده غيرهم فيستنكرونه جملة وتفصيلا وينفونه دون أي تأمل أو بحث.

وأنا متأكد بأنه لو وجدت عقيدة غيبة الإمام المنتظر عند أهل السنة لما أحاطوها بأية شبهة أو تساؤل! وفي هذا المقام تحضرني عدة طرائف صادفتني خلال حديثي مع بعض الأخوة، فأحدهم وفي سياق استنكاره لزواج المتعة الذي يعتقد الشيعة بجوازه لم يكن يعلم بأن الرق لم يحرم في الإسلام، بل كان يطعن في ذلك لعدم انسجام ذلك مع عقله، وعندما بينت له أن أهل السنة جميعا يقولون بعدم حرمته فإنه سلم بذلك على الفور، وأما نكاح المتعة وبالرغم من رؤيته لما يؤيد عدم تحريمها من صحيح البخاري فإنه أصر على عدم الاقتناع بها لا لشيء إلا لأن عموم أهل السنة يعتقدون بحرمتها!؟ والأطرف من ذلك أنني كنت أقول لآخرين أثناء دفاعي عما اهتديت إليه من إتباع لصراط أهل البيت أن الشيعة يعتقدون بنسيان الرسول (صلى الله عليه وآله) لبعض آيات القرآن أو تمكن أحد اليهود من سحره أو قصة موسى مع ملك الموت وغير ذلك فإنهم كانوا يستنكرون ويسخرون من هذه الاعتقادات، وعندما بينت لهم بأن هذا بعض ما يشنع به الشيعة على أهل السنة والمثبت في أصح كتب الحديث عندهم كصحيح البخاري مثلا، فإن بعضهم كان ينقلب ليدافع عنها ويحاول أن يجد مبررا لها ويصر على عدم التنازل عنها وكأنها أصل من أصول الاعتقاد.

وما ذاك إلا ما يسمى بالتعصب المذهبي الأعمى الذي لن يجدي بمواجهة الحقيقة لأن إغماض العين عنها لا يعني انتفاء وجودها، وإن مثل هؤلاء كمثل النعامة التي تعرفون.

وخلافا لما يتصوره البعض، فإن الإمام المنتظر وبالرغم من اعتقاد جميع الفرق الإسلامية بظهوره في آخر الزمان فإنه سيختلف عليه حين ظهوره وسيكون موضع امتحان كبير للمسلمين كافة، بل ولأصحاب جميع الرسالات السماوية فاليهود والنصارى أيضا يعتقدون بقدوم المنقذ الموعود.

وقد أخبرت الروايات أن المسلمين سيفتنون بالدجال الذي سيحارب المهدي حتى أن كثيرا منهم سيقاتل في صفه والذي تصفه بعض الروايات بالأعور ألدجال.

والحقيقة كما أراها أبعد مما يعتقده بعض أهل السنة بأنه سيكون مكتوبا على جبين الدجال كلمة "كافر"، حيث أنه من المستبعد أن يفتن به أحد من المسلمين ما دام بإمكانه قراءة تلك الكلمة التي تدل على حقيقته، وأما زعم بعضهم بأن المؤمن فقط هو الذي سيتمكن من قراءة تلك الكلمة على جبينه، فهذا أيضا مرفوض لأنه يعني بأن الامتحان يكون قد حسمت نتيجته قبل رؤية الدجال، ولا يوجد أي معنى في هذه الحالة للفتنة التي أخبرت عنها الروايات، ونفس الأمر ينطبق بالنسبة لادعائهم بأنه سيكون أعور العين. ولهذا السبب فقد كنت سابقا أتعجب كيف يمكن للمسلمين عدم مبايعة المهدي عند ظهوره بل ومحاربته بالرغم من انتظارهم لظهوره ويقينهم بأن الله ناصره!؟.

إلا أنه وبعد بحثي لمسألة الخلاف بين أهل السنة والشيعة وعلمت ما لهذا الرجل من علاقة وثيقة بما يعتقده الشيعة وخصوصا قولهم بأنه إمامهم الثاني عشر، فقد بدت لي هذه الفتنة بصورة أكثر جلاء من قبل. فعندما يظهر الإمام المنتظر على حسب مواصفات الشيعة، فإنهم سيبايعونه في الوقت الذي سيقول فيه المتعصبون من أهل السنة على الفور بأن هذا المهدي هو شيعي وليس الذي ننتظره والذي سيكون سنيا بلا شك!.

وقد نبه الرسول (صلى الله عليه وآله) كذلك إلى الفئة التي ستأخذ على عاتقها خلق الفتن بين المسلمين في زماننا، فعن ابن عمر قال: "ذكر النبي (صلى الله عليه وآله): اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم بارك لنا في يمننا. قالوا: وفي نجدنا؟ قال: اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم بارك لنا في يمننا، قالوا: يا رسول الله، وفي نجدنا؟ فأظنه قال في الثالثة: هناك الزلازل والفتن وبها يطلع قرن الشيطان"(14).

وهذه الفئة المقصودة في هذا الحديث لم أر لها تفسيرا إلا بالطائفة الوهابية والتي ولد مبتدعها محمد بن عبد الوهاب في إحدى قرى نجد تسمى "العيينة"، هذه الطائفة والتي تحت غطاء التوحيد الذي جعلت منه واجهة لمقاصدها الخبيثة في رمي غيرها من الطوائف لا سيما - أتباع أهل البيت (عليهم السلام) بالكفر والشرك، فعلى سبيل المثال فإنهم يعتبرون التوسل بالأنبياء والأولياء والصالحين شركا عظيما بالرغم من وجود ما يناقض ذلك في صحيح البخاري وفيما فعله الخليفة عمر.

فعن أنس: "إن عمر بن الخطاب كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب، فقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، قال: فيسقون"(15).

وأما سبب تركيز الوهابية على هذا الجانب، فهو لأن أتباع أهل البيت (عليهم السلام) عرف عنهم أكثر من غيرهم بتمسكهم واحترامهم لقدسية شخص النبي الكريم (صلى الله عليه وآله) والأئمة المعصومين من بعده لأنهم يرون عظم منزلتهم عند الله تعالى، والذين لولاهم لما اهتدى بشر إلى صراط الله المستقيم ولبقي البشر على غيهم وضلالهم.

ويكفي في الرد على الوهابية ومبتدعها ما أخرجه البخاري في صحيحه أن الرسول (صلى الله عليه وآله) قال: "يخرج ناس من قبل المشرق، ويقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم، ويمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ثم لا يعودون فيه حتى يعود السهم إلى فوقه. قيل: ما سيماهم؟ قال: سيماهم التحليق، أو قال: التسبيد"(16).

ومعنى التسبيد هو كما جاء في الحديث الشريف "قدم ابن عباس - مسبدا - رأسه" أي حالقا شعر رأسه(17)، وهذه الصفة اشتهر بها الوهابيون كما عرف ذلك من تاريخهم"(18).

والمهدي (عليه السلام) سيأتي لنصرة المستضعفين في الأرض على قوى الاستكبار كلها، فماذا تتوقعون من أعدائه؟ أو ليس أنهم سيحاولون تسخير المنافقين من المسلمين ووعاظ السلاطين وأئمة الضلال لمحاربة هذا القادم الجديد؟ أو لم تروا في أيامنا هذه كيف استطاع حاكم العراق الذي اشتهر بفسقه وكفر طريقته بأن يغرر بملايين المسلمين الذين خرجوا يهتفون باسمه، عندما تظاهر بالإيمان والاعتماد على الله وإعلان الجهاد ضد الكفار والمشركين حتى اعتقد كثيرا من البسطاء بأن هذا الدجال أصبح إمام المسلمين حقا! وفي ذلك ما يكفي للإشارة إلى ما سيكون عليه حال المسلمين وقت تعرضهم لحوادث أكبر وأشد، وقد بين المصطفى (صلى الله عليه وآله) ما يجب على المسلمين عمله لضمان النجاة من الغرق في مستنقع هذه الفتن بعد رحيله بالتمسك بكتابه والعترة الطاهرة من أهل بيته - كما مر شرحه في الفصل الأول -.

فعن حذيفة بن اليمان قال: " كان الناس يسألون رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله: إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم، قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: نعم، وفيه دخن، قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر. قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم. دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها.

قلت: يا رسول الله صفهم لنا، قال: هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا. قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم. قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام، قال فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك"(19).

والحديث هذا يبين بكل وضوح وجوب الالتزام بجماعة المسلمين وإمامهم، وإنه في حال الالتباس في الأمر وعدم إمكانية معرفة الحقيقة، فإن التوجيه النبوي يأمرنا "بالسكوت"، ويبين الحديث أيضا أن "الدعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها "ليسوا من العجم وإنما من جلدة العرب الأمر الذي يؤكد ما جاء في الأحاديث السابقة بشأن الطائفة المبتدعة.

والحقيقة أن هذه الفتنة التي نمر بها وقد حذرنا الرسول (صلى الله عليه وآله) من مغبة الوقوع في حبائلها، فإنه يلزمنا أن نكون في أشد حالات الحيطة والحذر باختيارنا للطريق الذي يوصلنا بأمان إلى سنة المصطفى (صلى الله عليه وآله)، وخصوصا مع وجود الطرق المتعددة والتي يصل عددها إلى ثلاث وسبعين - كما في بعض الروايات - وكل من هذه الطوائف تزعم أنها الحق، إلا أن الرسول (صلى الله عليه وآله) بين لنا أن واحدة منها فقط هي الناجية وما دونها فهي دون ذلك.

وقد وعد الله بنصر هذه الطائفة الناجية بقوله: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم حق يأتي أمر الله" والمسلم بات في أيامنا حائرا ومستغربا لكل ما يجري حوله من هذه الضجة الكبرى والفتنة العظمى وهو يرى نفسه مطالبا بإعادة النظر بإسلامه وبكثير من الحوادث الهامة في تأريخنا الإسلامي، مما يعتبر مصداقا لقول الرسول (صلى الله عليه وآله): "بدأ الإسلام غريبا، وسيعود غريبا كما بدأ...".

ولا شك أن من يمعن النظر في تأريخنا الإسلامي وإلى يومنا هذا، ويتأمل بالذي حل بأهل البيت لاسيما الأئمة منهم من مصائب ومحن واستضعاف، ويفكر بسبب ضياع الحقيقة بين أهل السنة فإنه سيدرك معنى عودة الإسلام (الغريبة) والتي على ما يبدو قد بدأت فعلا في السنوات الأخيرة وقد انقشع جزءا من الظلمة التي خيمها الظالمون على أتباع هذا الطريق على مر العصور ومصداقا لما نطق به المصطفى الهادي (صلى الله عليه وآله): "إنا أهل البيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، وإن أهل بيتي سيلقون بعدي أثرة وشدة وتطريدا في البلاد حتى يأتي قوم من ههنا - وأشار بيده نحو المشرق - أصحاب رايات سود فيسألون الحق فلا يعطونه فيقاتلون فينصرون ويعطون ما شاؤوا، فلا يقبلونه حتى يدفعوها إلى رجل من أهل بيتي، فيملؤها عدلا كما ملئت ظلما، فمن أدرك ذلك فليأتهم ولو حبوا على الثلج"(20).

اللهم عجل فرجه الشريف واجعلنا من السائرين تحت لوائه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين.

alayman

اللهم ما اجعله خالصا لوجهك يا كريم وانفعنا به واجعله فى ميزان حسناتنا

  • Currently 49/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
16 تصويتات / 112 مشاهدة
نشرت فى 11 مايو 2010 بواسطة alayman
alayman
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

114,604