كان الولد متعثراً في دراسته ولا يحرز تقدماً فيه وخاب ولم يحقق حلم والديه بكونه متفوقا وسابقا لأقرانه في مجال الدراسة والتحصيل ، ففكر الأب والأم في حال الابن فقررا في الأسلوب الأمثل لمثل حالة ابنهما فكان الرد القاسي والذي تمثل في وسيلة الضرب على اعتبار أنه أداة فعالة لإصلاح حال الابن ورده لصوابه وتحقيق أمل الوالد في رؤية الولد من المتفوقين ، وصبا عليه جام غضبهما عليه وانتظرا تغيراً سريعا في المستوى التعليمي ولكن مرت الأيام والأسابيع والحال كما هو ولم يحدث تغير ولو بسيط في قدرة الولد على إحراز تقدم في المجال التعليمي ، وهنا أسقط في يد الوالد من حالة ولده,ما الذي حدث أو لماذا لم يتحسن في المدرسة؟
هل نكرر عقاب الضرب عليه مرة أخرى ، أم أنه عازف عن التعليم وليست له رغبة ولا أرب له فيه ، وطال تفكير الوالدين وأخذا يقلبان الأمور على كل الفروض ويفترضان أموراً لعلهم يهتدون لتشخيص حالة ابنها ليقررا العلاج المناسب وبعد البحث والدراسة اكتشف الوالدان أمراً عجيبا، أتدري ما هو ؟
لقد تأكد الأب أن ابنه يعاني ضعفا في السمع وكذلك في حاسة البصر وبالتالي فهو لا يسمع جيداً ، وكذلك رؤيته للمكتوب على السبورة ضعيفة جداً ولذا لا يستطيع مجاراة المدرسة في النقل وإنجاز المطلوب منه وترتب عليه تأخر مستواه الدراسي وبعد معرفة المرض جاء دور العلاج، ومعالجة ضعف السمع والبصر لديه وصار الولد يسمع ويرى بصورة طبيعية وقدَّما طلباً للمدرس أن يجلس الابن في المقعد الأول بدلاً من جلوسه في الصف الأخير والذي كان سبباً مباشراً في عدم قدرته على رؤية المكتوب على السبورة وبعد مده أظهر الولد تفوقاً على أقرانه وأحرز درجات طيبة في المدرسة وفي الامتحانات المدرسية واستراح الوالدان وشعرا بالأمان .
تخيل لو استمر الوالدان في وسيلة الضرب فقط ماذا كانت النتيجة؟!!.
صنعوا منه مجرماً :
ولقد تحدثت مع أحد الإخوة حول أحد جيراننا والذي صار من خريجي السجون المصرية وله باع طويل في الإجرام والفساد ,فسألت صاحبي الملاصق لبيته عن سر سير هذا الشاب في طريق الانحراف ,فقال صاحبي :هل تصدق أن هذا الشاب كان نموذجاً طيباً فقد كان يعمل ويجتهد وماله يأتي به من جبين عرقه ولكن,وهنا رأيت الضيق بادياً على وجه صاحبي ؛ للأسف كان والده قاسياً جداً في معاملته فإذا أخطأ الابن أو صدرت منه هفوة فكان الضرب الشديد والذي لو ضرب به جبل لاشتكى من قسوته وشدته ,واستعملت العصي الغليظة والقوية لتأديب الولد ورده لرشده بل وقام بطرده من البيت لأيام ولا يسأل عنه:
أين يبيت ابنه ؟ ماذا يأكل ؟ ومَن هم أصحابه الذين آووه وحموه من برد الشتاء أو حر الصيف؟وهل هم شباب ملتزم يأمن على ابنه عندهم أم هم من المجرمين ؟
وعند مَن ينام؟وهل الولد نادماً على فعلته وينوي التوبة وعدم تكرار الخطأ مرة ثانية أمام والديه؟ ومن وقتها ساء خلق الولد وتعرف على مجموعة من الشباب المنحرفين وصار خارجاً على كل شيء :القانون والأخلاق والقيم وحتى الدين, ولم يحصد والده إلا الندامة والشقاء من ولده والذي كان يعده لأحداث الزمان وتقلباته , ولما كبر الولد واشتد عوده بدأ في مرحلة تصفية الحسابات مع كل الذين أخطأوا في حقه وظلموه ولم يستطع وقت أن كان صغيراً أخذ حقه منهم أما اليوم فشعاره؛حساب بلا عمل وكان أول المحاسبين هو والده والذي نال الجانب الأكبر من الإهانة وسوء المعاملة خاصة بعد أن شاب الأب وتقدم به السن ولم يعد قادرا على مسك العصا كما كان يفعل من قبل,وهذه قصة حقيقية وليست من نسج الخيال يمكن أن نسميها :صنعوا منه مجرما!!!
فهل الضرب هو الوسيلة التربوية الوحيدة التي لها فعل السحر لإصلاح العيوب وتقويم الخطأ ؟
إن ألافاً من الآباء تفكيرهم لا يفارق ولا يختلف عن تفكير هذا الأب. يظن أن الحل الوحيد في استخدام العصا بل ويعلقها في بيته ويستخدمها في كل وقت وحين وينفِّس عن غضبه الداخلي ليريح نفسه ويرى أنه قد أدى ما عليه وليحدث بعد ذلك ما يحدث.
أيها الآباء والأمهات : إن الضرب وسيلة تربوية هامة ولكنه ليس الوسيلة الوحيدة ولكنه ينضم لمجموعة من الوسائل الأخرى والتي لا تقل أهمية عن ضرب الولد، ولكي تؤدي وسيلة الضرب دورها لابد من اتباع مجموعة من الإجراءات الهامة منها :
1- تقديم النصح في البداية.
2- بيان الخطأ للولد لأنه ربما يظن أن فعله لا غبار عليه.
3- الضرب على قدر الخطأ فلا يتصور استعماله في التافه والحقير من الأمور وإلا تحول البيت إلى سجن يتمنى الولد أن تأتي ساعة الخلاص والفرار.
4- عدم استخدام أدوات ربما تسبب عاهة للولد كالعصا الغليظة أو ضربه بسلك الكهرباء أو ربطه باليدين والرجلين وتركه لعدة ساعات دون طعام وشراب ليكون عبرة له ولإخوته من بعده.
5- إذا كان الخطأ للمرة الأولى يعطى الطفل فرصة ليتوب ويعتذر عما فعل ويتاح المجال لتوسط الشفعاء ليحولوا- ظاهرا- دون العقوبة مع أخذ العهد عليه.
6- أن لا يؤدب وهو غضبان، لأن الغضب قد يخرج صاحبه عن السيطرة على نفسه، فمن ضرب أولاده لتأديبهم ملتزماً بالضوابط المذكورة، فلا إثم عليه.
.
صور مرفوضة في ضرب الولد: بعض الآباء والأمهات قد يسيء جدًا في استخدام هذه الوسيلة، كأن يضرب على الوجه أو الرأس أو الضرب بالعصا والحزام والأسلاك الكهربائية ،أو ربط يديه ورجليه ورميه في الحجرة لعدة ساعات أو أيام دونما طعام أو شراب, أو بحمل الولد وإلقائه على الأرض، أو الإمساك به وضربه في الجدار،وهناك بعض الأمهات لا تشعر بالرحمة مع ولدها فتأخذ في الدعاء عليه بصورة تجعل جسدك يقشعر من هول ما تسمع فينبغي للوالدين الدعاء للأولاد بالهداية والصلاح والتوفيق، فهذا خير لهما من الدعاء عليهم بالموت، فربما استجيبت دعوتهما، فكانا أول المتأثرين بفقدهم، مع احتمال موتهم على معصية العقوق دون توبة، فهل يرضى الوالدان بهذا لابنائهم؟
والدعاء على الولد منهي عنه، لقوله صلى الله عليه وسلم: لا تدعو على أنفسكم ولا تدعوا على أولادكم ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة يُسال فيها عطاء فيستجيب لكم. رواه مسلم. وكل هذه الأساليب وغيرها يترتب عليها آثار سيئة خطيرة، فقد تترك أثارًا جسدية وكدمات، أو بعض الكسور التي قد تحدث نتيجة لارتطام الطفل بالجدار أو الأرض، ناهيك عن الأضرار النفسية التي تحدث نتيجة لهذا الضرب غير الموجه، وهذا ينافي الغرض الذي من أجله شرع الضرب في الإسلام، ويتحول بذلك إلى سلبيات وتبعات وأضرار حذر منها الإسلام ورفضها، فجدير بالآباء والأمهات أن يراعوا تلك الآداب الإسلامية عند تأديب أولادهم ولا يتجاوزوها، وليعلموا أن فيها الخير والفلاح لهم إن هم التزموا بها وطبقوها.
ومن خطورة الإسراف في استخدام الضرب بصورة غير طبيعية: أنها تفقد قيمتها التربوية ويتكيف الولد معها ويقول هذه الكلمة المعروفُة (ساعة تفوت ولا حد يموت)، وجلسة هادئة مع الأبناء وإجراء حوارات حول المشاكل الخاصة بهم يربيهم على الاعتراف بالخطأ والسعي لعلاجه وأن تنتشر في الأسرة مساحة الحوار بين الجميع ، وهذا يقويها ويجعلها الملجأ والملاذ للأولاد وتصير جاذبة للولد وليس طاردة له.
ولذلك على كل أب أو أم قبل اتخاذ القرار بالضرب يفكران: أين الخلل أو لماذا هذا السلوك الغير طيب الصادر من ولده؟ هل أساء الأب التربية؟ هل قرناء السوء هم السبب؟ هل البيئة المحيطة؟هل هذه أخطاء تقع عادة من الطفل في هذا السن الصغير وبالتالي لا خوف علية منها في المستقبل؟
ألا توجد وسائل أخرى غير الضرب يمكن تطبيقها مع الولد قد يكون لها فعل السحر لإصلاح حال الابن ومن ذلك:
* الثواب: وهو كذلك من وسائل التربية ولكن ينبغي أن يكون بقدر أيضا وأن لا يسرف في استخدامه كأن يعتاد الأب على مكافأة ولده كلما أحسن أو أجاد في أمر ما لأن ذلك الطفل سيصبح ماديا لا يفعل الأشياء الحسنة إلا بشرط المكافأة فينبغي أن يعود على فعل الخير لذاته ويشجع على ذلك أحيانا.
* حسن معاملته في البيت ووسط إخوته.
* القرب منه والتعرف على شخصيته بصورة كبيرة قد تظهر للأب جوانب خفية من شخصية الابن.
* توفير متطلباته مثل باقي زملائه.
وهنا أطالب الجمعيات الخيرية: بضرورة عقد ندوات ومحاضرات عن هذا الأمر الهام ودعوة أولياء الأمور لحضور هذه الجلسات الطيبة وكذلك يستطيع الأئمة في المساجد تناول هذه الموضوعات بشئ من التحليل والبيان خاصة وأن رواد المسجد فيهم الآباء والأمهات.
إن أولادنا أمانة في أعناقنا ونحن مسئولون عنهم لقوله عليه الصلاة والسلام: ( ....والرجل في بيته راع ومسئول عن رعيته ...)
أخي الأب, أختي الأم: ابنك ليس دابة لا يصلح لها إلا الإهانة والضرب بل له مشاعر وأحاسيس فحافظ على كيانه، ولا تتعمد كسره أو إذلاله وأحسن وتعلم فن التربية وهنا أتمنى من الآباء القراءة في مجال تربية الأولاد ووسائل التربية الصحيحة والقراءة في كتاب عن تربية الأولاد ومناقشة محتوى الكتاب مع الأم والاتفاق على أسلوب واحد بدلاً من الاعتماد على التربية القديمة التي تعلمها كل منا في بيئته الأولى منذ الصغر لأنها قد تحتوي على ممارسات خاطئة تترك آثاراً في نفسية الآباء والأمهات منذ الصغر.
ولا ننسى في النهاية أمراً هاماً جداً ربما غفلنا عنه في زحمة المشكلات وهو
1-: الدعاء ,الدعاء ,الدعاء ,يقول تعالى(وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186) سورة البقرة.وقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم:( عَنْ أَنَسٍ قَالَ
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ
(يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ)
فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ آمَنَّا بِكَ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ
فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا؟
قَالَ
(نَعَمْ، إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ
يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ)(1) رواه: الترمذي
2-قيام الليل والدعاء للولد بالهداية والصلاح, عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول صلى الله عليه وسلم(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : \"يتنزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول : من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له\". رواه البخاري؟ .
فلا تحرم نفسك من هذا الخير ولو بصلاة ركعتين قبيل الفجر وأحسن الظن بربك فهو على كل شيء قدير
نشرت فى 5 نوفمبر 2019
بواسطة alayman
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
114,774