هو خبيب بن عدي بن مالك بن عامر، أنصاري من قبيلة الأوس التي كان رأسها سعد بن معاذ رضي الله عنه، وقد عرفت بالشجاعة والصبر عند لقاء العدو.

وهو من أوائل الذين أسلموا وجاهدوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد شهد غزوة بدر وقاتل فيها المشركين وأبلى بلاء حسنا.

وشهد غزوة أحد، وقاتل فيها قتال الأبطال، وكان من الذين استجابوا لله ولرسوله فهرع إلى حمراء الأسد على ما به من جراح مع رسول الله صلى الله عليه وسلم للقاء المشركين بقيادة أبي سفيان، وقد هموا بالعودة إلى المدينة بعد غزوة أحد لقتال المسلمين.
وفي خبيب بن عدي وإخوانه نزل قول الله تعالى : {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ ۚ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172) الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174)}(آل عمران) 

هذا وقد بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية بقيادة مرثد بن أبي مرثد الغنوي لتعليم عضل والقارة الإسلام، فغدروا بهم في قصة مشهورة يأتي الكلام عليها.

ورعه:
كان رضي الله عنه شديد الورع يتحرى الحلال وينأى بنفسه عن الحرام، ولا يغفل عن ذلك مهما كانت الظروف والأحوال. روى ابن سعد في "الطبقات الكبرى" أنه لما أسر خبيب وضع عند موهب مولى الحارث بن عامر، فقال له خبيب: يا موهب أطلب إليك ثلاثا: أن تسقيني العذب، وأن تجنبني ما ذبح على النصب، وأن تؤذنني إذا أرادوا قتلي.

حبه لرسول الله:
إن كمال الحب أن يحب المؤمن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من نفسه وولده والناس أجمعين، وهكذا كان خبيب بين عدي ـ كما كان الصحابة رضي الله عنهم أجمعين ـ فقد ذكر عروة بن الزبير في "مغازيه": أن المشركين حينما رفعوا خبيب بن عدي على الخشبة ليصلبوه نادوه وناشدوه: أتحب أن محمدا مكانك وأنت في بيتك؟ فقال: لا والله ما أحب أن يفديني بشوكة يشاكها في قدمه، فضحكوا منه. 
وفي رواية قال لهم: والله ما أحب أني بين أهلي ومحمد صلى الله عليه وسلم في المكان الذي هو فيه تشوكه شوكة.
فقال بعضهم: 
أسرت قريش مسلما في غزوة .. فغدا بلا وجل إلى السياف
ســألوه هـل يرضيك أنك سالم .. ولك النبي فدا من الإتلاف 
فأجاب كلا لا سلمت من الردى..ويصاب أنف محمد برعاف

وقالوا: إن أبا سفيان حين سمعه يقول ذلك قال: ما رأيت أحدا يحب أحدا كحب أصحاب محمد محمدا. 
نسأل الله جلت قدرته وعزت عظمته أن يرزقنا حب رسوله صلى الله عليه وسلم وحب من يحب رسوله فنؤثره على أنفسنا وأبنائنا ونسائنا ومصالحنا وأهوائنا، إنه على ما يشاء قدير وبالإجابة جدير، وهو نعم المولى ونعم النصير.

من كرامات خبيب
روى الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه بإسناده عن أبي هريرة رضي الله عنه عن بنت من بنات الحارث بن عامر قالت: "والله ما رأيت أسيراً قط خيراً من خبيب، والله لقد وجدته يوماً يأكل قطفاً من عنب في يده وإنه لموثق بالحديد، وما بمكة من ثمرة. وكانت تقول: إنه لرزق رزقه الله خبيباً.

وروى الإمام أحمد في "مسنده" بإسناده إلى عمرو بن أمية الضمري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه وحده عينا إلى قريش، قال: فجئت إلى خشبة خبيب ـ وانا أتخوف العيون ـ فرقيت فيها فحللت خبيبا، فوقع إلى الأرض، فانتبذت غير بعيد ثم التفت، فلم أر خبيبا، ولكأنما ابتلعته الأرض. فلم ير لخبيب أثر حتى الساعة.

أمانة خبيب:
إن الإسلام يحرم على أهله الغدر والخيانة، ويوجب على أتباعه الوفاء لغيرهم، وإن غدروا وفجروا، فلا يقابل الغدر بالغدر، ومواقف رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته تطبيق عملي وتفسير واقعي لهذا الخلق النبيل.

ومن صور هذا التطبيق ما ذكره الإمام البخاري رحمه الله تعالى عن خبيب بن عدي رضي الله عنه؛ فقد جاء في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن خبيبا اشتراه بنو الحارث بن عامر بن نوفل ـ وكان خبيب هو الذي قتل الحارث يوم بدرـ فمكث عندهم أسيرا، حتى إذا أجمعوا قتله استعار موسى من بعض بنات الحارث ليستحد بها، فأعارته. قالت: فغفلت عن صبي لي فدرج إليه، حتى أتاه فوضعه على فخذه، فلما رأيته فزعت فزعة عرف ذاك مني، وفي يده الموسى. فقال: أتخشين أن أقتله؟ ما كنت لأفعل ذاك إن شاء الله.

استشهاده رحمه الله:
قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ بعد أحد ـ رهط من عَضَل والقارة، ‏‏فقالوا‏‏:‏‏ يا رسول الله، إن فينا إسلاما، فابعث معنا نفرا من أصحابك يفقهوننا في الدين، ويقرئوننا القرآن، ويعلموننا شرائع الإسلام، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم نفرا ستة من أصحابه وأمَّر على القوم مرثد بن أبي مرثد الغنوي، فخرجوا مع القوم، حتى إذا كانوا على الرجيع ـ ماء لهذيل بناحية الحجاز ـ على صدور الهدأة غدروا بهم، فاستصرخوا عليهم هذيلا، فلم يرع القوم، وهم في رحالهم إلا الرجال بأيديهم السيوف قد غشوهم، وأحاط بهم مئتا مقاتل منهم مئة رام، فاستشهد منهم أربعة، وأسر خبيب وزيد بن الدثنة، فأخذوهما وباعوهما من قريش بأسيرين من هذيل، وكان الذي اشترى خبيب بن عدي هو حجير بن أبي إهاب التميمي؛ ليقتلوه بالحارث بن عامر بن نوفل الذي قتله خبيب في غزوة بدر.

خرج المشركون بخبيب إلى التنعيم ليصلبوه، فقال لهم: إن رأيتم أن تدعوني حتى أركع ركعتين فافعلوا. فقالوا: دونك فاركع، فركع ركعتين أتمهما وأحسنهما، ثم أقبل على القوم فقال: أما والله لولا أن تظنوا أني إنما طولت جزعا من القتل لاستكثرت من الصلاة. فكان خبيب بن عدي أول من سن هاتين الركعتين عند القتل للمسلمين. ثم رفعوه على خشبة، فلما أوثقوه قال: اللهم إنا قد بلغنا رسالة رسولك، فبلغه الغداة ما يصنع بنا، ثم قال: اللهم أحصهم عددا، واقتلهم بددا، ولا تغادر منهم أحدا.

قال معاوية رضي الله عنه: حضرت مقتل خبيب مع أبي أبي سفيان، "وكانا لم يسلما وقتها"، فلقد رأيت أبي يلقيني إلى الأرض فرقا من دعوة خبيب، وكانوا يقولون: إن الرجل إذا دعي عليه فاضطجع لجنبه زالت عنه.
ثم أنشأ خبيب بعد دعائه يقول: 
لقد جمع الأحزاب حولي وألبوا .. .. قبائلــهم واستجمــعوا كل مُجمـعِ
وكلــهم مبــد العـــداوة جــــاهد .. .. عليّ لأنــي فــي وثــاق بمضـيعِ
وقد جمعوا أبناءهم ونساءهم .. .. وقربت من جــذع طــويل مـمـنـــعِ 
إلى الله أشكو غربتي ثم كربتي .. وما أرصد الأحزاب لي عند مصرعي 
فيارب صبرني على ما يراد بي .. .. فقد بضعوا لحمى وقد ياس مطمعي
وقد خيروني الكفر والموت دونه .. .. وقد هملت عيناني من غير مجزعِ 
ولست أبالي حين أقتــل مســلماً .. .. على أي جنب كان في الله مصرعي 
وذلك في ذات الإلــه وإن يشــأ .. .. يبــارك على أوصــال شــلو ممــزعِ 
ولســت بمبـــدٍ للعـــدو تخشــعاً .. .. ولا جـــزعاً إنـــي إلى الله مرجـــعي

ثم قام إليه عقبة بن الحارث فقتله، فرحمه الله رحمة واسعة.
 

alayman

اللهم ما اجعله خالصا لوجهك يا كريم وانفعنا به واجعله فى ميزان حسناتنا

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 92 مشاهدة
نشرت فى 3 أغسطس 2019 بواسطة alayman
alayman
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

114,412