- قال الله تعالى – في وصف حال المدعوين من الملائكة والأنبياء والصالحين - : ( أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ ) الإسراء/ 57 .
وقال الله تبارك وتعالى – في وصف حال الأنبياء - : ( إِِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ) الأنبياء/ 90 .
فالمؤمن الموفق يجمع في عبادته بين الخوف والرجاء، كما قال تعالى: أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ {الزمر: 9}.
وكثيرا ما يقترن بالخوف والرجاء أمر ثالث وهو التذكير بعظمة الله تعالى ونعمه المتكاثرة على عباده، مما يثمر محبة الله تعالى، وبهذا تتحقق عبودية الله، كما في قوله تعالى: غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ {غافر:3}.
وقد بوب البخاري في صحيحه باب: باب الرجاء مع الخوف.
- قال الحسن -رحمه الله تعالى-: "إن قوماً ألهتهم أماني المغفرة، حتى خرجوا من الدنيا بغير توبة، يقول أحدهم: إني لأحسن الظن بربي، وكذب لو أحسن الظن لأحسن العمل".
وقال أحد السلف: "رجاؤك لرحمة من لا تطيعه من الخذلان".
- حين لا تستوعب نصوص الرجاء، ولا تفهم مدلولاتها، تتمادى النفوس في طغيانها، ويأسرها هواها، بل ترتكب المعاصي، وتنتهك الحرمات، ويتحايل على المحظورات، فهم لا يتذكرون من أسماء الله وصفاته إلا أنه غفور رحيم، كريم، ودود، ودليلهم في كل حين، أن الإسلام دين السماحة واليسر.
- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع بجنته أحد، ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ما قنط من جنته أحد"رواه مسلم
- والنصوص الشرعية من الآيات والأحاديث السنية، تربي على الخوف والرجاء، فهما رفيقان ينبغي أن لا يخلو قلب المؤمن منهما، وإن غلب أحدهما حينا وغلب الآخر حيناً آخر.
- إن الرجاء والخوف جناحان بهما يطير المقربون إلى كل مقام محمود، ومطيتان بهما يقطع من طرق الآخرة كل عقبة كؤود، فلا يقود إلى قرب الرحمن، وروح الجنان، مع كونه بعيد الإرجاء، ثقيل الأعباء، محفوفاً بمكاره القلوب، ومشاق الجوارح والأعضاء إلا الرجاء، ولا يصد عن نار الجحيم، والعذاب الأليم مع كونه محفوفاً بلطائف الشهوات، وعجائب اللذات، إلا سياط التخويف.
- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
ولهذا قال بعض السلف : من عبد الله بالحب وحده فهو زنديق ، ومن عبده بالخوف وحده فهو حروري [ الحرورية : هم الخوارج ] ، ومن عبده بالرجاء وحده فهو مرجىء ، ومن عبده بالحب والخوف والرجاء فهو مؤمن .
- فمتى خلا القلب من هذه الثلاث : فسد فسادا لا يرجى صلاحه أبدا . ومتى ضعف فيه شيء من هذه: ضعف إيمانه بحسبه " انتهى من "مجموع الفتاوى" (15/21)
- وقال الشيخ ابن باز رحمه الله :
" الواجب على المكلف ذكرا كان أو أنثى ألا ييأس، ولا يقنط ويدع العمل ، بل يكون بين الرجاء والخوف يخاف الله ، ويحذر المعاصي ، ويسارع في التوبة ، ويسأل الله العفو، ولا يأمن من مكر الله ويقيم على المعاصي ويتساهل ؛ ولكن يحذر معاصي الله ، ويخافه ولا يأمن ، بل يكون بين الخوف والرجاء " انتهى من " فتاوى نور على الدرب " (4/ 38)
- وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" إن غلب عليه الرجاء ؛ وقع في الأمن من مكر الله ، وإن غلب عليه الخوف ؛ وقع القنوط من رحمة الله ، وكلاهما من كبائر الذنوب " لقاء الباب المفتوح" (11/ 7)
- وقد سئل الإمام أحمد رحمه الله :
متى يجد العبد طعم الراحة ؟
فقَالَ: " عند أول قدم يضعها فِي الجنة "طبقات الحنابلة" (1/ 293) .
- قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :
والعبادة مبنية على أمرين عظيمين ، هما : المحبة ، والتعظيم ، الناتج عنهما : ( إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهَباً ) الأنبياء/ 90 ، فبالمحبة تكون الرغبة ، وبالتعظيم تكون الرهبة ، والخوف " مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " ( 8 / 17 ، 18 ) .
- قال ابن القيم في مدارج السالكين أنواع الرجاء:
الرجاء ثلاثة أنواع: نوعان محمودان ونوع غرور مذموم.
فالأول : رجاء رجل عمل بطاعة الله على نور من الله فهو راج لثوابه،
والثاني : ورجلٌ أذنب ذنوباً ثم تاب منها فهو راجٍ لمغفرة الله تعالى وعفوه وإحسانه وجوده وحلمه وكرمه.
والثالث: رجلٌ متمادٍ في التفريط والخطايا يرجو رحمة الله بلا عملٍ فهذا هو الغرور والتمني والرجاء الكاذب
الفرق بينه وبين الغرور.
قال يحيى بن معاذ:
من أعظم الاغترار عندي التمادي في الذنوب مع رجاء العفو من غير ندامة، وتوقع القرب من الله -تعالى- بغير طاعة، وانتظار زرع الجنة ببذر النار، وطلب دار المطيعين بالمعاصي، وانتظار الجزاء بغير عمل، والتمني على الله عز وجل مع الإفراط.
- متى يصح الرجاء
قال ابن القيم رحمه الله اجمع العارفون على أن الرجاء لا يصح إلا مع العمل"مدارج السالكين
،واعلموا أن الجمع بين الخوف والرجاء
١ - يثمر لكم العمل الصالح والإكثار من الحسنات،
٢ - والتوبة من الذنوب والسيئات، فكونوا دائما بين الخوف والرجاء
قال الشيخ صالح الفوزان :لا تغفلوا عن هذا الأصل فإنه أصل عظيم، ومن غفل عنه هلك وتاه، فمن قنط من رحمة الله خسر، ومن أمن من مكر الله خسر
فكونوا بين الخوف والرجاء بمعنى: أنكم إذا تذكرتم النار والعذاب تتوبون إلى الله عز وجل وتتوقفون عن الذنوب والمعاصي والسيئات، وإذا تذكرتم الجنة وثوابها تكثرون من الحسنات
فإن الجنة لا تنال بالتمني وإنما تنال بالأعمال الصالحة بعد رحمة الله سبحانه وتعالى، فليس الإيمان بالتمني ولكنه ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال
ختاماً : فالذي يؤمن بالجنة والنار يعمل لهما، يعمل للجنة فيكثر من الحسنات ويعمل ما ينجيه من النار فيتجنب السيئات والخطيئات ولا أحد يسلم من الذنوب إلا من عصمه الله سبحانه وتعالى، ولكن الله فتح بابه للتائبين وهذا من رحمته سبحانه أنه لا يعاجلهم بالعقوبة؛ بل يمهلهم، ويدعوهم إلى الجنة وإلى التوبة، والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه (وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ)
نشرت فى 6 يوليو 2019
بواسطة alayman
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
114,627