إن التوبة واجبة على جميع المسلمين، بل وعلى جميع الكفار المكلفين، على كل مكلف من كافر ومسلم أن يتوب إلى الله، فالكافر يتوب إلى الله من شركه وكفره ويدخل في الإسلام؛ لأن الله خلقه لذلك، يقول سبحانه: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ[الذاريات:56]، فعلى جميع الكفار من جن وإنس ونصارى ويهود وشيوعيين وغيرهم من أنواع الكفرة عليهم أن يدخلوا في دين الله، وأن يلتزموا بدين الله الإسلام، وأن يتوبوا مما هم عليه من الكفر والضلال قبل أن يموتوا.
وعلى كل مسلم أن يتوب إلى الله من سيئاته وذنوبه، قال الله سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا [التحريم:8]، وقال سبحانه: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31]، وقال سبحانه: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ [الأنفال:38]، فعلى الجميع أن يتوبوا إلى الله، والله سبحانه هو الجواد الكريم يقبل التوبة من عباده، كما قال سبحانه: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ [الشورى:25].
والمذنب عليه أن يرجع إلى الله ويندم على ذنوبه الماضية، ويعزم أن لا يعود فيها، وبذلك يغفر الله له.
وحقيقة التوبة تشمل ثلاثة أمور:
الأمر الأول: الندم على الماضي والحزن على ما مضى من سيئاته: من زنا، أو شرب خمر، أو عقوق، أو ربا، أو أكل مال اليتيم، أو غير هذا من المعاصي، عليه أن يندم على ذلك ندمًا عظيمًا، ويحزن على ما مضى منه.
وعليه أن يقلع من هذه الذنوب وعليه أن يتركها ويحذرها.
وعليه أمر ثالث: وهو العزم الصادق أن لا يعود.
هكذا التوبة تشمل هذه الأمور الثلاثة:
أن يندم على الماضي منها مهما كانت عظيمة، حتى الكفر.
والأمر الثاني: أن يقلع منها ويحذرها.
الأمر الثالث: أن يعزم عزمًا صادقًا أن لا يعود فيها.
وهناك شرط رابع عام لجميع الأعمال وهو النية أن تكون لله وحده، أن يتوب لله وحده؛ لأن الله قال: تُوبُوا إِلَى اللَّهِ [التحريم:8] يقصد وجهه سبحانه رغبة فيما عنده، وحذرًا من عقابه، فهو يندم على ما مضى ويعزم أن لا يعود ويقلع منها خوفًا من الله وتعظيمًا له وإخلاصًا له ، وهكذا بقية العبادات كلها لابد فيها أن تكون لله من صلاة وصوم وصدقة وغير ذلك.
ومن تمام التوبة ومن أسباب بقائها: أن يلزم الأخيار، ويبتعد عن صحبة الأشرار الذين يجرونه إلى المعاصي، فهذا من أسباب بقاء التوبة ومن أسباب استمرارها وكمالها أن تبتعد عن جلساء السوء الذين كنت تجالسهم حتى تسلم من شرهم، وأن تحرص على صحبة الأخيار حتى تستفيد منهم ويعينوك على الخير.
ومن أسباب تمامها وكمالها أيضًا: أن تزيل ما عندك من آثارها إن كان آلات لهو تزيلها .. خمر تريقه .. دخان تتلفه.. وهكذا ما كان عندك من آثارها وبقائها تزيله حتى لا يجرك الشيطان إليه، تريق الخمر .. تتلف الدخان .. تكسر آلات اللهو.. إلى غير هذا من كل ما يجرك إلى الشر تزيله عنك؛ حتى تتم لك التوبة وتبقى وتستمر.
ولكنها مقبولة إذا استوفت الشروط حتى ولو كان عندك بقايا خمر، أو بقايا دخان، التوبة مقبولة لكن عليك أن تحذر ما بقي عندك عليك أن تزيله، فبقاؤه عندك ولو بقي عندك يوم أو بقيت يومين أو ثلاثة لا يبطل التوبة، التوبة ماشية صحيحة إذا كنت صادقًا في التوبة في ندمك وإقلاعك وعزمك أن لا تعود صادقًا في ذلك راغبًا بما عند الله، فالتوبة يمحو الله بها الذنوب، جميع الذنوب الماضية يمحو الله بهذه التوبة يمحوها الله عنك.
فلا تقنط ولا تيئس، يقول الله جل وعلا: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53] ، يعني: للتائبين أجمع العلماء على أن هذه الآية في التائبين، ونهانا عن القنوط قال: لا تَقْنَطُوا يعني: لا تيئسوا من روح الله، فالمؤمن لا ييئس ولا يقنط بل يبادر بالتوبة، يحسن الظن بربه جل وعلا، ويقول النبي ﷺ: التائب من الذنب كمن لا ذنب له، فإذا تبت من الذنب بالندم، والإقلاع، والعزم أن لا تعود، فإنه يمحى عنك إذا فعلته لله .
أما إن فعلته من غير إخلاص لله بل تركت الذنب وندمت عليه ولكن لم تفعله لله، بل لأنه أضرك أو مراعاة لخاطر أهلك، أو لأمر زيد أو عمرو لا لله فإنه يبقى عليك؛ لأنك ما تبت لله، التوبة تكون لله، تبقى عليك هذه الجريمة حتى تتوب لله من ذلك، لكن المستقبل الذي ما فعلت فيه الجريمة لا شيء عليك ما دام تركته، إنما عليك الجرائم الأولى التي فعلتها حتى تتوب إلى الله منها توبة صادقة خالصة لله، تضمن الندم على الماضي والإقلاع منها والحذر منها، والعزيمة أن لا تعود فيها، لله ترجو ما عند الله تخشى عقابه .
ثم إذا فعلت ذنبًا بعد التوبة تؤخذ بالأخير، إذا فعلت ذنبًا بعد التوبة أعدت الذنوب عليك إثم الأخير بس، أما الأول فقد مضى، ومحي عنك بالتوبة إذا كنت صادقًا، أما إن كانت التوبة باللسان وأنت مقيم بقلبك على المعصية مصر فهذه التوبة ما تنفع ما تصح، لا بد من عدم الإصرار أن تتوب بقلبك، وأن تدعها بجوارحك وبدنك، تقلع منها، وتندم عليها وتعزم أن لا تعود فيها هذه التوبة، فإذا نزغ الشيطان وعدت إليها تؤخذ بالذنب الجديد بس الذنب الجديد إلا أن تتوب أنت بعد ذلك إذا تبت كذلك تاب الله عليك وهكذا، كلما عاد المسلم إلى التوبة تاب الله عليه، فلا يقنط ولا ييئس والله يقول: وَلا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ [يوسف:87].
ومما ينبغي للتائب أن يتبعها بالعمل الصالح، والاستكثار من الخير؛ حتى تستقيم وتنمو وتكمل، وحتى تبدل سيئاته حسنات أيضًا، إذا أتبعها بالعمل الصالح بدلها الله حسنات، قال تعالى لما ذكر الشرك والقتل والزنا، قال بعد ذلك: وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [الفرقان:68-70] هذه نعمة من الله جل وعلا أن العبد إذا تاب توبة صادقة وأتبعها بالعمل الصالح أبدل الله سيئاته حسنات مع محو الذنب، تمحى الذنوب ثم تعطى بدل كل سيئة حسنة، بسبب إيمانك الصادق وعملك الصالح بعد ذلك، وهذا من فضله وجوده وكرمه ، وقال تعالى: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى [طه:82]
نشرت فى 7 فبراير 2019
بواسطة alayman
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
114,738