مقدمة
قصَّ علينا القرآن الكريم كثيرا من قصص الأمم السابقة ومواقفهم مع أنبيائهم
ومن أكثر هذا القصص ما حدث مع سيدنا موسى على نبينا وعليه السلام
مثال ذلك ماقصه القرآن في سورة الأعراف إذ قال (وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَىٰ قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَىٰ أَصْنَامٍ لَهُمْ ۚ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَٰهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ ۚ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ)
أي إن بني اشرائيل بعد أن نجاهم الله تعالى من فرعون وظلمه واستعباده لهم وبعد أن عبروا البحر بمعجزة عظيمة مروا على قوم يعبدون أصناما لهم فقالوا لموسى عليه السلام: (اجعل لنا الها كما لهم آلهة) أرادوا أن يتشبهوا بهم ويقلدوهم في هذا العمل الذي رأوه جميلا رائعاكما يرى كثير من الناس اليوم ما يرونه عند الآخرين
فماذا أجابهم موسى عليه السلام على هذه الرغبة البشرية في التقليد والمحاكاة دون تمييز أو بصيرة ؟(قال انكم قوم تجهلون)
قال القرطبي :(تجهلون عظمة الله وواجبَ حقه عليكم, ولا تعلمون أنه لا تجوز العبادة لشيء سوى الله الذي له ملك السماوات والأرض.
لماذا قص علينا القرآن هذه الموقف الذي حدث في التاريخ منذ زمن بعيد؟
لأن الأحداث قد تتكرر
ولأننا يجب أن نتعلم لنحذر أن نكرر أخطاء الأمم السابقة
ولذلك ذكر النبي صلى الله عليه وسلم هذا الموقف في موقف حدث مع أصحابه
فعن أبي واقد الليثي قال: (خرجنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قِبلَ حُنين فمررنا بسدرة، فقلت: يا نبي اللّه، اجعل لنا هذه ذات أنواط كما للكفار ذات أنواط، وكان الكفار ينوطون سلاحهم بسدرة ويعكفون حولها، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم: اللّه أكبر، هذا كما قالت بنو إسرائيل لموسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة. إنكم تركبون سننن من قبلكم) ""رواه أحمد وابن أبي حاتم أي ان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أرادوا أن يقلدوا المشركين فتكون لهم شجرة يعلقون عليها أسلحتهم قبل المعركة لينالوا البركة لأسلحتهم فالسلاح الذي يعلق على الشجرة ثم يحارب به لاينهزم في اعتقاد المشركين
فذكرهم النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الآيات
ان هذه الآيات تبين لنا مسألة مهمة شائعة في هذا الزمان الذي فتحت فيها الحدود والفضاءات بين الحضارات كلها مالذي يمكن أن نأخذه ونقلده وما الذي لايجوز؟
فالعقيدة لايجوز فيها التقليد بحال وكل ما يقترب من العقيدة والعبادة لايصح أبدا أن يعجبنا ونراه منتشرا حولنا فنقلده
روى ابن ماجة (1853) ، والبيهقي (14711) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى، قَالَ : " لَمَّا قَدِمَ مُعَاذٌ مِنَ الشَّامِ سَجَدَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ: ( مَا هَذَا يَا مُعَاذُ ؟ ) قَالَ : أَتَيْتُ الشَّامَ فَوَافَقْتُهُمْ يَسْجُدُونَ لِأَسَاقِفَتِهِمْ وَبَطَارِقَتِهِمْ ، فَوَدِدْتُ فِي نَفْسِي أَنْ نَفْعَلَ ذَلِكَ بِكَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَلَا تَفْعَلُوا ، فَإِنِّي لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِغَيْرِ اللَّهِ ، لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ ، لَا تُؤَدِّي الْمَرْأَةُ حَقَّ رَبِّهَا حَتَّى تُؤَدِّيَ حَقَّ زَوْجِهَا ، وَلَوْ سَأَلَهَا نَفْسَهَا وَهِيَ عَلَى قَتَبٍ لَمْ تَمْنَعْهُ ) .
هذا لفظ ابن ماجة ، وصححه الألباني في "صحيح ابن ماجة" .
أي أن سيدنا معاذ رضي الله عنه لما رآهم يسجدون لبطارقتهم وأساقفتهم في الشام أعجبه ذلك ورأى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق بذلك منهم فقلدهم في هذا العمل الجميل الرائع حسب فهمه وتقديره ولكن نهاه الرسول صلى الله عليه وسلم ورد على قياسه فرغم عظم حق المرأة على زوجها إلا أنه لم يشرع الاسلام لها السجود له
ففي الاسلام لاسجود الا لله وحده ولو كان على سبيل التحية وليس العبادة
حتى ولو كان مشروعا في شريعة من سبقنا ونحن نقرأ في سورة يوسف عليه السلام (ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا) سجود تحية
فهل يجوز لمسلم أن يسجد لعظيم أو عالم أو رجل صالح أو حتى لوالده أو الزوجة لزوجها محتجا بفعل اخوة يوسف عليه السلام
بالطبع لا
لأن أئمة الأمة يقولون ان شرع من قبلنا ليس شرعا لنا لماذا؟
لأن شريعة الاسلام نسخت كل ماقبلها من الشرائع
إلاالامام ابو حنيفة فإنه قال أن شرع من قبلنا شرع لنا لكنه اشترط عدم وجود ناسخ ينسخه من شريعتنا.
إذًا كلا الرأيين يقرر أنه لايجوز الأخذ بحكم من أحكام من سبقنا بدون الرجوع لشريعتنا لمعرفة مااذا كان منسوخا بها أم لا؟
ايها الاخوة
اذًا الاسلام حريص على أن يكون المسلم في عقيدته متميزا عن غير المسلمين لايتشبه بهم ولذلك فأحاديث كثيرة للرسول صلى الله عليه وسلم تأمر المسلمين أن يخالفوا غير المسلمين
ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (((إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم) أي لايصبغون الشيب (
ولمسلم من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "جُزُّوا الشَّوَارِبَ وَأَرْخُوا اللِّحَى، خَالِفُوا الْمَجُوسَ
إذا هذه الآية تحل لنا اشكالا حاضرا في زماننا هذا الذي ضعفت فيه أمتنا بينما قويت فيه أمم وعقائد أخرى فانبهر كثير من المسلمين بماعند غيرهم كعادة الضعيف دائما فهو ينبهر بكل مالدى القوي ويقلده
هذا الاشكال هو الخلط بين ما يمكن أن نأخذه من غيرنا ومالايجوز لنا بحال
فالبعض يطالبوننا أن نأخذ كل ما ياأتينا من الغرب بدون نظر وأعيينا مغمضة لماذا؟
لأنهم متمدنون وحضارتهم حاليا هي الغالبة السائدة ولأنهم يعيشون في رفاهية
بينما آخرون يرون رفض كل ما يأتي من الغرب خيرا كان أو شرا فلايجوز التشبه بالكفار
والحقيقة أن النبي صلى الله عليه وسلم الذي نهى الصحابة عن التشبه بغير المسلمين في عبادتهم وفيما يخصهم وحدهم هو الذي أخذ فكرة حفر الخندق من الفرس عندما أقترح عليه سلمان الفارسي رضي الله عنه أن بفعل كما رآهم يفعلون ويحفر الخندق
كما أن عمر رضي الله عنه اخذ فكرة الدواوين أيضا من عير المسلمين فاستعمل التسجيل في الدفاتر
فالمسلم يتميز عن غيره في عقيدته وعبادته أما أمور الحباة والاختراعات الحديثة فالأصل فيها الاباحة لكن فقط نعرضها على شريعتنا لنعلم ان كان هنا نهي عنها أم لا فاذا لم يكن هناك نهي فجائز أن نأخذ بها
أيها الاخوة
ربمايبدو من ذلك أنه يلزم من حفاظ المسلم على عقيدته بلا تميع ولامشابهة أن نعامل غير المسلمين أذا بالظلم والاعتداء عليهم واستحلال أموالهم وأعراضهم ومعابدهم
هذا ليس صحيح
بل القرآن قال (وقولوا للناس حسنا) كل الناس
وقال النبي صلى الله عليه وسلم (وخالق الناس بخلق حسن)
ونهى القرآن على الاعتداء يلا سبب حتى على من نبغضهم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8)
قال الامام ابن كثير
أى: كونوا قوامين بالحق لله، عز وجل، لا لأجل الناس والسمعة، وكونوا (شهداء بالقسط ) أى: بالعدل لا بالجور،.
وقوله (ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا) أى لا يحملنكم بغض قوم على ترك العدل فيهم، بل استعملوا العدل فى كل أحد، صديقا كان أو عدوا، ولهذا قال: (اعدلوا هو أقرب للتقوى) أى عدلكم أقرب إلى التقوى من تركه،
وقال تعالى (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8)
أي لا ينهاكم عن الإحسان إلى الكفرة الذين لا يقاتلونكم في الدين ، كالنساء
والضعفة منهم
وروى الإمام أحمد : ، عن أسماء أبي بكر ، رضي الله عنهما قالت : قدِمتْ أمي وهي مشركة في عهد قريش إذ عاهدوا ، فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله ، إن أمي قدمت وهي راغبة ، أفأصلها - ؟ قال:نعم صلي أمك.
وقد عاش النبي صلى الله عليه وسلم مع غير المسلمين في المدينة وزار مريضهم كما نعلم وقبل دعوتهم وباع واشترى وأحسن الى جيرانه منهم فقد جعل الاسلام للجار حقا ولو كان غير مسلم
والذي نريد أن نركز عليه هو أنه لايوجد ارتباط أو تلازم بين تمايز العقيدة وبين المعاملة
فلايفهم من عدم التشبه بغير الممسلمبن الاساءة اليهم ولايفهم من الاحسان اليهم التشبه بعقيدتهم هذا شأن وهذا شأن (لكم دينكم ولي دين) وقال تعالى قبلها (لاأعبد ما تعبدون ولآأنتم عابدون ما أعبد)
الخطبة الثانية
ايها الاخوة
ربما تكون معظم هذه العناصر التي تحدثنا فيها بديهية عندنا لكننا ركزنا عليها من أجل الأجيال القادمة لأـها تتعرض لما لم نتعرض له نحن من حملات التشكيك في الاسلام وعقيدته فنسمع مثلا من يريد أن يوفق بين أهل الأديان فيريد أن يغير في ثوابت الدين فيقول مثلا ان من آمن بالله تعالى ولم يؤمن برسول الله محمد صلى الله عليه وسلم فهو مؤمن ولافرق بينه وبين المسلمين
كيف ذلك ؟ ان الايمان بالرسل كل الرسل ركن من أركان الايمان لايصح ايمان انسان ألا به وكما انه لا يقبل من انسان ان يؤمن بمحمد و لايؤمن بالمسيح عليه السلام رسولا أو موسى عليه السلام أو أي رسول فكذلك من لم بؤمن برسول الله صلى الله عليه وسلم فلايقبل منه ولابد أن يكون واضحا في عقيدة أبنائنا ان الدين عند الله الاسلام (ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه) كما أننا في نفس الوقت نشهد بين حين وآخر حوادث اعتداء على دو ر العبادة لغير المسلمين وهذا محرم قطعا قال تعالى ( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا) الحج وهذا دليل على تحريم تهديم أو الاعتداء على المعابد
لذا فاننا يجب ان تحصن أبناءنا من هذه المغالطات
دعاء
Top of Form
ساحة النقاش