عالم السياسة والثقافة الإخباري ( ع . س . ا )

الناشر ومدير الموقع / نصرالزيادي.. حريتنا في التعبير .. سقفها المسؤولية الدينية والأخلاقية .

authentication required

عالم السياسة والثقافة الإخباري .. فلاح أديهم المسلم

 

"إضاءات حول مفهومي التغيير والإصلاح "

 

 

    الدولة هي " كيان تنفيذي لمجموعة المفاهيم , والمقاييس , والقناعات التي تقبّلتها مجموعة من الناس " , وهذه المجموعة التي تفرض وجهة نظرها بتشكيل هذا الكيان المسمّى بالدولة إمّا أن تكون ممثّلة للشعب تمثيلا شاملا بجميع فئاته أو تمثّل الفئة أو الفئات الأقوى .. هذا هو واقع الدولة . 
    والبعض لديه حساسية مفرطة تجاه مثل هذا التعريف , ويرفض إطلاق اسم الدولة عليه ويستبدل ذلك بمصطلح "نظام الحكم " ربما حفاظا على قدسية القطر ,وتأكيدا على أهليته لأن يكون دولة تملك مقومات الدولة ( جغرافيا ذات موارد + شعب له خصوصيته يتشكّل منه مجتمع حقيقي ) .عالم السياسة والثقافة الإخباري .. فلاح أديهم المسلم


    والحقيقة الموضوعية أنّ الدولة هي ما ذكر آنفا , وهذا الكيان التنفيذي إن قام على فكر الشعب , ومفاهيمه , ورؤيته , وأستمد سلطانه منه فهو دولة الشعب , وإن فرض على الشعب بالقوّة فهو كيان مستبدّ غاصب ؛ لذلك يؤثر معارضوه وصفه بالنظام فيقولون نظام حزب كذا أو النظام الفلاني نسبة لأسرة أو شخص , ولكن هذا النفي الذي يقصد منه عدم الاعتراف بهذه الدولة لا ينفي كونها دولة تقوم على مجموعة من المفاهيم والمقاييس , والقناعات تنبثق عنها منظومة تشريعية , ورؤى تسير عليها الدولة , وتمتلك القوّة اللازمة لممارسة سلطتها .
    والقائمون على هذا الكيان لا يمكن أن يفكروا بتغييره من تلقاء أنفسهم إلاّ في حالة أن تتغير منظومتهم الفكرية , ومركز القوّة الذي يستمدون منه شرعيتهم ونفوذهم , وإنّ أيّ محاولة من فرد أو أفراد من رموز النظام للتغيير ستبوء بالإخفاق لأنّ مراكز القوى ( الدولة العميقة ) لن تسمح بذلك ؛ لارتباط مصالحها بالكيان القائم , ولعلّ في تجربة عمر بن عبد العزيز في دولة بني أميّة ما يثبت ذلك , وقل مثل  ذلك في محاولات السلطان عبد الحميد الثاني لإنقاذ دولة بني عثمان من المصير المحتوم , ولو كانت النفوس تحتمل سماع خلاف مألوفها لضربت أمثلة من عالمنا المعاصر .
    وتأسيسا على ما تقدّم فإنّ الدولة إن كانت لا تحقق مصالح الشعب أو أصبحت لا تحقق مصالحه فالأمر الطبيعي أن يوجد التفكير بالتغيير لدى طلائع الشعب ونخبة المجتمع , وهذا التفكير له مساران اثنان لا ثالث لهما :
• إمّا طريق الإصلاح وهو الانطلاق من نفس المنظومة الفكرية التي تقوم عليها الدولة ليعاد إنتاجها بصورة محسّنة عما هي عليه لتحقيق مصالح الشعب من وجهة نظر تلك المنظومة , والأمر هنا لا يمسّ جوهر الدولة ولكنّه يعيد ترميمها وتأهيلها للاستمرار في نهجها ومسارها الذي تحدده تلك المنظومة الفكرية بما فيها هاجس القوى المؤثرة عليها .
• وإمّا طريق التغيير الشامل الذي ينطلق من منظومة فكريّة جديدة مخالفة للمنظومة الفكرية التي تقوم عليها الدولة , وهذه المنظومة الجديدة قد تكون غريبة على الدولة والمجتمع كمنظومة الفكر الشيوعي في بلد عربي مسلم , وقد تكون مناقضة للدولة ولكنّها تملك حاضنة شعبية نسبيّا كالذي نراه في التنظيمات الإسلامية , وهذا النوع من العمل السياسي لا يمكن أن يثمر بشكل صحيح إلاّ بإعادة بناء الدولة على أسس جديدة مخالفة أو مناقضة لما كانت عليه الحال سابقا .
    وثمّة أصوات تنطلق من هنا وهناك ترفض هذا التقسيم, وتزعم أنّه بالإمكان التغيير بعيدا عن النمط العقائدي الصارم المبني على أسس فلسفية , وتنطلق من مقولة أنّ بني الإنسان قادرون أن يتعايشوا وفق توافقات فكريّة تقوم على حقوق الإنسان , والمبادئ الأخلاقية التي اتفق عليها عقلاء الإنسانية ومصلحيها , ويضربون لذلك شاهدا حيّا بما هو موجود في الغرب حيث تقوم دول إنسانية الكلّ يتمنى التمتع بجنسيتها , والعيش فيها .
    وأصحاب هذا القول يتجاهلون أنّ ما يدعون إليه هو عقيدة بحدّ ذاتها لها أسسها , وأركانها ومفاهيمها , وعمقها الفلسفي , ثمّ هم لا يرون إلاّ الجانب المشرق من تلك الحضارة القائمة على هذه الفلسفة , ويغضّون الطرف عن جوانبها المظلمة التي حولّت كوكب الأرض إلى جهنم من الحروب , والتجويع , والمؤامرات في سبيل خدمة الوحش الرأسمالي المتفرعن , وما تلك الميوعة فيما يقدمه هذا المذهب من أفكار إلاّ من أجل تسخير الإنسانية لخدمة القائمين عليه بدون نكير .
    إنّ المدقق في المذهب الرأسمالي على الرغم مما يظهر فيه من مظاهر العقلانية , والتسامح , وسعة الأفق , والتغني بالإنسانية إلاّ أنّه يجد أنّه دين متكامل , ولكنّه ليس الدين الذي اكتشفه العقل السليم والفطرة المستقيمة بعيدا عن وحي السماء , ولا هو بالدين المنزل من السماء , إنّه الدين الذي صنعه ( القارونيون = أصحاب رأس المال ) المستمدّ من شريعة الغاب وحياة البحر , والقارون لا يهمّه من الآخرين دينهم , ومعتقدهم , وما تنفثه ألسنتهم , وما يفعلونه بحياتهم الخاصّة , وكلّ ما يهمه هو كيف يستغلهم , ويمتصّ دمائهم ليزداد ثراء ونفوذا , ثمّ هو لا يأبه لمصير الإنسانية الكارثي الذي تسير إليه , والذي حذّر منه كثير من مفكري الغرب نفسه , ولعلّ الهزّات المفتعلة المتتالية في الغرب ( أحداث الحادي عشر من أيلول 2001م وهزّة الاقتصاد 2008م ) كانت من المحاولات البائسة التي يراد منها إعادة السيطرة على الوحش الرأسمالي المنفلت , والذي سيؤدي انفلاته إلى انهيار تلك الدول .
     ويقابل دعاة العقلانية المتسامحة أو الرأسمالية المموّهة فريق آخر يرى أنّه يستطيع استغلال تسامح وميوعة الأنظمة الرأسمالية ليتسلل فيطبّق مشروعه المخالف لها بالتدريج , ولكن الملفت للنظر أنّ أصحاب هذا الرأي لا يوجد في مشروعهم ما يخالف جوهر الرأسمالية خاصّة في الجانب الاقتصادي , ولست أدري هل هم قادرون على هضمها وتحويلها مع الزمن إلى نمط إنساني آخر أم أنّها قادرة على هضمهم وتحويلهم إلى مجرد أدوات لتحسين وجهها البشع .

 

وللحديث بقيةّ .

 

فلاح أديهم المسلم

التاسع عشر من كانون ثاني من عام 2014م 

المصدر: عالم السياسة والثقافة الإخباري .. فلاح أديهم المسلم
alam-asiyasa

عالم السياسة والثقافة الإخباري ( ع . س . ا ) .. نصر الزيادي .. " المواد المنشورة ليس بالضرورة ان تعبر عن رأي صحيفتنا الالكترونية " حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع عالم السياسة والثقافة الإخباري ( ع . س . ا )

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 188 مشاهدة

عالم السياسة والثقافة الإخباري

alam-asiyasa
( ع . س . ا ) صحيفة الكترونية شاملة .. إخبارية سياسية ،، ثقافية واجتماعية »

البحث فى الموقع

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

253,705

عالم السياسة والثقافة الإخباري

عالم السياسة والثقافة الإخباري

      ( ع . س . ا )


 صحيفة الكترونية شاملة .. اخبارية سياسية ،، ثقافية واجتماعية


* تعنى بالشأن السياسي المحلي والعالمي  
* تعنى بنقل الخبر بمصداقية وشفافية
* تعنى بالشؤون الاجتماعية والثقافية
* تسمح بالنقاشات الهادفة وتبادل الاراء 
* تقوم على استفتاء الجمهور بمواضيع ذات اهمية
* الأستقلالية ونبذ التبعية الفكرية 
* الحرية في التعبير سقفها المسؤولية الدينية والاخلاقية .