عالم السياسة والثقافة الإخباري ( ع . س . ا )

الناشر ومدير الموقع / نصرالزيادي.. حريتنا في التعبير .. سقفها المسؤولية الدينية والأخلاقية .

عالم السياسة والثقافة الإخباري .. فلاح أديهم المسلم


" إضاءات حول التربية السياسية " 

رسالة إلى من يهمّه الأمر من دعاة النهضة .



    السياسة مصطلح شوّه وظلم لأنّه أخرج من معناه اللغوي والاصطلاحي , وصار يطلق على ممارسات وأساليب المستبدين والانتهازيين والوصوليين ممن يسعون لتحقيق أهوائهم وإشباع غرائزهم بدون ضابط من فكر أو خلق أو ضمير , ومثل هذه الممارسات لا يجوز أن يطلق عليها سياسة فهي خساسة ونصب وخداع , وإن جاز إطلاق لفظ السياسية عليها فيجب أن يكون مقيّدا بوصف الشيطانية , فنقول سياسة شيطانية , ويقابلها سياسة إنسانية , فالسياسة الشيطانية تسعى لتدمير الإنسان , ومسخه وإنزاله من رتبة " أحسن تقويم " إلى دركات " أسفل سافلين " , والسياسة الإنسانية تسعى للارتقاء بالإنسان للمكانة التي خلق لها وهي الاستخلاف في الأرض وعمارتها والائتمان عليها وعلى من فيها وما فيها , وصفها الأمام أبو حامد الغزّالي بأنّها أشرف الصناعات , وعدها علماء الحكمة والفلسفة من العلوم العلوية (علوم الحكمة ) فيقول الطاهر بن عاشور في تفسيره في حديثه عن أقسام الحكمة :  "الرابع تقويم الأمة وإصلاح شؤونها وهو المسمّى علم السياسة المدنية"  , وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية في تعريف السياسة ما نصّه : "هِيَ اسْتِصْلاَحُ الْخَلْقِ بِإِرْشَادِهِمْ إِلَى الطَّرِيقِ الْمُنَجِّي فِي الْعَاجِل وَالآْجِل ، وَتَدْبِيرُ أُمُورِهِمْ " , وعرّفها المرحوم تقي الدين النبهاني قائلا : "السياسة هي رعاية شؤون الأمة داخلياً وخارجياً، وتكون من قبل الدولة والأمة. فالدولة هي التي تباشر هذه الرعاية عملياً، والأمة هي التي تحاسب بها الدولة " انتهى , وهذا التعريف متبنى عند حزب التحرير , ومعلوم أنّ هذه الرعاية تكون وفق أحكام الإسلام فهي بالتالي تصبّ في الهدف الرئيسي المتمثّل بتأهيل الناس للارتقاء للمكانة السامية التي خلقوا من أجلها .

    والسياسة بهذا المعنى تحتاج إلى طراز فريد من البشر تتوفّر فيهم شروط خاصّة فالسياسي أو [ رجل الدولة ] هو "كل إنسان يتمتع بعقلية الحكم , ويتقن فن السياسة الصالحة ، ويستطيع إدارة شؤون الدولة , ومعالجة المشكلات، والتحكم في العلاقات الخاصة والعامة.... رجل الدولة هو السياسي المبدع الذي لا يتجاهل الواقع ولكنه لا يخضع له، بل يحاول استخدامه للسير بالمجتمع والدولة نحو الوضع الأفضل.... رجل الدولة هو الإنسان القادر على أن يشيع في الناس قيما رفيعة تستحق التفاني والتضحية من أجلها , وتأتي قدرته تلك من إيمانه بما يدعو إليه , رجل الدولة هو الذي يشعر بإحساس بالمسؤولية تجاه الآخرين شعور الوالد الحازم الشفيق تجاه أبناءه , رجل الدولة هو الذي يبحث عن العقبات والعوائق ليحلّها حلاّ جذريا , ويجتثها من طريق السائرين , بخلاف عقلية الموظف الإداري الذي يتفادى الاصطدام بالعقبات ولا يفكّر بإزالتها .

    إنّ الحاكم مهما كان ملهما وفذّا فإنّه لن يستطيع أن يدير الدولة إلاّ برجال أفذاذ , والرجال الذين يديرون الدولة عملة نادرة شكا من ندرتهم عمر بن الخطاب في زمن الرجال , إذ يروى " عنه رضي الله عنه " أنّه قال لأصحابه: تمنوا، فقال بعضهم: أتمنى لو أن لي هذه الدار مملوءة ذهباً أنفقه في سبيل الله، ثم قال: تمنوا، فقال رجل: أتمنى لو أنها مملوءة لؤلؤاً وزبرجداً وجوهراً فأنفقه في سبيل الله وأتصدق به. فقال عمر تمنوا: فقالوا: ما ندري ما نتمنى يا أمير المؤمنين، فقال عمر: أنا أتمنى لو أنها مملوءة رجالاً مثل أبي عبيدة بن الجراح , ومعاذ بن جبل , وسالم مولى أبي حذيفة , وحذيفة بن اليمان أستعين بهم على أمور المسلمين".

    إنّ النقص في هذا الصنف من الرجال هو سبب دمار الدول , وضعفها واندثارها فقد سئل بزر جمهر وزير كسرى : ما بال ملك بني ساسان صار إلى ما صار إليه ، بعدما كان فيه من قوة السلطان , وشدة الأركان؟ فقال: [ ذلك لأنهم قلدوا كبار الأعمال صغار الرجال] ؛ لذلك قالت الحكماء: موت ألف من العلية أقل ضرراً من ارتفاع واحد من السفلة " , وفي الأمثال: " زوال الدول باصطناع السفل " .  

    وتتضاعف الكارثة عندما تكون الأمّة مستعمرة من قبل أعدائها , وتدار من قبل وكلاء لهؤلاء الأعداء من أبناء جلدتها الذين  يتكلمون بألسنتها , ويحكمونها بالحديد والنار , ويسعون لإفسادها بكلّ الوسائل والأساليب , ولا يسمحون لقامة أن تنمو أو هامة أن ترتفع , فيصبح قادة الأمّة وأهل العقد والحلّ فيها , ووسطها السياسي مجموعة من التنابلة المتمجدين بحسب تعبير الكواكبي , الذين يظهرون أمام العامّة بصورة السادة وهم في الواقع عبيد أذلاء ممتهنون عند أقدام سيدهم المستبدّ الأكبر الذي يستمد شرعيته وقوته من إحدى وزارات المستعمرات , والذي يعيش بحالة شبيهة بحالتهم أمام من وظفوه بمنصب حاكم  , فيكون هؤلاء الحكام وأعوانهم أشبه ما يكونون بالحال التي وصف بها الشاعر حكام الأندلس في فترة احتضارها حيث قال :
مما يبغّضني في أرض أندلس ... أسماء معتصم فيها ومعتضد
أسماء مملكة في غير موضعها ... كالهِرّ يحكي انتفاخاً صَوْلة الأسد.
 إنّ هذه الحالة الكارثية التي تعيشها الأمّة والتي من عنواينها البارزة النقص في الكفاءات القيادية أو رجال الدولة الحقيقيين الذين أشرت لبعض مواصفاتهم آنفا يستوجب على الحركات النهضوية وخاصّة الإسلاميين أن يتلافوا النقص في هذا الجانب , ويولوه العناية اللائقة به لتكون حركاتهم حواضن تخرّج ساسة حقيقيين يتصفون بصفات رجال الدولة المؤهلين لقيادة الأمم والشعوب .
    لقد كتبت مقالا مطوّلا قبل ثلاثة أعوام تحت عنوان ( ماذا سيكتب عنّا التاريخ ( مكاشفة صريحة لأولي الألباب ) , وذكرت بأنّ الجيل الذي سبقنا وأعني بهم مواليد الثلاثينات وما قبلها هو جيل العمالقة في جميع المجالات , وكنت أعني بذلك أن تربة انتاج الرجال في ذلك الزمن كانت خصبة ولم تصب بالعقم ,وتربتنا اليوم هي فقيرة جدّا وتكاد تصل إلى درجة القحط , فقد تقزّم الجميع واستقزم , وإعادة انتاج الرجال ليس سهلا ولا ميسورا , فكيف بإنتاج السادة الساسة , فالسياسة ليست بتلك الصورة الساذجة التي يختزلها البعض بمتابعة القضايا السياسية وتحليل الأحداث التي يصنعها الآخرون , يقول الجاحظ : (( وليس في الأرض عملٌ أكدّ لأهله من سِياسة العوامّ " ويستشهد بقول الهذلي : "وإن سياسة الأقوامِ فاعلمْ ... لها صَعْدَاءُ مَطلبُها طويل " , ولذلك صنّف العلماء فيها الكتب التي ترشد من يمارسها لكيفية ممارستها , والشروط الواجب توفرها فيمن تسند لهم الأمور , ومبادئها العامّة , ودقائقها , علاوة على ما تجده مبثوثا في آداب العرب وغيرهم من الأمم , وأخبارهم وأشعارهم .
    إنّ المصارحة تستوجب أن نقول بأنّ الأمّة كلّ الأمّة بما في ذلك دعاة نهضتها , وطليعتها النهضوية تعاني من نقص فظيع في هذا الصنف من الرجال , وإنّ منهج التفشير ( فشر , وفشرت عينه ) ورددت عليه , وما سكت له ...... الخ , "وأريها السها وتريني القمر " وإنكار الحقائق الماثلة , لن يغيّر من الواقع شيئا , واعتماد هذا النهج هو تضييع للأعمار في التخبط والضلال , فلابدّ من مواجهة الحقائق بكلّ جرأة وشجاعة وحكمة , أمّا تجاهلها وإنكارها فلن يجدي ولن يفيد .
    إنّ مفهوم السياسة قد مسخ عند بعض الحركات النهضوية التي تزعم أنّها تنظيمات سياسية عندما رسّخت في نفوس أتباعها بأنّ ممارسة رعاية شؤون الناس هو من اختصاص الدولة وأنّ دور الشعب هو المحاسبة فقط استنادا إلى حديث حرف عن مقصده ومدلوله , فظهرت اللامبالاة عندهم تجاه قضايا الناس وهمومهم وأوجاعهم , وشعارهم الدائم " أنا لست دولة , الحزب ليس دولة ....... وهذه الأمور هي من واجبات الدولة ...... الخ , صحيح أنّ الحزب السياسي النهضوي لا يجوز أن يتحوّل إلى جمعية خيرية لمساعدة الآخرين , ولكن هذا لا يعفي العضو من القيام بواجبه تجاه مجتمعه , وهذا الواجب منه ما فرضه الله فرضا , ومنه ما ندب إليه ندبا إذ يعد من مكارم الأخلاق التي يتنافس عليها الكرام , ومن يزعم أنّه يسير على طريقة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وهو لا يعرف أخلاق وطبائع وشيم أولئك العرب الذين بعث لهم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فإنّه سيقع في أخطاء قاتلة في مسيرته .

    إنّ كلّ دعوة مهما حرص صاحبها على نقاء فكرتها لابدّ وأن تتأثر بالبيئة التي نشأت فيها , وتظهر تلك الصبغة على أتباعها , وإنّ المراقب الدقيق للحركات النهضوية وعلى رأسها الإسلامية يلاحظ أثر البيئة الشعوبية على سلوكيات أعضائها , ومعلوم أنّ البيئة الشعوبية تنظر لكلّ ما عند العرب من طبائع وعادات وأعراف وأخلاق نظرة احتقار , والكارثة أنّها عجزت عن فهم الطبيعة العربية , تلك الطبيعة التي استطاعت أن تخترقها طلائع الاستعمار في القرن التاسع عشر وما سبقه ممثلة بالرحالة الأجانب من أمثال بيرك هارت , ولويس موزيل , والليدي بلنت وغيرهم , وكيف أنّ معرفة تلك الأحوال بشكل دقيق عميق جعل  رجلا واحدا مثل ( جون جلوب ) يغني عن جيش في بلد مثل الأردن .
    أرجو ألا أحتاج لضرب أمثلة مما أعرفه من سلوكيات دعاة لا يحسنون التعامل مع الشعب العربي , وبالتالي ظلّ الشعب العربي ينظر إليهم نظرتهم للغريب المريب الذي لم يحظ بثقتهم ولا مودتهم فهم يجاملونه لكنّهم لا يثقون به , ولا يطيعونه , ولا يأتمنونه .
  وأرجو ألا أحتاج لضرب أمثلة ممن خرجوا من عروبتهم وانسلخوا من طباعهم عندما انتموا للتيارات الإسلامية , وصاروا يتصرفون كتصرّف الأعاجم بأساليب منفّرة صادمة , فأصبحوا كالغراب الذي قلّد مشية الحمامة .......
 لا أريد أن أطيل في ذلك لأنّ اللبيب العليم تكفيه الإشارة , ولكن الذي أريد تقريره أنّ الحركات النهضوية تعاني من خلل تربوي فظيع في تربية القادة ممن يتصفون بصفات رجل الدولة القادر على سياسة الأمم , وتعاني من خلل فظيع في معرفة الشعب العربي وطبائعه وخصائصه , ولن يفلح بسياسة العرب إلاّ عربي من جنسهم خلقا ولسانا وعادات وأخلاق , وهذا هو مدلول قوله تعالى ((وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ )) وقوله تعالى ((لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ )) .
  إنّ تربية القادة السياسيين أو رجال الدولة الحقيقيين ليس بتلك السهولة التي يظنّها البعض فهي لا تقاس بكثرة الشهادات ولا بكثرة علوم لا علاقة لها بسياسة الإنسان وأخلاقه وتهذيبه ولا بالطبقة التي ينتمي إليها الإنسان , وإنما تحتاج إلى ملكة سياسية ترتكز على ركيزتين : نفسية وكسبية :
 أمّا النفسية فهي الحسّ بالمسؤولية تجاه الغير والاتصاف بصفات رجل الدولة وهذا الصنف من البشر لا تتجاوز نسبتهم 1% في أحسن الأحوال , وإلى ذلك يشير الحديث الصحيح :( إنما الناس كالإبل المائة لا تكاد تجد فيها راحلة ) .
أمّا الكسبية فتتمثّل بالتربية السياسية إمّا بحكم البيئة التي يولد فيها الإنسان والبيت الذي ينشأ فيه أو العمل الحزبي الحقيقي الذي ينمي شخصية الإنسان بالفكر والعلم وما أجمل ما قاله عبد الملك بن مروان في وصيته لأبنائه حيث يقول : ((يا بَنِيَّ! تعلموا العلم؛ فإن كنتم سَادةً فُقْتُم، وإن كنتم وسطًا سُدْتُم، وإن كنتم سُوقة عِشْتُم)) , والعلم هنا هو العلم الإنساني والآداب المتعلقة بسياسة البشر , وتهذيب النفوس , وتربيتها على الأخلاق الفاضلة.. لذلك كان سادات العرب يحثّون على رواية الشعر والأدب فقد قال عمر رضي الله عنه : " تعلموا الشعر، فإن فيه محاسن تبتغى , ومساوئ تتقى , وكتب إلى أبي موسى الأشعري : "مر من قبلك يتعلم الشعر، فإنه يدل على معالي الأخلاق , وصواب الرأي , ومعرفة الأنساب" , وقال معاوية: يجب على الرجل تأديب ولده والشعر أعلى مراتب الأدب ,  وقال: رووا أولادكم الشعر واجعلوه أكبر همكم وأكثر آدابكم، فلقد رأيتني ليلة الهرير بصفين، وقد أتيت بفرس ووضعت رجلي في ركابه لأفر من شدة البلاء، فما حملني على الثبات إلا ذكر أبيات عمرو بن الأطنابة:
أبت لي عفتي وأبى بلائي ... وأخذي الحمد بالثمن الربيح .
أمّا العلوم التي يتنافس عليها المتنافسون اليوم فأسمعوا ما قاله الكواكبي فيها وقوله الحقّ ((وكذلك لا يخاف المستبدُّ من العلوم الدينية المتعلِّقة بالمعاد، المختصة ما بين الإنسان وربه، لاعتقاده أنّها لا ترفع غباوةً ولا تزيل غشاوة، إنما يتلهّى بها المتهوِّسون للعلم، حتى إذا ضاع فيها عمرهم، وامتلأتها أدمغتهم، وأخذ منهم الغرور، فصاروا لا يرون علماً غير علمهم، فحينئذٍ يأمن المستبدُّ منهم كما يُؤمن شرُّ السّكران إذا خمر. على أنّه إذا نبغ منهم البعض ونالوا حرمة بين العوام لا يعدم المستبدّ وسيلة لاستخدامها في تأييد أمره ومجاراة هواه في مقابلة أنّه يضحك عليهم بشيء من التعظيم، ويسدُّ أفواههم بلقيماتٍ من مائدة الاستبداد؛ وكذلك لا يخاف من العلوم الصناعية محضاً؛ لأنّ أهلها يكونون مسالمين صغار النّفوس، صغار الهمم، يشتريها المستبدُّ بقليل من المال والإعزاز، ولا يخاف من الماديين، لأنّ أكثرهم مبتلون بإيثار النّفس، ولا من الرياضيين؛ لأنّ غالبهم قصار النظر.)) ويضيف قائلا : ((ترتعد فرائص المستبدُّ من علوم الحياة مثل الحكمة النظرية، والفلسفة العقلية، وحقوق الأمم وطبائع الاجتماع، والسياسة المدنية، والتاريخ المفصّل، والخطابة الأدبية، ونحو ذلك من العلوم التي تُكبر النفوس، وتوسّع العقول، وتعرّف الإنسان ما هي حقوقه وكم هو مغبون فيها، وكيف الطلب، وكيف النّوال، وكيف الحفظ. وأخوف ما يخاف المستبدّ من أصحاب هذه العلوم، المندفعين منهم لتعليم النّاس الخطابة أو الكتابة وهم المعبَّر عنهم في القرآن بالصالحين والمصلحين في نحو قوله تعالى: { أنّ الأرض يرثها عباديَ الصالحون } وفي قوله: { وما كان ربُّك ليهلك القرى بظلمٍ وأهلها مصلحون } ، وإنْ كان علماء الاستبداد يفسِّرون مادة الصلاح والإصلاح بكثرة التعبُّد كما حوّلوا معنى مادة الفساد والإفساد: من تخريب نظام الله إلى التشويش على المستبدين.)) انتهى.
إنني أنصح القائمين على الحركات الإسلامية أن يوجهوا أتباعهم لدراسة آداب العرب وأشعارهم وأخبارهم , أمّا التاريخ الذي زهد به الزاهدون فهو علم الملوك , ولا يستغني عنه من يريد سياسة الناس , ومن طرائف وروائع ما حفظه لنا التاريخ  من اهتمام الحكام العظام بعلم التاريخ ما أورده المسعودي في مروجه في حديثه عن كيفية قضاء معاوية ليومه فيقول ((........... ثم يدخل منزله فلا يطمع فيه طامع حتى ينادي بالعشاء الآخرة، فيخرج كي يصلي، ثم يؤذن للخاصة وخاصة الخاصة والوزراء والحاشية، فيؤامره الوزراء فيما أرادوا صدراً من ليلتهم، ويستمر إلى ثلث الليل في أخبار العرب وأيامها والعجم وملوكها وسياستها لرعيتها وسِيَر ملوك الأمم , وحروبها , ومكايدها وسياستها لرعيتها، وغير ذلك من أخبار الأمم السالفة، ثم تأتيه الطرَفُ الغريبة من عند نسائه من الحلوى وغيرها من المآكل اللطيفة، ثم يدخل فينام ثلث الليل، ثم يقوم فيقعد فيحضر الدفاتر فيها سير الملوك  وأخبارها والحروب والمكايد فيقرأ ذلك عليه غلمان له مرتبون، وقد وكلوا بحفظها وقراءتها، فتمر بسمعه كل ليلة جمل من الأخبار والسير والآثار وأنواع السياسات، ثم يخرج فيصلي الصبح )) انتهى . ويقول  علي محمد الصًّلاَّبيَّ في كتابه  "الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار " :  ((  وقد استدعى معاوية عبيدة بن شرية وهو أحد علماء التاريخ البارزين في بلاد اليمن إلى دمشق وسأله عن أخبار القدماء وملوك العرب والعجم وأمر معاوية كتّابه أن يدونوا ما يتحدث به عبيد الله بن شربة كتاب الأمثال وكتاب الملوك وأخبار الماضين ، ولم يكن عبيدة هذا هو العالم الوحيد الذي استقدمه معاوية إلى دمشق فكتب عنه روايات وصيرها كتباً، بل أن كثيراً من الإخباريين أهل الدراية بأخبار الماضين وسير الغابرين من العرب وغيرهم من المتقدمين وفدوا على معاوية أيضاً ، والدرس البالغ الأهمية يظهر في أهمية التاريخ للساسة والحكام والملوك والزعماء، فالسياسي المستوعب لحركة التاريخ وسننه ينجح في ميدان عمله أكثر من غيره، فهناك علاقة متينة بين التاريخ والسياسة )) انتهى  .
أكتفي بهذا القدر على أمل أن تتاح لي فرصة أخرى لإلقاء مزيد من الضوء على هذا الجانب الذي يعد من أركان النهضة التي لن تكون بدونه .....

الثامن عشر من أيلول 2013م

فلاح أديهم المَسلَم .

 

 

المصدر: عالم السياسة والثقافة الإخباري .. فلاح أديهم المسلم
alam-asiyasa

عالم السياسة والثقافة الإخباري ( ع . س . ا ) .. نصر الزيادي .. " المواد المنشورة ليس بالضرورة ان تعبر عن رأي صحيفتنا الالكترونية " حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع عالم السياسة والثقافة الإخباري ( ع . س . ا )

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 223 مشاهدة

عالم السياسة والثقافة الإخباري

alam-asiyasa
( ع . س . ا ) صحيفة الكترونية شاملة .. إخبارية سياسية ،، ثقافية واجتماعية »

البحث فى الموقع

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

244,885

عالم السياسة والثقافة الإخباري

عالم السياسة والثقافة الإخباري

      ( ع . س . ا )


 صحيفة الكترونية شاملة .. اخبارية سياسية ،، ثقافية واجتماعية


* تعنى بالشأن السياسي المحلي والعالمي  
* تعنى بنقل الخبر بمصداقية وشفافية
* تعنى بالشؤون الاجتماعية والثقافية
* تسمح بالنقاشات الهادفة وتبادل الاراء 
* تقوم على استفتاء الجمهور بمواضيع ذات اهمية
* الأستقلالية ونبذ التبعية الفكرية 
* الحرية في التعبير سقفها المسؤولية الدينية والاخلاقية .