عالم السياسة والثقافة الإخباري ( ع . س . ا )

الناشر ومدير الموقع / نصرالزيادي.. حريتنا في التعبير .. سقفها المسؤولية الدينية والأخلاقية .

عالم السياسة الإخباري .. محمد بن يوسف الزيادي

 

( فاستقم كما أمرت ) 

 

    إني لأعجب كل العجب ممن ينتسب الى طائفة المثقفين والمفكرين وأهل العلم من أبناء  أمة ( أقرأ باسم ربك الذي خلق ) ثم يتأثر بمناهج أهل الأرض في التفكير ، ويطالب بتحكيم العقل في التشريع ، والحكم على أفعال الخلق ، ناسيا أو متناسيا أن أرقى أهل الأرض طريقة ، وأعلاهم عندهم منزلة ، هم حكماء اليونان وفلاسفتهم ، الذين لم يكتب لهم نصيب من الهداية والتوفيق ، بل إن مناهجهم العقلية كانت ثمرتها هي الوثنية اليونانية العفنة العقيمة ، التي لم تعرف من الحقائق إلا ما يتجسد في المادة ، فكانت حضارة التماثيل والأصنام والأوثان بجدارة. وإن أهل الوحي من ورثة الكتاب ما كان سبب ضلالهم وانحطاطهم إلا إنبهارهم بفلسفات الإغريق ومناهجهم الفكرية ، التي أدت ليس الى تحريف شرائع الكتاب المقدس فقط ، بل الى تحريف عقائده .
    إن التاريخ البشري كله ، لم يسجل لنا ولا في مرحلة من مراحله ، أن العقل وصل الى ما يسعد الناس ، ويريحهم من الشرور ، عدا الفترات النورانية التي تَلقّى  العقل فيها الهداية من الوحي ، فاستقامت حياة الناس ما استقام فيهم حكم التنزيل .
     ولعلك تقول إنني أقلل من أهمية العقل ومكانته ، فأقول لا والذي خلق العقل ليأخذ به ويعطي به ، فالعقل كرم به الإنسان على غيره من سائر الخلق ، ومن أجله سخرت الأشياء لخدمة حاملة . والعقل أداة التلقي والوعي والفهم والإدراك ، فهو الإنسان في الإنسان ، حيث أنه مناط التكليف . 
    إلا أن هذا العقل نعلم محدوديته ، ومحدودية قدراته الإدراكية ، وتفاوتها من شخص لآخر ، ونعلم تأثر أحكامه بالموروث والمكنون ، والمحيط والبيئة ، وأنه عرضة للتغيير بمستجدات حوادث المكان والزمان . وتختلف نظرات أصحابه باختلاف مشاربهم و، وبيئاتهم وقدراتهم الإدراكية ، وكل منهم يرى أنه صاحب العقل السليم . فذاك الفيلسوف الذي رأى أن يجسد الهه في صورة يرسمها أو ينحتها ، على لوح أو حجر ، ثم يقبل على ما نحت أو رسم بالتقبيل والتقديس ، يرى نفسه صاحب العقل السليم ، وهو على ذاك الضلال مقيم . 
    وذاك الحكيم الذي رأى الهه في نجم لامع ، أو كوكب ساطع ، ثم يخترع له من طقوس التقديس ما يراه ملائما ، لعظمة ذاك المعبود ،يرى نفسه أيضا صاحب العقل السليم  ، وهو أيضا على الضلالة مقيم .
    وذاك الذي رأى بعقله أن الله أجل من ذلك ، فراح يجزئه في مفردات الكون ليقول بوحدة الوجود . يرى نفسه أنه صاحب العقل السليم .
    وذاك الحاكم الذي درس مناهج الفلسفة ، ومناهج أهل العقول ، رأى نفسه أجل من الجماد ، وأجل من الصنم ، وأجل من الوثن ، وأجل من اللوح الذي رسمت عليه صور الآلهة وأقبل الأتباع عليها بالتقبيل والتبجيل والتعظيم ، فاستثمر وثنية المناهج العقلية ، ليقطف ثمرتها فألهَ نفسه ، وطلب من الرعية صرف مراسم التبجيل والتعظيم والطاعة المطلقة ( العبودية الخالصة ) لذاته ، وقال أنا ربكم الأعلى ، أيضا يرى نفسه صاحب العقل السليم الوحيد.
    أضف الى ذلك أصحاب العقول التي جندت أنفسها لتكون خادمة لمؤلهات غيرهم ، وأخذوا ينعمون النظر في خدمة المؤلهات ويضعون لها قوانين الطاعة والولاء ، والتزام التبجيل والتعظيم تزلفا لذوي الشأن ، وابتغاءً للمنزلة والرتبة والدرجة ، أيضا يرون أنفسهم أصحاب العقل السليم .
    فأي عقل من تلك العقول نحكم بسلامته لنحتكم إليه ؟؟
    إن كل ما وجدناه من أهل الفكر والعقل ، من أهل الأرض ، والذين كانوا دوما من أهل المعاناة أو الإضطهاد ، أو التهميش ، أو منتهزي الفرص ، هو أنهم برعوا في إثنتين :
الأولى : تفوقوا فيها وبرعوا وهي وصف المشكلة وآثار المعاناة .
الثانية : دراسة أسبابها ، وكلما اقتربوا من ملامسة الواقع كلما ازدات عليهم نقمة الملأ ، ونبذهم الأتباع .
    أما الثالثة ففشل العقل البشري على مر التاريخ في ايجادها ، رغم سعيه لذلك وهي حل المشكلة الإنسانية حلا جذريا . فكلما قدمت أمة حلا فإذا بالزمن يكشف عواره ، ثم تتولد المعاناة من جديد ، وتستمر محاولات الفشل على مر التاريخ .
    إن الإسلام  _ الذي نعتقد به اعتقادا جازما أنه الدين الوحيد الذي قدم الحل لمشكلة الإنسان في الحياة حلا جذريا ، والذي أرسل به آدم لبنيه ومن ثَم جميع الرسل والأنبياء ، وختم برسالة محمد صلى الله عليه وسلم ليكون آخر الرسل ، والخطاب المنزل عليه ، آخر خطاب من الخالق للخلق ، الذين تقارب الزمان بينهم واختصرت المسافات حتى أصبح كوكب الأرض يُشبه بقرية _ هذا الإسلام حين يطرح عقيدته ومن ثَم شريعته ، فإنما أقام منذ البداية حدا للعقل المحترم والمعتنى به شرعا ، وهداه للوقوف عند حده ، ليلزمه بعد هذا الحد بوظيفة دائمة يصلُحُ بها ويصلُح لها ، فعقيدة الإسلام بنيت على جملتين إحداهما تقول : لا اله إلا الله ، والثانية تقول : محمد رسول الله ، والأولى مكونة من مكونين إحداهما يهدم لا إله _ والثانية تبني - إلا الله _.
   أما الهدم فهو ما علق في العقول من عبادة الأوثان والأصنام الحجرية والبشرية والكوكبية وما دونها _ فلا إله منها _ لا إاله من الخلق لأنها مخلوقات ، والمخلوق لا يكون خالقا يقينا مدركا . فليس هناك مخلوق قادر على الإفناء ، وليس هناك مخلوق قادر على الإيجاد من العدم والفناء .
    إلا الله _ حصرت الألوهية لمستحقها بحق وهو الواحد الأحد ، الفرد الصمد ، الذي لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفواً أحد .
    فإذا أدرك العقل ذلك فما السبيل إليه ؟! فكان الجواب في محمد الرجل من البشر ، الأمي الذي لا يعلم الكتاب ، ولم يخطه بيمينه ، رسول بالوحي المنزل عليه ، والمؤيد بالمعجزة الخالدة ، والبرهان الساطع ، المقنع القاطع ، ليدلنا على مراد الله منا .
    فإن آمنا وشهدنا بالألوهية لله وحده ، وبتمام الرسالة لمحمد صلى الله عليه وسلم وكمال الدين المنزل عليه ، ليهدينا سبل السلام ، يقف دور العقل هنا ، ليأخذ مسارأ جديدا ، وهو الإستنارة بنور الهداية والتنزيل ، ليدرك مراد الله من الوحي قرآنا وسنة ، فيستسلم منقادا مذعنا للطلب والنهي ، منفذا لشريعة من خلق الخلق وهو اللطيف الخبير . 
    وبذلك تكون قد اسلمت قيادك لربك بعقلك  ، وقلبك  ، ونفسك  ، وجوارحك ، فتكون مسلما مؤمنا محققا لمعنى العبودية .
    وما ضل العقل على مر تاريخ البشرية إلا يوم اغتر صاحبه به ، واتخذه ركيزة له بمنئا عن هدي الوحي . مثل ذلك كمن صنع سيارة ولم يمهد لها طريقا ، فسار بها بين الأودية والشعاب ، فانقلبت به وأهلكته .
    إن التزام الوحي هو استقامة العقل على الطريق الصحيح ، يقول الله عز وجل ( فاستقم كما أمرت ) وليس عبثا أن ينزل الله على نبيه قوله عز وجل ( فاعلم أنه لا اله إلا الله ) فذاك أساس الفكر ومنطلق العلوم .

محمد بن يوسف الزيادي

 

المصدر: عالم السياسة الإخباري .. محمد بن يوسف الزيادي
alam-asiyasa

عالم السياسة والثقافة الإخباري ( ع . س . ا ) .. نصر الزيادي .. " المواد المنشورة ليس بالضرورة ان تعبر عن رأي صحيفتنا الالكترونية " حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع عالم السياسة والثقافة الإخباري ( ع . س . ا )

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 142 مشاهدة

عالم السياسة والثقافة الإخباري

alam-asiyasa
( ع . س . ا ) صحيفة الكترونية شاملة .. إخبارية سياسية ،، ثقافية واجتماعية »

البحث فى الموقع

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

247,737

عالم السياسة والثقافة الإخباري

عالم السياسة والثقافة الإخباري

      ( ع . س . ا )


 صحيفة الكترونية شاملة .. اخبارية سياسية ،، ثقافية واجتماعية


* تعنى بالشأن السياسي المحلي والعالمي  
* تعنى بنقل الخبر بمصداقية وشفافية
* تعنى بالشؤون الاجتماعية والثقافية
* تسمح بالنقاشات الهادفة وتبادل الاراء 
* تقوم على استفتاء الجمهور بمواضيع ذات اهمية
* الأستقلالية ونبذ التبعية الفكرية 
* الحرية في التعبير سقفها المسؤولية الدينية والاخلاقية .