عالم السياسة الإخباري .. د. أكرم كريشان
إلى الشعب الأردني الحر ...أحداث محافظة معان وما وراءها .. وتصرفات الدرك في فض التجمهر بالقوة غير المبررة .
إن ما حصل في محافظة معان من فتن واضطرابات بدأت من جامعة الحسين بن طلال ثم امتدت إلى مدينة معان والأهل في مختلف أنحاء المحافظة كانت عملية مدبرة بحكمة ودراية من جهات لا تخاف الله وتهدف إلى ضرب النسيج الوطني الأردني بشكل عام وتمزيق وحدة الصف لأبناء محافظة معان حضرا وأريافا وبدوا الأمر الذي أصبح يعيه غالبية المثقفين والمتعلمين والوجهاء وحتى الأميين الذين كانوا مغيبين عن الساحة ...
نعم إنها أحداث دامية ذهب ضحيتها أرواح بريئة من الأهل والعشيرة الواحدة من أبناء مدينة معان والحويطات وهم الذين عاشوا سنين طويلة في ظلم وحرمان من أبسط حقوقهم المعيشية المصونة بموجب الدستور، في الوقت الذي كان ولا زال أبناء الذوات في العاصمة عمان ينعمون بخيرات أبناء الجنوب بشكل عام ومحافظة معان بشكل خاص من خلال النهب والسرقات دون رادع أو مراقبة وملاحقة قانونية الأمر الذي ولد احتقانات كثيرة لدى أبناء المنطقة .
وأتذكر قول الشاعر بهذه المناسبة (( أحرام على بلابله الدوح ...حلال للطير من كل جنس )) .
فأبناء محافظة معان أجمع أصبحوا حراسا لخيرات البلاد واقتصاد الوطن وهم مبعدين عن التمنية الحقيقية بكافة أشكالها وأنواعها ولا يتمتعون من خيرات الوطن إلا بتلوث البيئة والغبار والصحراء القاحلة .
ولقد كان الأهل والعشيرة ( جسد واحد ) في ملحمة واحدة سطرها التاريخ منذ عام 1918 عندما تم محاصرة المحافظة ستة أشهر من قبل الإنجليز وأتباعهم الذين أوجدوا فيما بعد التفرقة المقيتة ما بين حضري وبدوي وفلسطيني وأردني وشمالي وجنوبي حيث عملوا على تكريس هذا الانقسام مجموعة من خبراء العالم ونفذ المخطط بعناية ( كلوب باشا ) الذي اعتبر نفسه منتصرا عندما عاد إلى بلده وسئل ماذا حققت أيها القائد العظيم ..فقال حققت أشياء كثيرة لو جلستم مكاني مئات السنين لن تفلحوا في تقسيم الأردن وتفتيته اجتماعيا ، أما أنا فقد نجحت وفرقت الأردنيين إلى أخر العمر .
هذا باختصار شديد جدا عما جرى منذ القدم ولا زال يجري من مخطط تلو الأخر لضرب العشائر الأردنية وتقسيم الوحدة المتلاحمة والنسيج الوطني ومحاولة الإساءة لأبناء المحافظة من خلال نشر مجمل عادات سيئة لا اذكرها في هذا المقام ولكنها مدبرة بحكمة ودراية وبأيدي متنفذين في الدولة الأردنية حيث بدأت الحملة الحقيقية منذ عام 1989 م ولا زالت منتشرة لغاية يومنا هذا .
وأما بشأن الأزمة التي حصلت فقد حاول العقلاء من الخيريين من أبناء الوطن وغالبية أبناء محافظة معان احتواء الأزمة التي عصفت على البلاد كهشيم النار التي امتدت بسرعة إلى كافة المناطق مقدرين جهودهم الخيرة في إصلاح ذات البين ورأب الصدع و لكن قدرة الله ورعايته وعنايته حالت دون وقوع المزيد من الأحداث التي يريدونها والمخطط لها .
نعم أقول والمخطط لها من قبل أعداء الوطن والأمة والدين وبالتعاون مع بعض الأيادي الأردنية التي تريد تفتيت الوطن وتقسيمه لتمرير مخططات صهيونية ومن أبرزها ( الوطن البديل ) إضافة إلى وجود قواعد غازية أمريكية وجدت على أراضي أردنية وجنوبية بالذات لتحقيق أهداف لا نرضى بها بكل الظروف والأحوال .
وبعد ذلك ... اختلط الحابل بالنابل فقد اجتمع الخير مع الشر واختلطت الأوراق بعدما كان صدى الإصلاح الحقيقي ومحاربة الفساد والمطالبة بإعادة الأموال المنهوبة إلى خزينة الدولة ومحاكمة كبار السماسرة والمتنفذين الذين نهبوا وعاثوا في الأرض فسادا ( هذه الإصلاحات والمطالب وغيرها كانت حديث الشارع ورؤاه وتطلعاته وأماله ) إلا أن النظام وأجهزته المختلفة استطاعوا أن يحققوا النجاحات المتكررة بإبعاد الأوهام من وجهة نظرها عن المطالب الشعبية وحولت الساحة الأردنية إلى ساحة قتال وضرب العشائر والفتن ورفع الأسعار والعنف الطلابي الجامعي الذي امتد لأكثر من خمسة عشر جامعة أردنية عبر عام مضى .
أيها الشعب الأردني الحر :-
من يعتقد منكم أن هناك همجية وتخلف وعنجهية وطائفية وعشائرية مقيتة منتشرة بيننا كما يروج لها البعض المغرض من كتاب وصحفيين ووسائل إعلام ومواقع الكترونية ، فهذا أمر مغلوط تماما ، بل أن هناك كرم وتسامح ورجولة وإيواء الضيف والإحسان للضعيف ومساعدة الملهوف وإصلاح ذات البين ، ولكن يحاول الكثير ممن تربوا على أيدي الماسونية والصهيونية تسميم أفكار الأردنيين بأن أبناء الجنوب هم فئات طاردة وتحكمهم عادات سيئة كثيرة ...ونقول لهم أعيدوا لنا خيرات الجنوب وامنحونا العدالة في الوظائف والتنمية والصحة والتعليم والثقافة والرفاهية وحقوق الإنسان ولا تركزوا جلّ اهتمامكم بالعاصمة عمان وتتناسوا أن هناك إحدى عشر محافظة أخرى بمدنها وأريافها وبواديها ومخيماتها ، ومنها بعض المحافظات تفتقر لأبسط مقومات الحياة فيها أما أن تتركونا على الهامش وتضعونا على الرف وتريدوا منا أن نعيش بأمان في صحراء قاحلة فهذا الأمر الذي لا يطاق في الوقت الذي ينعم به أغلب سكان العاصمة عمان بالنعيم والحياة الفضلى والحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية المتنوعة والمتوفرة بين أيديهم ، وهذا الأمر ينعكس إيجابا على حياتهم العلمية والعملية والمعيشية بعكس سكان أبناء الجنوب الذين يرزحون تحت خط الفقر المدقع والحياة الخاوية من أبسط حقوقهم المعيشية .
الدرك وما أدراك ما الدرك ومعاملته الوحشية لأبناء مدينة معان
أما الأحداث الأخيرة ما بعد أحداث الجامعة التي نجمت في مدينة معان نتيجة مقتل اثنين وإصابة اثنين آخرين إصابتهم خطيرة سواء على أيدي رجال الدرك أم على أيدي فئة مجهولة فقد حصل أن ثار أهالي المقتولين وتبعهم مؤيدين من مختلف عشائر مدينة معان وتجمهروا أمام المركز الأمني في مدينة معان وعبروا عن غضبهم تجاه سياسة الدرك في القتل خاصة وأنها ليست المرة الأولى بل تكررت عشرات المرات ، حيث أن القانون لم يخول لهم القتل وليست أرواح المواطنين رخيصة إلى هذا الحد من الاستهتار، حيث أن كافة القوانين قد حرمت القتل بهذه البشاعة لأن الحق في الحياة ( من الحقوق المقدسة ) ، وقد أجاز القانون لرجال الأمن والدرك وغيرهم إلقاء القبض على أي مخالف وتقديمه للعدالة لينال الجزاء عن مخالفته للقانون لا أن يتم قتله من خلال المطاردة...ويقول الجميع بلسان حال الظلم الذي لحقهم أن الأولى أن يتم قتل الذين نهبوا مليارات الوطن وباعوا مؤسسات الدولة ونشروا المخدرات والفتن والأولى قتل عملاء الصهيونية الذين يريدون بيع الوطن ومؤسساته وخيراته ، لكن المعاملة اختلفت وموازيين العدالة تغيرت وأصبح القانون لا يطبق إلا على الضعفاء وممن لا حول لهم ولا قوة ولكن إرادة الله ستبقى فوق إرادتهم وعدالة السماء أشمل وأوسع من عدالتهم الوهمية ، حيث أن من نهب الوطن لا زال ينعم بخيرات الوطن ومن خالف أو ارتكب جناية بسيطة يتم قتله برصاص أبناء الأردن وهم الذين نقول لهم ( حماة الديار ) ...
لذلك عودة على بدء فقد قام رجال الدرك في مدينة معان بمهاجمة المتجمهرين أمام المركز الأمني وضربهم بالغازات المسيلة للدموع وفض التجمهر بالقوة غير المبررة ، وهنا لا نقول لهم إلا أنكم قد طبقتم القانون في حماية أفراد الأمن والمركز الأمني وعافاكم الله ...ولكن الأمر المخجل والمؤسف ما قمتم به من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان والتعدي على كرامة المواطن وحقه في العيش الآمن والطمأنينة في بيته ومسجده وحياته ، فهذا الأمر الذي لم يتم تطبيق ابسط معاييره من قبل رجال الدرك والمسؤولين عنهم حيث استخدم رجال الدرك غازات سامة مسيلة للدموع أدت إلى دخول مئات المواطنين للمستشفيات نتيجة حالات الاختناق التي حصلت من تلك الغازات المستوردة خصيصا لتجربتها في مدينة معان وقد أجمع الكثير من الأردنيين ومن الوافدين من المصريين والسوريين واليمنيين الذين عايشوا الثورات في بلادهم ، أن تلك الغازات لأول مرة يتم مشاهدتها في حياتهم ، وأن الغاز المستخدم هو من الصناعات الإسرائيلية التي تضرب الأعصاب والعيون وتخدر الجسم كاملا وفي حالة سكب المياه عليها فإنها تزداد أكثر مما قبل ، عدا عن أن رائحتها تبقى موجودة في البيوت والمحلات التجارية لأكثر من أسبوع وهذا ما شاهدناه منذ ثلاثة أيام ولا زالت الروائح لتلك الغازات منتشرة في الشوارع والطرقات والمنازل والمحلات التجارية والمساجد وتؤدي نفس الغرض لكن بنسبة أقل مما كانت عليه .
ومن ناحية أخرى فقد كانت الغازات المسيلة للدموع تضرب بشكل عشوائي في شوارع مدينة معان وداخل المساكن والمحلات التجارية والأفران والمطاعم وبيوت الله والمدارس بطريقة متعمدة لمنع الناس من التجول والخروج من منازلهم ، وإيذائهم ثانيا حيث كان الدرك يجوب شوارع مدينة معان ويضرب الغازات يمينا وشمالا دون وازع أو خوف أو ضمير حيث أصيب أحد المواطنين بجلطة قلبية وأصيب عشرات أيضا بحالات تسببت في إيذائهم جسديا ، واختنق المئات من الشباب والنساء والشيوخ والأطفال وهم أبرياء في بيوتهم ومنهم طلاب علم أو مرضى بالربو والقلب وغير ذلك . وأنا كاتب هذا التحليل أصبت بحالة إغماء شديدة جراء سقوط إحدى عبوات الغاز أمامي وأنا أسير في الشارع العام حيث تم إسعافي فورا .
وكنا نأمل أن يقف الأمر إلى هذا الحد بل تجاوز أكثر من ذلك حيث أطلق رجال الدرك الرصاص الحي وأصاب السيارات والمحلات التجارية وأصاب البيوت وبعض العلامات التجارية ( مرافق صور بذلك ) .
وليعلم النظام بأجهزته المختلفة أن استخدام الغازات المسيلة للدموع وإطلاق النار العشوائي بين المنازل الآمنة وبيوت العبادة وفي أماكن الأفراح والأتراح وأمام مرأى ومسمع الجميع هو من المحرمات الدولية والمخالفات التي يعاقب عليها القانون وتعد انتهاكات جسيمة بحقوق الإنسان ( لأن الأردن يدعّي دائما رعايته لحقوق الإنسان واحترام كرامة المواطن التي نص عليها شرع الله أولا ثم نصت عليها المواثيق الدولية ) .
تقصير واضح من قبل الدولة وأجهزتها المختلفة لما جرى من أحداث في محافظة معان .