دائما ما تحتل ليلة العيد لدينا فى الصعيد مكانة لاتنازلها مكانة ولها من الطقوس الخاصة من تزاور وخصوصا عند ابو البنات أو أخوهم حيث يأخذ الموسم ( زيارة ) ويذهب لزيارة البنات المتزوجات هكذا نقولها فى الصعيد .. الحمد لله قمت بالزيارة وقد كنت اعتذرت لأصدقائى فى ائتلاف شباب سوهاج عن النزول معهم فى حملة التوعية ولكن دائما تشدنا الأحداث دون تدخلنا .. عندما اتصل بى صديق وسألنى هلا رافقتنى لنذهب عند الترزى فى سوهاج حتى اتى ببنطلون العيد .. لم أتردد لحظة .. طبعا آجى معاك .. كانت اجابتى السريعة القاطعة .. وسوهاج تبعد عن قريتى ثمانية كيلومترات .. وبضع دقائق تفصلنى عن الحدث . عندما وصلت سوهاج بادرنى احد الأصدقاء بمكالمة تليفونية يخبرنى ان ثمة مظاهرة بميدان الثقافة .. عندئذ قال لى صديقى .. اللى بيدور على حاجة بيلاقيها دايما قدامه .. لم استطع ان اتحمل الثوانى التى قضاها صديقى فى قياس بنطاله .. اعتقد ان روحى طارت الى ميدان الثقافة قبل تحركى من ش 15 . ذلك الميدان الذى شهد تظاهرات الشعب السوهاجى اثناء الثورة .. مازال هو ايضا ميدان التحرير الرئيسى للسوهاجيين .. عندما وصلت اخذت احتضن الاصدقاء وكأننى عائد من الحجاز .. سرعان ما التف الجميع حول احدنا الذى هتف وردد وراءه الجموع الغفيرة .. كان السبب الرئيسى هو عدم وجود بنزين فى سوهاج .. ولكن عند هؤلاء الثوريين الوضع جد خطير .. فالبنزين ما هو الا وسيلة يتم بها التضييق على الشعب .. وغلاء الاسعار عامة والتجويع .. والمشكلات التى تنمى بفعل فاعل على أمل انفجار الصعيد الذى تم تغذيته بالسلاح على كافة اشكاله .. والنتيجة _ آدى اللى جابته الثورة _ أدرك المواطنون ذلك بوعيهم وحسهم الفطرى الذى طالما تجاهله واستهان به الجميع .. فمنهم من قال ان الشعب يستلزم توعيه جامدة جدا .. ومنهم من اتهمه بالجهل وان _ ما فيش فايدة _ كان الناس على هامش المظاهرة يتحدثون بوعى شديد عن مشكلات المحافظة التى هى جزء من الجسد الأم ( مصر ) من وراء هذه الأزمات ؟ .. من المستفيد ..؟ لماذا مماطلة العسكرى وعدم تحديد جدول زمنى يلتزم به ولا يمدد الفترة الانتقاليه .. ويهمس أحد الواقفين فى وسط مجموعة من اصدقائه ( يلبس بدله يلبس بوكسر .. يسقط يسقط حكم العسكر ) زاد الهتاف وتعالت الأصوات وهتف الجميع بسقوط حكم العسكر وسقوط محافظ سوهاج الرجل المحسوب تاريخا وأيديولوجية على النظام السابق وكما قالت سيدة سارت بجانب المظاهرة _ والله ياولادى ما عمل حاجة من يوم ما جه .. هيه سوهاج حظها ليه كده فى المحافظين ؟ ؟ سؤال لمس كل الأفكار ولخص كل الاجابات .. ولكن عند أمثالى ممن ينهكون الفكرة بمعانيها الاحتمالية ولا يقتنعون حتى يقتل الواقع جمال الحلم .. أخذنا نفكر فى ما قيل ببساطته وكالعادة قمنا بتعقيد الأمور وسرعان ما انتبهنا على تصرف عفوى قام به المتظاهرون من الانتقال المفاجىء الى شريط السكة الحديد .. وكالعادة حاولنا ان نستعمل ما زعمنا انه ثقافة محاولين ان نثنى المتظاهرين عن قطع السكة الحديد وتعطيل اخوانهم الذين تجشموا عناء السفر قادمين من بحرى حيث اخذتهم الأضواء وحرمت ذويهم منهم اللهم إلا أيام العيد التى يختطفها طيرنا المهاجر للعودة للعش الكبير .. حيث تلتف الأيدى على المنقد للتدفئة وعلى صينية الطعام بعد ذبح الأضحية وجمع شمل الأسرة علة قدوم هذا الضيف ..لم تكن هذه المعانى غائبة عن أذهان السوهاجيه حين أقدمواعلى تعطيل القطارات .. ولكن التجاهل الذى جعلهم يشعروا انهم ينتهكوا حتى من الإعلام .. فقد شاركوا فى الثورة .. وملأ رئتيهم الدخان الفاسد لقنابل الأمن المسيلة للدموع .. وقيل فى النهاية انهم لم يكونوا فى المشهد من بدايته وأحيانا لم يكونوا على الإطلاق ..ما هى إلا دقائق من التمركز على قضبان السكة الحديد .. حتى ظهر فى المشهد مأمور بندر سوهاج .. ثم مدير المخابرات .. ثم الشرطة العسكرية .. وبعدها عربات الأمن المركزى .. فصاح أحد الأصدقاء _ والله زمان يا ثورة _ أفتينا كالعادة بأن هذه القوات لتأمين المنشآت .. وسرعان ما أتى المحافظ .. محاطا بالعديد من هؤلاء العسكر .. فعلا .,. أدركنا أنه من أغلى المنشآت وأهمها فى سوهاج ..ولم يقدم شي~ا كعادته .. فتعالت الهتافات _ ارحل ارحل ياوضاح .. بكره سوهاج منك ترتاح .. هكذا بدا المشهد سياسيا .. فى هذه الأثناء كانت السيدات والفتيات عائدات للمنازل كنا نقوم انا وأنور (؛ أحد الاصدقاء ) بإرشاد الفتيات بالمشى اسفل النفق حتى لا يدخلن وسط الزحام .. حتى أتت سيدة مسنه لم تقوى على النزول والمشى اسفل النفق .. تأبطت ذراع انور بينما قمت انا باخلاء الطريق امامهما . . عندما سارت سار خلفها مجموعة من الفتيات والسيدات .. المشهد فى غاية الشرف والفخر .. فلم يرفع اى من الشباب نظره على إحداهن .. عند وصولنا للناحية الأخرى من المزلقان أتى ابن السيدة واخذها فقامت بالثناء ليس علينا فقط وانما قالت لابنها الشباب اللى ع النفق دول ولاد بلد ورجاله بجد فيهم بركة .. حينها نظرت للسماء وأنا أحاول ان تحتوى جفونى تلك الدموع المترقرقة فى عينى .. اسف ايها السائقين فقد ظننت بكم السوء .. هؤلاء الذين ادركوا ضرورة افساح المجال لبعض الوعود الكاذبة بحل المشكلة .. وهم فى قرارة أنفسهم يتركون المجال ويفسحون الطريق للقطارات لتمر بسلام .. ولأخواتهن ان ينعمن بالمرور الآمن بين أيديهم .. ربما هذه هى سوهاج التى شكك فيها البعض ولكن إلى متى السكوت .. هناك من لن يسكت إلا إذا نال ما يصبو إليه أو أسلم الحياة لمن يرفع الرايات بعده .. انتبهوا أيها السادة فقد تم عزل الفلول فى ميدان الثقافة وتمزيق يفطهم وإقصائهم عن المشهد .. بقى ان تكتمل اللحمة مع السداه .. فهلا صنعنا نسيجنا بأنفسنا ؟
علاء الدين
ساحة النقاش