<!--
<!--<!--<!--
العلاّمه الدكتور مصطفى جواد رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.
ولادة العلاّمه :
ولد الدكتور مصطفى جواد توركماني من عشيرة صارايلو في محلة (عقد القش ببغداد عام 1904م ووالده جواد الخياط ابن مصطفى بن إبراهيم، وأصل أسرته من دلتاوه. تعليمه ودراسته درس العلوم الابتدائية في مدارس دلتاوه (الخالص بمحافظة ديالى حاليا) في عهد الدولة العثمانية.
وبعد وفاة والده بدلتاوه في أوائل الحرب العالمية الاولى، عاد إلى مسقط رأسه بغداد بعد الاحتلال البريطاني للعراق فكفلهُ أخوه (كاظم بن جواد) وكان يعد من أدباء بغداد في التراث الشعبي وهو الذي أسهم ببناء قاعدة العشق اللغوي في شقيقهِ الأصغر، درس النحو ومعاني الكلمات وأعطاهُ قاموساً في شرح مفردات اللغة العربية وأوصاه بأن يحفظ عشرين مفردة في اليوم الواحد، وحفظ أكثر من عشرين حتى نشأت عندهُ حافظة قوية.
في دار المعلمين :
دخل دار المعلمين الابتدائية عام 1921م، وفي هذه الدار وجد أثنين من أساتذته يعتنيان بموهبتهِ وهما طه الراوي (1890- 1946)م، حيث أهداهُ كتاب المتنبي لما وجده يحفظ له قصيدة طويلة بساعة واحدة بصوت شعري سليم بأوزانه، وأستاذه الآخر ساطع الحصري، حيث أهداه قلماً فضياً بعد ان وجد قابليات تلميذه تتجاوز عمرهُ الفتي بمراحل، كانوا يقولون له: (أنت أفضل من أستاذ)، فهو يكمل عجز البيت الشعري اذا توقف الأستاذ عن ذكرهِ، ويحلل القصيدة ويتصيد الأخطاء ويشخص المنحول بقدرة استقرائية غير مستعارة من أحد. تخرج من دار المعلمين بعد ثلاث سنوات فعين مدرساً للمدارس الإبتدائية عام 1924م.
ممارسة التعليم :
مارس التعليم في المدارس تسع سنوات (1924 - 1933)م، متنقلاً بين محافظة الناصرية والبصرة والكاظمية ودلتاوه. ولما اكتشف فيه المفتشون انه أكثر قابلية منهم في طرق التدريس (وبلغة عربية فصحى لا مثيل لها) تمت ترقيته إلى تدريس المرحله المتوسطة، وخلال تسع سنوات في التعليم قرأ المطولات في الشعر والتاريخ والتراث وكانت مكتبتهُ ترافقهُ حيثما حل، وفي تلك الحقبة ذاتها نشر ابحاثهُ اللغوية في الدوريات المحلية والعربية ولاسيما تلك الصادرة في مصر ولبنان، وطبع كتابين في التحقيق التراثي، وفي اثناء إجازتهِ أخذ يتردد على مجالس بغداد ويدخل معارك أدبية حول فنه الذي مافارقه (التصحيح اللغوي) الذي ألزمه بان يحفظ كثيراً ويعلل الحفظ ويقرنه بمزيد من الأسانيد والشواهد مما أتاح لهُ ذاكرة وحافظة قوية.
السفر الى فرنسا لنيل شهادة الدكتوراه :
سافر إلى فرنسا، وأكمل دراسة الماجستير والدكتوراه في جامعة السوربون ونشبت بعدها الحرب العالمية الثانية فعاد إلى بغداد، قبل أن يناقش الرسالة وعاد معه الدكتور ناجي معروف، والدكتور سليم النعيمي، وهما مثله كانوا بإنتظار مناقشة الرسالة ورجعوا معه. ثم عين كاتباً للتحرير في وزارة المعارف ونقل بعد ذلك معلماً في المدرسة المأمونية ببغداد، و منها نقل إلى المدرسة المتوسطة الشرقية ببغداد. و تعرف خلال هذه المدة على الأب أنستاس الكرملي فلازمهُ وكتب في مجلته (لغة العرب). وكتب الكثير من الأبحاث والكتب عن اللغة العربية وتحديثها وتبسيطها. وكان له برنامج مهم في التلفزيون العراقي بعنوان "قل ولا تقل".
مشرف على اساتذة فيصل الثاني :
شغل منصب المشرف على الأساتذة الخصوصيين الذين أشرفوا على تدريس وتثقيف الملك فيصل الثاني ملك العراق.
من مؤلفاته :
الحوادث الجامعة - من أول كتبه التي طبعت - 1932م.
دليل خارطة بغداد المفصل - (بالمشاركة مع الدكتور أحمد سوسة)- مطبعة المجمع العلمي العراقي - 1958م.
جاوان القبيلة الكردية المنسية- مطبعة المجمع العلمي العراقي.
الضائع من معجم الادباء.
الشعور المنسجم.
المستدرك على المعجمات العربية.
رسائل في النحو واللغة - آخر كتاب طبع لهُ.
وفاته :
توفي في عام 1969م.
طرائف من حياته:
(قل قوّاد ولا تقل كواد) ومن اللطائف التي تروى عنه ركوبه إحدى سيارت الأجرة في بغداد وفي الطريق شغل السائق المذياع فأذيع برنامجه من الإذاعة ( قل ولا تقل)، فضجر السائق وأغلق المذياع وقال باللهجة العراقية العامية: ( أسكت كواد). فطلب مصطفى جواد التوقف ونزل من السيارة وهمس في أذن السائق : (قل قواد ولا تقل كواد). فسارع السائق للأعتذار منه وقبل مصطفى جواد إعتذاره وضحك. لقد كانت له روح فكاهة، مع طيبة قلب.
ويروي عنه البغداديون الكثير من النكات. كان دائرة معارف متنقلة تمشي على أرجل بما حفظ ووعى من دقائق الأشياء.. وله القدرة على الإجابة عن أي سؤال يوجه له في أي وقت، وكانت له مواقف في هذه الأمور سنتطرق لها عند الحديث عن مواقفه الطريفة، وقد بز أساتذته وأقرانه وأستظهر عليهم في مناقشاتهم لعويص المسائل، فقد كان بمثابة تلميذ للمرحوم الكرملي لمواظبته على حضور مجلسه والاستفادة من مكتبته ألا أنه تفوق عليه في الكثير من مسائل اللغة ومنعطفات التاريخ، وهو القائل على قبره: يا سائراً، ووجيب القلب صاحبه لنا ببغداد من بين القسوس أب عزيز وذو علم ومعرفة قضى السنين بشوق العلم يكتسب وكان ملازما للعلامة الميرزا محمد القزويني عند دراسته في باريس، ومرجعا للمستشرقين والدارسين،ولكن الجواد بزه في هذا المضمار وأخذ يصحح لأستاذه ويتفوق عليه في الحفظ والاستذكار، يتحاشاه أعلام اللغه كان أعلام اللغة والأدب يتحاشون الدخول معه في جدل أو مساجلة لما عرف به من إحاطة واسعة وعلم غزير،
وقد دخل مرة في نقاش مع العلامة محمد رضا المظفر حول دخول(أل)التعريف على كلمة (فوضى) فكان المظفر حذرا خشية أن يكون الجواد مطلعا على مصادر تبيح هذا الاستعمال فطالبه بإظهار الدليل على صحة دعواه فرد عليه بأنه اجتهاد منه فقال المظفر لماذا لم تقلها منذ البداية لأتجنب الدخول في المناقشة.
وخاض معارك وصراعات نقدية كثيرة مع أعلام الأدب وأساتذة الجيل فكان المجلي في هذا المضمار وشغل الناس بمساجلاته تلك،
وقد اختلفت ردوده بين الشدة واللين، الرصافي أهان العلامه وقيل أنه جمعه مجلس في بدايات حياته مع شاعر العراق الرصافي فلفت انتباه الرصافي إلى خطأ لغوي وقع فيه فهال الرصافي أن يرد عليه من يعتبره بمثابة طالب من طلابه، فنهره بشدة قائلا(أنجب) وهي كلمة نابية اشد وقعا من كلمة صه أو اسكت فتحامل الجواد على نفسه غافرا خطأ أستاذه احتراما لمكانته ومراعاة لما يمر به من وضع نفسي خطير وهذا من الأدب الذي عليه أبناء ذلك الجيل.
وكان جادا في عمله التربوي، ومعروفا بصرامته العلمية منذ بدايات عمله في التعليم،،
وقد ذكر عنه أنه كان يأخذ طلابه المشاغبين بالشدة التي عليها أساتذة تلك الأيام وقام ذات يوم بضرب خلدون ساطع ألحصري الذي كان مديرا للتعليم العام ويأتي بعد وزير المعارف في الدرجة الوظيفية وطرده قائلا(اذهب إلى والدك المربي ليعلمك التربية قبل أن تأتي إلى المدرسة).
وبعد عودته من دراسته العالية أنصرف لعمله التربوي بما عرف عنه من علمية،وانشغل بالتدريس في الجامعة العراقية وإلقاء المحاضرات في معاهد العلم ونوادي الأدب.