أبو سيرين الشافعى

ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَة والمَوْعِظَة الحسنة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله، أدى الأمانة وبلغ الرسالة ونصح للأمة فكشف الله به الغمة، وجاهد فى الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فاللهم اجزه عنا خير ما جزيت نبياً عن أمته ورسولا عن دعوته ورسالته، وصل اللهم وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وصحبه وأحبابه وأتباعه وعلى كل من استن بسنته، واقتفى أثره إلى يوم الدين.

أما بعد ..

فحياكم الله جميعاً أيها الأخوة الأخيار وأيتها الأخوات الفاضلات وطبتم جميعاً وطاب ممشاكم وتبوأتم من الجنة منزلاً، وأسأل الله العظيم الحليم الكريم وجل وعلا الذى جمعنا فى هذا البيت المبارك الطيب على طاعته، أن يجمعنا فى الآخرة مع سيد الدعاة المصطفى فى جنته ودار كرامته، إنه ولى ذلك والقادر عليه.

أيها الأحباب يوم أن أنحرفت الأمة عن كتاب ربها وسنة نبيها وقعت فى هذا الانفصام النكد بين منهجها المنير وواقعها المؤلم المرير، فلقد شوه المسلمون الإسلام بقدر ما ضيعوا من تعاليميه وحقوقه، وابتعدوا عن المصطفى  بقدر ما ضيعوا من سنته وأخلاقه، والداعية الصادق الأمين- أسأل الله أن نكون منهم بمنه وكرمه- هو الذى لا يغيب عن أمته ولا تغيب عنه أمته بآلامها وآمالها.

ولو قلبت صفحت التاريخ كلها لن نجد فيها زماناً قد ضاعت فيه حقوق الإسلام كهذا الزمان وهذه الأيام، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم، فأحببت أن أذكر أمتى لعلها أن تسمع من جديد عن الله عز وجل، ولعلها أن تسمع من جديد عن رسول الله  ، ولعلها أن تحول هذا المنهج المنير فى حياتها إلى منهج حياة وتردد مع الصادقين السابقين الأولين قولتهم الخالدة: { سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} (285) سورة البقرة.

ونحن اليوم بإذن الله تعالى مع حق كبير ألا وهو حق المسلم وأسمحوا لى أن أفرد فى هذا الموضوع الجليل لقاءين متتاليين لخطر الموضوع من ناحية ولضياع حق المسلم فى مجتمعات المسلمين من ناحية أخرى وسينتظم حديثى مع حضراتكم فى حق المسلم فى محورين أثنين:

الأول: حق المسلم فى المجتمع.

الثانى: حق المسلم على المسلم.

أولاً: حق المسلم فى المجتمع:

دعونا نبدأ بحق المسلم على المجتمع الذى يعيش فيه وكما تعودت حتى لا ينسحب بساط الوقت سريعا من تحت أقدامنا فسوف ينتظم حديثى مع حضراتكم فى هذا الموضوع الجليل فى الناصر المحددة التالية:

أولاً: سمات المجتمع المسلم.

ثانيا: حق الحياة.

ثالثاً: حرمة المال.

رابعاً: حرمة العرض.

فأعيرونى القلوب والأسماع، فإن هذا الموضوع من الخطورة بمكان أدعو الله أن أكون ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} (18) سورة الزمر.


أولا:سمات المجتمع المسلم:

أحبتى الكرام:

        إن المجتمع المسلم الذى شاد القرآن الكريم صرحه الشامخ، وأرسى لبناته وقواعده نبينا المصطفى  كان مجتمعاً فريداً فى كل شئ فهو مجتمع له أدب فريد مع الله جل وعلا، يقول على أساس العبودية لله جل وعلا امتثالاً عملياً لقوله عز وجل: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ* لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ } (162، 163) سورة الأنعام.

وهو مجتمع له أدب فريد مع رسول الله  يقوم على أساس الإيمان الصادق والاتباع الصحيح والمحبة الكاملة لرسول الله  امتثالاً عملياً من أفراد هذا المجتمع الكريم كما قال الله تعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا}(65) سورة النساء.

وهو مجتمع له أدب فريد مع نفسه، مجتمع تصان فيه الحرمات، مجتمع لا تتبع فيه العورات، مجتمع لا تنتهك فيه الأعراض، أحاطه القرآن الكريم بسياج من الفضائل الكريمة والمشاعر النبيلة، لا فضل فى هذا المجتمع لعربى على أعجمى ولا لأبيض على اسود، بل لا فضل  لأحدهم إلا بالتقوى والعمل الصالح كما قال جل وعلا: { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (13) سورة الحجرات.

وهو مجتمع له أدب فريد مع الغير: والحق ما شهدت به الأعداء فها هو غتافلوين يكون منصفاً للحق قبل أن يكون منصفاً للإسلام والمسلمين يقول: لم تعرف الأمم فاتحين راحمين متسامحين كالمسلمين، ولم تعرف الأمم ديناً سمحاً كدينهم.

وأما ما يروج له الغرب الآن من أن الإسلام هو دين التطرف والإرهاب، وأن المسلمين قد أكرهوا غير الملمين فى الدخول إلى الإسلام بقوة السيف فهذا فراء وافتراء يغنى بطلانه عن إبطاله، ويغنى فساده عن إفساده، ويغنى كساده عن إكساده، ولم تعد تنطلى هذه الحيل على السذج والرعاع.

وإن ما جرى طوال سنوات القرن الماضى وما يجرى إلى يومنا هذا على أرض كوسوفا بعد البوسنة يعد أعظم الأدلة على تعصبهم البغيض الأعمى ضد الإسلام والمسلمين ولو راجعوا التاريخ بعين الإنصاف لعرفوا جيداً أن الإسلام هو دين التسامح والعدل والرحمة.

هذه بعض سمات المجتمع المسلم الذى شاد القرآن الكريم صرحه الشامخ وأرسى لبناته وقواعده نبينا المصطفى .

وظل هذا المجتمع الكريم أيها الفضلاء يرفل فى ثوب الإيمان والأمان والعزة والكرامة حتى ابتعد رويدا رويدا عن أصل عزه ونعيم كرامته، انحرف بعيداً بعيداً عن دين الله وعن هدى المصطفى  راح ليلهث وراء الشرق الملحد تارة، ووراء الغرب الملحد تارة أخرى، وحكم القانون الوضعى الأعمى يوم أن رفع قانون الرب العلى.

ومن هنا فقد ضاعت حقوق كثيرة، وانتهكت أعراض وحرمات بصورة فظيعة وخطيرة مع أن النبى  قد أرسى قواعد المجتمع المسلم، وشدد على حرماته تشديداً عظيماً.

ففى الصحيحين من حديث ابن عباس وأبى بكر – رضى الله عنهما- أن النبى  خطب الناس يوم النحر فى منى وقال: "أتدورن أى يوم هذا؟". فرد الصحابة رضوان الله عليهم... فى أدب جم: الله ورسوله أعلم ... وهل يشك أحدكم فى أن الصحابة لا يعلمون؟! إنهم فى يوم النحر، لكنه الأدب مع المصطفى يقول لهم المصطفى:" أى يوم هذا"؟ ... قالوا: الله ورسوله أعلم. قال الحبيب المصطفى:" أليس يوم النحر؟" قالوا: بلى، قال المصطفى  : " أليس ذا الحجة؟" .. قالوا: بلى، فسألهم المصطفى  : "أى بلد هذا؟" .. قالوا: الله ورسوله أعلم، فقال المصطفى  :" أليس البلد الحرام؟" .. قالوا: بلى، فقال لهم المصطفى  :"إن دماءكم وأولادكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا فى شهركم هذا فى بلدكم هذا".

ثم قال  : ألا هل بلغت، اللهم اشهد".. وأعادها مراراً بأبى هو وأمى ثم التفت إلى الصحابة وقال: " فليبلغ الشاهد الغائب".. ثم قال:" لا ترجعوا بعدى كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض". ([1]).

أيها الأحبة:

إن موضوع الدماء موضوع جليل، موضوع الأعراض وحرمة الأموال، وقد أجملت هذا الموضوع إجمالاً، فى خطبة عيد الأضحى المبارك باستاد المنصورة، وأود اليوم تلبية لرغبة أحبابى أن أفصل هذا الموضوع تفصيلاً، لجلاله وخطره فى الدنيا والآخرة، وهذا هو حديثنا فى العناصر المتبقية.

ثانياً: حق الحياة:

        فإن أول حق للفرد المسلم على المجتمع المسلم هو حق الحياة، وهذا هو عنصرنا الثانى من عناصر اللقاء: حق الحياة.

أحبتى فى الله...

        إن الله تعالى قد كرم الإنسان تكريماً عظيماً، خلقه بيده ونفخ فيه من روحه وأسجد له ملاتكته، وأنزل له الكتب والرسل ووضع له شريعة محكمة تضمن له الحقوق والسعادة فى الدنيا والآخرة، وإن أول حق وأعظم حق ضمنته الشريعة الإسلامية للإنسان فى الأرض هو حق الحياة، هو حق النفس، فإن الله وحده هو خالق الحياة وهو واهب الحياة، ولا ينبغى لأحد ألبتة أن يسلب هذه الحياة إلا بأمر الله جل وعلا فى نطاق الحدود الذى شرعها، ولا يسلب الروح إلا واهب الحياة وهو وحده الذى يعلم من خلق وهو العليم الخبير.

فسفك الدماء جريمة بشعة تأتى مباشرة بعد جريمة الشرك بالله، وأنا أتحدى أن تفتح صفحة من الجرائد فى أى جريدة من جرائدنا اليومية إلا وسينقلب إليك بصرك خاسئا وهو حسير، وسينخلع قلبك أمام جرائم القتل التى انتشرت فى مجتمعاتنا- مجتمعات المسلمين- بل وفى الأرض كلها إما بدافع السرقة وإما بدافع الثأر البغيض الأعمى وإما بدافع انتهاك الأعراض أو الاغتصاب ولا حول ولا قوة إلا بالله.

انتشرت جريمة الدماء بصورة بشعة، واصبحت حرمة الدماء حقيرة فى نفس كثير ممن ينتسبون إلى الإسلام ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.

تدبروا كلام الله فى كتابه الكريم: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} (93) سورة النساء. وأكرر على مسامعك أيها الحبيب الكريم قول الله تعالى: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}.

وفى صحيح البخارى أن النبى  قال: لن يزال المؤمن فى فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما" ([2]). وكان ابن عمر رضى الله عنهما يقول: إن من موبقات الأمور التى لا مخرج منها إن أوقع نفسه فيها- الدم الحرام بغير حله.

وفى الحديث الصحيح الذى رواه أحمد وأبو داود والنسائى والحاكم من حديث معاوية أن النبى  قال: "كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا من مات مشركا أو قتل مؤمنا متعمداً" ([3]) "كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا من مات مشركا أو قتل مؤمنا متعمدا".

وفى الحديث الصحيح الذى رواه النسائى من حديث بريدة أن النبى  
قال: " قتل المؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا". ([4])

تعرفوا على حرمة الدماء، بل من أعجب الأحاديث الصحيحة التى قرأتها فى هذا الباب ما رواه النسائى والبخارى فى التاريخ الكبير وصحح الحديث الألبانى فى صحيح الجامع من حديث عمرو بن الحمق الخزاعى أن الحبيب النبى قال: " من أمن رجلا على دمه فقتله فأنا برئ من القاتل وإن كان المقتول كافرا"([5]).

الحديث- أقول: حديث صححه الألبانى حديث صحيح تدبر قول النبى 
 : " من أمن رجلا على حياته فقتله فأنا برئ من القاتل وإن كان المقتول كافراً".

حرمة الدماء عظيمة عند رب الأرض والسماء فمن أجل ذلك جعل الدماء هى أول شئ يقضى فيها الله بين العباد يوم القيامة كما فى الصحيحين عن أبى هريرة أن النبى  قالك" أول ما يقضى فيه بين الناس يوم القيامة فى الدماء"([6]).

إذا ما وزنت الموازين وتطايرت الصحف وغرق الناس فى عرقهم على قدر أعمالهم، وأتى بجهنم لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها، ينادى على القاتل السفاح المجرم الذى سفح الدماء يغير حل، فيرعد النداء قلبه فترتعد فرائصه وتضطرب جوارحه وهو يمشى بين الخلائق، ليقف بين يدى الملك الحق جل جلاله، وينادى على كل قتيل قتله هذا المجرم السفاح فيتعلق بين يدى الملك الحق جل جلاله، وينادى على كل قتيل قتله هذا المجرم السفاح فيتعلق كل قتيل بالقاتل وأعناقهم تسيل دما أى عروقهم ويتعلقون به وهو يصرخ ويستغيث بين يدى الملك الحق ويقول: يا رب سل هذا فيم قتلنا؟ فماذا سيكون جوابك أيها القاتل؟ ماذا سيكون جوابك يا من سفكت الدم بغير حل؟ ماذا سيكون قولك بين يدى الله؟

تذكر وقوفك يوم العرض عريانا
والنار تلهب من حنق ومن غيظ
اقرأ كتابك يا عبدى على مهل
فلما قرأته ولم تنكر قراءته
نادى الجليل خذوه يا ملائكتى
العاصون غدا فى النار يلتهبوا
مثل لنفسك أيها المغرور
إذا كورت شمس النهار ودنيت
وإذا النجوم تساقطت وتناثرت
وإذا الجبال تطلعت بأصولها
وإذا الصحائف نشرت وتطايرت
وإذا الجليل طوى السما بيمينه
وإذا الوليد بأمه متعلق
هذا بلا ذنب يخاف جناية
وإذا الجحيم تسعرت نيرانها
وإذا الجنان تزخرفت وتطيبت

 

مستوحشا قلق الأحشاء حيرانا
على العصاة ورب العرش غضبانا
فهل ترى فيه حرفا غير ما كانا
وأقررت إقرار من عرف الأشياء عرفانا
وامضوا بعبد عصى للنار عطشانا
والموحدون بدار الخلد سكاناً
يوم القيامة والسماء تمور
حتى على رأس العباد تسير
وتبدلت بعد الضياء تدور
فرأيتها مثل السحاب تسير
وتهتكت للعالمين ستور
طى السجل كتابه المنشور
يخشى القصاص وقلبه مذعور
كيف المصر على أهل الذنوب دهور
ولها على أهل الذنوب زفير
لفتى على طول البلاء صبور

ينادى على القاتل فإن أول شئ يقضى الله فيه بين العباد فى الدماء ولا تعارض بين هذا الحديث وبين قول النبى  : " إن أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة الصلاة"([7])

فالصلاة هى حق الله تعالى وأما الدماء فهى العباد ... فأول حق للعباد يقضى الله فيه هى الدماء، ولقد قص على أستاذ فاضل ومستشار لا أزكيه على الله، قص على قصة ذكرتها فى خطبة عيد الأضحى تخلع القلب، خلاصتها أن ذئبا بشريا نزعت الرحمة من قلبه وانتكست فطرته، رأى طفلة صغيرة مسكينة، لا يزيد عمرها عن خمس سنوات، رآها تلعب ببراء بجوار بيتها المجاور للمقابر فى قرية من القرى فاحتال هذا الذئب الذى لم يرعى بقصاص عادل ولا بمراقبة الله جل وعلا الذى يمهل ولا يهمل، فاحتال على هذه الطفلة الصغيرة البرئية المسكينة واستدرجها إلى المقابر حتى أدخلها المقابر ثم اعتدى  على عرضها، ولم يرحم استغاثتها، وهى الطفلة البرئية المسكينة بنت الخمس سنوات بل ولم يراع حرمة الموتى التى أحاطت به من كل جانب، ولم يراع حرمة المقابر.

انظروا إلى مرض القلوب وانتكاس الفطر والعياذ بالله، الموت حوله من كل مكان، لم يراقب الله الحى الذى لا يموت، ولم يراع حرمة المقابر ولا حرمة الأموات، ولم يراقب رب الأرض والسماوات، بل انتهك عرض الطفلة المسكينة البرئية بين المقابر، وفكر بعد ذلك فى الفضيحة فحاول هذا المجرم الخبيث أن يختفها فلم يفلح، فجاء بثوبها الداخلى فدس ثوبها فى فمها حتى فارقت الحياة، وفكر هذا المجرم الخبيث فى فضيحته ففتح قبرا من القبور المعدة للموتى ووضع الطفلة المسكينة البرئية بثيابها فى هذه المقبرة ولكن الملك يمهل ولا يهمل.

قدر الله عز وجل أن يموت رجل من هذه القرية فى اليوم التالي مباشرة ويشاء سبحانه وتعالى أن يحمل المتوفى إلى المقابر وأن يفتح نفس القبر الذى دفنت فيه الطفلة البرئية، فقد حاول الأهل أن يبحثوا عنها فلم يجدوها، فمن الذى يفكر فى هذه الجريمة البشعة ، واستطاع رجال الأمن بعد ذلك فى يقبضوا على هذا الذئب البشرى الخبيث المجرم، وحكمت عليه محكمة النقض كما قص على المستشار، حكمت على هذا الذئب البشرى بالإعدام.

لكن من منا سمع حكم الإعدام  لذا فأنا أطالب المسؤولين الآن كما يذيع التلفاز فى نشرته الإذاعية أو التلفازية الأخبار، أخبار الممثلين والممثلات والساقطين والساقطات، واللاعبين واللاعبات، والمطربين والمطربات، الأحياء منهم والأموات، أن يذيعوا على الأقل فى انتهاك الأعراض والحرمات.

ثم إننى على يقين مطلق جازم فى أن الحل الناجع الأوحد فى القضاء على هذه الجريمة البشعة هو القصاص، تطبيق شريعة رب الناس {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (179) سورة البقرة.

والله لن يرتدع المجرم القاتل إلا إذا علم أن شريعة الله تطبق، وإن من شريعة الله أن يقتل القاتل وأن يقام الحد على الزانى، هذا هو الحل الأوحد فى القضاء على هذه الجريمة البشعة، أقسم بالله على منبر رسول الله أن جريمة القتل لم تكن بدافع السرقة أو بدافع فعل الاغتصاب إلا يوم أن حكم القانون الوضعى الأعمى ونحى شرع الرب العلى الأعلى الذى قال: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} (14) سورة الملك.

ثالثاً: حرمة المال:

        هذا أعظم حق للمسلم فى المجتمع ثم من حق المسلم فى المجتمع الإسلامى أن يأمن على ماله، فهذا هو عنصرنا الثالث من عناصر اللقاء: حرمة المال.

إخوتى الكرام: المال مال الله، فهو واهبه ورازقه قال تعالى: { وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ } (33) سورة النور. فالمال مال الله { وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ } وقال سبحانه وتعالى: {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ} (7) سورة الحديد.

وقال سبحانه: {وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (180) سورة آل عمران.

ثم أضاف الله عز وجل المال للعباد تكرماً منه وتفضلاً من ناحية وابتلاء واختبارا لهم من ناحية أخرى، أركز فى هذه الكلمة مرة أخرى وأعيدها أيها الفضلاء وأقول : ثم أضاف الله عز وجل المال للعباد تكرماً منه وتفضلا من ناحية وابتلاء واختبارا لهم من ناحية أخرى فقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}(9) سورة المنافقون. قال جل وعلا: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} (15) سورة التغابن. وقال جلا وعلا: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} (35) سورة الأنبياء.

لذا فإن المؤمن العاقل هو الذى يعلم الغاية من المال، يعلم أن المال ظل زائل وعارية مسترجعة، ولا ينسى أبدا حبيبه المصطفى كما فى صحيح مسلم من حديث عبد الله بن الشخير، تصدقت فأمضيت هذا هو مالك ... مالك يا بن آدم تقول: مالى مالى " وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت"([8]).

اسمع ماذا قال المصطفى  : فهو بنيته فأجرهما سواء، وعبد رزقه الله مالا ولم يرزقه علما" هذا هو العبد الثالث- يقول المصطفى  : "فهو يخبط فى ماله- يعنى ينفق المال على غير حق وهدى- لا يتقى فيه ربه ولا يصل فيه رحمة ولا يعلم لله- أى فى ماله-حقا، فهذا بأخبث المنازل" أى عند الله جل وعلا- وعبد – وهذا هو العبد الرابع- لم يرزقة الله مالاً ولا علماً فهو يقول: لو أن لى مالا لعملت فيه بعمل فلان"- أى من الفسق والزندقة ، لو أن لى مالًا لعملت فيه بعمل فلان". يقول المصطفى : فهو بنيته فوزرهما سواء..."([9]).

فالمؤمن العاقل- إخواتى – هو الذى يعلم الغاية من المال، يعلم أن المال ظل زائل وعارية مسترجعة من أجل ذلك أنتبه، فهو يحرص كل الحرص على أن يجمع المال من الحلال وأن يؤدى فى المال حق الكبير المتعال من حق هذا المسلم حينئذ أن يأمن على ماله ولو قل من حقه أن يأمن على بيته، من حقه أن يأمن على أولاده، من حقه أن يأمن على تجارته، من حقه أن يأمن على ماله فى المجتمع ولو قل هذا المال.

لا يجوز لأحد البتة أن يأخذ هذا المال منه بغش أو بسرقة أو ينصب أو بغصب أو بظلم أو باحتيال، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} (29) سورة النساء. وقال تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } (38) سورة المائدة.

وسيظل حد القطع هو الرادع الأوحد والأمثل والأقوى للقضاء على اللصوص الكبار والصغار الذين يسرقون أقوات وأموال الأمم والشعوب والأفراد على السواء، سيظل حد القطع ليد السارق هو الرادع والأقوى للقضاء على اللصوص الكبار والصغار.

ومن يزعم بأنه أرحم بالناس من خالق الناس فى قلبه عمى وفى عقله ضلال، وعلى الذين يدندنون على أن حد القطع ليد السارق لا يتواءم ولا يتفق مع مدنية القرن العشرين ولا مع إنسانية البشر عليهم أن يراجعوا بعدل وإنصاف نتائج القطع ونتائج السجن والحبس، ليعلموا علم اليقين أن حد القطع لم يطبق فى صدر الإسلام إلا على آحاد الناس وصدق ربى إذ يقول: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} (14) سورة الملك.

رابعاً:  حرمة العرض:

        ثم من حق الفرد المسلم علىالمجتمع أن يأمن على عرضه، وهذا هو عنصرنا الرابع من عناصر اللقاء.

العرض يا إخوة هو موضع المدح والذم فى الإنسان ومن قول حسان بن ثابت ، هو يذب عن عرض الحبيب المصطفى ():

وإن أبى ووالده وعرضى                لعرض محمد منكم وفاء

فالعرض هو موضع المدح والذم فى الإنسان، كما قال ابن منظور فى لسان العرب من جسد أو نفس أو حسب أو شرف: ولا شك أن أبشع صورة من صور انتهاك العرض هى الزنا، فالزنا أبشع وأشنع جريمة ترتكب على ظهر الأرض بعد الشرك بالله وقتل النفس، المرأة إن زنت والعياذ بالله أدخلت العار على زوجها وأهلها ووضعت رؤوس أسرتها فى الوحل والطين والتراب.

فإن كانت المرأة متزوجة ووقعت فى جريمة الزنا وخافت من الفضيحة والعار، فقلت ولدها من الزنا، وقعت فى كبيرتين ألا وهما: القتل والزنا، فإن أبقت على ولدها الزنا وأدخلت هذا الولد بين أولادها، أدخلت عليهم أجنبياً ليس منهم فورثهم ولا حق له فى ذلك، وخلا بهم ولا حق له فى ذلك، وانتسب هذا الولد إلى زوجها ولا 
حق له فى ذلك.

أما إذا زنا الرجل فاختلطت الأنساب اشتعلت الأحقاد وهدم المجتمع 
المسلم من قواعده.

من أجل ذلك شدد الإسلام يا إخوة تشديداً عظيماً على جريمة الزنا فقال تعالى {الزَّانِيَةُ } (2) سورة النــور.

والحظ ملحظاً قرأنيا بليغا لتقديمة لفظ الزانية، فإنه لا يتمكن زان من الزنا إلا بمقدمات حقيقة من زانية مجرمة فقدم القرآن الزانية {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} (2) سورة النــور ولذا قدم القرآن فى السرقة الرجل فقال: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ}(38) سورة المائدةلأن دافع السرقة عند الرجل أقوى.

أما فى الزنا قال: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ * الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} (2 ،3) سورة النــور .

انظروا إلى هذا التشريع، الأمر لا يحتاج إلى فذلكة أو حذلقة.كيف يؤتى بالزانى على رؤوس الأشهاد، ليقام عليه حد الجلد أو حد الرجم هذا لا يتفق مع إنسانية الإنسان، هذا لا يتفق مع مدنية القرن العشرين ولا مع مدنية القرن الحادى والعشرين، لا تمت إلى عقل سليم بلة ولو ابتلى الإنسان بهذا البلاء.

أسأل الله أن ينجينى وإياكم منه، لوزنى بابنته أو بامرأته أو بأخته لتمنى ورب الكعبة ألا يقام الحد بالجلد أو بالرجم، بل لتمنى أن يمزق الزانى بأنيابه قطعة قطعة إن الأخذ على يد الزانى حياة للمجتمع كله {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (179) سورة البقرة

رجل ذكر بالله فلم يتذكر، نصح فلم ينتصح، قيل: إياك والعرض لا تتعدى ولا تنتهك الحرمات فلم يرتدع فراح يرتع فى هذا المستنقع الآسن العفن، لابد من 
الأخذ على يديه.

لو أن عضوا من أعضاء الجسد قد أصيب بمرض السرطان فإن الحكمة أن يقطع هذا العضو الذىابتلي بمرض السرطان، وإلا فسيسرى المرض فى الجسد كله، فلابد من بتر هذا العضو الخبيث فى المجتمع؛ لنضمن الحياة الطيبة الهادئة للمجتمع بأسره.

فالله تبارك وتعالى أمر بالجلد للزانى البكر الذى لم يتزوج أن يجلد مائة جلدة مع الزانية أمام طائفة من الناس؛ ليرى كل الناس هذا العقاب، فيفكر كل من تسول له نفسه بدل المرة ألف مرة فى التعدى على الأعراض وانتهاك الحرمات.

أما الحصن أى المتزوج الذى يترك هذا الحلال الطيب وينطلق ليرتع فى هذا المستنقع الآسن العفن فحده فى دين الله الرجم، فإن رجم وتاب إلى الله تبارك وتعالى فإن الله عز وجل قد طهره بالتوبة، وبإقامة الحد طهره.

ومن عدل الله تبارك وتعالى ألا يحاسب العبد على ذنب طهر منه فى الدنيا بإقامة الحد، لا يحاسبة الله على هذا الذنب يوم القيامة، عدل الله ورحمته، فقد يزل الإنسان لكن لابد حينئذ أن يجدد التوبة والأوبة. وأن يقام عليه حد الله تبارك وتعالى فحد الزانى المحصن هو الرجم حتى الموت تلك حدود الله، هذا شرع الله{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (179) سورة البقرة. لا يحيا المجتمع حياة آمنة هادئة إلا بهذا، إلا  بتطبيق شرعه المحكم.

وقال النبى  كما فى الصحيحين:" لا يزنى الزانى حين يزنى وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن"([10]).

وقال النبى  كما فى صحيح البخارى من حديث سمرة الطويل أن جبريل وميكائيل جاءا إلى النبى  فقالا له: انطلق فانطلق الحبيب  معهما فمروا على تنور أعلاه ضيق وأسفله واسع تشتعل فيه النيران فنظر النبى فى هذا التنور فرأى فيه رجالاً ونساء عراة يصيحون من شدة لهب التنور- أى من شدة الحر- فإذا ارتفعت النار ارتفعوا، فإذا انخفضت انخفضوا فى هذا التنور فقال النبى  :" من هؤلاء يا جبريل؟" فقال جبريل: هؤلاء الزناة والزوانى هذا عذابهم إلى يوم القيامة([11]).

من زل فليتب، وقد يسألنى الآن مسلم: أنا أعيش فى بلد لا تطبق فيه الحدود فماذا أصنع؟ وقد وقعت فى هذه الجريمة البشعة، ولا أذوق طعم النوم ولا طعم السعادة ولا طعم الراحة، كم من اتصالات وكم من أسئلة مكتوبة تعرض علينا فى كل أسبوع أقول له:

أخى الحبيب..

        أخى الكريم . أعلم بأن الله عز وجل سيفرح بتوبتك إن تبت إليه وهو الغنى عنك، فأنت لست ملكاً مقرباً ولا نبياً مرسلاً، ووالله لو تخلى عنا برحمته طرفة عين لهلكنا، والله لو تخلى عنا برحمته طرفة عين لهلكنا.

        فيا من ضعفت وزللت فى هذه الكبيرة عد إلى الله واسمع نداء الله: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } (53) سورة الزمر.

عد إلى الله واعلم بأن الله سيفرح بتوبتك إن ستر الله عليك فاستر على نفسك وجدد التوبة والأوية، فإن الأصل فى الكبائر هو التوبة وليس إقامة الحد، إلا إذا وصل أمرك إلى ولى الأمر المسلم، فاستر على نفسك وجدد التوبة فإن قبل الله منك التوبوة تولى الله تبارك وتعالى تخليص ذنبك وتولى الله تبارك وتعالى تفريج كربك فى يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

الأصل فى الكبائر هو التوبة كلكم يحفظ قصة ماعز والغامدية، لقد جاء ماعز الذى ارتكب جريمة الزنا وهو محصن جاء إلى الحبيب المصطفى إلى الرحمة المهداة والنعمة المسداة، ليقول: يا رسول الله طهرنى، فماذا قال له المصطفى؟ قال:"ويحك ارجع استغفر الله وتب إليه".

 جاء إلى المشرع  يطلب منه أن يقيم المشرع- أى النبى  - الحد عليه يقول له:" ويحك ارجع استغفر الله وتب إليه" فرجع ماعز ولكن لم يطق النوم وعاد إلى النبى  فى اليوم التالى: يا رسول الله طهرنى لقد أصبت حداً فقال له النبى: "ويحك ارجع استغفر الله وتب إليه".

وعاد ماعز ولكن لم يطق النوم، وهؤلاء يا إخوة رباهم المصطفى  على مراقبة الحى، لم يترب هؤلاء على مراقبة القانون الأعمى الذى إن رأى ساعة لا يرى فى غيرها، ولكن رباهم النبى  على مراقبة العلى الأعلى، فإن لم تأت به الشرطة أتى به إيمانه، يحركه خوفه من ربه، وتحركه مراقبة الله تبارك وتعالى فيأتى على قدمية مختاراً غير مكره غير مضطر، يأتى للنبى : طهرنى يا رسول الله فقال له النبى  فى المرة الثالثة:" ويحك ارجع استغفر الله وتب إليه".

فقال له ماعز: لقد أصبت حداً يا رسول الله، زنيت يا رسول الله، طهرنى فأمر النبى رجلاً من أصحابه أن يقوم ليشم رائحة فمه قال النبى لأصحابه: "أبه جنون؟ أهو عاقل؟": قالوا: نعم يا رسول الله فأمر رجل أن يستنكهه أى أن يشم نكهة رائحة فمه، هل شرب خمراً فلعبت الخمر برأسه، فقام أحد الصحابة فشم رائحة فمه فلم يجد بها أثراً للخمر فقال: لا يا رسول الله فحينئذ أمر رسول الله أن يقام الحد على ماعز([12]).

ومن أعجب ما قرأت من الروايات ما ذكره الشوكنى فى نيل الأوطار وصححها كثير من أهل العلم، أن الصحابة عادوا إلى النبى  فأخبروه أنهم لما هموا برجم ماعز جرى فقال النبى  :" هلا تركتموه؟ هلا تركتموه؟" فالإسلام ليس متعطشاً للدماء ولا لإقامة الحدود، وعلى العلمانيين الذين لا يحترمون أنفسهم ممن يختزلون قضية الشريعة كلها فى الحدود، وعليهم أن يحترموا أنفسهم وأن يعلموا يقيناً أن الإسلام العظيم لا يختزل فى قضية الحدود وعليهم أن يعلموا أن الحدود حين تطبق لها ضوابط ولها شروط، الأمر ليس متروكاً هكذا.

فدين الله عز وجل ورب الكعبة هو طريق السعادة فى الدنيا والآخرة؛ لأن الله عز وجل هو خالق الإنسان، وهو وحده الذى يعلم ما يسعده وما يصلحه وما يفسده، وأكرر للمرة الثالثة قول الله تعالى: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} (14) سورة الملك.

فأبشع صورة من صور انتهاك العرض هى الزنا، أسأل الله عز وجل أن يطهر مجتمعنا المسلمين من هذه الجرائم والكبائر البشعة، وأن يرد المجتمعاتالمسلمة إليه رداً جميلاً إنه ولى ذلك والقادر عليه. وأترك ما تبقى من جزئية العرض

  • Currently 46/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
16 تصويتات / 436 مشاهدة
نشرت فى 17 فبراير 2011 بواسطة al3llama

ساحة النقاش

أبوسيــــــــــــرين الشافعـــــــــــــى

al3llama
»

تسجيل الدخول

ابحث

عدد زيارات الموقع

130,535