إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده، ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}سورة آل عمران: 102. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} سورة النساء: 1 {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} سورة الأحزاب: 70 ، 71. أما بعد .. فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة فى النار. ثم أما بعد ... فحياكم الله جميعاً أيها الأخوة الأخيار، وأسأل الله الكريم جل وعلا الذى جمعنا فى هذا البيت الطيب المبارك على طاعته، أن يجمعنا فى الآخرة مع سيد الدعاة المصطفى فى جنته ودار مقامته، إنه ولى ذلك ومولاه... إننا الآن على موعد مع درس مهم وهو بعنوان: "حق الآخوة" وكما تعودنا فسوف ينتظم حديثنا تحت هذا العنوان فى العناصر التالية: أولاً: حقيقة الأخوة فى الله. ثانيا: حقوق الأخوة. ثالثاً: الطريق إلى الأخوة. أولاً: حقيقة الأخوة: إذ إن الأخوة فى الله لا يمكن أبداً أن تتحقق إلا على عقيدة التوحيد بصفائها وشمولها، محال أن تتحقق أخوة بمعناها الحقيقى إلا على عقيدة صافية بشمولها وكمالها، فما حولت هذه الإخوة الجماعة المسلمة الأولى من رعاة للغنم إلى سادة وقادة لجميع الدول والأمم إلا يوم أن تحولت هذه الأخوة التى بُنيت على العقيدة، بشمولها وكمالها، إلا يوم أن تحولت هذه الأخوة إلى واقع علمى ومنهج حياة، تجلى هذا الواقع المشرق يوم أن آخى النبى ابتداءً بين الموحدين فى مكة ثم آخى ثانياً بين أهل المدينة من الأوس والخزرج، تلكم الأخوة التى لا يمكن أبداً على الإطلاق، أن تدانيها أخوة تنبنى على أواصر العقيدة أو العرض أو النسب أو الدم أو اللون مستحيل. فإن الأخوة فى الله لا تنبنى إلا على أواصر العقيدة وأواصر الإيمان، وأواصر الحب فى الله، تلكم الأواصر التى لا تنفك عراها أبدا، الأخوة فى الله نعمة من الله وفيض من الله يغدقها الله على المؤمنين الصادقين. الأخوة فى الله شراب طهور يسقيه الله للمؤمنين الأصفياء الأتقياء؛ ولذا فإن الأخوة فى الله قرينة الإيمان لا نفك الأخوة عن الإيمان، ولا ينفك الإيمان عن الأخوة، فإن وجدت أخوة من غير إيمان، فاعلم بأنها التقاء مصالح وتبادل منافع وإن رأيت إيماناً بدون أخوة صادقة، فاعلم بأنه إيمان ناقص يحتاج صاحبه إلى دواء وإلى علاج؛ لذا جمع الله بين الإيمان والأخوة، فالآية جامعة فقال سبحانه: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} (10) فالمؤمنون جميعاً كأنهم روح واحد، حل فى أجسام متعددة كأنهم أغصان متشابكة تنبثق كلها من دوجة واحدة أين هذه المعانى الآن. ولذلك لو تحدثت الآن عن مشهد كهذا الذى ذكرت، ربما استغرب أهل الإسلام هذه الكلمات وظنوها كما قلت من الخيالات والأوهام؛ لأن حقيقة الأخوة قد ضاعت الآن بين المسلمين وإن واقع المسلمين ليؤكد الآن تأكيداً جازماً لا ليس فيه حقيقة الأخوة. فلم تعد الأخوة إلا مجرد كلمات جوفاء باهتة باردة، فأنت ترى المسلم الآن ينظر إلى إخواته هنا وهناك يذبحون ذبح الخراف ، وتنتهك أعراض نسائهن، بل ويطردون من أرضهم وديارهم وبلادهم، ومع ذلك ينظر المسلم إلى هؤلاء الإخوة فيضحك ملء فيه، ويأكل ملء بطنه، وينام ملء عينيه، ويهز كتفيه ويمضى وكأن الأمر لا يعنيه لا من قريب ولا من بعيد. الأخوة الموصولة بحبل الله، نعمة امتن بها ربنا جل وعلا على المسلمين الأوائل، فقال سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } (102، 103) سورة آل عمران. فالأخوة من الله نعمة امتن الله عز وجل بها على المسلمين فمستحيل أن تجد قانوناً وضعياً على ظهر الأرض يؤلف بين القلوب أبداً {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (63) محال أن ترى قانوناً وضعياً بشرياً يؤلف بين القلوب بين قلوب أهله وأصحابه، فهذه نعمة لا يمنحها الله عز وجل إلا لأهل الإيمان فإن رأيت محبة بين غير أهل الإيمان، فاعلم بأن قلوب هؤلاء متنافرة متشتتة {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} (14) أما اتقاء القلوب بصدق وصفاء لا يكون إلا لمن ملأ الله قلوبهم بالإيمان. ثانياً: حقوق الأخوة: أول حق من حقوق الأخوة، وأرجو الله تهتموا جيداً، فما أحوج الأمة بصفة عامة إلى أخوة الذين يعملون الآن للإسلام بصفة خاصة، لمثل هذه المحاضرة فى هذه الأيام، فإن الأمة الآن متشرذمة متهارجة، متشتتة ممزقة، ولن تقوم لها قائمة ولن يكون لها كيان إلا إذا اتحد صفها والتقى شملها وتجمع أبناؤها، ولن يجمع هذا الشتات المتنافر إلا الأخوة الصادقة فى الله أسأل الله أن يجعلنا من الصادقين. الحق الأول: من حقوق الأخوة فى الله: الحب فى الله والبغض فى الله محال محال أن تتحقق أخوة صادقة من غير حب فى الله وبغض فى الله، فالحب فى الله والبغض فى الله أوثق عرى الإيمان " أوثق عرى الإيمان الحب فى الله والبغض فى الله" ([1]) قال كما فى الحديث الذى رواه أبو داود والضياء المقدسى وصححه الشيخ الألبانى من حديث أبى أمامة أنه قال: " من أحب وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان" ([2]) هل تحبنى لله؟ هل أنا أحبك لله؟ هل تحب أخاك لله؟ هل تبغض أخاك لله؟ هل تعطى أخا لله؟ هل تمنع أخاك من أخيك لله؟ سل نفسك الآن بصدق. إن عقد الولاء والبراء الآن ليس لله إلا من رحم الله وإنما من أجل رايات ومسميات وجماعات ، فأنا أحب فى الله أخا ينتمى لجماعتى ويجلس معى بين يدى شيخى الذى أتتلمذ على يديه وأتلقى العلم عنه. أما هذا الأخ الصادق المتبع المخلص الناصح الأمين أنا أبغضه، فهو لا يفهم ولا يعى ولا يدرك عن الواقع شيئاً وهو رجل جهول ولا حديث له إلا الحيض ولا يتكلم إلا فى النفاس ولا يجيد إلا فى الرقية، ولا يحسن القول إلا فيما يبكى الناس، ولذا فأنا أبغضه، لا ينتمى إلى جماعتى. مصيبة! هم يحطم القلب نتنياهو يصفع الأمة بالنعال على الأقفية، ولا زال إخواتنا الذين يعملون والذين يرفعون راية الإسلام يوالون ويعادون على مسميات ما تعبدنا الله بها، وما أنزل الله بها من سلطان. هل تحب لله؟ هل تبغض لله؟ هل تعطى لله؟ هل تمنع لله؟ ما الذى جاء بك الآن؟ لماذا أتيت؟ ولماذا لم تأت؟ ولماذا تكلمت؟ ولماذا صَمَت؟ ولماذا أعطيت؟ ولماذا منعت؟ ولماذا ابتسمت؟ ولماذا غضبت؟ ولماذا واليت؟ ولماذا عاديت؟ سل نفسك الآن أيها المسلم هل عملك لله؟ أصدق الله؟ فلو خدعت الخلق لم تخادع الذى يعلم منك السر وأخفى " من أحب لله وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله فقد استكمل الإيمان"([3]). وفى الصحيحين من حديث أنس أنه قال: "ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أ، يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعوذ فى الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى فى النار"([4]). إذا كانت هذه هى حلاوة الإيمان، فإن للإيمان طعماً ، إن للإيمان حلاوة ،"وأن يجب المرء لا يحبه إلا لله"، وفى الصحيحين من حديث أبى هريرة أن النبى قال:" سبعة يظلهم الله فى ظله يوم لاظل إلا ظله" أرجو ألا تقرأ هذا الحديث كلاماً عابراً، فإن هذا يكاد يمزق القلب أن أرى الإخوة يستمعون وكأن الكلام لا يصل إلى القلوب. أنتبه أقول: هؤلاء يظلهم الله فى ظله يوم لا ظل إلا ظله. هل فكرت فى هذه العبارة النبوية ؟ فى يوم ستدنو فيه الشمس من الرؤوس لا عمارات ولا اشجار ولا بيوت، ولا مكيفات، الشمس فوق الرؤوس، تغلي الرؤوس، لا عمارات ولا أشجار، ولا بيوت، ولا مكيفات، الشمس فوق الرؤوس، تغلى الرؤوس من حرارتها، الزحام يكاد وحده أن يخنق الأنفاس، فالبشرية كلها من لدن آدم إلى إلى آخر رجل، قامت عليه الساعة فى أرض المحشر تقف كلها فى أرض واحدة وجهنم تزفر وتزمجر، قد أتى بها لها سبعون ألف زمام مع كل سبعون ألف ملك يجرونها. والحديث رواه مسلم من حديث أبن مسعود فى ظل هذه المشاهد التى تخلع القلب ينادى الله جل وعلا على سبعة من البشر فى أرض المحشر ليظلهم الله فى ظله يوم لا ظل إلا ظله من هؤلاء؟ " إمام عادل وشاب نشأ فى عبادة الله" أسأل الله أن تكون منهم " ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا فى الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه" من منا يعجز عن هذه ؟" ورجلان تحابا فى الله اجتمعا عليه-أى اجتمعا على الحب فى الله وتفرقا على الحب فى الله- ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال- أى: للزنا- فقال: إنى أخاف الله ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه"([5]). اللهم ارزقنا عينا دامعة وقلبا خاشعاً وعملا متقبلاً يا رب العالمين. وفى صحيح مسلم من حديث أبى هريرة أن النبى قال: أن رجلا زار أخا له فى قرية أخرى فأرصد الله له على مدرجته ملكا فلما أتى الملك قال له الملك: أين تريد؟ قال: أريد أخاً لى فى هذه القرية هل لك من نعمة عليه تربها-أى تبتغى زيادتها- قال: لا، غير أنى أحببته فى الله عز وجل فقال له الملك: فإنى رسول الله إليك أخبرك بأن الله قد أحبك كما أحببته" إن فيه متأملاً متدبراً، فمن أنت ليحبك الملك، إن الله يخبرك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه([6]). وفى الحديث الذى رواه أبو داود فى سننه والحاكم فى المستدرك وصححه على شرط الشيخين ورواه الترمذى، وقال: حديث حسن صحيح ورواه مالك فى الموطأ بسند صحيح أن أبا إدريس الخولانى رحمه الله قال: أتيت مسجد دمشق فإذا فتى براق الثنايا الناس من حوله إذا اختلفوا فى شئ أسندوه إليه وصدروا عن رأية، شاب صغير فى حلقة بين الناس فيهم الكبار والصغار، ولكنهم إذا اختلفوا فى شئ سألوا هذا الشاب المبارك فإذا ما أفتاهم أخذوا بقوله وفتواه فقال أبو إدريس: من هذا؟ قالوا: إنه معاذ بن جبل يقول أبو إدريس: فملا كام من الغد هجرت إلى مسجد- أى بكرت إلى المسجد- فوجدت معاذا قد هجر قبلى- سبقنى- ووجدته يصلى، فانتظرت حتى قضى صلاته، فجئته من قبل وجهه، فسلمت عليه ثم قلت: والله إنى لأحبك فقال معاذ: الله؟ فقال أبو إدريس: الله فقال معاذ: الله؟ فقال أبو إدريس: الله. يقول أبو إدريس: فأخذ بحبوة ردائى فجبذنى إليه وقال لى: أبشر فإنى سمعت رسول الله يقول: " وجبت محبتى للمتحابين فى والمتجالسين فى والمتزاورين فى والمتباذلين فى"([7]). وفى الحديث الذى رواه البخارى ومسلم أنه قال: "والذى نفسى بيده لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شئ إذا فعلتموه تحاببتم" قالوا: بلى يا رسول الله قال:" أفشوا السلام بينكم"([8]). سلم على أخيك بصدق وحرارة لا تسلم سلاماً باهتاً بارداً ووجهك فى اتجاه آخر، خذ على يد أخيك بحب، فإنك قد ترى الأخ يمد يده أو طرف أصابعه فى يد أخيه ويلوى عنقه إلى ناحية أخرى لا تشعر بحرارة اللقاء، ولا بإخلاص المصافحة لا تشعر بأن القلب قد صافح القلب، ولا تحس بأن الروح قد سلمت وامتزجت بالروح. والنبى يقول كما فى صحيح مسلم من حديث أبى هريرة قال عليه الصلاة والسلام:" الناس معادن كمعادن الفضى والذهب وخيارهم فى الجاهلية خيارهم فى الإسلام إذا فقهوا والأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف"([9]). قال الخطابى: فالخير يحن إلى الأخيار والشرير يحن إلى الأشرار هذا هو معنى: ما تعارف من الأرواح ائتلف، وما تنافر وتناكر من الأرواح اختلف، لذا لا يحب إلا من هو على شاكلته من أهل الإيمان ولا يبغض المؤمن إلا من هو منافق خبيث القلب: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا}(96) سورة مريم. أى محبة فى قلوب عباده المؤمنين وهذه لا ينالها مؤمن على ظهر الأرض، يعنى لم يضع الله محبتك فى قلوب المؤمنين الصادقين فالقلوب كلها بيد الله كما فى الصحيحين من حديث أبى هريرة:" إذا أحب الله عبدا نادى السماء: يا ÷ل السماء إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم ينادى جبريل فى أهل الأرض: يا أهل الأرض إن الله يحب إنى أبغض فلانا فأبغضه، فيبغضه جبريل وينادى فى أهل السماء: يا أهل السماء إن الله يبغض فلانا فأبغضوه فيبغضه أهل السماء: ثم ينادى فى الأرض: إن الله يبغض فلانا فأبغضوه فيوضع أو فتوضع له البغضاء فى الأرض"([10]) اللهم سلم سلم يا أرحم الراحمين، اللهم عاملنا بفضلك ورحمتك واستر علينا ذنوبنا وعيوبنا بفضلك وكرمك يا إذا الخير لا يميل إلا إلى الأخيار، ولذا لو سافر إنسان حتى بلاد الكفر لو كان مؤمناً صادقاً ، فإن أول ما سيسأل عليه سيسأل عن المسجد أو عن المركز الإسلامى فى هذه الولاية، وسرعان ما يسرع إلى هؤلاء، فتلتقى روحه بأرواح إخوانه. أما الخبيث الذى ذهب للفسق والعربدة بمجرد أن يصل يسأل عن الخمارة عن أماكن الدعارة، اللهم استرنا ولا تفضحنا. فالخير يحن إلى الأخيار والخبيث يحن إلى الخبثاء الأشرار "فما تعارف منها" أى من الأرواح " ائتلف وما تناكر منها اختلف". أحاديث كثيرة فى الحب فى الله ولا زلنا مع الحق الأول فقط من حقوق الأخوة، الصادقة فى الله جل وعلا، لكن أرجو أن ننتبه إلى أن المرء لن يحشر يوم القيامة إلا فتش عن قلبك الآن هل تحب الممثلين والممثلات؟ ستحشر معهم هل تحب الساقطين والساقطات واللاعبين واللاعبات؟ ستحشر معهم أو تحب الأطهار والأخيار والأبرار ابتداء من نبيك المختار وصحابته الأبرار؟ ستحشر معهم. ففى الصحيحين([11]) من حديث أنس جاء أعرابى إلى النبى فقال: يا رسول الله متى الساعة؟ قال: " وماذا أعددت لها؟" قال: ما أعددت لها كثير عدد إلا أنى أحب الله ورسوله قال المصطفى :" المرء مع من أحب". يقول أنس: فما فرحنا بشئ كفرحنا بقولة رسول الله :" المرء مع من أحب" ثم قال أنس: وأنا أحب رسول الله وأبا بكر وعمر، وأرجو الله أن يحشرنى معهم، وإن لم أعمل بمثل أعمالهم. ونحن نحب رسول الله وأبا بكر وعمر وعثمان وعليا وجميع أصحاب الحبيب النبى ، وتتبرع إلى الله بفضلة لا بأعمالنا أن يحشرنا معهم بمنه وكرمه وهو أرحم الراحمين، فالمرء مع من أحب يوم القيامة، فتش عن قلبك الآن وأرجو أن تأخذ كلامى مأخذ الجد، فأنتم تتابعون وتعلمون أن هناك من النساء من انتحرت من أجل العندليب الأسود، ومن الرجال من يصرخون صرخة تذهب فيها الحياة ضائعة فى إستاد رياضى إذا مُنى فريقة بهزيمة ، نقشت المحبة على جدران القلوب، والله جل وعلا يقول: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا} (165) سورة البقرة. اللهم املأ قلوبنا بحبك وحب نبيك وحب الأولياء الأصفياء برحمتك فنقب عن قلبك الآن أيها المسلم! ونقبى عن قلبك أيتها المسلمة من تحبين؟ هل تحب الله ورسوله والمؤمنين وتبغض الشرك والمشركين والمنافقين والمجرمين؟ "الحب فى الله، والبغض فى الله، أوثق عرى الإيمان" وأول حق للأخوة هو الحب فى الله والبغض فى الله. ومن السنة إذا أحب الرجل أخاه أن يخبره كما فى الحديث الصحيح الذى رواه أبو داود من حديث المقداد بن معد يكرب أن النبى قال: من أحب أخاه فليخبره"([12]). وفى الحديث الصحيح الذى رواه أبو داود وأحمد وغيرهما من حديث معاذ بن جبل أن النبى أخذه يوما من يده وقال:" يا معاذ" قال: لبيك يا رسول الله وسعديك قال المصطفى :" والله إنى لأحبك" فقال معاذ: بأبى أنت وأمى يا رسول الله، ووالله إنى لأحبك قال المصطفى : "فلا تدعن دبر كل صلاة أن نقول: اللهم أعنى على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك"([13]). وفى الحديث الصحيح الذى رواه أبو داود من حديث البراء بن عازب أن رجلاً كان عند النبى فمر عليه رجل فقال: يا رسول الله، والله إنى لأحب هذا الرجل، قال له المصطفى :" علمه"([14]) فانطلق الرجل وراءه وقال: يا أخى والله إنى لأحبك فى الله فقال له: أحبك الذى أحببتنى له. وامتثالاً لهذا الأمر النبوى الكريم، فإنى أشهد الله أننى أحبكم جميعا فى الله وأسال الله أن يجمعنا مع المنحابين بجلاله فى ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، إنه ولى والقادر عليه. الحب فى الله والبغض فى الله، ما أحوج الأمة إليه اليوم، بل ما أحوج الإخوة الذين يعملون الآن للإسلام إليه اليوم، أن تحب أخاك لله، لا من أجل أنه ينتمى لجماعتك لا من أجل أنه يجلس معك بين يدى شيخك الذى تتلمذ على يديه. بل تحب أخاك لاتباعه، تحب أخاك لصدقه ؛ لأن قلبه يحترق على الأمة، وعلى دين الله، حتى ولو لم تعرفه حتى ولو كان فى أقصى الشرق، وفى أقصى الغرب تسمع أخاً من إخوانك الدعاة، حتى ولو لم تره عينك إن وجدت صدقة، ولمست إخلاصه، فيجب عليك أن تشهد الله على حبك له، ليس بالضرورة أن يكون هذا الداعية هو شيخك الذى تتلقى العلم على يديه. فما أحوجنا الآن إلى الحب فى الله وإلى البغض فى الله، واعلموا بأنه لا يتم لواحد منا إيمان كامل إلا إن أحب فى الله وأبغض فى الله، الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين، والبراء من الشرك والمشركين أصل كبير من أصول عقيدة التوحيد، غاب هذا الأصل، مع غياب عقيدة التوحيد بشمولها وكمالها. الحق الثانى من حق الأخ على أخيه، ألا يحمل الأخ لأخيه غلاً فى صدره ولا حقداً، ولا حسداً ، لماذا ؟ المؤمن سليم الصدر، المؤمن طاهر النفس، زكى النفس، تقى القلب المؤمن ينام على فراشه فى آخر الليل، وهو يشهد الله فى عليانه أنه لا يحمل ذرة غل أو حقد أو حسد لمسلم على وجه الأرض، والنبى يقول كما فى الصحيحن من حديث أنس:" لا تباغضوا ولا تقاطعوا ولا تدابروا ولا تحاسدوا وكونوا عباد الله إخواناً"([15]). فالحقد والحسد من أخطر أمراض القلوب، يرى الأخ أخاه فى نعمة فيحقد عليه ويحسده، ونسى هذا الجاهل أنه ابتداء لم يرضى عن الله الذى قسم الأرزاق، فمن الذى وهب؟ إنه الله، من الذى أعطى هذا العلم؟ وأعطى هذا المال؟ وأعطى هذه الزوجة الصالحة؟ وأعطى هذا الولد الطيب؟ وأعطى هذا الحلم؟ وأعطى هذا الفضل إنها أرزاق، قسمها الرزاق، فإن الذى يحسد إخوانه إنما هو فى حقيقة الأمر معترض على الله جل جلاله، فليتق الله وليتب إلى الله، وليعد إلى الله سبحانه وليسأل الله الذى وهب أن يعطيه من عظيم فضله وعظيم عطائه، كما أعطى إخوانه من عظيم فضله وواسع عطائه. الحسد من خصال اليهود، كل ينقب الآن فى قلبه، ابحث فى قلبك يا من تقرأ لى الآن، ويا من تقرأ لى بعد ذلك فأنا لم أخاطبكم أنتم فقط، بل أخاطب ملايين الأمة ممن يقرؤون، كل ينقب فى قلبه هل برأ قلبك من الحقد؟ هل طهر قلبك من الغل؟ هل طهر قلبك من الحسد؟ هل رددت مع هؤلاء الصادقين:{وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} (10) سورة الحشر. ردد مع هؤلاء بصفاء وصدق وعمل {وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ* وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ}(10) سورة الحشر. لماذا الحقد والحسد وصاحب الفضل هو الله؟ والذى يقسم الأرزاق بعدله هو الله، هل تشك فى عدل الله؟ سل الله من فضله الذى أعطى إخوانك أن يعطيك من فضله، وهو الواسع العليم. الرسول وهو صاحب أسلم صدر على وجه الأرض، وصاحب أطهر قلب كان يأمر أصحابه ألا يخبروه شيئاً عن أصحابه حتى يخرج إلى الجميع، وهو يحمل للجميع صدراً سليما وقلبا طاهراً نقياً، أخلاقيات لا توجد الآن إلا بين القلة القليلة من الموحدين الذين عرفوا قدر الأخوة الصادقة فى الله. الحق الثانى: طهارة القلب والنفس: الحق الثالث: التورع فى القول من حق أخيك عليك إن لم تستطع أن تنفعه بمالك، فكف عنه لسانك، وهذا أضعف الإيمان. تورع فى القول من حق أخيك عليك إن لم تستطع أن تنفعه بمالك، فكف عنه لسانك، وهذا أضعف الإيمان، تورع فى القول، فإن ترك الألسنة تلقى التهم جزافا دون بينة أو دليل يترك المجال فسيحاً لكل من شاء أن يقول ما شاء فى أى وقت شاء؛ فتصبح الجماعة وتمسى، وإذا أعراضها مجرحة، وسمعتها ملوثة، وإذا كل فرد فيها متهم، أو مهدد بالاتهام، وهذه حالة من القلق والشك والريبة لا يمكن أن تطاق بحال من الأحوال. كيف يعيش مسلم فى هذه البيئة يخرج وهو متهم أو خائف من أن يتهم؟ لأنه يرى إخوانه يراقبونه ويرصدونه ويقفون له فى كل كلمة وعلى كل سلوك بالمرصاد، يعيش حالة قلق واضطراب. فتورع فى القول عن إخوانك فإن اللسان من أخطر جوارح هذا الجسم قال الله جل وعلا: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (19) سورة النــور، قال الله جل وعلا: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ} (23، 25) سورة النــور . تورع عن إخوانك، أمسك عليك لسانك، تورع عن العلماء، تورع عن الخوض فى أعراض كواكب الأمة، ومصابيح الدجى، وأئمة الهدى، تورع عن الخوض فى أعراض الشيوخ، تورع عن الخوض فى أعراض الإخوة والأخوات، اتق الله فوالله ما من كلمة يتلفظ بها لسانك إلا وهى مسطرة عليك فى كتاب عند الله لا يضل ربى ولا ينسى. ففى الصحيحين من حديث أبى هريرة أنه قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت"([16]). وفى الصحيحين من حديث أبى موسى أنه سئل: يا رسول الله أى المسلمين أفضل؟ قال:" من سلم المسلمون من لسانه ويده"([17]). وفى الصحيحين من حديث أبى هريرة واللفظ للبخارى أنه قال:" إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقى لها بالا فيرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقى لها بالا، فيهوى بها فى جهنم"([18]). والعياذ بالله. وأختم هذه الطائفة النبوية الكريمة بهذا الحديث الذى يكاد يخلع القلب، والحديث رواه الطبرانى وقال عنه شيخنا الألبانى فى السلسلة الصحيحة: حديث صحيح بمجموع طرقه قال :" من قال فى مؤمن ما ليس فيه أسكنه الله ردغة الخبال" قيل: ما ردغة الخبال؟ قال:" عصارة أهل النار حتى يخرج مما قال وليس يخارج"([19]). والله والله لو نحمل فى قلوبنا إيمانا، ذرة إيمان ونسمع حديثاً من هذه الأحاديث، للجم الإنسان لسانه بألف لجام قبل أن يتكلم كلمة ولكنه لا أقول ضعف الإيمان، بل إنا لله وإنا إليه راجعون. الحق الرابع من حقوق الأخوة: الإعانة على قضاء حوائج الدنيا على قدر استطاعتك: فمن حق الأخ على أخيه إن إستطاع أن يعينه فى أمر من أمور الدنيا أن لا يبخل عليه ويجب على الأخ أن يحسن الظن بأخيه، إن طلب منه أمراً من أمور الدنيا وعجز الأخ عن أن يساعده فيه، يجب أن يحسن الظن بأخيه وألا يتهمه فى أنه وضيع، هذه حياة الأخوة. النبى يقول كما فى صحيح مسلم من حديث أبى هريرة،" من نفس عن مؤمن كرية من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه فى الدنيا والآخرة ، ومن ستر مسلماً ستره الله فى الدنيا والآخرة، والله فى عون العبد ما كان العبد فى عون أخيه"([20]) فيا أخى المسؤول يا من الله عليك بمنصب، ويا من من الله عليك بمال، ويا من من الله عليك بوجاهة أو جاه إن استطعت أن تنفع إخوانك، أن تنفع إخوانك أفعل، لا تبخل وبالمقابل يجب على الإخوة أن لا يكلفوا إخوانهم ما لا يطيقون فإن كلفوهم فعجزوا فليعذروهم وما أجمل أن يقول الأخ لأخيه: أخى فى الله أسأل الله أن يجعلك مفتاح خير، وهذه حاجتى إليك فإن قضيتها حمدت الله وشكرتك وإن لم تقضها حمدت الله وعذرتك هذه هى الأخوة. الحق الرابع: أن تعين فى حوائجهم الدنيوية على قدر استطاعتك: فإن الله جل وعلا يقول: { لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا } (233) سورة البقرة. وأنا لا أظن البتة أن يسمع مسلم يستطيع أن ينفع إخوانه هذا الحديث الواحد فقط ويتخلى بعد ذلك عن أن ينفعهم ولو بكلمة طيبة ولو بشفاعة مخلصة، فإن المحروم من حرمه الله من هذا الفضل أسأل الله أن لا يحرمنا وإياكم من فضله. الحق الخامس: من حقوق الأخوة: التناصح: المؤمنون نصحة، والمنافقون والمشركون غششة. وفى صحيح مسلم من حديث أبى رقية تميم الدارى رضى الله عنه أن النبى قال:"الدين النصيحة" تصور يلخص النبى الدين فى هذه الكلمة "الدين النصيحة" قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: " لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم"([21]) لكن أتمنى من الله أن يعي إخوانى الضوابط الشرعية للنصيحة. قال الشافعى: من نصح أخاه بين الناس، فقد شانه، ومن نصح أخاه فيما بينه فقد ستره وزانه، فقد يأتى أخ لينصحك، فتشم من رائحة نصيحته الحقد والغل ولا الناصح رقيق القلب، الناصح الصادق مخلص القلب، نقى السريرة، يحب لأخيه ما يحب لنفسه، فإن رأى أخاه فى عيب وإن رأى أخاه على معصية، وإن رأى أخاه على خطأ دنا منه، وتمنى أن لو ستره بجوارحه، لا بملابسه بجوارحه، ثم قال له: حبيبى فى الله هذه نصيحتى لك يكللها الحب والصدق والإخلاص والغيرة، فأنا لا أحب أن يظهر خطؤك للأخرين وأبين له النصيحة بأدب ورحمة وتواضع. أما أن يأتى أخ لينصحك أو أن يرسل إليك رسالة بحجة أنها نصيحة، فترى التوبيخ والتقريع وسوء الأدب ويخرج هذا المسكين، وهو يظن بين نفسه أنه ناصح أمين وهو خبيث القلب، لم ينصح بل تقدم ليؤذى أخاه، بل ويتهم أخاه بل والله ليسطر بعض التهم دون بينة أو دليل، ويزعم أنه نصح فلانا من الناس كذب، النصيحة لها آداب ولها ضوابط ولها شروط، فلتشعر أخاك وأنت تنصحه بحبك له بتواضعك بخفضك لجناح الذل له {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ } (29) جلس رجل فى مجلس عبد الله بن المبارك الإمام المجاهد التقى العابد الورع فاغتاب أحد المسلمين فقا له عبد الله بن المبارك: يا أخى هل غزوت الروم؟ قال: لا، فقال: هل غزوت فارس؟ قال: لا ، فقال عبد الله بن المبارك : سلم منك الروم وسلم منك فارس، ولم يسلم منك أخوك. يا لها من مصيبة! ويا له من عار ! نجلس فقط ونتفنن ونتحذلق فى تصيد أخطاء بعضنا البعض، ويجلس الأخ منتفخاً منتشياً، وهو يتكلم عن أخيه، كأنه يتكلم عن مشرك كأنه لا يتكلم عن أخ يربط بينه وبينه رباط الإسلام ورباط الحب فى الله، يتمنى أن لو ذبح أخاه وشفاه، وينشر لحمه بين الناس. أين الأخوة؟ والله إن القلب ليتمزق، وهذا الذى أحكى عنه بين الإخوة الذين يعملون على الساحة للإسلام فما ظنكم بما يحدث بين العوام بين المسلمين؟ والله إننا لا نستحق تمكيناً، والله لا نستحق نصراً، والله لا نستحق رفعة ولا عزة. إن لله سنناً ربانية فى الكون، لا تحابى هذه السنن أحداً من الخلق بحال، مهما ادعى لنفسه من مقومات المحاباة، إطلاقاً. اليهود فى العالم كله يشعر بعضهم ببعض، ويأتى أصحاب الأموال من قلب نيويورك ليقيموا مستوطنات لإخوانهم من اليهود فى القدس، ويذهب أثرياء العرب إلى الشرق، والغرب لينفق داعر على عاهرة فى ليلة ما يزيد على عشرة آلاف دولار، فى ليلة ، وهذا رقم بسيط جداً أقول: إن لله سنناً ربانية فى الكون لا تحابى هذه السنن أحداً من الخلق بحال، مهما ادعى لنفسه من مقومات المحاباة قال تعالى: {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (40) سورة الحـج. الحق الخامس: من الحقوق التى يجب أن نعيدها الآن فى حياتنا إلى واقع عملى بضوابطه الشرعية: التناصح أن تنصح أخاك بأدب وتواضع، وحكمة ورحمة، وأسجل عليكم يا طلاب العلم، إذا كانت النصيحة لشيخ من شيوخكم أو لعالم من علمائكم، إياك أن تنسى قدرتك وإياك أن تغض الطرف عن فضل شيخك، فليس هذا من الأدب، ووالله لا بركة فى عملك، ولا فيما تعلمت إن كنت ممن يسىء الأدب لمن علمك عن الله، وعن رسول الله. وأرجو أن تعلموا جميعاً: لا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا ذوو الفضل، فاعرف قدر شيوخك وكل يعرف قدر نفسه، وإن بذلك نصيحة فابذل فهذا حق الدين وحق الأخوة، أن تنصح أخاك لكن بضوابط النصيحة وشروطها، فيا ليت أن تكون عالماً بضوابط النصيحة الشرعية، سل عنها وتعلمها قبل أن تبذل النصيحة لأحد إخوانك فبدلاً من أن تنصحه، تقع فى فضيحته أسأل الله أن يستر علينا وعليكم فى الدنيا والآخرة. الحق السادس من حقوق الأخوة: التناصر: " انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً" قالوا: يا رسول الله عرفنا كيف ننصره مظلوما فكيف ننصره ظالما؟ قال:" أن تكفه عن الظلم فذاك نصره"(http://www.mohamedhassan.org/RTB/AddWrittenDataRTB.aspx?hCategoryI
عدد زيارات الموقع |
ساحة النقاش