أبو سيرين الشافعى

ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَة والمَوْعِظَة الحسنة

الميت المسلم إذا مات وجب على طائفة من المسلمين أن يسارعوا إلى غسله فالغسل واجب ؛ لقول النبى r كما فى قصة المحرم " اغسلوا بماء وسدر "

ولقد ذكرت الحديث بطوله، ولقول النبى r كما فى قصة ابنته زينب :

" اغسلنها ثلاث "  والأمر كما هو معلوم عند جمهور أهل العلم للوجوب ما لم تأت قرينه تصرف الأمر من الوجوب إلى الندب والاستحباب.

فالنبى r لما ماتت زينب – رضى الله عنها – قال : " اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو سبعا أوأكثر من ذلك " فكأن الأمر متروك إلى القائم بالغسل، يعنى إن احتجتن إلى الزيادة فلا حرج فى ذلك وسأقف عند الحديث إن شاء الله تعالى بتمامه.

لكن يراعى فى الغسل هذه الأمور :

        أولاً : غسل الميت ثلاثا ، أو أكثر بحسب ما يرى القائم على الغسل.

أن تكون الغسلات وترا، إما ثلاثا أو سبعا أو خمسة أو تسعا، إن احتاج إلى الزيادة.

إذا كان الغسل لامرأة ينقض شعرها ويغسل غسلاً جيداً وأيضاً أن يقرن مع بعض الماء سدر ، أو ما يقوم بدلاً منه من وسائل التنظيف كالصابون مثلاً .

وأيضاً أن يخلط فى آخر غسله شيئاً من الطيب مع الماء والكافور أولى.

وأن يسرح شعر الميت بعد الغسل، وأن يسرح شعر المرأة ، وأن يجعل فى ثلاثة ضفائر، وتلف الضفائر خلف ظهرها.

وأن يبدأ المغسل بميامن المتوفى، ومواضع الوضوء منه.

وأن يتولى غسل الرجال الرجال، وغسل النساء النساء إلا ماا استثنى كما سأوضح فيجوز للرجل أن يغُسل امراته، ويجوز للمرأة أن تغُسل زوجها هذا هو الراجح.

خذ الأدلة على هذه الأحكام السريعة : كما فى حديث أم عطية – رضى الله عنها – فى الصحيحن والسنن قالت : دخل علينا النبى r ونحن نغسل ابنته فقال :  " أغسلنها ثلاثا أو خمسا أو سبعا أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك "

قد يكون المتوفى قد توفى فى حادث، ويحتاج إلى مزيد من تكرار، لا حرج ولا بأس.

فقالت أم عطية  : قلت : وترا ؟ قال : " نعم واجعلن فى الآخرة " أى آخر غسلة " كافورا أو شيئاً من كافور فإذا فرغتن فآذننى "  فلما فرغنا آذناه أى : أخبرناه فألقى إلينا حقوه أى : إزاره r الإزار الذى كان يئتزر به رسول اللهr ألقاه إليهن فألقى إلينا حقوه فقال : " أشعرنا إياه" (1) يعنى : اجعلوا هذا الإزار على جسدها من موطن الشعر، وكأن النبى r أراد أن يكون إزاره هو أول شيئ يوضع على جسد زينب قالت : ومشطناها ثلاثة قرون يعنى : جعلن لها ثلاث ضفائر، فضفرنا شعرها ثلاثة أثلاث: قرنيها وناصيتها وألقيناه خلفها قالت: وقال لنا r : "ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها "(2)

أعتقد أن هذا الحديث قد شمل كل الأحكام أو احتوى على كل الأحكام التى ذكرتها آنفاً .

أيضاًَ : أن يقوم المغُسل بغسل الميت بخرقه يعنى : لا تمس يد المغسل جسد المتوفى – أو بنحوها، وأن يغسل جسده كله تحت ساتر، وأن يمد يده من تحت الساتر بالخرقة، أوبغير ذلك، وأن يغسل جسد الميت، فإن العمل كان على عهد النبى r كذلك.

كما يفيد حديث عائشة قالت – والحديث رواه أبو داود والحاكم وصححه على شرح مسلم والبيهقى وأحمد بسند صحيح- قالت عائشة : لما أردوا غسل النبى r قالوا: والله ما ندرى أنجرد رسول الله من ثيابه كما نجرد موتانا أم نغسله وعليه ثيابه؟.

قالت : فلما اختلفوا ألقى الله عليهم النوم، فناموا تقول عائشة: حتى ما منهم رجل قد فاق إلا وذقنه فى صدره ثم كلمهم مكلم من ناحية البيت، لا يدرون من هو نادى عليهم وهو يقول : اغسلوا النبى r وعليه ثيابه ولا تجردوه فقاموا إلى رسول 
الله r فغسلوه، وعليه قميصه يصبون الماء فوق القميص ويدلكونه بالقميص، دون أيديهم، وكانت عائشة – رضى الله عنها – تقول : لو استقبلت من أمرى ما استدبرت ما غسل النبى r إلا نساؤه.(1)

يستثنى من الطيب والغسل المحرم ، لأن النبى r قال :(لاتحنطوه) وفى رواية:(لاتطيبو) وقد ذكرت قصة الرجل الذى سقط من على ناقته وهو محرم 
قال r (لاتطيبوه فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً) (2) لقوله r : " يبعث كل عبد على ما مات عليه " (3) فالذى مات بلباس الإحرام وهو يلبى يبعث يوم القيامة وهو يلبى ، اللهم أرزقنا حسن الخاتمة يارب العالمين.

ويستثنى أيضاً كما ذكرت الزوجان : فيجوز للرجل أن يغًسل امرأته، ويجوز للمرأة أن تغُسل زوجها، والدليل على ذلك عن عائشة قالت : لو استقبلت من أمرى ما استدبرت ما غسل النبى r إلا نساؤه.        

وعنها أيضاً قالت : رجع إلى رسول الله   rمن جنازة بالنقيع، وأنا أجد صداعا فى رأسى، وأقول : وارأساه فقال لها النبى r مداعباً : " بل أنا وارأساه يا عائشة " ثم قال لها مداعباً : " ما ضرك لو مت عنى فغسلتك وكفنتك ثم صليت عليك ودفنتك "(1) فهذا دليل على جواز أن يغُسل الرجل امرأته.

والحديث رواه أحمد وابن ماجه والدرامى والدرامقطنى والبيهقى وغيرهم.

وفى الحديث عند كل هؤلاء محمد بن إسحاق وقد عنهن إلا فى رواية ابن هشام فالحديث أيضاً رواه ابن هشام فقد صرح بالتحديث فثبت الحديث كما قال شيخنا الألبانى غير أن الحافظ ابن حجر قد ذكر فى " التلخيص " أن محمد بن إسحاق قد تابعه عليه صالح بن كيسان عند أحمد والنسائى فقال شيخنا الألبانى : بل هو عند أحمد ، لكن ليس فيه التصريح بالغسل.

أيضاً : يتولى غًسل الميت من كان أعرف الناس بسنة الغُسل لا سيما إن كان من أهل المتوفى، ومن أقاربه ؛ لأن الذين تولوا غسل النبى r : علىَ ، والفضل ابن العباس ، وأسامة بن زيد الحب بن الحب (2).

يقول على – رضى الله عنه : غسلت رسول الله r فجعلت أنظر ما يكون من الميت فلم أر شيئاً، وكان رسول الله طيباً حياً وميتاً (1)

        قال أبو بكر – لما دخل عليه وقبله بين عينيه قال : أما الموتة التى قد كتبها الله عليك فقد ذقتها، فلا ألم عليك بعد اليوم. وفى لفظ قال : طبت حياً وميتاً يا رسول الله.

        أما من تولى غًسل الميت فه أجر عظيم بشرطين :

الأول : أن يستر على الميت ألا يظهر شيئاً من عوارته التى اطلع عليها أثناء الغًسل.

الميت له عورات فعند الموت تنكشف الحقائق، يستطيع الإنسان فى الدنيا أن يخادع وأن ينافق، لكن إذا نام على فراش الموت تجلت كل الحقائق، فهو يرى الملائكة، يرى ملك الموت، ويعاين مقعده فى الجنة أو فى النار وهو بيننا، تجلس إلى جواره، فترى وجهاً قد أسود، ترى لساناً قد انطلق بقول لا إله إلا الله، وترى لساناً قد عُقد، لا يقدر على قول لا إله إلا الله.

كنت أزور أخاً من إخواننا المسلمين منذ فترة ، وأصر على أن أذهب إلى زيارته، فذهبت بعد انتهاء محاضرة فى مسجد التوحيد، فدخلت عليه وهو يحتضر، وقلت لإخوانى ذلك : أنه يحتضر، وأهله لا يعرفون، وسبحان ربى العظيم، ذكرته بالله فتذكر فظل يردد خلفى قوله : الحمد لله ، الحمد لله ، الحمد لله ، وما أنا خرجت من البيت وإذ بالإخوة يتصلون بى ويقولون : لقد فارق الدنيا على قول الحمد لله، اللهم ارزقنا حسن الخاتمة إنما الأعمال بالخواتيم.

فقد نرى رجلاً بليغاً فصيحاً ملأ الدنيا جعجعة وكلاما وطحيناً وطحناً، فإذا نام على فراش الموت ما استطاع لسانه هذا أن يردد قوله : لا إله إلا الله.

        قال تعالى : {يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاء} (27) إبراهيم فعلى المغسل أن يستر الميت وألا يظهر شيئاً من عوراته، وله أجر عظيم قال النبى r : " من غسل مسلماً فكتم عليه غفر الله له أربعين مرة ".

وفى رواية : " غفر الله له أربعين كبيرة " . " ومن حفر له فأجنه " أى ستره " أجرى عليه كأجر مسكن أسكنه إياه إلى يوم القيامة ومن كفنه كساه الله يوم القيامة، من سندس واستبرق الجنة "(1)

الحديث رواه الحاكم والبيهقى من حديث أبى رافع، وقال الحاكم : صحيح على شرح مسلم، ووافقه الذهبى وقال شيخنا الألبانى : وهو كما قالا – أى كما قال الذهبى والحاكم – قد رواه الطبرانى بلفظ : " من غسل مسلماً فكتم عليه غفر الله له أربعين كبيرة " (2)

قال المنذري: ورواته محتج بهم في الصحيح.

وقال الحافظ ابن حجر: إسناده قوي.

الشرط الثاني: أن يبتغي المغسل بغسلِه وجه الله تعالى، لا يريد به جزاء ولا شكورا ولا شيئا من أمور الدنيا، فالله تعالى لا يتقبل من الأعمال إلا ما كان خالصاً لوجهه الكريم صواباً على هدى نبيه r.

قال تعالى: {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} (110) الكهف.

وقال r: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد عليه"(1) أي مردود عليه لا قبول له من الله عز وجل.

ولقول النبي r: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى"(2). الحديث.

ولقوله r : "بشر هذه الأمة بالثناء والتمكين في البلاد والنصر والرفعة في الدين، ومن عمل منهم بعمل الآخرة للدنيا فليس له في الآخرة من نصيب"(3)أي في الأجر.

وهذا الحديث الذي ذكرت رواه أحمد في زوائد المسند وابن حبان في صحيحه وهو صحيح الإسناد كما قال الحاكم في المستدرك ووافقه الذهبي، وقال شيخنا الألباني: إسناده صحيح على شرط الإمام البخاري.

وعن أبي أمامة – رضي الله عنه – قال: جاء رجل إلى النبي r فقال: يا رسول الله أرأيت رجلا غزا يلتمس الأجر والذكر – أي الثناء والمحمدة عند الناس – فماله؟ فقال: "لا شيء له" فأعادها ثلاث مرات، ثم قال: "إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا وابتغى به وجهه"(1).

تريد أجراً وذكراً عند الناس، لا شيء لك "إن الله أغنى الأغنياء عن الشرك من عمل عملاً أشرك فيه غيري تركته وشركه" واللفظ في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة.

وفي رواية ابن ماجه: "وأنا بريء وهو للذي أشرك"(2).

يعني رجل جاء يصلي أو يحضر مجلس علم لكي يستفيد الأجر أن يقول للناس: إنني طالب علم، أو شيخ يريد أن يقال له: عالم، هذا لا أجر له عند الله في الآخرة، اللهم ارزقنا الصدق والإخلاص في الأقوال والأعمال والأحوال، ولا تجعل للشيطان في أقوالنا وأحوالنا وأعمالنا حظاً ولا نصيباً يا كبير يا متعال.

النية خطيرة جدا، قد يعمل الرجل عملاً عظيماً جداً، وهو عند الله حقير وقد يعمل الرجل عملا حقيراً جداً في أعين الناس، وهو عند الله عظيم، فالذي يعلم النيات والسر وأخفى هو رب الأرض والسماوات. اللهم ارزقنا الصدق والإخلاص في القول والعمل.

أيضا: يُستحب لمن غَسل الميت أن يغتسل، ليس على سبيل الوجوب 
لقوله r: "من غسل ميتا فليغتسل، ومن حمله فليتوضأ"(1).

الحديث رواه أبو داود، والترمذي وحسنه، وابن حبان وأحمد من طرق عن أبي هريرة وبعض طرقه حسن، وبعضه صحيح على شرح مسلم كما قال الألباني – رحمه الله تعالى – قال الشيخ الألباني: وقد صحح الحديث ابن القطان وكذلك ابن حزم في المحلى، وكذلك الحافظ ابن حجر في التلخيص ثم قال: أسوأ أحواله أن يكون حسنا. فيقول الشيخ ناصر: وظاهر الأمر يفيد الوجوب وإن لم نقل به، وقد وردت قرائن تصدق هذا الأمر من الوجوب إلى الندب من بين هذه القرائن:

أنه r قال – كما في الحديث الذي رواه الحاكم في المستدرك من حديث ابن عباس وقال الحاكم: صحيح عن شرح البخاري، ووافقه الذهبي بل وقال الحافظ ابن حجر في التلخيص: حسن الإسناد قال r: "ليس عليكم في غسل ميتكم غسل إذا غسلتموه فإن ميتكم ليس بنجس فحسبكم أن تغسلوا أيديكم"(2) هذه قرينة.

فالأمر الأول على سبيل الندب والاستحسان وليس على سبيل الوجوب ولقول ابن عمر – رضي الله عنه – قال: كنا نغسل الميت فمنا من يغتسل، ومنا من لا يغتسل، الأمر فيه سعة.

والأثر عن ابن عمر رواه الدارقطني والخطيب في تاريخه بإسناد صحيح، كما قال الحافظ ابن حجر، وأشار إلى ذلك أيضا الإمام أحمد – رحم الله الجميع -.

أما الشهيد في المعركة: فلا يغسل ولو مات جنباً، ولا يحتج على هذا بحنظلة، ولا بحمزة في بعض الروايات، فإن الذي غسل حمزة بن عبد المطلب وحنظلة هم الملائكة، هذه كرامة من الله لحمزة ولحنظلة لكن هذا لم يلزم النبي rأصحابه أن يغسلوا الشهداء ؛ لقول النبي r كما في صحيح البخاري وسنن أبي داود والنسائي والترمذي وغيرهم 
قال r كما في حديث جابر: "ادفنوهم في دمائهم"(1) هذا قاله يوم أحد ولم يأمر بغسلهم قال r: "أنا شهيد على هؤلاء لفوهم في دمائهم" الثوب الذي قتل فيه يدفن فيه "فإنه ليس جريح يجرح في الله" هذا قيد لابد منه، قد يجرح جريح في سبيل قومية أو وطنية أو زعامة أو شهرة أو مال؛ الله أعلم بالنيات "إلا جاء يوم القيامة وجرحه يدمي لونه لون الدم وريحه ريح المسك".

أيضا من الأدلة على ذلك ما رواه مسلم من حديث أبي برزة – رضي الله عنه – كان في غزوة له فأفاء الله عليه – يعني من الغنائم – فقال النبي rلأصحابه: "هل تفتقدون من أحد؟" قالوا: نعم، فلانا وفلانا وفلانا، ثم قال r: "هل تفقدون من أحد؟" قالوا: لا فقال r : "لكني أفقد جليبيبا" صحابي من الصحابة اسمه جليبيب "فاطلبوه" فطلب في القتلى، فوجدوه إلى جنب سبعة قتلهم.

ثم قتلوه، فأتاه النبي r فوقف عليه – أي إلى جوار رأسه فقال r: "قتل سبعة ثم قتلوه" اسمع هذه الشهادة الجميلة قال r: "قتل سبعة ثم قتلوه هذا مني وأنا منه" هذا مني يمكن أن تكون مقبولة وجميلة، لكن انظر إلى الثانية: "وأنا منه".

والنبي r هو الذي يقول: "هذا مني وأنا منه" وكررها مرتين "هذا مني وأنا منه" أو ثلاثا ثم قام النبي بذراعيه هكذا – مد يديه فبسطهما – قال: فوضعوا جليبيبا على ساعدي رسول الله r ليس له سرير إلا ساعدي النبي r (1) انظر إلى الكرامة.

كان النبي r قوياً.

كان إذا حمى الوطيس واشتدت المعركة وفر الشجعان والأبطال، وخطبت السيوف والرماح على منابر الرقاب وقف الحبيب ينادي بأعلى صوته: "أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب" .

ولما سمعوا بحريق شب خرجوا وهرعوا، فوجدوا رجلاً يركب دابته بغير سرج، فلما اقتربوا منه وجدوه النبي r(2).

قال: فحفر له ووضع في قبره، ولم يذكر غسلا: وهذا هو الشاهد: أن النبي r لم يأمر بغسل جلبيبيا؛ لأنه قتل في غزوة أحد. والحديث رواه مسلم.

أيضا ما روه أبو داود والحاكم والترمذي وغيرهم بسند صحيح على شرح مسلم، كما قال الحاكم وأقر الحاكم الذهبي والنووي من حديث أنس: أن شهداء أحد لم يغسلوا دفنوا بدمائهم ولم يصل عليهم – إلا حمزة (1).

فعن عبد الله بن الزبير في قصة أحد واستشهاد حنظلة قال: قال رسول 
الله r: "إن صاحبكم تغسله الملائكة فاسألوا صاحبته" يقصد زوجة حنظلة.

النبي r رأى حنظلة تغسله المئكة "فاسألوا صاحبته" أي زوجته فقالت لمن سألها: لقد خرج وهو جنب لما سمع الهائعة وهو الصوت الذي يفزع منه، حينما سمع الصوت ينادي: حي على الجهاد، يا خيل الله اركبي، تقول خرج وهو جنب لما سمع الهائعة فقال رسول الله r: "لذلك غسلته الملائكة".

هذا حكم لا يحتج به على أن الشهداء يغسلون، لا، هذه كرامة من الله تعالى لحنظلة، فهو شاب نام مع امرأته وجامع أهله، وهو بين أحضان عروسه، سمع صوت المنادي: يا خيل الله اركبي، حي على الجهاد، فلم يمهله الوقت، ولم يتأخر؛ ليغتسل ويرفع عن نفسه الجنابة، وإنما قام من فراه مسرعا فزعا؛ لينال شرف الصف الأول خلف 
النبي r وفي أرض المعركة قتل، وهو جنب فرأى النبي r الملائكة تغسله.

وفي بعض الروايات "بين السماء والأرض أو بماء من الجنة، وطست من الجنة" لكن الرواية الثابتة قول r: "لذلك غسلته الملائكة"(2).

والحديث رواه ابن حبان والحاكم والبيهقي بإسناد جيد كما قال المنذري في المجموع شرح المهذب، وكذلك صححه الحاكم وأقر الحاكم الذهبي وقال: صحيح على شرط مسلم.

أما حديث حمزة فالحديث رواه الطبراني في معجمه الكبير بسند حسن كما قال الهيثمي في المجمع، ورواه الحاكم أيضا، وقال: صحيح الإسناد وتعقبه الذهبي فأصاب، لكن له شاهد مرسل قوي أخرجه ابن سعد في الطبقات عن الحسن البصري مرفوعاً.

قلت: والقول لشيخنا الألباني وسنده صحيح ورجاله كلهم ثقات من حديث ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: أصيب حمزة بن عبد المطلب وحنظلة بن الراهب وهما جنب فقال رسول الله r: "رأيت الملائكة تغسلهما"(1)يعني: حمزة وحنظلة، فحمزة أسد الله الغالب عم رسول الله r الذي كان يحبه النبي r وهو كان يحب النبي r فقال: "رأيت الملائكة تغسلهما".

هذا بالنسبة لغسل الميت أما عن كيفية الغسل فهذا أمر يسير جدا.

يطهر المغٌسل الميت، يطُهر أعضاءه ابتداءً، كأنه يعده للوضوء، ثم بعد ذلك يؤضؤه، ثم بعد ذلك يصب عليه الماء فيبدأ بميامنه، ثم بمواضع الوضوء مرة أخرى بعد أن يصيب الماء، ويفعل ذلك ثلاثا أو خمسا أو سبعا أو أكثر إن احتاج إلى الزيادة أو رأى ذلك فالأمر متروك للمغسل.

أكتفي بهذا القدر في حكم غسل الميت، وسأتحدث إن شاء الله تعالى في الفصل المقبل عن التكفين.

والله أسأل أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال.

 

 

  • Currently 47/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
17 تصويتات / 958 مشاهدة
نشرت فى 17 فبراير 2011 بواسطة al3llama

ساحة النقاش

أبوسيــــــــــــرين الشافعـــــــــــــى

al3llama
»

تسجيل الدخول

ابحث

عدد زيارات الموقع

130,528