من المعلوم أن شريعة الإسلام جاءت بحفظ الضروريات الخمس وحرمت الاعتداء عليها وهي: الدين والنفس والمال والعرض والعقل.
ولا يختلف المسلمون في تحريم الاعتداء على الأنفس المعصومة. والنفس المعصومة في دين الإسلام إما أن تكون مسلمة فلا يجوز بحال الاعتداء على النفس المسلمة وقتلها بغير حق، ومن فعل ذلك فقد ارتكب كبيرة من الذنوب العظام، يقول الله تعالى: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً} [النساء :93]، ويقول سبحانه وتعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً} [المائدة :32]، قال مجاهد رحمه الله: في الإثم، وهذا يدل على عظم قتل النفس بغير حق.
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم » رواه الترمذي وصححه الألباني.
ونظر ابن عمر رضي الله عنهما يوما إلى الكعبة فقال: (ما أعظمك وأعظم حرمتك، والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك ).
كل هذه الأدلة وغيرها كثير تدل على عظم حرمة دم المرء المسلم وتحريم قتله لأي سبب من الأسباب، فلا يحل لأحد أن يعتدي على مسلم بغير حق.
يقول أسامة بن زيد رضي الله عنه: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحرقة، فصبحنا القوم فهزمناهم ،ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلا منهم، فلما غشيناه قال: "لا إله إلا الله" فكف الأنصاري عنه فطعنته برمحي حتى قتلته، فلما قدمنا بلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «يا أسامة؛ أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله؟»، قلت: كان متعوذا، فما زال يكررها حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم. متفق عليه.
وهذا يدل أعظم الدلالة على حرمة الدماء، فهذا رجل مشرك وهم مجاهدون في ساحة القتال، لما ظفروا به وتمكنوا منه نطق بالتوحيد، فتأول أسامة رضي الله عنه قتله على أنه ما قالها إلا ليكفوا عن قتله، ولم يقبل النبي صلى الله عليه وسلم عذره وتأويله، وهذا من أعظم ما يدل على حرمة دماء المسلمين وعظيم جرم من يتعرض لها.
وكما أن دماء المسلمين محرمة، فإن أموالهم محرمة محترمة بقول النبي صلى الله عليه وسلم: « إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا » أخرجه مسلم.
وهذا الكلام قاله النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته يوم عرفة.
ومما سبق، يتبين تحريم قتل النفس المعصومة بغير حق، ومن الأنفس المعصومة في الإسلام أنفس المعاهدين، وأهل الذمة والمستأمنين، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاما» أخرجه البخاري.
ومن أدخله ولي الأمر المسلم بعقد أمان وعهد ؛ فإن نفسه وماله معصوم لا يجوز التعرض له، ومن قتله فإنه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لم يرح رائحة الجنة»، وهذا وعيد شديد لمن تعرض للمعاهدين، ومعلوم أن أهل الإسلام ذمتهم واحدة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «المؤمنون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم».
ولما أجارت أم هانئ رضي الله عنها رجلا مشركا عام الفتح، وأراد علي بن أبي طالب أن يقتله ذهبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال صلى الله عليه وسلم: « قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ ». متفق عليه.
والمقصود أن من دخل بعقد أمان أو بعهد من ولي الأمر لمصلحة رآها فلا يجوز التعرض له ولا الاعتداء لا على نفسه ولا على ماله.
إذا تبين هذا، فإن ما وقع من حوادث التفجير أمر محرم لا يقره دين الإسلام، وتحريمه جاء من وجوه:
1. أن هذا العمل اعتداء على حرمة يلاد المسلمين وترويع للآمنين فيها.
2. أن فيه قتلا للأنفس المعصومة في شريعة الإسلام.
3. أن هذا من الإفساد في الأرض.
4. أن فيه إتلافا للأموال المعصومة.
وإن مجلس هيئة كبار العلماء إذ يبين حكم هذا الأمر، يحذر المسلمين من الوقوع في المحرمات المهلكات، ويحذرهم من مكائد الشيطان، فإنه لايزال بالعبد حتى يوقعه في المهالك إما بالغلو في الدين، وإما بالجفاء عنه ومحاربته والعياذ بالله، والشيطان لا يبالي بأيهما ظفر من العبد لأن كلا طريقي الغلو والجفاء من سبل الشيطان، التي توقع صاحبها في غضب الرحمن وعذابه.
وما قام به من نفذوا هذه العمليات من قتل أنفسهم بتفجيرها، فهو داخل في عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: «ومن قتل نفسه بشيء في الدنيا عذب به يوم القيامة» متفق عليه.
ومن حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن شرب سما فقتل نفسه فهو يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا» متفق عليه.
ثم ليعلم أن الأمة الإسلامية اليوم تعاني من تسلط الأعداء عليها من كل جانب، وهم يفرحون بالذرائع التي تبرر لهم التسلط على أهل الإسلام وإذلالهم واستغلال خيراتهم، فمن أعانهم في مقاصدهم وفتح على المسلمين وبلاد الإسلام ثغرا فقد أعان على انتقاص المسلمين، والتسلط على بلادهم وهذا من أعظم الجرم.
يجب العناية بالعلم الشرعي المؤصل من الكتاب والسنة ووفق فهم سلف الأمة والتواصي على الحق، فإن الحاجة بل الضرورة داعية إليه الآن أكثر من أي وقت مضى.
وعلى شباب المسلمين إحسان الظن بعلمائهم، والتلقي عنهم، وليعلموا أن مما يسعى إليه أعداء الدين الوقيعة بين شباب الأمة وعلمائها، وبينهم وبين حكامهم حتى تضعف شوكتهم وتسهل السيطرة عليهم فالواجب التنبه لهذا.
وقى الله الجميع كيد الأعداء، وعلى المسلمين تقوى الله في السر والعلانية والتوبة الصادقة الناصحة من جميع الذنوب، فإنه ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة.
نسأل الله أن يصلح حال المسلمين، ويجنب بلاد المسلمين كل سوء ومكروه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
نشرت فى 15 فبراير 2011
بواسطة al3llama
أبوسيــــــــــــرين الشافعـــــــــــــى
تسجيل الدخول
ابحث
عدد زيارات الموقع
130,577
ساحة النقاش