تعددت أساليب الجذب لبيع السلع، كما تنوعت وسائل وطرق تشجيع المستهلكين لاقتناء ما تنتجه المصانع وما يعرضه مـسـوقــو هـــذه السلع، فأصحبت دراسة التسويق والترويج للمنتجات فنّاً يتم بحثه ودراسته في الجامعات.
إن الاهـتـمـام بعمليات التسويق والترويج للسلع يعود في حقيقة أصله إلى المنطلقات الفكرية التي يقوم عليها النظام الرأسمالي.
إذ يقوم الـمـفـهــوم الفلسفي للنظـام الرأسمالي على فكرة الحرية المطلقة للعمل على تحقيق الاستجابة الكامـلــة للــرغـبــات، وضرورة إزالة جميع المعوقات والحواجز التي تحد من تحقيق المنفعة الفردية، لهذا: قام الفكر الرأسمالي على مقولته المشهورة: (دعه يعمل، دعه يمر) وهذه المقولة هي تأكيد لمفهوم الرأسمالية القائم على أسس عدة، منها:
1- البحث عن الربح بشتى الطرق والأساليب.
2- المنافسة والمزاحمة في الأسواق، واتباع جميع الأساليب التي تحقق للفرد الحصول على أكبر منفعة، حتى ولو أدى ذلك إلى حصول الضرر للآخرين.
3- استخدام الدعايات لتسويق السـلــع بــدون الـنظر إلى القيم الأخلاقية، واستخدام كل الوسائل المثيرة للغرائز بدون التفات إلى حاجات المجتمع، فالغاية الأولى والأخيرة: تحقيق الكسب وسلب ما لدى الناس من أموال.
لقد غزت أساليب وطرق الترويج والتسويق بلاد الـمـسـلـمـيـن، بـدون الـنظـر إلى المحاذير الـشـرعـيـة أو الأخلاقية، فأصبحنا نرى في كل يوم أسلوباً جديداً من أساليب الـتـرويــج للمنتجات الاسـتـهـــلاكية، التي تمارس من قبل النظام الرأسمالي، حيث نلاحظ الكذب والتضليل والخداع عند تقديم المعلومات عن السلع التي يتم الترويج لها، واستخدام جميع المثيرات الغريزية بقـصـد تحقيق التأثير النفسي للفئة المقصود جذبها للشراء، أو مخاطبة الغرائز الذاتية بقصد دفــع الـفــرد للشراء، ومن ذلك مثلاً: ما يعمد إليه مروجو الأدوات التجميلية من إبراز تأثير جهازٍ ما على التخفيف من الوزن، أو إبراز تأثير المستحضر على زيادة الجمال، مع عدم الصدق فـي الـقــــول؛ حيث إن مروجي هذه السلع إنما يخاطبون الجانب الغريزي في الإنسان.
وتـعـــود أهـمـيــة الحكم الشرعي لهذا النوع من الممارسات التجارية إلى كثرتها، واتساع نطاقها، وانتشار التعامل بها في المجتمعات الإسلامية، وإلى تعلقها بتصرفات الفرد المسلم فيما يتعلق باستخـدامــه للمال الذي جعله الله قياماً للناس، ولما في هذا الأسلوب من دفع للأفراد إلى التوسع في الاستـهـلاك والشراء بدون حاجة؛ مما يستدعي الدراسة المستفيضة للوصول إلى الحكم الشرعي لهــذا النوع من المعاملات المالية، وفي هذه المقالة سوف أحاول دراسة هذا الجانب، مؤملاً من إثــارته دفع مزيد من المتخصصين إلى المساهمة في مزيد من البحث للوصول إلى رأي حاسم في هذا الموضوع.
القاعدة الأصولية تقرر: أن الحكم على الشيء فرع عن تصوره؛ ولهذا: فإن من مقتضيات البحث في هذه القضية: إعطاء تصور واقعي لهذه المعاملة.
الأسلوب المتبع في طرح الجوائز لـلـتـرويــج لـشـراء السلع من متجر معين، أو شراء سلعة معينة، هو: قيام البائع بتحديد جائزة عينية ـ أو عـــــدة جوائز ـ يشترط فيمن يدخل في التنافس عليها أن يكـون مشترياً مـن هـذا المتجـر سلعاً ـ أو سـلـعـة معينة ـ بقيمة معينة، خلال فترة زمنية معينة، ويتم إعطاء" كوبونات" (مستندات اشتراك لهؤلاء المشترين من هذا المحل أو المشترين لهذه السلعة)، وهذه "الكوبونات" تدخل في السحب للفوز بالجائزة، أو بأحد هذه الجوائز، فالشراء شرط في الاشتراك في الحصول على هذه الجائزة، وفي الغالب: يتم تحديد قدر معين من الثمن المدفوع ثمناً لما يتم شراؤه؛ حتى يمكن الدخول في السحب للحصول على الجائزة، كما أن عدد المشتركين في السحب غير محدد بعدد معين، وإنما يتم تحديد مدة زمنية، يحق لمن يشتري خلالها الدخول في السحب؛ فالبائع متبرع ومانح للجائزة أو الجوائز لأشخاص غير محددين، ولـكـن يــشترط على من يرغب في الدخول في الـسـحـب على هــذه الـجـوائـز ضرورة قيامه بالشراء لسلعة من السلع المعروضة للبيع لدى الـمـتـجـر الــذي قدم الجائزة أو الجوائز، أو لدى مالك السوق الذي يقوم بتأجير محلاته للـتـجــــار، ويرغب في دفع الناس إلى الشراء من هذا السوق؛ بقصد تثبيت المستأجرين من خلال زيادة مبيعاتهم، وبالتالي: رفع القيمة الإيجارية مستقبلاً.
الـسـؤال الــذي يمكـن طرحه هو: ما نوع هذا التعاقد، وما مدى سلامته من حيث الصحة والـفــســـــاد، وبالتالي: ما الحكم عليه من حيث الجواز، والمنع، والحل، والكراهة، أو الحرمة؟
الممارســـون لهذا النوع من الترويج يعتبرونه نوعاً من الهبة أو المنحة، وبالتالي: فيمكن أن يلحق بعقود التبرعات، وقبل مناقشة صحة مقولة من قال: إن هذه الجوائز هي هبات، أو مـنـح، أو تبرعات يمنحها البائع لأحد المشترين من السلع التي يعرضها للبيع: فلا بد من دراسة عقد الهبة لتحديد مدى انطباق أحكام الهبة على الأسلوب الممارس من قبل التجار المروجين لسلعهم من خلال الإغراء بهذه الجوائز.
يعرف ابن قدامة الهبة بأنها: تمليك في الحياة بغير عوض .
فإذا كانت الهبة نظير العوض فهي بيع في الحقيقة، فلا تخالف البيع إلا في أمور يسيرة، منها: أنها تجوز مع جهل العوض، بخلاف البيع: فإنه يشترط فيه تعيين الثمن.. وأنها تجوز مع جهل الأجل، بخلاف البيع .
وعلى ضوء هذا: فإنه إذا ارتبطت الهبة بالعوض، فقد تغير حكمها، فتدخل ضمن عقود المعاوضات، وبالتالي: تخضع لأحكام البيوعات، فالجوائز التي تستخدم للترويج للسلع ليست منحاً ولا هبات، وإنما هي نوع من أنواع البيوع المستخدمة، ينبغي إخضاعها لأحكام البيوع وإن أخذت شكل الهبة؛ حيث إن (الهبة إما أن تكون هبة عين أو هبة منفعة، وهبة العين: منها ما يقصد بها الثواب، ومنها ما لا يقصد بها الثواب، وهبة الثواب اختلفوا فيها، فأجازها مالك وأبو حنيفة، ومنعها الشافعي، وبه قال داود وأبو ثور، وسبب الخلاف: هل هي بيع مجهول الثمن، أو ليس بيعاً مجهول الثمن؟؛فمن رآه بيعاً مجهول الثمن، قال: هو من بيوع الغرر التي لا تجوز).
على ضــوء ذلك: فـــإن الجوائز التي تسـتخدم كوسيلة من وسائل الترويج لزيادة المبيعات وجذب المستهلكين هي نــوع من أنــــواع البيوع الفاسدة، التي تقاس على البيوع التي ورد النهي عنها، حيث إن الهبة إذا كانت بــعــوض كانـت بيعاً، يجري فيها حكم البيع كما ذكر ذلك سيد سابق في فقه السنة.
ووفقاً لذلك: فإن هذه الجوائز تدخل ضمن عقود المعاوضات، وهي من البيوع الفاسدة التي لا تجوز ممارستها، وضابط البيع الفاسد هو: ما اشتمل على شرط من الشروط التي تجعل البيع فاسداً، وهو ما اجتمعت فيه أمور، هي:
1- أن يكون الشرط مما لا يقتضيه العقد.
2- أن يكون الشرط غير ملائم للعقد.
3- أن يكون لأحد المتعاقدين منفعة فيه.
فــإذا اعـتبرنا الهبة أو المنحة بعوض هي عقد معاوضة: فإن الجائزة التي يمكن أن يقال: إنها هبة أو منحة من البائع.. تدخل ضمن مفهوم الهبة التي قصد منها الثواب، وبالتالي: أصبحت عقد بيع تضمن شروطاً فاسدة، من حيث ربط الهبة بالشراء، وهو شرط لا يقتضيه العقد، وغير ملائم له، وفيه منفعة لأحد المتعاقدين وهو الواهب والمانح.
وعلى ذلك: فإن ضوابط الشرط الفاسد تنطبق على الشروط الموضوعة لنيل الجائزة أو المنحة أو الهبة، أيّاً كان الاســـم، فالجوائز التي يتم استخدامها وسيلةٌ من وسائل الترويج للسلع بـقـصـد زيـــادة الـمـبـيـعات، بدفع الأفراد للشراء من خلال الرغبة في الحصول على هذه الجوائز، التي لا يمكن الحصول عليها إلا لمن قام بالشراء وحصل على "كوبون" للدخول به في عملية السحب.
إن هذه الوسيلة لدفع الـنـاس للـشراء تتعارض مع قواعد وأصول الشريعة الإسلامية، التي منها: النهي عن أكل أمــــوال الـنـاس بالباطل، سواء بخداعهم، أو التلبيس عليهم، أو الولوج إلى جيوبهم بالتغرير بهم من خلال أساليب بيوع الجهالة والغرر، وبالتالي: فإن هذا الـنـوع مـن الـمـمـارســـات، إذا لم يصل إلى درجة الحرمة، فلا أقل من وصوله إلى دائرة الـشـبـهــات الـمـنـهي عن الولوج فيها؛ حيث قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن النعمان بن بشير (رضي الله عنهما)، قال: سمعت رســـــول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول : (إن الحلال بيِّن، وإن الحرام بين، وبينهما مشتبهات لا يعلمـهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشـبـهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى: يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل مــلـك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب) .
على ضوء ما ســبــق يمكن تحديد الأدلة التي يمكن الاستناد إليها، لنتجنب ممارسة هذا العمل من أخذ أو مــنــح هذه الهبات والمنح التي قصد منها الحصول على المعاوضة بشراء السلعة التي وضعت لــهــــا المنح أو الجوائز، حيث إن هذه الممارسة تؤدي إلى أكل أموال الناس بالباطل، وإلى الــوقـــوع في البيوع الفاسدة المنهي عنها،
ونحن نستند في رأينا حول كراهة ممارسة هذا النوع من المعاوضات إلى الأمور التالية :
أولاً: إن هذا الأسلوب من المعاوضات يندرج تحت النهي عن بيع المنابزة والملامسة وبيع الحصاة، فقد روى البخاري عن أبـي هــريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (نهى عن الملامسة والمنابزة) وروى مــسـلم في صحيحه عن أبي هريرة أيضاً أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (نـهـى عـن الـمـلامسة، وهو لمس الثوب لا ينظر إليه)، والنهي عن هذين النوعين لعلتين، هما: الجهالة، وكونه معلقاً على شرط، وهو نبذ الثوب إليه أو لمسه له، والعلة الجامعة مع ما يعرف بالمنح والجوائز هي: كون الجائزة أو المنحة معلقة على شرط أو أكثر من الشروط لدخول السحب على هــذه الـمنح أو الجوائز، وتعليق الهبة أو المنحة على شرط قد أشار إليه ابن قدامة في المغني بـعـدم الصحة، يقول: (ولا يصح تعليق الهبة بشرط، لأنها تمليك لمعين في الحياة، فلم يجز تعـلـيقها على شرط كالبيع، فإن علقها على شرط ـ كقول النبي -صلى الله عليه وسلم- لأم ســلــمـة: (إن رجعت هديتنا إلى النجاشي فهي لك) ـ كان وعـــداً، وإن شرط في الهبة شروطاً تنافي مقتضاها؛ نحو أن يقول: وهبتك هذا بشرط أن لا تهبه أو تبيعه، أو بشرط أن تهب فلاناً شيئاً: لم تصح الشروط)، وأما بيع الحصاة: فقد روى مـسـلــم عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن النبي -صلى الله عليه وسلم- (نهى عن بيع الحصاة، وعن بيع الغرر)، وتفسير بيع الحصاة هو: أن يقول: ارم هذه الحصاة، فعلى أي ثوب وقــعــت فـهـو لك بدرهم، وقيل: هو أن يقول بعتك من هذه الأرض مقدار ما تبلغ الحصاة إذا رميتها بكذا، والشبه بين بيع الحصاة والمنح أو الجوائز أو الهبات بعوض هو: أن المشتركين في السحب هم ممن قاموا بالشراء من متجر المانح أو الواهب للجائزة، ولكل واحد منهم قسيمة، حيث يتم خلط هذه القسائم الدالة على الشراء جميعاً، ثم السحب من هذا الخليط، فهو أشــبـه بـرمـــــي الحصاة على البيع الذي يمثل الجوائز الموهوبة أو الممنوحة، فعنصر الجهل أو الــغــــرر في ذلك واضح، من حيث جهل الموهوب له، حيث إن الموهوب له غير معروف إلا بعد السحب.
ثانياً: إن هذا الأسلوب من المعاوضات قد يندرج ضمن مفهوم (بيع وشرط) الذي ورد فيه النهي عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، حيث روى أبو داود والترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص (رضي الله عنهما) عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال : (لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع، ولا بيع ما ليس عندك)، وقد علق ابن قدامة على ذلك بقوله: (والشروط تنقسم إلى أربعة أقسام.... الثالث: ما ليس من مقتضاه، ولا من مصلحته، ولا ينافي مقتضاه، وهو نوعان، أحدهما: اشتراط منفعة البائع في المبيع... الثاني: أن يشترط عقداً في عقد، نحو: أن يبيعه شيئاً بشرط أن يبيعه شيئاً آخر، أو يشتري منه، أو يؤجره، أو يزوجه، أو يسلفه، أو يصرف له الثمن، أو غيره، فهذا شرط فاسد يفسد به البيع، سواء اشترطه البائع أو المشتري [ويقاس على ذلك: الهبة المشروطة، باعتبار أن لها حكم بيع].. الرابع: اشتراط ما ينافي مقتضى البيع)، وعليه: فإن الهبة أو المنحة المتمثلة في الجائزة يتوفر فيها اشتراط منفعة البائع مقدم الجائزة أو المنحة؛ حيث إن الهبة مشروطة بالشراء من البائع، فلا يمكنه الاشتراك في السحب للحصول على الجائزة المقدمة من البائع إلا وفقاً لهذا الشرط.
ثالثاً: إن هذا الأسلوب يؤدي إلى التوسع في الاستهلاك من خلال شراء سلع لا يحتاج إليها الفرد، وإنما رغبة في الحصول على مال أكثر، مما سيكون حافزاً له للاشتراك في السباق للحصول عـلـى الجائزة أو المنحة، وبالتالي: اضطراره للشراء بغير حاجة لمايعرض من سلع. ومن الأمور التي نهى عنها الشرع، ووجّه رسولنا (عليه أفضل الصلاة والسلام) أمته إلى الابتعاد عنها: التوسع في الإنفاق بدون حاجة، فقد روى الإمام أحمد في مسنده، عن عبد الله بن مسعــود، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (نهى عن التبقر في المال والأهل) ومعنى التبقر هو: التكثر، والسعة، بل إن الشراء بقصد الدخول في المسابقات لنيل الجوائز يدخل في النهي العام الوارد في قوله (تعالى): ((وَلا تُؤْتُوا الـسُّـفَـهَـاءَ أَمْوَالَكُمُ الَتِي جَـعَـــــلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً)) [النساء: 5] فالتوسع في شراء السلع الاستهلاكية التي يـتـولـى مروجوهـــا إيـجـــاد الوسائل لجذب الناس ودفعهم للشراء بكل وسيلة من وسائل الإغراء والتغرير ـ ومن هـذه الوسائل: تلك الجوائز التي تمنح لمن يقوم بالشراء، لا لسد حاجته، بل للحصول علـى جائزة من تلك الجوائز ـ فهذا الأسلوب يدفع إلى غرس عادة الحصول على المال بدون جهد.
بجانب أن زيادة الاستهلاك للمجتمعات الإســلامـيــة الـتـي تـقـــوم باستيراد تلك السلع الاستهلاكية تؤدي إلى أن تذهب تـلـك الأمـــوال المنفقة على تلك السلع الاستهلاكية غير المحتاج إليها إلى أيدي أعداء الأمة، من خلال زيادة الاستيراد لتلك السلع؛ مما يؤدي إلى التقليل من فرص نمو المدخرات، فالمصلحة العامة تقتضي منع مثل هذه الجوائز.
ساحة النقاش