أبو سيرين الشافعى

ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَة والمَوْعِظَة الحسنة

ما حكم التسعير ؟ وهل هو جائز إطلاقاً ؟ أو محرم إطلاقاً ؟ أو يجوز في حين دون آخر ؟ ومتى يجوز ومتى لا يجوز؟ هذا ما سـنـبـحـثـه بشيء من الإيجاز ، نبين فيه آراء العلماء ومستندهم ، ليظهر الرأي الراجح، بتوفيق الله تعالى :

التسعير في اللغة هو : تقدير السعر ، أو هو الذي يقوم عليه الثمن ، وجمعه : أسعار ، وقد أسعروا وسعَّروا بمعنى واحد ، أي : اتفقوا على سعر .

وقال الفيومي في المصباح المنير : سعَّرت الشيء (تسعيراً) : جعلت له (سعراً) معلوماً ينتهي إليه ، و(أسْعَرته) بالألف ، لغة ، وله (سعر) إذا زادت قيمته ، وليس له (سِعْر) إذا أفرط رخصه .

وفي الاصطلاح الفقهي : اختلفت عبارات الفقهاء في تعريفه ، وفيما يلي بعض تعريفاتهم :

1- عــرف الـقـاضـي الـبـيـضاوي السعر بأنه : القيمة التي يشيع البيع عليها في الأسواق، والتسعير : تقدير هذه القيمة  .

2 - وبين ابن القيم حقيقة التسعير، فقال : إنه إلزام بالعدل ومنع عن الظلم ، وهو يشمل تسعير السلع والأعمال ، ويتفق في هذا مع شيخه ابن تيمية ، رحمه الله  .

3 - وعرف الشوكاني التسعير بأنه: أمر السلطان ونوابه ، أو كل من ولي من أمور المسلمين شيئاً ، أهل السوق ألا يبيعوا أمتعتهم إلا بسعر كذا ، فيمنعون من الزيادة أو النقصان لمصلحة  .

وقد ذهب جمهور العلماء : أبو حنيفة والشافعي وأحمد، إلى أنه لا يجوز للحاكم أن يسعر على الناس مطلقاً ، وإن فعل ذلك يكون فعله هذا إكراهاً يكره معه البيع والشراء ، ويمنع صحة البيع عند بعضهم .

 وذهب المالكية إلى جواز التسعير في الأقوات مع الغلاء ، وقالوا: ليس لمن أتى السوق ، من أهله أو من غير أهله ، أن يبيع السلعة بأقل من سعرها ، ويمنع من ذلك. وله أن يبيع بأكثر .

وذهب بعض العلماء ، كسعيد بن المسيب ، وربيعة بن عبد الرحمن : إلى جواز التسعير مطلقاً.

وذهب كثير من العلماء ، كمتأخري الحنفية وبعض الحنابلة ، كابن تيمية وابن القيم إلى جواز التسعير في أحوال خاصة ، بل وإلى وجوبه أحياناً أخرى .

ويمكن تصنيف هذه المذاهب والأقوال ورجعها إلى مذهبين اثنين : مذهب القائلين بتحريم التسعير ومنعه ، ومذهب القائلين بجوازه .

استدل المانعون للتسعير بأدلة ، منها ما يأتي :

1 - حديث أنس رضي الله عنه ، قال : غلا السعر في المدينة على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال الناس: يا رسول الله غلا السعر ، فسعر لنا : فقال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: « إن الله هو المسعِّر ، القابض الباسط الرازق ، وإني لأرجو أن ألقى الله عز وجل ، وليس أحد منكم يطلبني بمظلمة في دم ولا مال ».

 وجه الدلالة في هذا الحديث من وجهين :

أحدهما : أنه لم يسعر وقد سألوه ذلك ، ولو جاز لأجابهم إليه.

الثاني : أنه علل الامتناع عن التسعير بكونه مظلمة ، والظلم حرام .

2 - ما رواه مالك في الموطأ عن سعيد بن المسيب : أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مـر بحاطب بن أبي بلتعة، وهو يبيع زبيباً له في السوق ، فقال له عمر: إما أن تزيد في السعر ، وإما أن ترفع من سوقنا، فلما رجع عمر حاسب نفسه ، ثم أتى حاطباً في داره ، فقال: إن الذي قلت لك ليس عزمة مني ولا قــضـاء ، إنما هو شيء أردت به الخير لأهل البلد ، فحيث شئت فبع ، وكيف شئت فبع .

وقال مالك: لو أن رجلاً أراد فساد السوق فحط عن سعر الناس ، لرأيت أن يقال له : إما لحقت بسعر الناس ، وإما رفعت ، وأما أن يقال للناس كلهم - يعني لا تبيعوا إلا بسعر كذا - فليس ذلك بالصواب ..

3 - قال الشافعي رحمه الله: إن الناس مسلطون على أموالهم ، ليس لأحــد أن يأخذها ، أو شيئاً منها؛ بغير طيب أنفسهم إلا في المواضع التي يلزمهم الأخذ فيها، وهذا ليس منها. والله تعالى يقول:{لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِل إلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ} [النساء:29 ].

وقال قاضي زاده الحنفي : إن الثمن حق العاقد ، فإليه تقديره ، فلا ينبغي للإمام أن يتعرض لحقه ، إلا إذا تعلق به دفع ضرر العامة .

4 - التسعير سبب الغلاء ، لأن الجالبين إذا بلغهم ذلك لم يقدموا بسلعهم بـلــداً يكرهون على بيعها فيه بغير ما يريدون ، ومن عنده البضاعة يمتنع من بيعها ويكـتـمها ، ويطلبها أهل الحاجة إليها فلا يجدونها إلا قليلاً ، فيرفعون في ثمنها ليصلوا إليها ، فتغلو الأسعار ويحصل الإضرار بالجانبين: جانب الْمُلاك، في منعهم من بيع أملاكهم، وجانب المشتري في منعه من الوصول إلى غرضه ، فيكون حراماً .

وبالنظر في هذه الأدلة التي سبقت يتبين أنها لا تدل على المنع من التسعير كـقـاعدة عامة في كل الأحوال والظروف ، ولكنها تدل على المنع من التسعير في الأحوال الـعـاديـة التي يكون التسعير فيها مجحفاً بحق البائع أو العامل الذي يقوم بما يجب عليه من امتناع عن الاحتكار أو التواطؤ لإغلاء الأسعار ورفعها ، وذلك أن الامتناع عن التسعير جاء مـعـلـلاً ، والأحكام تدور مع العلة وجوداً وعدماً .

فالحديث الشريف يبين أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- امتنع عن التسعير نـظــراً لأن فــيــه مظلمة ، وذلك لأنه لم يكن هناك ما يقتضي التسعير في ذلك الوقت. لأن ارتــفــاع الأسعار لم يكن بفعل التجار واحتكارهم ، وإنما كان ذلك نتيجة لعوامل أخرى لا دخل فيها لهم .

وقد رد شيخ الإسلام احتجاجهم بالحديث وبين علة امتناع النبي -صلى الله عليه وسلم- عن التسعير فقال : (وإنما لم يقع التسعير في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- بالمدينة؛ لأنهم لم يكن عندهم من يطحن ويخبز بكراء (أجرة) ، ولا من يبيع طحيناً وخبزاً ، بل كانوا يشترون الحب ويطحنونه ويخبزونه في بيوتهم ، وكان من قدم بالحب لا يتلقاه أحد ، بل يشتريه الناس من الجلابين ، ولهذا جاء في الحديث : « الجالب مرزوق ، والمحتكر ملعون » ?وكذلك لم يكن في المدينة حائك ، بل كان يقدم عليهم بالثياب من الشام واليمن وغيرهما ، فيشترونها ويلبسونها) .

 وقال أيضاً : (من احتج على منع التسعير مطلقاً بقول النبى -صلى الله عليه وسلم- « إن الله هو المسعر... » قيل له : هذه قضية معينة ، وليست لفظاً عاماً ، وليس فيها أن أحداً امتنع من بيع ما الناس يحتاجون إليه ، ومعلوم أن الشيء إذا قل رغب الناس في المزايدة فيه ، فإذا بذله صاحبه ، كما جرت به العادة ، ولكن الناس تزايدوا فيه - فهنا لا يسعر عليهم ).

ثم ضرب أمثلة على جواز إخراج الشيء عن يد مالكه بعوض المثل ،

وقال : والمقصود أنه إذا كان الشارع يوجب إخراج الشيء من ملك مالكه بعوض المثل لمصلحة تكميل العتق ، ولم يُمَكـّــن المالك من المطالبة بالزيادة على القيمة ، فكيف إذا كانت الحاجة بالناس إلى التملك أعظم وهم إليها أضر ؟ مثل حاجة المضطر إلى الطعام والشراب واللباس وغيره .

  • Currently 50/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
17 تصويتات / 489 مشاهدة
نشرت فى 15 فبراير 2011 بواسطة al3llama

ساحة النقاش

أبوسيــــــــــــرين الشافعـــــــــــــى

al3llama
»

تسجيل الدخول

ابحث

عدد زيارات الموقع

130,519