فتحي مهذب
شيخ البحر وكسار الحصى
آخر النهار يبدو كسار الحصى مثل واحد من أصحاب الكهف تحتل مساحة وجهه طبقة كثيفة من الغبار والظلال البرونزية الباهتة..
يجر قدميه المكدودتين مثل سلحفاة تحمل نعشا صغيرا على صهوة ظهرها..
وضع مطرقته على كومة الحجر
المفتت كم لوأنها أصابع جنود مقطوعة أثناء الحرب..
قال :غدا أكمل قطع شرايين الحجر..
كان يفسر كل شيئ بالحجر..
من الحجر انقدحت شرارة الحضارة..الحجر هو الذي دل الانسان الى القمة.. النار ابنة الحجارة الشرعية..
انها مجرد خواطر تعبث برأسه كلما ينتهي من عمله في تكسير الحجر وتدجين جبروته..
في غلواء الظهيرة عند اشتداد القيظ واختفاء العصافير والحشرات والبشر والحيوانات
وبينما كان في طريقه الى كوخه البدائي اعترض سمته شيخ في أرذل العمر ..ناداه بكلمات مسمارية
معقدة أدرك من خلالها كسار الحصى أن الرجل لا يقوى على السير وفي حاجة ملحة الى المساعدة.. رق قلبه واختلح ضميره واندفعت دماء المحبة في شرايينه ..
حمله للتو على ظهره ..
وما ان قطع مسافة سبع زفرات عميقة..
حتى طوق الشيخ رقبة كسار الحصى بساقين كما لو أنهما قد من حجر البازلت..
شعر باختناق شديد وبسرب من الخناجر الحادة تسافر في عظام رقبته المتهدلة..
تحامل على نفسه..وبارادة نتشوية لا تقهر واصل الطريق..
ولما اقترب من ضيعة صغيرة تعج
بأشجار العنب المائل الى حمرة
دم الذبيحة..
راح يعصر حبات العنب ويسقي هذا الشيخ الذي نبت على ربوة ظهرة مثل لعنة أبدية فارقة..
لم تزل الشمس تطعم الأرض بملعقة فلكية ضخمة حساء النار..
أطلق الشيخ عقيرته بالغناء..
ولما ارتخى حبل أعصابه سحب
كسار الحصى ساقيه وأسقطه أرضا وراح يشلخ رأسه المقدودة من طحالب البحر الملوثة بحجارة
عثر عليها على قارعة الطريق..
ثم واصل طريقة الوعرة الى أعلى الجبل ممتلئا بقوة خارقة لم يدرك بعد ماهيتها.