خريف الآلهة (ديوان شعري)
نرجسة وشاعر
تمرد ناظري على العين حول
يطوف بالبهاء العاري .....والماء الجاري مرآة الموت تصوره
ليس يدري.....لكن نرجسي منذ الأزل
أذعنت وأطلقته إليها أسيرا، وقد امتدت عنقي إلى الجبل
جميلة كانت، هي الشمس يوم زفافها ترتجف، وحواليها كواكب..وفي عينيها أمل
أني ارتشفت الحياة ولما أزل
تغري الرياح بحسنها فتطوف حولها ..كأنها جياد تجري على عجل
والأرض تبكي اشتياقا بشعاب تشق فؤادها....وتسري كشعر المهى إذ ينسدل
في ساقها البحر ....ولغزه المد والجزر، وركض السنين فلا انتصب ولا اعتدل
مددت يدي إليها لأقطفها ....، لكنها أصابعي ارتعشت، ومسني منها الوجل
أغاضني غرورها وحق لها....هيفاء...ملحاء... حوراء..فما العمل؟
أيا سيدتي ويا سيدة الجبال، إني عشيق يقطع الفوارق يختزل
ويرتمي بين جدورك عُبيدا هده العشق فما احتمل
آه يا سيدة الزهر ومنبع العطر .....سوقيني إلى فردوس أحلامك فإني لا أعقل غير مرابض الهوى
....أو حنطيني في بياضك فإني ميت بغير أجل
ليخلد العشق النرجسي في أسطورة الموت الجميل الهبل
تمايلي سيدتي ....تمايلي فالريح جندك.. والثرى مهد خلدك..والكرى عنك ينئ
وغدا أقول لك كم غصنا فارقته الحياة لما ذبل
وأضحى قصيدة للرثاء وجرحا في الدهر لا يندمل
إني هنا سيدتي فهزي ساقيك واضربي برجليك وقولي أجل
إني هنا مرابط وليس يصيبني كلل ولا ملل ............
...وانتظرت ودام الجفاء ...فليس أمامي الآن إلا أن أرتحل
تنهدت بقوة بركان خبى قبل أن يفور ثم صرخت....صرخت مليا وانصهرت وجنتاي خجل
ورحت أنفخ لهيب العتاب والهجاء
إن كنت جميلة فإن لي من الجمال ما يكتبك في دفاتر قلبي قصيدة عصماء
قافيتها الطلاسم ورويها دجل
إن كنت جميلة فإن لي من الجمال ما يحبسك بين دفات السطور
إن كنت جميلة فإني فجر مغادر وشمس تقطع فيافي السماء بلا كسل
إن كنت جميلة فإني شاعر فحل، اعتاد على مناجاة الضياع حين يرقص في الهوى رقصة هندي ثمل
ويصنع أكاسير الحياة من رماد الفشل
وسأبقى شارع أبولو
...خلاء يجول فيه مساء غريب وريح يطير منطق الحكمة والعلل
إن كنت جميلة فإني وطن يوصد أبوابه قبل منتصف الليل
ومن أنت غير نرجسة حمقاء تموت ويا خيبة من جهل
سيدتي مذهبي الهوى وما الهوى غير قلاع ماء لا لون له ولا شكل
وليس في مذهبك الوفاء فكيف لا أعتزل
ثم غادرتني.....مكسورا...مبتورا...منحورا، أجر غيضي إلى قوقعتي
.. بعد أيام رجعت إليها، كانت قد طأطأت رأسها، وجف البحر في ساقها فلا المد ولا الجزر
وانحنى جيد الزراف وغادرها الشباب ...وكذلك الدهر إذا قال فعل
ذراها قابعة هناك على الجبل
لكنه يعرف أن الزمن خانها؛ وطعنها في الظهر حين رحل
تجافت ركبتاه عنها وراح يبحث في أروقة الحياة عن ضحية أخرى بدل
-وكلنا بدل !!!-
داهنها قليلا قبل أن يراوده منها ضجر..ثم لف برنوسه في كبرياء
أنه الدهر وليس يعجزه الزمان وليس يعرفه الأجل
وكنت قد مددت يدي إليها لأقطفها ..لأشمها..لأضمها،....لكنها أصابعي ارتجفت وابتليت بالشلل
مسكينة أنت يا نرجستي.... مسكينة يا شهد العسل !
غاب زمانك ولم يبق من الذكرى غير طعنة تنحتك في قلبي مثل
غرها الأمس وتوارى الغد عنها فضاع الجمل بما حمل
إني استحيت أن أقول لها يقتفيك غد جائر ومن الحياء ما قتل !
سنمّار أعور
أحبك حتى يجنّ المساء * إذا اشتاق كرها ضياء القمر
أحبك حتى توارى السّماء * وتشتاق أرض لحَبِّ المطر
أحبك دهرا عدو الوفاء * وفيك السّماح أماد انتحر
أحبك قهرا وأنت الفناء * وحكمك قاس علي صدر
سجين قضاء وليس القضاء* لضعيف مدان في جرم نكر
بياضي سكون يناجي الحروف * وحبك جهلا عليه سطر
فليت الحروف تصير الدماء * ويا ليتني صرت قبل القدر
سنمار كنت وبئس الجزاء* لـحب كبــــــــــــــــــير أميت غدر
وعشقك كان سنيناً شقاءُ* وعند رحيلي نثرتَ الحجر
فكيف أموت وأحيى صباء * وغصن المودة فينا انكسر
بنيت لاسمك بقلبي القباء* قديسا فصرت عشيقا فجر
ثكلى وتعوي علي النساء* وقلبي يموت شهيدا صبر
وليس يتوب أبا حناء* يغني ويرقص حفيف الشجر
أحبك حتى تقول الوقاء * أو أني قضيت لنفسي الوطر
فيا ليتني كنتَ لي الكساء* وكنتُ حبيبي بحبتيك النظر
ويا ليتني كنت فيك المساء* وحتى الثمالة يحكي السمر
خريف ينادي رعود شتاء* وصيف حسيف أجاد السفر
وداهنني ربيــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع مراء * ولم يبق في الواد إلا الحجر
فصول تجول وأنت الفصول
تمضي وتأتي كيف تشاء
ويقتلني الصب بعد الضجر
وأبقى رجيا ويجري الغباء*ويشيخ شبابي بحب هدر
أحبك حتى يضج المساء*إذا اشتاق كرها ضياء القمر
سنمار يهوى وترثي السماء*وتبكي غيوم كفيف النظر
أغنية شهريار
نظرت طويلا صوب الغروب*وشمس شروق هوت لتنام
وطير إلى العش يأوي رجيفا *وطفل صبيٌّ حبى للحطام
وأم تقول حبيبي ديار* خراب، شـــــــــرود، علام نـــــــــــــــــــــــلام
فسرت حسيفا وليتني أنسى*دموعا بعين الصغير الملام
صرخت بقلبي أيا شهرزاد*لما الصمت داء وعز الكلام
نقول ربيعا و طال البقاء * عام وعام تلاه وعـــــــــــــــــــــــــام
فأين الشتاء وأين الخريف*وصيف لطيف وبيض الحمام؟
أيا شهرزاد يكفيك صمت*فهلا رددت علي الســـــــــــلام
فبانت ترنح فيها شحوب*وعيناها رقص لسرب الغمام
أيا شهريار صوما نذرت * ففيم السؤال وفيـــــــــم يقـــــــــــام
لو كنت أحسب أن الكلام * دواء لقولا يذيب الأنام
وثرثرت حتى يضج الموات* وفينا ترفرف راي الســـــــــــــلام
لكنا لسنا نسمع قبورا * وقوم عن الحق دام الصيــــــــــــــام
أغرب سكارى تبيت الملاهي*رقصا فجورا وثم نيــــــــــــــــــــــــام
وشرق يحاكي، طلولا تباكي*وماض يلاك طيــــــــــــــــل الدوام
كنا وكنا وكانوا وكنـــــــــــــــــــــــــــــا* قوم عزيز وصحب كـــــــــــــــــــــــرام
أماض نواري فيه الحياة * كأنا انتهينا، أنحن النعـــــــــــــــــــــــام؟
وحبات عقد فرط وضبع *ونائي من الغنم حتما يضـــــــــام
وأسنان فاه إن تحاك ببعض *تفنى، ويفني الأشقاء الصدام
ودين مضيع ورب عصينا * فكيف نطول بعد المــــــــــــــــــــــــــــرام
أيا شهريــــــــــــــار ألسنا نضيع* عرب تتــيه عليها الســـــــــلام
وقد نستفيق يوما ونحيى *عندها حق علي الكــــــــــــــــــــــــــــــــلام
فقلت صمتا وصمتا أطيلي*فشعري يبوح بقول هلام
ولست أقول فيسمع دب*ولكنا نرمي لفحل همـــــــــــــــــــــام
يأخذ عنا مقالا ويمضي*لعز عزيز نحـــــــــــو الأمـــــــــــــــــــــــــــــام
أيا شهرزاد حسبك صمتا*فقصيدي بين الأنام سهام
عروس المطر
في شهر فبراير تدللت السماء
أمسكت عيون الحياة و أقصرت الذيل وأشاحت
لأيام طوال لم تجد بالقطرت
ظنها القوم نسوها أو خلو العهد يمضي
لم يلاعبوها والغناج
إنها تشعر بالضجر
تريد عروس المطر
كم أنت يا سماء تعشقين دلال البنات
وتريدين الحب مهدا لصباك يا فلاة
.....وبعد أيام
الأرض أصبحت كقوقعة سلحفاة....
وكأنها تلك الشقوق الكثيرة
منها خرج الموت في كرنفال
يشحذ منها الحياة
وعجائز أقلبن يحملن عروسه
في ثياب باليات
وتلك العروس نحيفة
جسمها من قصبات
إنها تحمل في شكلها أسنات العذاب
كما الصليب في رفات......
إنها تعتلي الرؤوس الرجيفة
كم هذه الطقوس لطيفة
وهن ينشدن أنشودة البعث
(الغيت الغيت نشاله
تنزل النو نشاله)
لوحة فنية صنعتها طفولة النساء الكامنة في كل امرأة
عندما أقبلن ثكلى يشتكين الخاويات
وعقل الإنسانية يسعى كالأعجاز الدانيات
كاسيات عاريات
وصمت رهيب ....كأن الكون يشاركهم الصلاة
لينزل المطر ..........وتحل البركات
وسمع الناس نداء الموت
فأسرعوا إلى السقوف العاليات
يمطرنها بالماء
يقذفنها بالخيرات لتحيى
لتذب فيها الحياة
ولازال الموت يدور ويدور بالبيوت
بعد ساعات
خفقت جوانحها، ولمعت شفتاها
بكت السماء وسالت العبرات
وصفق الرعد وهطل المطر
وابتسمت المروج واخضر النبات
كم أنت يا سماء تعشقين دلال البنات....
المســــــــاء
في فوهة الظلام الكئيب
حيث لا حياة ولا دبيب
يقبع غلام
في وجهه شمس تغيب
ينتظر المســـــــــــــــــــــاء
وحيدا هناك...على الصخرة الصماء
يسألها أبدا فلا تجيب
أين المساء....
متى هذي الشمس تغيب
ترى أين ولى زمن الحنين
وربيع السنين
وأين ارتحل الحبيب؟
وكم من صرة حمل؟
أكواما من الحقائب
آلافا من القوارب
وغزا البحار.....قافرا بلا أمل
ألا يعود..........
حتى الرماد فلا دراه
ولا احتملت تلك الوعود
مشقة الغد القريب
واحذوذب الأنين
أوراق خريف.....
طارت، فهل تعود
إذا أنّ للشجر الحفيف
ترى أين الحبيب؟
تنكمش أضلاعه...تتكور أطرافه...ويتقلص...ولا تجيب
ارتخت وجنتاه
وأولعت حمرة عيناه
ولا أمسكت قطرها السّكيب
تمخض النهار حينا، وهاهو الأصيل
يمشي فينا مرحا يختال
قاتم الظل ثقيل
وإله الصخرة الصماء من عل يرقبها
تلك القرية المنسية
يا لها من سخرية
ذلك الراعي بين التلال
ينادي القطيع..
ويعدها بأصابعه واحدا واحدا ألا تضيع
............
وذاك العجوز يمضي إلى الكوخ ثملا
خطواته المرصوفة....
تتبع الحنين إلى المساء
أيا أيها السافل الوضيع
امض كما تمض الأنعام
وإياك أن تنام على قارعة الطريق
والطريق ممتدة .....أن تضيع
هذا الإسكافي رمى عنه الحذاء
وراح يشتم رائحة الخبز التي تفوح في الأرجاء
خبز ساخن وحليب
وسمر الليالي كم يطيب
أقفل شقه الصغير الذي يختنق بين الجدران
أن حان الأوان، وجاء المغيب
وذاك البقال والخباز والفلاح
لا أحد ينسى المساء
لا أحد ينسى غصن الرطيب
ومن داخل أكواخ كقبعات القش
تعوي الأمومة مسعورة
وآباء تتيه في الدروب
تلقط فلذات القلوب
ويغلقون الأبواب
ويضيق المكان
وتوقد الشموع
وهو على الصخرة الصماء
يربي الرجا أن يخيب
وتلك الطفولة شاخت
قوامها الركوع
لكنها حبلى
تجر حملها والأغلال
والمستقبل أدغال
كل ما فيه مريب
وأحلامه غريب
يتقصى المدينة
يتقصى القفار
والعصافير تنادي الشجر
وتجيب فراخ تعشق الأعشاش
هكذا انتفضت الحياة قليلا
ثم سكن الكون الرحيب
وهدأ الصراخ لا ضوضاء ولا ضجيج
ها قد شارفت الشمس على المغيب
ويودعنا الأصيل الهوينى
لا عويل ولا نحيب
إنها تألف الرّحيل وهذا موعدها الرتيب
ولازال هناك..... الغلام وحيدا
ينتظر المساء
ينتظره أن يجيب !
أنا شاعر
....ونظرت من شرفتي
آه، بليدة هذه المناظر
شجر، عشب أخضر، ونورس طائر
سماء زرقاء، وسحابها عابر
ومر قطيع خرفان صغيرة
يقودها كلب نحيف
لا يمل من النباح
وفي مكان صاح ديك
ونهق حمار
وشمس تسطع ككل نهار
ويموء قط أسود أليف
وفي الحقل فلاح
بائس وفقير
أسماله ذاكرة الزمان
وقد نقش السمير
على وجهه أساطير تخيف
وراع يعرج في المرجان
وعصاه تشبه الثعبان
يخاف الذئب أن يحيف
وهنالك على الرصيف
أطفال يشاكسون، يلعبون، ويصرخون
وبينهم غلمان
أحول قصير، يعشق الظلال
وآخر سمين لا يفسح المجال
وهناك على اليمين
قصبة جوفاء
تقضم رغيف
وقمر خسيف
وعلى صخرة مسمار
عجوزة شمطاء
وشيخ كفيف
يستند الجدار
يلفه دثار
حباله من صوف
أردته الصروف....
أنهك سقما وهيف
وتنعق غربان
وتقفز جردان
وعصفور على الغصن ظريف !
...................
وفي فوضى السكون
تساءلت عن هويتي
من أنا، تراني من أكون؟
وسرى ناظري لفيف
واجتاحني قلق طفيف
فجأة نفخت رياح
وراح يختفي القمر
شيئا فشيئا على حياء
واضطرب الشجر،
تمايل، تطاول...ثم انحنى رجيف
تراها تشعر بالملل
أو تسير على عجل
أو من تراها تستضيف
وطفى بخاطرتي خيال
مسعفا حيرتي، مؤنسا وحشتي
وطاف طائف حليف
كأنما تراقص الأرواح
زمرا على شرف الوجود
أو ربما في مأدبة هناك
حيث تقبع الحياة، على أفضية الخريف
كأنما هي حورية
على صخور رمادية
في شطئان يم مضطرب عنيف
ثم فاض موج
. . هرج ومرج
وبدى زورق صغير
يستظل وغابت المجاديف
بعدها غاص في الزبد
واختفى إلى الأبد
كأن لم يره أحد
وسار نسيم خفيف
منعش ولطيف
فتراقصت خصلات شعرها متعددة الألوان
.....قامت تراقص الزمان
وخذوذها زهور الأقحوان
وسمعت شدى غريب
وطبولا قرعت وألحان
كشفت عن ساقيها ثوبها الشفيف
وتضرب تحتها بجنون
...خلتني رجلا عفيف...
هكذا تمضي السنون
ويغيب وشاحها كسيف
كلها مجون هذه الحياة !
ثم عدت من جديد
أرسم على شراشف السؤال
مدينة أدونيس
قلاعا تضيق بالمكان
مراسي بلا شطئان
وشوارع من خيزران
وصنوبر وصفاصيف
تتمايل دونما حسيس
وضباب ينتشر بالأحياء
قاتم كثيف
وكنت الإنسي الوحيد
ألعب الأدوار، كل رمشة جفن كائن جديد
كأني قيصر، سلطان
أو سندباد عقد القران
كأني مارد مصباح
يتمنى لو يرتاح
كأني قلقامش مرتحل حسيف
هه، أو ربما سيزيف
..كانت هنالك أفكار
تختنق في خيالي
فأسمع سكراتها حفيف
ثم تصعد في سطور
بعضها كربيع باسم
وبعضها مخيف
-رحماك يالطيف-
تراني من أكون؟
حالم مجنون
أو تائه مسكون
......علمتني كلني شتاء
قصائد تنزل وخواطري سحاب
وفؤادي عواصف رهاب
وقلبي العليل مدائن وريف
والدنيا لا تنبري تضيف
جولاتها أحزان
وعقلي العجوز مثـقـل رديف
هل عرفتموني من أكون؟
هذا أنا شاعر والشعر كلام
شاعر ويعشق السلام
هذه هويتي، ورحلتي خريف
عرفت كلني إنسان، لا يملك حواس
كلني إنسان، لست كالبشر
تتراءى لي الأعراس
إذا هطل المطر
وهبت الرياح، وتساقط الشجر
وسالت الوديان وماءها انهمر
كلني إنسان، كلني إحساس
شاعر ورحلتي خريف
.............................
أنظر في الربيع فارسا همام
ارتمى بأرضه قبل واعتذر
والطبيعة عروس تشيح بالنظر
هذا أنا شاعر ورحلتي خريف
..............................
صادقة مشاعري كالنهر إذا جرى
رهيفة جوارحي كالنسيم إذا سرى
وترقص جوانحي وكلها رفيف
أعلو على أجنحة الأفق
يلهمني كذلك الشفق
أتمخض وأبعثرها حروف
وللدهر صروف
كراستي ذاكرتي وقلمي حليف
وأفكاري نزيف
شاعر ورحلتي خريف !
...........................
هذي الدنا مروجها تزدان
وبها الورى غراسها ألوان
طيب وصادق شريف
خائن منافق سفيف
ساذج وأحمق ظريف
وبينها سائح جوال
أرصد باقة لشعري الرهيف
قصائد موضوعها الإنسان
أين حل، أين كان
شاعر ورحلتي خريف
تمتد الليالي بطولها قفار
أسامرها علها تخلع عني وحشتي
لا أهل، لا أحبة، لا ديار
وكل زفرة مني بحار
تضطرب الأمواج
كلها نعاج
في سيل عرم
يختمض عواج
وأحوالي زجاج
ليس لي مزاج
شرطي كفيف
يلاحق جريمة كلنا فيها قاتل
وكلنا قتيل
ودربنا طويل
شاعر ورحلتي خريف
متمرد متشرد في حنايا الوجود
غير معجزي قيد ولا عمود
أنتقي ألفاظي فنظمها عسيف
وكل ما أشمه، أحسه، أبصره
فأنا له وصيف
شاعر ورحلتي خريف
يخاطبني الدهر، والدهر حصيف
منتبه، متيقظ، لفيف
فأترجم قوله قولا لطيف
هذا أنا شاعر وقد ظلمتموني لو وصفتموني بالسخيف
جداريـــــــــــة فنّان
مررت بالربيع
صبي خجل وديع
سرواله مهرج، وقميصه رهبان
ووجهه النحيف صحيفة طغيان
في عينيه شتاء
مضطرب رجيف
كأنه بركان
يريد أن يفور، ويحرق المكان
لكنه لا يستطيع !
نظر إلى السماء
وفاضتا طوفان
كانت تثلج دماء
قلت صغيري: ارجع إلى الديار
لازلت أول النهار
ثم...علامة استفهام(؟)
-أين طفولتي وقريتي تضيع
هكذا أجابني وصوته رعود
ثم أضاف لن أعود
تلفظني الجدران
بيتنا مدينة، حجراتها أحياء
في كل حي مجمع بيوت
لصغار العنكبوت
وبيض للحمام يملأ الأركان
وذكريات تقصفني أشباح
وأطياف تقتحم العرين
خطواتها سنين
همساتها حنين
صولاتها أنين
وأنا لها سميع
يا عمُّ...دثروني، زملوني...
يا عمُّ..إنني جبان
سألته وشفاهي ترجفان
أين الوالدان؟
<!--جنتي تحت الثرى
<!--وعمادها تأكله القضبان
.....................
بعدها ذبح الصوت الرقيق
خرخر هنيهة، وانعدم الكلام
واجتاحنا سبات
وجوهنا موات
قلوبنا رفات
عيوننا لغات
موقف خليع
استفقت من غيبوبتي
خلعت عني شقوتي
ودفنته تاريخ
"وغراسها تدوسه العدوان"
هكذا كان الحوار
.....................
وما لبثت أن عدت للسؤال
ناقد أنا؟ أم شاهد عيان؟
تراه ما الذي جرى؟
أين اختفى الربيع؟
هل مر بي سريع؟
ثم طاف ناظري حول الجدار
لازالت الخطوط تملأ المكان
تراها قد تجيب
لوحة صماء
تداركت حيرتي، ليس بها ألوان
شأنها عجيب !
كالليل والنهار
وهما لا يبغيان
فلما يجتمعان؟
ثم كيف غابت الظلال
في جدارية فنان؟
ولما تحرك الرمال
عن اليمين والشمال
ولما هذي الجسور
مقطوعة الحبال
لست أدري كيف صار
وكيف يمتد الجدار
.................
......تنفست الصعداء
أن جال بصري قطار
وأوقع من فوره الستار
امرأة حوراء
في رحم الجدارية
جدائلها عرجون
قوامها زيتون
عيناها قرية تضيع
خذوذها رمان
وشفاهها شقائق النعمان
برنوسها سفينة
ليس بها ربان
أحلامها مدينة
تجتاحها الجردان
كانت تراقص في العراء
جلادها الوضيع
وفي مسرح الجريمة
يصفق الموت، ويضحك باستهتار
هاهي الغنيمة، تحبو نحو النار
وفراشات عمياء تحوم في السماء
ودبابير سوداء
تلقي بالورود
تنسف الحدود
قاتمة دمار
لكنها لا زالت تراقص الجدار
حرك