<!--
<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Tableau Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-priority:99; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin-top:0cm; mso-para-margin-right:0cm; mso-para-margin-bottom:10.0pt; mso-para-margin-left:0cm; line-height:115%; mso-pagination:widow-orphan; font-size:11.0pt; font-family:"Calibri","sans-serif"; mso-ascii-font-family:Calibri; mso-ascii-theme-font:minor-latin; mso-hansi-font-family:Calibri; mso-hansi-theme-font:minor-latin; mso-fareast-language:EN-US;} </style> <![endif]-->
العجوزة
سراديب الآلهة (مسرحية تاريخية)
فائزة بالجائزة الأولى في مسابقة علي معاشي للنص المسرحي المكتوب
مشهد استشرافي:
(في ظلامٍ حالكٍ وجوٍّ عاصفٍ ممطر، يقف الرّاوي ذو العصا الملتوية على الركح ليروي أسطورة تعود إلى آلاف القرون)
الراوي: تقول الأسطورة: إنّ شهر يناير كان قد طلب من عمه فبراير أن يتخلى له عن يومين من عمره، وذلك لأجل أن يقهر العجوز التي كانت قد سخرت منه، حيث إنها كانت لا تخاف البرد، ولا تهاب عواصف يناير الهوجاء، وكانت تعشق التّزلج على التلال في الليالي العاصفة مع عنزاتها على سفوح الجبال، ويقال أن العجوز قالت له في آخر يومٍ له: إن أيامه مرت كأنها ربيع، و سيحل شهر فبراير ولن تزعجها العواصف أو الثُّلوج، فغضب يناير لقولها غضباً شديداً وطلب من فبراير أن يمنحه فرصة الانتقام من العجوز التي استهترت بقوى الطبيعة ويقهر غرورها، فوافق فبراير على ذلك،وأهداه يومين من عمره، وفي اليوم التالي كانت العجوز قد خرجت مع عنزاتها إلى الحقل وهي تظن بأن يناير قد انتهى، لكن السماء أمطرت بقوة وهطلت الثلوج بغزارة، و حدث أن تجمدت العجوز في حقلها مع عنزاتها لتبقى عبرة لكل مستهتر بقوى الطبيعة. وهكذا أصبح شهر فبراير أقصر شهر في السنة، وأصبح الناس يحتفلون في اليوم الثاني عشر من يناير تخليداً لحادثة العجوز، ولم يكن أحد يخرج إلى الرعي في هذه الأيام، تقديراً لقوى الطبيعة واحتراماً لها.
(تبدأ المسرحيّة)
المشهد الأوّل:(ليلة الناير في دوار أريس)
(تدور أحداث المسرحيّة في إحدى القرى الجبلية التابعة لمدينة باتنة و هي تحمل اسم قرية أريس أو دوار أريس)
خلفية المشهد:((ينفتح المشهد على مجموعة من النسوة يحضرن أصنافاً متنوعة من الأطعمة استعداداً للاحتفال بليلة الناير، فتيات يحضرن المكسرات والحلوى من أجل طقوس التراز، والأطفال يلعبون بالقرب منهم، وفي الجهة الأخرى من الركح رجال يذبحون ديكة، وأضحيات سمينة، مع أهازيج من الأدعية والمدائح الدينية)
- لالا فتيحة-مخاطبة النسوة-: يا فحلات الدّوار سبعن سبعن، سبع طعايم وسبع أطباق من كل طعام، وجدن في الكمية مع صفاء النية، ليلة الناير لا يبات فيها جيعان ولا غضبان، يمر عامنا حافلا بالبركات والمسرات.
- سي صالح(زوج لالا فتيحة)-مخاطباً الرجال-: سطوح المنازل في يومنا خضرا ، وعتباتها حمرا، تفتح الأبواب وتيسر الأسباب، ويكون عامنا أخضر وجيبنا أحمر والغلة بالبركة. هيا يا رجال قدام كل باب ديك صداح تعمنا وتعمكم الأفراح.
(يدخل مولود بن صالح "باحث آثار"، يتقدم منه أخوه أحمد " عاطل يحلم بالهجرة إلى الخارج" و جميلة متخرجة من كلية الصحافة).
- مولود: "مسا الخير بابا، مسا الخير يمّا"، ريحة شاهية
- لالا فتيحة: ريحة الناير الباهية
- مولود: صح، ريحة تراب الأرض المبلول بماء المطر، وخبز البلاد الذي تنضجه الرمال الساخنة من شمس بلادي.
- أحمد-مستهزئاً-: هه، ظننت باحث الآثار قد نسي كيف يميز الروائح الزكية، لكثرة مكوثه في سفوح الجبال،
- مولود: لاشيء ينسيني ريحة الجدود، وطيبة المروق، والدم المدفوق من العروق !
- أحمد: صح، لكنه استطاع أن ينسيك رائحة الدولار الطيبة التي يعرضونها عليك كل عام، من أجل حجرك الأثري الذي وجدته على جبل شيليا.
- مولود: عدنا إلى الموال نفسه، قلت لك إنه ليس حجراً عاديّاً، إنّه جزءٌ من التّاريخ، والتاريخ لا يباع ولا يشترى فيما أعلم، وظيفته أن يغذي العقول ويشحذ الهمم.
- أحمد: ماذا تنتظر بربك، أسرع وضعه في المتحف، دع العقول تشبع، ودع عائلتك تموت جوعاً؛ البركة في الناير الذي ذكّرنا برائحة طبق الكسكسي الممرق بمرق الدّجاج المتبل-
- جميلة: والله معه حق، في النهاية يظل مجرد حجر، إذا كانوا يريدونه دعهم يأخذونه، المهم أن تعرف كيف تفيد من الدجاجة إذا كانت تبيض ذهباً.
(مولود يهز رأسه رافضاً الفكرة)
- لالا فتيحة: كفى يا أولاد، على الأقل لا تتشاجروا اليوم. أحمد يا ولدي لا تزعج أخاك !
- أحمد: هه، كنت أعرف دارت دارت وطاحت على رأسي؛ في النهاية أنا دائماً المخطئ، وباحث الآثار المدلل على حق، آه من الأفضل أن أخرج.
- لا لا فتيحة: إلى أين في هذا الجو الماطر، العجوزة العجوزة
- سي صالح: ارجع يا ولد، ليلة الناير ما تحب الجيعان ولا الغضبان. على الأقل لا تخرج خاوي البطن، دع الليلة تمر بسلام.
- أحمد-مستهزئاً-: يا حبيبي"فردة ولقات ختها" الوالد يعتقد بالخرافات، والولد يهيم عشقاً بالأحجار !، حتى الشهية يئذونها في مهدها في هذا الدوار.
(أحمد يخرج غاضباً)
( الأطفال يلعبون، ويسقطون قصعة الحلوى والمكسرات)
المشهد الثاني: (أحمد أمام جبال الأوراس)
(أحمد على جبال الأوراس، يخاطبها ناقماً)
- أحمد: أيتها الجبال التي أخذت عقل أخي، قولي لي بربك ما الذي أغنى عنا شموخك. الوطنية، الأعراف، التاريخ...، كلها وجوه لعملة واحدة الدينار !
(الأمطار تهطل بقوة، والرياح تعصف بحنق، وأحمد يواصل حديثه)
- هيا أخبريني، متى كانت الصخور جزءاً من التاريخ، التاريخ لا يعيش على الصخور إنما يعيش داخل الصدور، ولو كان الصخر ينفع لحمل التاريخ لكفيتنا مشقة حمله، "ويا جبل ما هزك ريح".
(تسقط الصخور من أعالي الجبل، يصاب أحمد بأحدها، يضربها في رأسه، فيسقط مغشياً عليه، تبدأ مشاهد أخرى في المسرحية، يستفيق أحمد في غيبوبته، وتصبح أحداث المسرحية مشاهد تحدث داخل ذهن أحمد وليس في الواقع.
يستفيق أحمد فيجد نفسه أمام سرداب كبير داخل جبال الأوراس الممتدة)
- أحمد: هه، إنها سراديب داخل الجبال، يال العجب لم أكن أعلم بوجود سراديب هنا، سأقترب لأرى.( يدخل إلى مدخل السرداب)
- إنه مظلم وبارد ٌ جداً، ترى إلى أين يوصل؟، يجب أن لا أفوت الفرصة؛ ماذا لو كان مخبئاً للمجهدين أيام الثورة التحريرية، أو ربما ثكنة عسكرية، ابتسمت الحياة في وجهك يا أحمد، إن كان الأمر كذلك، فسأحصل على مال كثير، وأهاجر إلى أوروبا، وأترك باحث الآثار يشتعل في غيضه مع حجره الأثري !
(يسير طويلاً في السرداب حتى يصل إلى نهايته، ويجد حارساً، الحارس هو شخصية مولود ذاتها)
- أحمد- متمتما- وقد رأى الحارس فحسبه أخاه مولود-: يا حبيبي سبقتني إلى هنا أيضاً، لكن كيف وصلت قبلي، أذكر أنني خلفتك في الدوار تنتظر أن تملأ بطنك بالأكل اللذيذ ! (يتقدم من الحارس)
- مرحباً يا باحث الآثار أراك هنا.
- الحارس-متفاجئاً-: من أنت ،وماذا تفعل هنا؟
- أحمد: مولود، يا أخي حبيب أمك وأبيك، هل تتغابى، قبل قليل كنت تدعي أنك حارس للهوية.
- الحارس: مولود، من هو مولود. ماذا تقول أيها الأخرق. تعال معي.
- أحمد: إلى أين تأخذني يا مولود؟
- الحارس: أولا: كف عن مناداتي مولود. ثانيا: يجب أن يراك أسورقون بن شيشنق قائد الأمازغيين؛ من يدري قد تكون جاسوساً من طرف بزونس
- أحمد: انتظر، تقول شيشنق شيشنق ليس غيره؟
- الحارس: أيها الأخرق، وهل هناك شيشنق غيره أصلاً
- أحمد: يا ويلي ! هذا معناه أني عدت عبر الزمن إلى ما قبل الميلاد.
- الحارس: بماذا تتمتم؟
- أحمد: لا شيئ كنت أقول أن الملك شيشنق سيكون أعظم فراعنة مصر على الإطلاق، وأول ملك أمازيغي يحكم الإمبراطورية المصرية، وأول من يصنع للأمازغيين تاريخاً في مصر؛ وسيحتفل بها العنصر الأمازغيي على مدى الزمن.
- الحارس-مستغرباً-: كلام جميل !، يجب على القائد شيشنق أن يسمع ما تقوله أيها العراف، لا شك أنك ستكون عنده من المقربين. نصيحتي لك أن تخبر ابنه أسورقون بنبوءتك، وهو سيخبر والده.
- أحمد: نبوءة !، أي نبوءة، أنا لست عرافاً، أنا مجرد عاطلٍ عن العمل
- الحارس: لم أر قبلك عرافاً متواضعاً، سيكون لك شأن عظيم عند الأمازيغيين عامة وعند القائد شيشنق خاصة. تعال معي.(شده بقوة)
- أحمد: كلما حاولت أن أنجو من هذه المصيبة غرقت أكثر. حتى فيما قبل الميلاد أنت تزعجني، كل المصائب تأتيني منك يا مولود. علي ألا أستغرب ما الذي يأتيني من هذا الوجه.
المشهد الثالث: (أحمد في حضرة شيشنق)
شيشنق: من أنت أيها العراف، وفيما تقول نبوءتك؟
- أحمد-متمتما-: يبدو أني فعلاً في مأزق !، إذا قلت لهم بأني من المستقبل، لا شك أنهم سيعتبرونني مجنوناً، وسيدسون بي في السجن لأتعفن، ليس أمامي إذاً إلا أن " نتبع المهبول لباب داروا"
- أحمد: هكذا تراءى لي، أنت أول ملك أمازيغي يؤسس للعائلة الثانية والعشرين الحاكمة في مصر الفرعونية.
- شيشنق: عجيب !،لم أسمع بهذه النبوءة من عراف أو كاهن قبلك حتى الآن، لا شك أنك عراف قدير، حدثني أكثر يا..
- أحمد: أحمد أيها الملك العظيم.
- شيشنق: حدثني يا أحمد، أريد أن أعرف أكثر.
- أحمد: ستستلم العرش بعد ملك يسمى بزونس، وستكون ملكاً عادلاً، وتحقق نصراً عظيماً، سيحبك شعبك، ويمتد ملكك، وستوحد بين الممالك: الشام، السودان، وفلسطين. واليوم الذي تنتصر فيه على بزونيس وتستلم العرش ي3كون تاريخاً يحتفل به الأمازيغ على مدى القرون، وسيكون ذلك في ليلة عاصفة ممطرة تسمى فيما بعد ليلة الناير المباركة.
-شيشنق-يقف مدهوشاً-: أي عراف أنت يا أحمد، لم أسمع ولم أر كاهناً يقول بمثل ثقتك وحكمتك.
- أحمد: ما أقوله محقق لا محالة يا سيدي، أنا عشته واحتفلت به فكيف لا أكون واثقاً.
- شيشنق: ماذا قلت !
-أحمد: أقصد أني أعيش الأحداث التي أتنبؤ بها إنها قدرتي التي أختلف بها عن باقي العرافين والكهنة.
-شيشنق: دماء مازيغ تجري في عروقك حقاً، من اليوم فصاعداً أعلن أنك صرت الكاهن الأعظم عند الأمازغيين. أسورقون يا ولدي، مر الخياطين أن يخيطوا له ملابس خاصة بالكاهن الأعظم، و أعطه مفاتيح القصر كلها.
- أحمد: ينظر إلى الحارس استفزازاً، ويقول في نفسه: يال الصدف قبل دقائق فقط كنت أستهزئ بالطقوس والخرافات، وها أنا الآن الكاهن الأعظم الذي يمارس الطقوس ويقرأ المستقبل، يال الطرفة ويال المهزلة.
المشهد الرابع: (أسورقون وماكار ابنة بزونس)
أسورقون: ماكار، أنت كل شيءٍ في حياتي، أنت حياتي وموتي، فرحي وحزني، أنت قوتي وضعفي يا ماكار.
- ماكار: كلامك جميل يا أسورقون، لكني خائفة جداً.
- أسورقون: كيف تخافين وفارسك بجنبك، أنت وجودي، وسأحميك بكل ما أوتيت من قوة وبأس.
- ماكار: أبي لن يسمح لنا أن نكون معاً، أنت تعلم ذلك. أخشى أن يزوجني لذلك الروماني الأخرق رومانوف، فقد كثرت زياراته، ووالدي يحبه.
- أسورقون: هو لا يحبه، هي أمور سياسية، على كل حال هو لن يتجرأ على تزويجك له، يعلم أني أحبك وسأقلب القصر على رأسه هو وحليفه. لا أريدك أن تفقدي الأمل، يجب أن تكوني قوية حتى نستطيع مواجهته معاً.
- ماكار: تقول ذلك لأنك لا تعلم ما الذي يحدث في القصر، إنه لا يكف عن مدحه والمفاخرة بمنصبه أمامي ، إنه يتعمد ذلك.
- أسورقون: أعدك يا ماكار أنك لن تكوني لغيري، سنتزوج قريباً ونكون أسرة سعيدة، وننجب الكثير من الأولاد....
- ماكار: أسورقون، عدني أنك لن تتخلى عني مهما حدث، وأنك لن تتركني لوحدي أبداً.
- أسورقون: طبعاً لن أفعل ذلك، أعدك.
- ماكار: لقد أرحتني بكلامك، أنا الآن سعيدة.
المشهد الخامس: (أبوت وأسورقون ووالدهما شيشنق)
- أبوت: بدأت تعلق يا أبي، الناس متدمرون من حالة الفوضى التي أصبحت تعم البلاد والعباد، هذه الحضارة أصبحت كقطعة لحم يتناهجشها الكلاب؛ الطامعون من الداخل والخارج، والفساد والظلم يزدادان يوماً بعد يوم...
- شيشنق: كنت أعلم أن هذا سكون مآل البلاد؛ بزونيس فقد السيطرة على الوضع، وفلتت الأمور من زمامه.
- أسورقون: ماكار أخبرتني أن رومانوف القائد الروماني قد صار يكثر من زياراته، لا شك أن بزونيس يخطط لأمرٍ ما.
- أبوت: لا شك أنه أحس بالخطر الذي يحذق به؛ يرقص رقصة الديك المذبوح.
- شيشنق: يريد أن يتحالف معه ليأمن على نفسه عواقب الانقلاب، هو يعلم أن حظوظنا في استلام العرش أصبحت كبيرة جداً.
- أبوت: أنا أرى أن لا نمنحه فرصة ليقوى من جديد، هو الآن أضعف أكثر من أي وقت مضى، علينا أن نهاجم القصر فجأة.
- أسورقون: تريد أن تصطاد في المياه العكرة يا رجل الدين؟.
- شيشنق: أسورقون إنها الفرصة لتوجيه ضربتنا، الناس متدمرون ويمكننا استقطابهم بسهولة، وبهذا سنكتسب شعبية أكبر، نريد أن ننتزع الملك بطريقة سلمية ما استطعنا إلى ذلك سبيلا، وأنت عليك أن تساعدنا.
- أسورقون: أساعدكم، أساعدكم في ماذا؟ في إطاحة الملك، وماكار المسكينة ما الذي سيحل بها . كيف ستنظر إلي إذا شاركت في إطاحة أبيها عن العرش.
- أبوت: ماكار، ماكار، أنت أمازيغي أم ماذا بربك؟
- أسورقون: نعم، أمازيغي عاشق.
- أبوت: على كل لسنا محتاجين إلى مساعدتك، أنا رجل دين، ويمكنني استقطاب الناس بسهولة. لكني لا أفهم كيف يمكنك أن تعيش بهذا العار، خذلت قومك ووطنك، وتنكرت لدمك من أجل مصرية متكبرة.
- شيشنق: كفى يا أبوت، لا تضغط على أخيك أكثر من ذلك هذا ليس وقت الجدال والشجار. أنا متأكدٌ أن أخاك سيختار الأصح يوما وفي الوقت المناسب.
المشهد السادس: (أسورقون كاهن الأمازغين الأعظم أحمد)
- أسورقون: أخبرني يا أحمد كيف تتنبأ بالمستقبل؟ كل ما تقوله يحدث، كأنك تقرأ الأفكار، وتعلم النوايا.
- أحمد: لا تسألني يا أسورقون، هناك أمور لا يمكن أن نكشفها، وهناك أسئلة لا يمكن أن نجيب عنها؛ بقاءها غامضة أفضل لها.
- أسورقون: كلامك يدل أنك تخبئ عني سراً كبيراً، أنا صديقك ها؟
- أحمد: لست صديقي فقط، أنت أخي الذي لم تلده أمي، ولكن يا أسورقون هناك أمور يجب أن لا نعرفها، كالموت مثلاً، هو في علم الغيب ولا يجب لأحد أن يعلمه حتى تستمر الحياة، وإلا فسد شأنه، وساء حاله. وجودنا في هذه الحياة مبني على المفارقات والمتناقضات؛ الحياة تسير إلينا وهي تعرفنا، ونسير إليها ونحن نجهلها، لكن في النقطة التي نلتقي فيها ستنقلب الموازين سنعرفها و ستجهلنا.
- أسورقون: كلامك غارق في الفلسفة، لكني لم أفهم جملتك الأخيرة.
- أحمد: الحياة تسير إلينا وهي تعرفنا لأنها تحمل أمانة لنا، هذه الأمانة هي أقدارنا، لكنها عندما نلتقي وتسلمنا قدراً ما في أي مجال كان، تجهل ماذا سيكون ردة فعلنا، هل سنقبله، هل سنسعى لنغيره أم نستسلم بسهولة. لكننا نعلم ذلك فقط في اللحظة التي نواجه فيها مصيراً محتوما. إبراهيم عليه السلام كان يحب ولده إسماعيل حباً عظيما وكان يسير نحو الحياة بهذا الحب معتقداً أن لا شيء يمكنه أن يساومه على ابنه، لكن الحياة كانت تسير إليه بأقدار وهي تعرفه إنه خليل الله وابنه اسماعيل قرة عينه، لكن في اللحظة التي امتحن فيها ابراهيم بذبح ابنه جهلته الحياة لكنه علمها، الامتحان صعب والولد عزيز لكن هناك من هو أعز وأجل الله عزوجل، لذلك قرر ذبحه، ولكن الله علم ذلك منه مسبقاً ففذا إسماعيل بكبش عظيم. أنت مثلاً يا أسورقون الحياة تسير إليك محملة بأقدار غريبة وهي تعرفك فأنت العاشق الولهان لكنك تجهل كل ما تحمله إليك، حب ماكار يقودك إلى نهاية ما، تلك النهاية التي تستلم فيها أمانتك، عندها تعرفها وتجهلك، كل إنسان يعرف الحياة في موقف يراه أصعب المواقف، وبناء على هذه المعرفة سيقرر قراره الحاسم والأخير، قرارا قد يغير مجرى الأحداث، وهذا هو علم الغيب الذي لا يسبق علمه إلا الله.
- أسورقون: لهاذا لا تريد أن تخبرني بماذا سيحدث في المستقبل؟
- أحمد: نعم، هو ذاك.
- أسورقون: كل ما قلته قد يكون صحيحاً لكنه لا يهمني، كل ما يهمني أني أعرف متى أموت وهذا لا يخيفني بل يمنحني السعادة التي أريدها وأحلم بها. إذا أخبرتك متى أموت وصدقتك القول هل ستخبرني سرك؟.
- إن كنت صادقا سأفعل !
- أسورقون: أنا أموت عندما تكون ماكار بقربي، وأحيى عندما تكون بعيدة عني.
- أحمد: مزحة جميلة.
- أسورقون: ليست مزحة، إنها الحقيقة؛ وجود ماكار في حياتي يجعلني أدور حولها، أعيش من أجلها وأحيى فيها ولها، أشعر أني كمن هو متجمدٌ في نقطة واحدة. كأنها محور الأرض.
- أحمد: إن أخبرتك بحقيقتي هل ستصدقني؟
- أسورقون: طبعاً، أنت لا تكذب عن المستقبل فكيف تكذب عن الحاضر.
- أحمد: أسورقون، أنا، أنا...
( يدخل أقور، رجل من الصم البكم، أحذب، وفي يده مجموعة من الحجارة الملونة، يسقط حجارته فييسقط بسرعة خلفها يلمها بحرص)
- أحمد: من هذا الشاب؟
- أسورقون: إنه أقور، قبل أن تظهر أنت في حياتي كان هو صديقي الوحيد، رغم أنه من الصم البكم.
- أحمد: حقاً، لكن كيف تفهم عنه، وكيف تتواصل معه مادام كما ذكرت؟
- أسورقون: لهذا هو صديقي، أسراري أقولها له ولا أخاف أن يكشفها لأحد، إنها تموت فيه عندما تعيش معه يا أحمد.
- أحمد: معك حق، الأسرار يجب أن تموت فيمن تعيش معه.
- أسورقون: تذكرت، كنت ستخبرني عن سرك قبل أن يقاطعنا أقور.
- أحمد: انس يا صديقي، انس هذا أفضل لي ولك.(محدثا نفسه: يال غرابة الحياة، قبل دقائق فقط كنت أنعت الاحتفال بالخرافة والطقوس، والآن حياتي كلها خرافة)
أسورقون: ماذا قلت؟
- أحمد: لا شيء. قلي ماهذه الأحجار التي معه؟
- أسورقون: إنها من العاج، وهو يصنع بها قلائد للأمازغيين، لقد ورث الحرفة عن والده،
- أحمد: لقد قلت أنه من الصم البكم، كيف تتواصل معه، أقصد ما سر الصداقة التي بينكما؟
- أسورقون: لآقور طريقته الخاصة في التواصل، وأنا أفهمها جيداً، هذه القلائد التي يصنعها مثلا أحب إليه من نفسه؛ هو مستعدٌ للموت من أجلها في أية لحظة.
- أحمد: غريب، إنها مجرد حجارة.
- أسورقون: و ما الغريب في ذلك، إن قيمة الشيء ليس في ذاته، بل فيما نعطيه إياه من قيمة، الراية مثلاً أليست مجرد خرقة لكننا نموت من أجلها في الحرب، إن الأشياء لا تملك قيمتها يا أحمد، نحن نمنحها إياها وما نريده أن يكون عظيما عظمناه في نفوسنا، وما أردناه حقيرا حقرناه، وقد يختلف الناس في النظر إلى الشيء الواحد ذاته.
- أحمد: نعم هذا صحيح، حتى الوطنية وتتفاوت درجاتها من شخص لآخر.....
- أسورقون: صح، وحتى علاقتنا بربنا هي كذلك يزداد حبنا له كلما عظمناه في نفوسنا، والناس متفاوتون من حيث الإيمان. كل شيء في هذه الحياة رهن نظرتنا إليه.
- أحمد: وقد لا يفهم أحدنا الآخر، حتى ولو كان هذا الآخر من دمنا ولحمنا. محدثا نفسه:(أنا مثلا لم أفهم يوما باحث الآثار، كان كل ما يفعله ويوم نبه غريبا بالنسبة لي)
- أسورقون: ليس هذا فقط يا أحمد، أحيانا نحن نجهل حتى أنفسنا، لا نعرف ماذا نريد وتتصارع الأفكار في عقولنا. حياة الإنسان في دنياه غريبة فعلا، إنها كسراديب مظلمة نسيرها ونحن معصوبي الأعين.
- أحمد: سراديب، السراديب أكثر شيء يخيفني الآن. كل ما أنا فيه بسبب السراديب
- أسورقون: ماذا قلت؟
- أحمد: لا شيء.
المشهد السابع:(بزونيس مع رامانوف قائد روماني)
- بزونيس: رامانوف، أيها النبيل الشهم(يضع يده على كتف رومانوف، فينزعج بشدة، ويدفعها بقوة قائلاً)
- رومانوف: أبعد يدك عني يا بزونيس، أنا لا أحب أن يضع أحد يده على يدي، أريد من يضع يده في يدي.
- بزونيس: أيها الموقر رومانوف، أنا لا أضع يدي في يدك فقط، أنوي أن أضع حياتي كلها بين يديك(ينظر إلى غرفة ماكار)
- رومانوف-وقد فهم قصده-: أعترف بأنه عرضٌ مغر، لكن ماذا عن ذلك البربري؟
- بزونيس: أسورقون: أسورقون يا صديقي ليس إلا مجرد سيف أقطع به رأس شيشنق ثم أرميه كخردة لتصدأ في العراء.
- رامانوف: ما الذي يجعلك متأكدٌ من ذلك؟.
- بزونيس: هو يحب ماكار كما تعلم، وحال العاشق معروف، نضع العصفورة في القفص ثم نخرجها لترى البراري وتحلم بالحرية، ولا أحد بعدها سيقف أمام تغريداتها إذا تظاهرنا بفتح باب القفص لها.
- رومانوف: بزونيس، أتعرف ما الذي يقضي على الرجال العظماء؟ غرورهم. غرورك يا بزونيس سيدمرك، أنت لا تعرف من هؤلاء البرابرة الأمازغيين، إنهم شعب لا يقبل أن يهان، قومٌ أبيٌّ، كريمٌ وذو عزة وأنفة. وفي الوقت الذي يشعر أحدهم بالإهانة يتحول إلى وحش كبير؛ يكسر كل القيود و يتعدى كل الطابوهات، فاحذر منهم ولا تستهن بهم.
- بزونيس: أنت تحمل الأمر أكثر مما يحتمل يا رومانوف، هؤلاء الأمازيغ البرابرة مجرّد جردان هاربة من القحط والجفاف الذي حل عليهم في أوطانهم"شبع وطبع"
- رومانوف: برابرة صح، جرذان ممكن، لكنهم استطاعوا أن يراودوك عن عرشك يا بزونيس، احذر" العود لي تحقروا يعميك"
- بزونيس: لهاذا أريد أن نتحالف معاً، ثم عليك أن لا تنس بأننا سنصبح أنسباء في المستقبل، تصور: ابنة فرعون مصر الحسناء ماكار مع القائد رومانوف
- رومانوف: بزونيس، أنت أحمق كبير، هل تظن أني أتحالف معك من أجل ماكار، أنا لا أنكر أنها حسناء مصر، لكني أريد أن أوقف ذلك المتمرد عند حده، قبل أن يستفحل الداء،ويستحيل الدواء؛ شيشنق إذا وصل إلى العرش فإنه سيوحد بين الممالك: الشام، السودان، وفلسطين، وأنت تعلم، وحدتهم ستهدد ملك الرومانيين وأهدافهم.
- بزونيس: حذقٌ كعادتك يا رومانوف( يضع يده على يد رومانوف)
رومانوف: قلت لك أبعد يدك عن يدي يا بزونيس.
المشهد الثامن: (بزونيس وابنته ماكار)
ماكار: ما الذي فعلت يا أبي، أنت تعرف أني لن أتزوج غير أسورقون، حبه يجري في عروقي، لماذا وعدت رومانوف بذلك يا أبي؟
- بزونيس: ماكار، صغيرتي، أنت لا تعرفين مصلحتك و�