authentication required

تقرير: محمد الصبروت

من “شجرة اللبلاب” حلق الممثل المصري محمود عبدالعزيز بدنيا الفن، كان باحثا سكندريا بالزراعة، لا تنقصه الوسامة، لكن الأهم أنه اتسم بخلطة عجيبة من مكونات الشخصية المصرية، وقد جسدت رحلته السينمائية والدرامية بعمق حال المصريين في النصف الثاني من القرن العشرين، وجعلنا بعفوية شديدة نضحك ونبكي من هموم المجتمع والسياسة .. والإنسان .

وستجد أن النصوص التي جسدها محمود عبدالعزيز منذ السبعينات وحتى اليوم موقعة بأسماء ألمع أدباء مصر وكتابها، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر ، عبدالحميد جودة السحار ونجيب محفوظ وإحسان عبدالقدوس ومحمد عبدالحليم عبدالله ويوسف السباعي وصولا لوحيد حامد ورأفت الميهي وبشير الديك وإبراهيم أصلان ومحمود ابوزيد وصلاح مرسي وغيرهم.

من منا ينسى بطل المخابرات المصرية “رأفت الهجان” أو الجاسوس منصور في “إعدام ميت” أو “شركس” الذي يمتهن معتقلا بريئا، أو حتى مرشد السياحة الذي يحلم بالأمان بعد الغزو الأمريكي للعراق. تذكرون كم تألمنا وضحكنا مع الموظف وسائق التاكسي في “الشقة من حق الزوجة” أو ذلك الذي جمع بين زميلاته الأربع في “سيداتي سادتي” ، وضحية الأنترلوب في “جري الوحوش”، هو من سأل زوجته سؤالا موجعا في “تزوير اوراق رسمية”، ومن تبنى “عذراء” فأحبته، وهو أيضا الفلاح الذي غير نجمة السينما بـ”البشاير”.

كلنا نتذكر الطبيب المصاب بلوثة بعد فقدان بضاعة المخدرات “العار” ، والمطرب الهابط الذي يندم متأخرا بعد دمار “الكيف، كما نذكر ندم “رأس الغول” و”أبوهيبة” من قبل. هو الشيخ حسني المتفائل برغم قسوة الكيت كات وبطل ثورة “الجوع” وسط الحرافيش، وهو اللص في “كلنا لصوص” ورجل الأعمال ضحية السياسة “المصري” .

سيكون رحيل الفنان محمود عبدالعزيز عن دنيانا مؤخرا سببا كافيا لأن يتذكر المصريون الوجوه التي قدمها من واقع حياتهم ولا تزال تؤثر بوجدانهم.. وفي السطور التالية نتذكر بعضا منها

نفوس حائرة

قدم محمود عبدالعزيز العديد من القصص الإنسانية المؤثرة عبر شاشة السينما، وكانت مرحلة السبعينات والثمانينات ذروة نشاطه الإبداعي، وبرغم تميز أغلب أفلامه لكن بالطبع شابت رحلته التي تخطت الثمانين فيلما أعمال لم تؤثر بذاكرة الجماهير ، بعضها جاء بقصص متكررة بالسبعينات وبعضها بنهاية التسعينات والألفية، وجاءت أقرب للصبغة التجارية الرائجة بين الشباب حاليا والمعتمدة على خلطة العنف والإثارة الجسدية، أو تيمة البطل الخارق المغامر بدون مضمون فني فريد، وبالطبع يظل السجل حافلا بالمنجزات الهامة .

سنبدأ من محطة يتذكرها الجميع بحب شديد، فيلم “الحفيد” لمؤلفه عبدالحميد جودة السحار ، 1974، وكان “عبدالعزيز” يجسد دور المهندس الزراعي زوج الابنة الكبرى، الذي يرفض في البداية الإنجاب فتقنعه حماته بالعدول عن ذلك ويكون “سبوع” ابنهما وما صاحبه من فرحة وآمال سببا بعودة الشقيقة لزوجها وتغير نظرة عديله بمسألة الإنجاب وعلاقته بالطموح .

ولا ينسى أحد منا بطل الملحمة الشعبية الشهيرة “شفيقة ومتولى” لمؤلفه شوقي عبدالحكيم وسيناريو صلاح جاهين ، 1978، وفيها رمزية لحال البلد الضائعة، فنرى متولي الفلاح البسيط يعود من تجنيده بالجيش ليكتشف أن قريته تتحدث عن سمعة شقيقته الملوثة، والتي تقع أسيرة خداع ابن شيخ البلد و أحد تجار العبيد ، وبعد أن يقرر ذبحها للتخلص من العار تسبقه رصاصات أفندينا كي لا تشي بسره!

مسلسل “شجرة اللبلاب”

ويعد مسلسل “شجرة اللبلاب” عن قصة محمد عبدالحليم عبدالله وسيناريو محمد عبدالرحمن، والذي لعب فيه محمود عبدالعزيز دور البطولة 1976 من أهم الأدوار التي جسدت المحنة النفسية للإنسان بعد تجربة اليتم وموت الأم مبكرا، وخيانة زوجة الأب، وهو ما يدفع البطل لرفض الزواج بمن أحب والتي تموت لتكون شجرة اللبلاب عاملا محركا لشجونه الدائمة .وقد كانت تيمة الخيانة أيضا عنوانا لأول قدمه الفنان للدراما مع مسلسل “الدوامة” 1973 لإبراهيم الورداني، حيث يلعب دور صديق البطل الذي يعاني عقدة خيانة أمه وشكوكه الدائمة بزوجته وانحرافه للإجرام.

وتعد تلك التيمة المعبرة عن الخيانة رائجة كثيرا بأفلام السبعينات ومنها “فقراء لا يدخلون الجنة” 1984، لمؤلفه مدحت السباعي، ويعاني الطفل من حالة نفسية لرؤيته أبوه يقتل أمه الخائنة وإيداعه بالملجأ وقتله لاحقا للمعلم ياقوت دفاعا عن شرف جارته، وإيداعه مصحة بعد اعترافاته!

لكن “عبدالعزيز” قدم أيضا شخصية الخائن في دوره بفيلم “أرجوك اعطني هذا الدواء” عن قصة إحسان عبدالقدوس، وهو الزوج صاحب الغراميات والذي تتعرض زوجته لأزمة نفسية حادة لمعرفتها بسلوكه المشين وتموت بحادث مؤلم ، فلا ينفعه الندم.ومع إحسان عبدالقدوس مجددا، يظهر “مدحت” صديق الأسرة العائد من الخارج بفيلم “لا يزال التحقيق مستمرا” والذي يخون صديقه بعلاقة آثمة مع زوجته، وتدبر هي لمقتله وتسليم زوجها للشرطة بعد إيهامه بضرورة ذلك، فينتهي الأمر بمقتلها ومقتل عشيقها ! ويلعب محمود عبدالعزيز دور المحتال أيضا على فتاة يتيمة ثرية بـ”لكن شيئا ما يبقى” لمؤلفه فتحي أبوالفضل، والذي يتزوجها ويجلب معه عشيقته زاعما أنها شقيقته، ويحصل على توكيل مصانع زوجته، ولكنه يقع بحبها ويتنكر لشريكته بالجريمة، والتي تموت تاركة طفلها للزوجة الجديدة!

أما في فيلم “العذراء والشعر الأبيض” لإحسان عبدالقدوس أيضا، 1983، فنرى دراما إنسانية إجتماعية وهنا “مدحت” الشاب الفقير الذي تتزوج منه دولت الغنية ويتبنيان طفلة لعدم إنجاب زوجته، وهي التي تكبر وتحب أبيها ونرى كيف سيحتويان مشاعرها الجامحة حتى تصل لبر الأمان مع من يأتمناه عليها.

وفي “ضاع العمر يا ولدي” 1978 رائعة “المرأة المجهولة” لمدام إكس، يكون الفنان هو ابن سيدة يطاردها زوجها السابق العاطل السجين ويبتز زوجها الجديد الذي انتشلها من الانتحار، فيسافر الأب والابن هربا من الفضيحة، وتجرب هي طعم الضياع، ثم تتكشف براءتها تدريجيا عبر نفس الابن الذي يصبح وكيلا للنيابة ويتولى – دون علم- قضيتها!

ومرة ثانية مع دراما إنسانية لأم في “حب لا يرى الشمس” لمؤلفها محمود ابوزيد 1980، نرى الابن الثري بضغط أبيه يتزوج فتاة فقيرة تنجب له بدلا من زوجته العاقر، ويطلقها ويحرمها ولدها وحين تعود كمجرد “مربية” تكتشف موته!

أما “تزوير في أوراق رسمية” وهو فيلم لمؤلفه صلاح فؤاد ، 1984، مأخوذ عن مسرحية عالمية، فيكون دور محمود عبدالعزيز هو الأب الذي يرفض إخبار زوجته الأولى بولدها الحقيقي بعد أن تموت الثانية أثناء الولادة وتمر الأيام بسلام حتى يموت أحدهما، فما يكون من زوجته إلا رفض معرفة من كان ابنها!

أبوالفتوح بفيلم الطوفان

وفي فيلم “الطوفان” لمؤلفه بشير الديك 1985، نرى “أبوالفتوح” الذي يتواطأ لقتل أمه طمعا بحيازة الأرض وعدم ذهابها خارج الأسرة! ونرى كيف تتحول الإنسانية لقسوة بـ “دنيا عبدالجبار” لعصام الشماع 1992، فهو صول بوليس ، يرفض الثأر لأبيه لعدم رغبته بإراقة الدماء ويفشل في أن يشغل مكان “عشماوي” بالسجن، ويتعرض رغم قوته لأذى المتربصين به وبزوجته الجميلة بالحارة، حتى يعتزل الجميع بالجبل ويعود شخصا قاسيا يعلق المشانق لخصومه ، فينتهي أسيرا مجددا بيد العدالة!

ومن الشخصيات الغريبة التي جسدت قسوة السجن، “أحمد” بطل “سوق المتعة” لمؤلفه وحيد حامد ، وعرض سنة 2000، والذي يقرر بعد خروجه بناء سجن كبير يمارس فيه ما اعتاد عليه طيلة حياته، ويستضيف رفاق السجن وينظف دورات المياه كما كان يفعل، وينغرس بالملذات المحرمة من نساء وسرقات ولكنه يفيق متأخرا بعد أن تحول لصورة حيوانية ويقرر مواجهة المتسببين بعقدته، وهو من نوعية الأفلام الهامة وإن شابته كثير من المشاهد الخارجة.

ومع وجه إنساني جديد، يطالعنا محمود عبدالعزيز في مسلسل البشاير عام 1988 لمؤلفه وحيد حامد، نموذج للعودة للحياة الفطرية بعيدا عن الأضواء، ويكون “أبوالمعاطي” الذي يقرر العودة من الغربة وزراعة أرض سببا بتغيير النجمة “سلوى” التي تقودها أقدارها للتصوير بمزرعته، فتكتشف أنه يملك كل شيء وتبدأ حياة جديدة بسيطة مع أهل هذا المكان .

الشيخ حسني .. الكيت كات

ويظل الشيخ حسني ابن الحارة المصرية في “الكيت كات” رائعة إبراهيم أصلان 1991، أحد أبرز أدوار الفنان الراحل، لرجل ذو نكات لاذعة وقلب أبيض تعمل بصيرته بدلا من بصره المفقود على كشف هموم الحارة من فقر ويأس للشباب بدون عمل ودخل وانحرافات الجميع الأخلاقية، ولكنه برغم ذلك يظل أيقونة للأمل والبسمة.

من الصعاليك للفهلوية .. وتجار الموت!

عشرات الأفلام قدمها محمود عبدالعزيز ، تلك التي ترصد غياب القانون وضياع الشرفاء وصعود المنتفعين من تجار السلاح والمخدرات والذي تزامن مع حقبة السبعينات والانفتاح الاقتصادي وما تلاها من تبعات .

ولعل أحدث مثل قريب لذلك هو “محمود المصري” أو المسلسل الذي قدمه الفنان الراحل لمؤلفه مدحت العدل مؤخرا، فهو رجل أعمال عصامي من الاسكندرية، يهاجر من قسوة الأوضاع بعهد عبدالناصر بعد تأميم ممتلكاته ويعود بعصر الانفتاح، ويواجه منافسة غير شريفة من حيتان السوق، كما يمنى بخسارة من أحبها قلبه بعد أن طاردها خصومه بفضائح ملفقة فقررت السفر للأبد. وعلى العكس نجد “رأس الغول” لمؤلفه وائل حمدي، وهو مسلسل عرض مؤخرا أيضا، عن رجل أعمال متورط بالفساد وتبحث عنه العدالة، ولكن بأثناء البحث عنه تتكشف طبيعة الأوضاع التي تدير بها الحكومة البلد !

وعودة للماضي ، فنرى رائعة إحسان عبدالقدوس “يا عزيزي كلنا لصوص” وهو من وجد نفسه بلا ثروة بعد حجز رجال الثورة على قصر أبيه ضمن التأميم، فيقتفي أثر رجل أعمال فاسد صعد بالتدليس ويعيش بأسلوبه ثم يبتزه بأوراق سرقها من قصره ويسجنه، بمنطق “كلنا لصوص”!

وعلى النقيض نرى شرفاء كبطل “وجها لوجه” 1976ضابط يقتل شقيقه تاجر الآثار المصرية . والضابط أيضا في “السادة المرتشون” الذي يكشف ستر تورط زوج حبيبته القديمة الموظف بوزارة الصحة باستيراد أغذية فاسدة، وهو ما يتسبب بموت شقيقته وأولادها بعد تناول تلك المعلبات !

وتظل المخدرات هي القضية الأهم التي كشفتها أفلام الفنان الراحل ، فنذكر الضابط بـ”مملكة الهلوسة” والذي يوقع تجار الكيف بالاسكندرية بعد انتشار ضحاياهم. والطبيب بفيلم “العار” 1989 لمؤلفه محمود أبوزيد، حينما ينتهي الحال بابن العائلة المحافظة للتخلي عن وظيفته والإصابة بلوثة عقلية بعد فقدان “البضاعة المحرمة” في الملاحات، كما يضرب شقيقه رجل القانون النار على نفسه، فيما يجزع ثالثهما الذي فتح عليهما باب تجارة المخدرات وماتت زوجته!

فيلم العار

ولا ننسى بالطبع المطرب الشعبي الهابط صاحب أغنية “كيمي كيمي كا” و”ابن العائلة المحترمة” في “الكيف” لمحمود أبوزيد، والذي يحاول شقيقه الكيميائي انتزاعه من براثن تعاطي الحشيش بإعطائه مادة عشبية شبيهة بالتأثير وغير مضرة، فينتهي الحال بقبضة “بهظ” امبراطور المخدرات، الذي يتعاون معه بصفقة لترويجها مقابل حياة رغدة للشقيقين، فيفيق الكيميائي وقد تم غشها بمواد مميتة للشباب، ويسقط هو نفسه ضحية بعد إجباره على التعاطي، ويندم أخوه في وقت لا ينفع الندم!

ومن تجارة المخدرات لتجارة السلاح، تنويعة على ما جرى بمصر بعقدي السبعينات والثمانينات، فنرى “شيخون” بـ”أبناء وقتلة” 1987 لاسماعيل ولي الدين، الذي يعيش من تجارة السلاح ويقتل زوجته التي باعت سره وأدخلته السجن وتزوجت من الضابط، وتكون رصاصات سلاحه سببا بموت ابنه أمام عينيه دون أن يدري!

أو “أبوهيبة” كبير “جبل الحلال” لمؤلفه ناصر عبدالرحمن ، وهو مسلسل عرض قبل عامين، لرجل يتاجر بالسلاح والمخدرات والآثار ويصبح أحد أهم رجال الأعمال، وبعد صراعات مع أعدائه يغير مجرى حياته ويقرر أن يتبرأ من ماضيه! أما “إبراهيم الأبيض” فيتناول العنف السائد بطبقات المهمشين بالحارة المصرية، وهو فيلم لمؤلفه عباس أبوالحسن ، قدمه عبدالعزيز 2009، ويجسد دور تاجر سلاح يتعرض للقتل على يد عصابة فيتحول ابنه للانتقام بشكل وحشي، وهو من الأفلام التي تم انتقادها لجرعة الدماء والعنف الزائدة على الشاشة.

وحينما نتأمل أفلام محمود عبدالعزيز التي عبرت عن قاع المجتمع، تظهر رائعة نجيب محفوظ “وكالة البلح” ونرى “عبدون” الزوج السابق لنعمة الله المعلمة التي تمتد علاقاتها برجال الصفقات الكبار، وهو صعلوك بالوكالة ينتهي به الحال لمحاولة قتل زوجها الجديد الذي حولته من صعلوك لسيد الوكالة، فيكون منها أن تفتديه برغم تركه لها واستقلاليته وزواجه بعيدا عن الحارة .

ويجسد الفنان محمود عبدالعزيز في “الصعاليك” لمؤلفه داوود عبدالسيد ، دور رجل يعمل مع صديقه على تهريب المخدرات بالإسكندرية، وبعد انتقالهما لحياة الترف، تصبح لهما علاقات نافذة بالمسئولين ويكون هذا الرجل عضوا بالبرلمان وصاحب “أعمال خيرية مشهورة” ، وينسى له صديقه خيانته مع زوجته فترة سجنه، ولكن تتطور الأمور ليقتل البطل صديقه الذي كاد يهدم كل ما بنوه “من حرام” بالاعتراف وفضح المرتشين وتجار أراضي الدولة!

ومع رائعة محفوظ الحرافيش، يجسد محمود عبدالعزيز بطولة “الجوع” بالثمانينات، حيث ينتهي الحال بالحارة الفقيرة للثورة ضد الفتوة الظالم الذي يحرمهم الطعام ويسجنهم .

ومع مطلع التسعينات نشاهد “أبوكرتونة” أحد العمال المتصدين لفساد شركة مصرية للألبان تنهب بمعرفة مديريها ، فيما نراه بفيلم “علامة معناها الخطأ” محاسبا يتعرض للسجن بدلا من المفسدين، حينما يقرر فضحهم، وينتهي حاله للانتقام منهم والإيقاع بهم بيد العدالة . كما يتعرض المهندس بطل “الرحلة المشبوهة” لتلفيق تهمة بسبب نزاهته في تراخيص البناء، ويسجن ظلما ثم يخرج ملاحقا من تسببوا بمعاناته .

وأخيرا نرى رئيس القرية الفاسد التي تنتظر “زيارة السيد الرئيس” وهو فيلم لبشير الديك 1995، ونرى ما نعايشه بواقعنا فعلا من تزيين القرية وتجميل أوضاعها “بالزور” كي تعجب المسئول .. لكن تكون المفاجأة مرور قطار الرئاسة دون التوقف بالقرية!

هم .. يضحك

لا ننسى أدوار محمود عبدالعزيز التي طرحت هموم المجتمع وطبقاته بروح الفكاهة اللاذعة، فنرى قضية محدودي الدخل بالطبقة المتوسطة بفيلم “الشقة من حق الزوجة” لمؤلفه فراج اسماعيل 1985، والموظف الذي يشتري تاكسي فيدور بدوامة طوال النهار تنتهي بتطليق زوجته المتبرمة، قبل أن يعودا لرشدهما في حياة صعبة.

ومع قضية تفشي العنوسة ، نرى الدكتور “محمود” بطل “سيداتي آنساتي” لرأفت الميهي، والذي يتقاضى أقل من أجر الساعي بشركته، ويقرر لتحسين دخله التزوج من أربعة من زميلاته ، وتدور أحداث كوميدية خاصة بعد اشتراطهن وضع العصمة بأيديهن.

أما بطلة “السادة الرجال ” فهي تعاني إهمال زوجها لحقوقها بالمنزل، ويكون “أحمد” هو زوجها الذي يفاجأ بتحولها لرجل، ولكن بمشاعر أنثى! ويعود عن معاملته السيئة بعدما شاهده من تفسخ أسرته وفقدان طفلهما للحنان .

ومع عالم المتاجرين بأحلام المتزوجين بالإنجاب، نرى بطل “جري الوحوش” لمؤلفه محمود أبوزيد، يرضخ لانتزاع فص “انترلوب” بالمخ لحاجته للمال، وبغرض تقديمه لرجل لا ينجب، فينتهي به الحال بلا عقل! أما الطبيب بطل “سمك لبن تمر هندي” فيعود لقريته راكبا حماره، بعد أن يفشل في مجتمع يستغل البسطاء لجني المال !

بطل وخائن .. على طاولة السياسة

جسد محمود عبدالعزيز العديد من الأدوار الهامة ذات الطابع الإنساني السياسي، وقد شهدت مرحلة السبعينات أتون حرب مستعرة مع الكيان الصهيوني وتبعتها عمليات سياسية مختلفة بحلول الثمانينات وصعدت هيمنة “العمة أمريكا” على بلدان العرب بامتياز.

وحين نتذكر رائعة يوسف السباعي “حتى آخر العمر” بعد حرب أكتوبر، نرى البطل الذي يعود من جبهة المعركة مشلولا ويشك بزوجته التي غاب عنها سنتين وكان حبيبها القديم إلى جوارها بكل مكان! ولكنها تنجح بإثبات إخلاصها بمرور الوقت .

وبالطبع نتذكر جميعا ثلاثية “رأفت الهجان” التليفزيونية، والتي أحدثت دويا، وكانت قصة صالح مرسي مبنية على قصة واقعية لجاسوس مصري “رفعت الجمال” تم زرعه بالمجتمع الإسرائيلي لصالح المخابرات المصرية .وهذا المسلسل استعرض دأب المخابرات على تجنيد عناصر لتوفير المعلومات عن الكيان الصهيوني والتحديات التي واجهت العميل المصري بتل أبيب وطبيعة المجتمع الإسرائيلي من الداخل وشبح الموت الذي يداهم من يقتحمه والتضحيات العائلية من أجل الوطن.

كما يقوم “عصام” بطل “فخ الجواسيس” لمؤلفه إبراهيم مسعود 1992، بدور بطولي بعد معرفته بتورط شقيقته في التخابر لصالح إسرائيل، وادعاء مقتله خلال ضربة إسرائيلية لإحدى قواعد الصواريخ الجديدة فى مصر، فتندم الشقيقة التي كانت كارهة للنظام بعد تأميم ممتلكات والدها، وتصبح من حيث لا تدري فخا للإيقاع بالجواسيس.

وعلى الجانب المناقض للوطنية، يكون منصور بطل “إعدام ميت” خائن للوطن وعميل للمخابرات الإسرائيلية وبرغم محاولات المخابرات المصرية تجنيده لصالحها إلا أن الخيانة تظل تطارده ويقتله أبوه الشيخ البدوي بيده بعد علمه بحقيقته !

الأستاذ الجامعي .. قانون إيكا

ومن الأفلام التي تكشف فساد الأوضاع بنهاية الستينات، “قانون إيكا” لأحمد صالح، 1991، ويجسد محمود عبدالعزيز دور الأستاذ الجامعي الذي تموت زوجته من شدة تعذيبهما بالمعتقل لآرائهما المنتقدة للنظام السائد، وحين يخرج يترك دراساته ويتجه للراقصة إيكا تاجرة المخدرات، ويعود لحياته الطبيعية ويكشف المتورطين بمأساته بعد معاونة زملاء الماضي.

أما “شركس” الضابط بأحد المعتقلات في فيلم “البريء” لوحيد حامد، فيتجرد من إنسانيته بعد معاملته للثوار المتعلمين بشكل وحشي، وبالفعل يتم غسل دماغ شاب بريء من المجندين ويظن أن كل المعتقلين أعداء، حتى يتعرف على شاب جامعي ويتعاطف معه ويفهم معنى الوطنية.

ونمر سريعا لنرى ضحايا الغزو الأمريكي للعراق، وفيلم “ليلة البيبي دول” 2008، حيث يصاب مرشد سياحي مصري بالحرب الدائرة بالعراق فيفقد قدرته على الإنجاب، ويحلم بلقاء زوجته بعد سنوات من العودة للأمريكا، لكنه يصطدم بصديقيه وأحدهما كان ثائرا بالجامعة وتحول لسائق تاكسي!، والآخر كان من أبطال الحرب و تحول لإرهابي يرغب بنسف الفندق الذي ينزل فيه مسئولون أمريكيون بمصر، بعد تعذيبه الوحشي بمعتقل أبي غريب، وهو ما ينتهي بمقتله على يد قوات الأمن بعد كشفهم لنيته!

.. سجل حافل لفنان مصري قدم الشخصية المصرية من الحارة للقصر، وفي أزمنة متغيرة، وعكست أعماله تبدل القيم بالمجتمع وعلاقة ذلك بالسياسة، والأهم أنه فعل كل ذلك بخفة ظل اشتهر بها وطلة عفوية أصيلة جعلته جزء من ذاكرتنا كمصريين.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 


  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 100 مشاهدة
نشرت فى 17 نوفمبر 2016 بواسطة akherkalam

موقع اخر كلام

akherkalam
موقع اخر كلام صحافة حرة والخبر فور حدوثة رئيس مجلس الادارة ورئيس التحرير :محمد الصبروت /ت 01225288308-01004211282 »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

292,638