العقل في اللغة : مصدر عقل يعقل ، وأصل مادته الحبس والمنع وسمي عقل الإنسان عقلاً لأنه يعقله أي : يحجزه عن الوقوع في الهلكة ، ولذا سمي أيضاً حجراً ، لأنه يحجره عن ارتكاب الخطأ ، وسمي كذلك : نهية ، لأنه ينهى صاحبه عن فعل ما لا يحمد . وقال بعضهم : أنه مشتق من المعقل وهو الملجأ فكأن الإنسان يلجأ إليه في أحواله . ويطلق العقل في الاصطلاح على معان منها : 1- الغريزة المدركة التي ميز الله بها الإنسان عن سائر الحيوانات ، وهذه التي يسقط بفقدها التكليف الشرعي . 2-المعارف الفطرية  والعلوم الضرورية التي يشترك فيها جميع العقلاء ، كالعلم بأن الكل أكبر من الجزء وأن الحادث لا بد له من محدث ونحوذلك منالعلومالأوليةالضرورية .3- ويطلق كذلك على : إدراك المعارف النظرية ، وما يستفاد من التجارب الحسية ، ومنه جرى إطلاق العلم على العقل ، ويسمى فاقد هذا جاهلاً وأحمقاً وهو يختلف عن المعنى الأولى من جهة أنه لا يسقط التكليف . 4- ويطلق أيضاً على العمل بمقتضى العلم ، ويدل عليه نفي الكفار للعقل عن دخولهم نار الجحيم كما قال سبحانه : ( وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير ) ، ويسمى العقل بهذا الإطلاق : معرفة وبصيرة . قال ابن القيم : العقل عقلان : عقل غريزي طبعي ، هو أبو العلم ومربيه ومثمره وعقل كسبي مستفاد ، وهو ولد العلم وثمرته ونتيجته ، فإذا اجتمعا في العبد استقام أمره ، واقبلت عليه جيوش السعادة من كل جانب ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ، وإذا فقدهما ، فالحيوان البهيم أحسن حالاً منه ، وإذا فقد أحدهما أو انتقص ، انتقص صاحبه بقدر ذلك مفتاح دار السعادة 1/117. منزلة العقل . العقل شرط في معرفة العلوم ، وفي الأعمال وصلاحها ، وبه يكمل الدين والعمل ، ولكنه لا يمكن أن يستقل بذلك ، حيث أنه غريزة في النفس وقوة فيها مثل قوة البصر ، وحين يتصل به نور الإيمان والقرآن كان كنور العين حين يلاقي ضوء الشمس ، فإن انفرد لم يستطع إدراك ما يعجز عنه لوحده . والمذهب الحق في الموقف من العقل هو الوسطية بين من جعله ن أصول العلم والوحي تابع له ، وبين من يذمون العقل ويرون أن الأحوال والمقامات والمواجيد لا تكون إلا مع غيابه . وأخطأ من ظن أن دلالة الكتاب والسنة قاصرة على الأخبار المجردة من الأدلة العقلية ، وأنها موقوفة على العلم بصدق المخبر ، وما يبنى على صدقه من المعقولات المحضة . فإن الله تعالى قد مد واثنى على ذوي العقول والألباب ، تلك العقول التي تتدبر في خلق الله ، وتجول في بديع صنعه تتلمس آثار قدرة الخالق عز وجل كما قال تعالى : ( إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار ) . وقد وردت مادة العقل في كتاب الله تسعا وخمسين مرة ، هذا بالإضافة إلى مرادفاته مثل : الألباب والحجر والأحلام ، وهكذا أفعاله كالتفكر ، والتذكر ، والتدبر ، والنظر ، والاعتبار والفقه ، والعلم ..... الخ ولا أدل على اهتمام الإسلام به من جعله مناطاً للتكليف ، حتى عد فاقده كالبهيمة لا تكليف عليه ولا اعتبار لتصرفاته . وهو ايضاً أحد الضروريات الخمس التي أمر الشرع بحفظها ورعايتها ، والتي يبنى عليها صلاح الدين والدنيا . قال ابن تيمية : عدم العقل والتمييز لا يحمد لحال من جهة نفسه ، فليس في كتاب الله ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم مدح وحمد لعدم العقل والتمييز والعلم ، بل قد مدح الله العمل والعقل والفقه ونحو ذلك في غير موضع ، وذم عدم ذلك في مواضع . الاستقامة 2/157 . ولذا فإن في الكتاب والسنة لمن تأملهما من الأدلة العقلية ما تقصر عنه عقول كثير من ارباب الفلاسفة والكلام . قال ابن تيمية : إن ما عند النظار من أهل الكلام والفلسفة من الدلائل العقلية على المطالب الإلهية ، فقد جاء في القرآن الكريم بما فيها من الحق ، وما هو أبلغ وأكمل منها على أحسن وجه ، مع تنزهه عن الأغاليط الكثيرة الموجودة عند هؤلاء ، فإن خطأهم فيها كثير جدا ً ، ولعل ضلالهم أكثر من هداهم ، وجهلهم أكثر من علمهم . الفتاوى 9/225 . وقال : قد تدبرت عامة ما يذكر المتفلسفة والمتكلمة ، والدلائل العقلية فوجدت دلائل الكتاب والسنة تأتي بخلاصته الصافية عن الكدر ، وتأتي بأشياء لم يهتدوا إليها ، وتحذف ما وقع منهم من الشبهات والأباطيل مع كثرتها واضطرابها . الفتاوى 19/232 . ولصحة النظر العقلي ثلاثة شروط كما نبه عليها أبو إسحاق الشيرازي : الأول : أن يكون الناظر كامل الأدلة ، بأن يعرف كيفية ترتيب الأدلة بعضها على بعض . الثاني : أن يكون النظر في دليل لا في شبهة ، ومن هاهنا أخطأ من لم يوفق لإصابة الدليل حيث كان نظره في شبهة . الثالث : أن يستوفي الدليل بشروطه ، فيقدم ما يجب تقديمه ويؤخر ما يجب تأخيره ، ويعتبر ما يجب اعتباره ، لأنه متى لم يستوف الدليل بشروطه ، بل تعلق بطرف الدليل ، أخطأ الحكم ولم يصل إلى المقصود . ومن هنا ندرك ما للعقل من مكانة كبيرة كمصدر ثر للمعرفة ، وما يرد من ذم لأصحاب العقول أحياناً فهو باعتبار نقصها واختلالها ، فالذم في الحقيقة واقع على نقص العقل لا العقل ذاته . ومن عناية الإسلام بالعقل تحريمه لكل ما من شأنه أن يضعفه أو يزيله كشرب الخمر وما في حكمه ، أو يحول بينه وبين النظر في الأدلة كالتقليد الأعمى ، واتباع الهوى ، والتعصب لغير الحق ، وهكذا ابطاله للأوهام التي يتمسك بها الدهماء من الخرافات كالتشاؤم والشعوذة والكهانة ونحوها . تسليم العقل للشرع بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق ، وجعله خاتم الأنبياء ، وإمام المرسلين ، وقد أغلق الله جميع الطرق إلا الطريق الموصل إليه من جهة النبي صلى الله عليه وسلم كما قال سبحانه : ( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون ) والنبي صلى الله عليه وسلم هو الذي يهدي لهذا الصراط المستقيم كما قال سبحانه : ( إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً وداعيا إلى الله بإذنه ) وقال عز وجل : ( وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض ) . فلا يعبد الله تعالى إلا بما شرع النبي صلى الله عليه وسلم كما سبحانه : ( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً ) . وقد أكمل الله به صلى الله عليه وسلم دينه فلم يحوج أمته إلى رأي غيره كما قال تعالى : ( اليوم اكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) . ولذا ذم الله تعالى من لم يكتف بالوحي المبين فقال : ( أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون ) . ولو كان الدين ناقصاً ما حكم الله له بالكمال ، وشهد للرسول للبلاغ كما قال سبحانه : ( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل أليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس ) . وقد أشهد النبي صلى الله عليه وسلم ربه بتبليغ الدين في أفضل يوم كما جاء في حجة الوداع أنه قال : هل بلغت ؟ قالوا : نعم قال : اللهم اشهد . رواه البخاري 2/191 ، ومسلم 3/1307 . قال ابن القيم : وبالجملة فقد جاءهم بخير الدنيا والآخرة برمته ، ولم يحوجهم الله إلى أحد سواه ، فكيف يظن أن شريعته الكاملة التي ما طرق العالم شريعة اكمل منها ناقصة تحتاج إلى سياسة خارجة عنها تكملها ، أو إلى قياس أو حقيقة أو معقول خارج عنها ، ومن ظن ذلك فهو كمن ظن أن بالناس حاجة إلى رسول آخر بعده . اعلام الموقعين 4/276 . ويتضح موقع العقل من الأدلة الشرعية ، ومصادر المعرفة حين ندرك ان العلوم من حيث إدراك العقل لها ثلاثة أقسام : الأول : العلوم الضرورية الفطرية : وهي التي لا يمكن التشكيك فيها . الثاني : العلوم النظرية المكتسبة بالنظر والاستدلال وهي نوعان : أ : ما تمحض العقل فيه نظراً واستدلالاً كعلوم الطبيعة والطب والصناعات . الخ . ب : ما اشترك فيه مع أدلة الشرع . الثالث :المعارف والعلوم الغيبية ، وهذه لا يعلمها العقل إلا بواسطة ، وحظه منها الفهم وإثبات أمكانها ، ونفي امتناعها . ينظر : الاعتصام للشاطبي 2/318 . ولا شك أن تحكيم ما جاء به الرسول هو الذي يعصم الأمة من الزيغ والانحراف ،ولذلك امر الله تعالى بالرد إلى الكتاب والسنة عند التنازع كما قال سبحانه : ( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله وإلى الرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً )وبالجملة فإن الإنسان مضطر إلى الشرع أكثر من احتياجه للطعام والشراب ، لأنه بين حركتين ، حركة يجلب بها ما ينفعه ، وحركة يدفع بها ما يضره ، والشرع هو النور الذي يبين له ما ينفعه وما يضره ، وهو نور الله في أرضه وعدله بين عباده

ahmedsalahkhtab

أحمد صلاح خطاب

  • Currently 200/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
66 تصويتات / 524 مشاهدة
نشرت فى 10 ديسمبر 2009 بواسطة ahmedsalahkhtab

أحمد صلاح خطاب

ahmedsalahkhtab
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

616,976