اتخذ الحزن على المفقودين منذ اولى عهود التاريخ اشكالاً تتناسب ومكانة الفقيد اضافة الى مجمل العادات والتقاليد المتبعة ازاء هذا الحدث كل ضمن المجتمع الذي يعيش فيه ويسمح له مثل تلك الطقوس وليس ثمة ما يدل على ذلك بوضوح كظاهرة (قص الشعر) اذ تبدو علاقة المرأة بهذه الظاهرة عريقة تمتد جذورها في اعماق التاريخ وربما شملت هذه العلاقة الرجل ايضاً ففي الاساطير البابلية نرى جلجامش قد (نتف شعره المظفور ورماه على الارض) عندما مات صديقه انكيدو وفي نفس الملحمة نراه يقول مخاطباً صديقه وراثياً له:
سأجعل أهل اوروك يبكون عليك ويندبونك
وأنا نفسي بعد ان توسد في الثرى سأطلق شعري
وسألبس جلد الاسد واهيم على وجهي في البراري
فإذا كانت ظاهرة الحزن والحداد هي اطلاق الشعر عند الرجال منذ الازل فإن قص الشعر عند المرأة يعبر بالضرورة عن حزنها وحدادها في اغلب الاحوال.. ونلاحظ ان اهم المشاهد في ظاهرة قص الشعر عند المرأة ترد ضمن الحالات التالية:
1- العقوبة:
تقوم السلطة بجز شعر الفتاة العذراء عندما تدان بالاثم ولذلك فإن كل من ظهرت حليقة الشعر فهي آثمة وقد استخدمها الروس القدامى وبديهي ان هذا الشكل لظاهرة قص الشعر لا يزال مستخدماً للتشهير بالمجرمين او قبيل تنفيذ حكم اعدامهم شنقاً..
2- النذر:
تنذر الفتاة نفسها او شعر رأسها للالهة هبة وهي عند البابليين بصورة خاصة وراهبات المعبد اللائي يجز شعرهن من جذوره كما وجدت هذه الظاهرة لدى نساء مصر القديمة والبيت الفرعوني.
3- الزينة:
وتاخذ شكل تقصير وعدم قطعه من جذوره كما لدى الاسرة الفرعونية وراهبات المعبد.. اذ تطيل الفتاة البابلية شعرها حتى اذا ارادت الزواج عمدت اليه فقصرته ويحتمل ان هناك نساء محترفات بهذا الفن على غرار (صالونات حلاقة النساء) في عصرنا الحاضر وبشكل بدائي طبعاً. اذ تقوم (الحلاقة) بزيارة البيوت والاسر المترفة لهذا الغرض وربما تقوم الفتاة نفسها بهذا العمل.
4-الحداد:
تقوم المرأة بقطع شعرها جزءا او كلا عند فقدها لعزيز لديها يتناسب وهذا الرمز الذي يعتز به، وهي تعبر بهذا الشكل عن هجرانها ملاذ الحياة وفتن الجمال التي تمتلكها والفرح الذي يسبغه عليها تكامل المحاسن الجسمية لديها.. كانت نساء الهند يقطعن شعورهن عند وفاة الزوج وفي العصر الجاهلي انتشرت هذه الظاهرة ويلاحظ ان الخنساء كان من مظاهر حزنها على اخيها (صخر) ان جزات غدائرها ولم تعرف للتزين متعة فكانت بكائياتها الرائعة جزءاً من المبدأ الذي قطعته على نفسها في الحزن والحداد.
ولازالت مظاهر قص الشعر هذه الاشكال الانفة الذكر اذا ما استثنينا ظاهرة النذر من ناحية واضفنا ظاهرة اهداء الفتاة بعض خصلات شعرها لحبيبها رمزا للحب المفعم بالاخلاص والذي لا تنفصم عراه بينهما واعتقد انها ظاهرة غريبة انتشرت آبان الفترة الرومانتيكية خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر وردت في روايات بعض الكتاب الرومانسيين امثال الفونس كار ودي سان وبير لامرتين وفي المأثور الشعبي العراقي اخذت هذه الظاهرة تتجسد في شكلين حفظهما لنا التراث العاطفي المتمثل بالشعر والغناء اللذين احتويا وبشكل واضح اكثر التقاليد والقيم الشعبية

ahmedsalahkhtab

أحمد صلاح خطاب

  • Currently 31/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
10 تصويتات / 170 مشاهدة
نشرت فى 29 أكتوبر 2010 بواسطة ahmedsalahkhtab

أحمد صلاح خطاب

ahmedsalahkhtab
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

616,920