الحمد لله لم يزل عليّا، ولم يزل في علاه سميّا، قطرة من بحر جوده تملأ الأرض ريّا، نظرة من عين رضاه تجعل الكافر وليّا، الجنة لمن أطاعه ولو كان عبدًا حبشيًا والنار لمن
عصاه ولو شريفًا قرشيًا، أنزل على نبيه ومصطفاه قولاً بهيًا { تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي
نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنكَانَ تَقِيّاً[ [مريم : 63]
وكم لله من لطف خفي **** يدق خفاه عن فهم الذكي
وكم أملٌ تساق به صباحا **** فتأتيك المسرة ُبالعشي
وكم يسر أتي من بعد عسر**** ففرج كربة القلب الشجيإ
ذا ضاقتك الأحوال يوما **** فلذ بالواحد الفرد العلي
ونصلي ونسلم
على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ما جرا أثواب الحرير و ما مشى التاج من فوق الجبين مرصعًا،
جاءت له الدنيا فأعرض زاهد ًا*** يبغي من الأُخرى المكان الأرفعًا ،
من ألبس السعادة حلةً ***فضفاضة لبس القميص مرقعًا ،
و هو الذي لو شار نالت كفه *** كل الذي فوق البسيطة أجمعا .
هجرت الخلق طراً في هواك * وأيتمت العيال لكي أراكا
ولو قطـعتني في الحب إرباً * لما حن الفؤاد إلى سـواكا
تجاوز عـن ضعيف قد أتاك * وجاء راجيا يرجوا نـداكا
وإن يك يا مهيمن قد عصاكا * مقراً بالذنوب وقد دعاكا
وإن تغفر فأنت لـذاك أهل * وان تطرد فمن يرحم سواكا
أيها الإخوة الأعزاء كل عام أنتم بخير و كتب الله تعالى لنا و لكم حج بيته الحرام -نقف اليوم مع كلمات تملأ أصداء الدنيا و تهز أركان الشرك، و تثبت أركان التوحيد، هي اعتراف و إقرار بأن الملك و الملكوت للحي الذي لا يموت، و هي شكر و عرفان بأن المنعم هو الرحيم الرحمن، إنها التلبية
فما هو معناها؟ وما هي أسرارها؟ وما هي أحكامها؟
أعيروني القلوب والأسماع أيها الآباء والإخوة الأعزاء
ثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - وفي صحيح البخاري من حديث عائشة - رضي الله عنها - وعند مسلم من حديث جابر - رضي الله عنه - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقول في تلبيته إذا أهلَّ محرِمًا: ((لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك))، فهذه هي التلبية التي كان يداوم عليها النبي -صلى الله عليه وسلم- والناس يزيدون فلم ينكر عليهم، ومن هذه الزيادات: زاد ابن عمر: "لبيك وسعديك والخير بيديك، والرغباء إليك والعمل"، وزاد أنس: "لبيك حقًّا حقًّا، تعبُّدًا ورِقًّا"
الوقفة الأولى: معنى لبيك اللهم لبيك
===================
اعلم زادني الله و إياك علما : أنه ورد في معنى التلبية معانٍ كثيرةٌ، أوردها الشيخ سيِّد العفَّاني في كتاب: "الرياض النضرة"، وهي على النحو الآتي:
معنى لبيك: إجابة بعد إجابة، ولزومًا لطاعتك، فهي من "لبَّى"، بمعنى: أجاب.
وقيل: معناها: اتجاهي وقصدي إليك، مأخوذ من قولهم: "داري تلبي دارك"؛ أي: تواجهها.
وقيل: معناها: محبتي لك، مأخوذ من قولهم: "امرأة لَبَّة"، إذا كانت محبة لولدها.
وقيل: معناها: إخلاصي لك، مأخوذ من قولهم: "حب لبَّاب"، إذا كان خالصًا.
وقيل: معناها: أنا مقيم على طاعتك، مأخوذ من قولهم: "لبَّ الرجل بالمكان"، إذا أقام فيه.
* والتّلبية في اصطلاح الشّرع:
==============
هي قولُ المحرِم بالحجّ أو العمرة، وهو متوجّهٌ إلى ربّه: (لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالمُلْكَ، لاَ شَرِيكَ لَكَ)، وذلك بدءاً من وقتِ إهلاله بالحجّ أو العمرة، ومروراً بأعمالهما المختلفة، وانتهاءً بالشروع في رمي جمرة العقبة، بالنسبة للحاجّ، وإلى أن يبدأ في الطواف بالنسبة للمعتمر.
وَقَالَ ابن عَبْدِ الْبَرِّ: "قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: مَعْنَى التَّلْبِيَةِ إِجَابَةُ دَعْوَةِ إِبْرَاهِيمَ حِينَ أَذَّنَ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ
الوقفة الثانية التلبية جوهر الدين ومنبع اليقين
===================
أمر الله العليم الحكيم خليله إبراهيم عليه السلام أن يحمل ولده الحبيب إسماعيل وزوجه الغالية هاجر عليهما السلام إلى أرضٍ قفرٍ لا زرع فيها ولا ضرع، ولا شجر ولا بشر، ولا ماء ولا نماء.
وهناك في المكان الخالي من أسباب البقاء، ترك إبراهيم ابنه وزوجته وقفل راجعاً إلى الشام.
لقد استجاب خليل الرحمن عليه السلام لأمر ربه الحكيم دون تردد ولا توقف، كما استجابت هاجر عليها السلام لأمر ربها حينما علمت ذلك في جواب سؤالها للزوج الكريم والرسول العظيم: " آلله أمرك بهذا؟
قال نعم ، فقالت دون تلعثمٍ ولا ضعف : (اذهب إنه لن يضيعنا) " .
واستجاب الفتى المصنوع على عين الله إسماعيل عليه السلام لأمر الله في أن يكون مذبوحاً بيد والده الرسول الكريم إبراهيم عليه السلام، فاستلقى على وجهه مستسلماً لأمر ربه دون تباطؤٍ ولا تثاقلٍ قائلاً وكله إيمانٌ وتسليم: {يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ} [الصافات 102].
كما استجاب كلٌ من إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام لأمر الله في بناء البيت العتيق ورفع القواعد، ولما فرغا من بناء البيت أمر الله إبراهيم عليه السلام أن يؤذن للناس بالحج { وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا } [الحج 27] ، قال العلامة ابن كثير في التفسير : ( أي ناد في الناس داعياً لهم إلى الحج إلى هذا البيت الذي أمرناك ببنائه ) .
قال إبراهيم: ( يا رب كيف أبلغ الناس وصوتي لا ينفذهم؟ فقال الله سبحانه وتعالى: يا إبراهيم ناد وعلينا البلاغ. فقام على مقامه، وقيل على الحجر، وقيل على الصفا، وقيل على أبي قبيس، وقال: يا أيها الناس إن ربكم قد اتخذ بيتاً فحجّوه، فتواضعت الجبال حتى بلغ الصوت أرجاء الأرض ، وأسمع من في الأرحام والأصلاب ، وأجابه كل شيءٍ سمعه من حجرٍ ، ومدرٍ وشجرٍ ، ومن كتب الله أنه يحج إلى يوم القيامة : لبيك لبيك ، لبيك اللهم لبيك ) .
فماذا كانت نتيجة الاستجابة والاستسلام لأمر العليم الحكيم سبحانه وتعالى ؟
لقد كان الحفظ والحماية، وكانت الحياة والفضل العظيم .
استجاب الله تعالى لإبراهيم في ضراعته { رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ } [إبراهيم 37]، فجعل الوادي المهجور المخوف بلداً آمناً مطمئناً تهوي إليه الأفئدة وتحمل إليه الثمرات ، ويحج إليه الناس من كل فجٍ عميق .
وحفظ الزوج والولد ، وأنشأ منهما ذريةً مباركةً عظيمة ، منها كان سيد الأولين والآخرين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، أعظم مخلوقٍ وأشرف مرسل .
كما استجاب الله لهاجر في افتقارها وانكسارها ، فتفجر الماء الكريم من تحت أقدام الرضيع عذباً نميراً ، (زمزم أشرف ماء وأفضل هديةٍ تقدم للأحياء) ، وحفظ الله المولود ، وصارت الصفا والمروة من شعائر الله .
كما استجاب الحق جل جلاله لإبراهيم رسوله الكريم ، فأبطل عمل السكين ، وتنزل الملك جبريل بالذِبح العظيم ، وحفظ المولود من الموت المبين ، وبقيت الأضحية (الفداء) سنةً باقيةً إلى يوم الدين ، وغدا المكان (منىً) كله منحراً لذبائح المؤمنين المتقين ، إنه القانون العظيم : ( الاستجابة مفتاح الحفظ والإجابة ) ، وهو ذاته يساوي : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، أي إجابةً بعد إجابة ، وإقامةً على الطاعة ، وإقبالاً على العمل بما تأمر وتريد .
والتلبية هي جوهر الدين، وعلامة اليقين ، وخلاصة الحج ، وروح العبادة ، وأقصر السبل إلى تحقيق السعادة في الدارين
الوقفة الثالثة: لبيك لا شريك لك لبيك
==========================
وهذا هو شعار التوحيد وهو إفراد الله تعالى بالعبادة وعدم الإشراك معه فهو الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد و لم يولد
إخوة العقيدة: ومِن التلبية نتعلَّم التوحيد الخالص لله ربِّ العالَمين منذ اللحظة الأولى وحتى اللحظة الأخيرة؛ فالحاجُّ تلبيتُه توحيد، وسَعيُه توحيد، ووقوفه بعرفة توحيد، ورميُه الجِمار توحيد، وحَلقُه ونَحره توحيد، وإفاضته توحيد، ووداعه توحيد؛﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الأنعام: 162، 163]، فلا خير في الدنيا بلا توحيد، ولا نصيب في الآخرة بلا توحيد.
و قال سبحانه {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا } [النساء: 48] و قال جل شانه- {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا} [النساء: 116]
عن عُبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من شهد أن لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة حق، والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل" أخرجاه.
و اعلم أن المشركين كانوا إذا حجوا يلبون لله عز وجل بهذه التلبية :((لبيك لا شريك لك إلا شريكًا هو لك تملكه وما ملك)) ، وكانوا إذا « قالوا : ((لبيك لا شريك لك)) ؛ قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : ويلكم قد قد ؛ »
« فيقولون : ((إلا شريكًا هو لك تملكه وما ملك » *)) وقد ذكر بعض الحنفية تلبيتهم هذه في صورة الرجز :
* لبيك لا شريك لك * إلا شريكًا هو لك * تملكه وما ملك .
قال علماء الحنفية في شرح قول المشركين: ((تملكه وما ملك)).
إن كلمة: ((ما)) تحتمل وجهين:
الأول: أن تكون نافية؛ فالمعنى: أنهم يعترفون بأن الله تعالى هو المالك وأن آلهتهم لا تملك شيئًا .
والثاني: أن تكون موصولة عطف على الضمير المنصوب المتصل ؛ فيكون المعنى : أن الله تعالى هو مالك آلهتهم ومالك ما تملك آلهتهم أيضًا
الوقفة الرابعة: مع قول الملبي "إن الحمد والنعمة لك والمُلْك"
================================
مِن هذا النص يَتربَّى الحاجُّ على أعلى المقامات الإيمانيَّة، وهو مقام الشكر والحمد ونِسبة النِّعَم للربِّ -عز وجل -فيَحمده على النِّعَم الظاهِرة والباطنة، والمُشاهَدة والغائبة.
إن الحمد والنِّعمة لك؛ أي: أحمدك -يا ربِّ -وأَشكُرك على جميع النِّعَم، بل إن قولي: "الحمد لله" أكبر نِعَم الله عليَّ، والتي تَستحِق منِّي الحمد.
كما قال الشاعر:
لك الحمدُ مَوْلانا على كلِّ نِعمَةٍ ***ومِن جملةِ النَّعماءِ قولِي: لك الحمدُ
فلا حمدَ إلا أن تَمُنَّ بنِعمَةٍ ***تعالَيتَ لا يَقوى على حَمدِك العبدُ.
فعندما يُردِّد الحاجُّ هذا النصَّ في التلبية، فإنه يَنال وسام الشرف، فيَنطبِق عليه قول الله - عز وجل -: ﴿ وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾ [سبأ: 13]، فيكون هو مِن القِلَّة الذين يَشكرون الله - تبارك وتعالى.
وعندما يَستفيد الحاج مِن تَكرار التلبية، ويُحدِث فيه التَّكرارُ المعنى التغييريَّ الإيمانيَّ القلبيَّ يَدخل في جملة الشاكرين، فما بال أقوام شُغلوا بالحمد والثناء على البشر، ونَسوا مُستحِقَّ الحمد الحقيقيَّ؟ وما بال أقوام يَعلمون أن نِعمة العقل مثلاً مِن الله، فيَستخدِمونها في معصية الله، وكذلك كل نِعمة؟ أفَلا يَخافون أن يَسحب الله المُنعِم منهم هذه النِّعم! ﴿ وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ﴾ [النحل: 53].
علي بن أبي طالب -رضي الله عنه -
لَكَ الحَمدُ والنَّعْمَاءُ والمُلكُ رَبَّنا ... ولا شَيءَ أعلَا مِنكَ مَجدًا وأمجَدُ
مَلِيكٌ على عَرشِ السَّماءِ مُهيمِنٌ ... لِعِزَّتِهِ تَعنُو الوُجُوهُ وَتَسجُدُ
فَسُبحانَ مَنْ لا يَقدُرُ الخلْقُ قَدرَهُ ... وَمَنْ هُوَ فَوقِ العَرشِ فَردٌ مُوحَّدُ
وقال بعض الحكماء: إن الله تعالى لا يرضى عن خلقه إلا بتأدية حقه، وحقه شكر النعمة، ونصح الأمة، وحسن الصنيعة، ولزوم الشريعة.
* الحمد خليل الرحمن – صلى الله عليه وسلم-ربه على نعمه
قال الله تعالى مخبرا عن شكر نبيه وخليله إبراهيم عليه الصلاة و السلام-{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ} [إبراهيم: 39]
* شكر نبي الله داود-عليه السلام-
قال داود، عليه السلام، إلهي، كيف أشكرك، وشكري لك نعمة من عندك؟ وقيل: قال داود، عليه السلام، إلهي، كيف أشكرك، وشكري لك نعمة من عندك؟ فأوحى الله إليه: الآن قد شكرتني
* شكر النبي – للنعمة
عن عطاء، قال: دخلت على عائشة، رضي الله عنها، مع عبيد بن عمير، فقلت: أخبرينا بأعجب ما رأيت من رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
فبكت، وقالت: وأي شأنه لم يكن عجباً؟..إنه أتاني في ليلة.. فدخل معى في فراشي، أو قالت: في لحافي: حتى مس جلدي، ثم قال: يا بنت أبي بكر، ذريني أتبعد لربيِّ.
قالت: قلت: إني أحب قربك فأذنت له فقام إلى قربة من ماء. فتوضأ وأكثر صب الماء.. ثم قام يصلي. فبكى، حتى سالت دموعه على صدره.. ثم ركع فبكى، ثم سجد فبكى، ثم رفع رأسه فبكى. فلم يزل كذلك حتى جاء بلال فآذنه بالصلاة.
فقلت له: يا رسول الله، ما يبكيك، وقدغفر الله لك ماتقدم من ذنبك وماتأخر؟! فقال: أفلا أكون عبداً شكوراً؟ ولم لا أفعل: وقد أنزل الله علي: " إن في خلق السموات والأرض. الآية ".
وقيل: الحمد على الأنفاس، والشكر على نعم الحواس.
وقيل الحمد: ابتداء منه، والشكر: اقتداء منك.
وقيل: الحمد: على ما دفع، والشكر: على ما صنع.
وحكي عن بعضهم أنه قال: رأيت في بعض الأسفار شيخاً كبيراً قد طعن في السن، فسألته عن حاله، فقال: إني كنت في ابتداء عمري أهوى ابنة عم لي؛ وهي كذلك كانت تهواني؛ فانفق أنها زوجت مني، فليلة زفافها قلنا: تعال: حتى تحيي هذه الليلة شكراً لله تعالى على ما جمعنا فصلينا تلك الليلة، ولم يتفرغ أحدنا لصاحبه فلما كانت الليلة الثانية قلنا مثل ذلك فمنذ سبعين؛ أو ثمانين سنة، نحن على تلك الصفة كل ليلة: أليس كذلك يا فلانة، فقالت العجوز: كما يقول الشيخ.
الوقفة الخامسة: الملك والملكوت للحي الذي لا يموت
======================
"إن الحمد والنعمة لك والمُلْك" فالله تعالى هو مالك الملك الحي الذي لا يموت فقول الملبي و الملك لك: اعتراف منه انه ملك لله وحده
والملك الحقيقي لا يكون إلا لله وحده، ومن عرف أن الملك لله وحده أبى أن يذل لمخلوق، وقد يستغنى العبد عن بعض أشياء ولا يستغنى عن بعض الأشياء فيكون له نصيب من الملك ، وقد يستغنى عن كل شيء سوى الله ، والعبد مملكته الخاصة قلبه .. وجنده شهوته وغضبه وهواه . ورعيته لسانه وعيناه وباقي أعضائه . فإذا ملكها ولم تملكه فقد نال درجة الملك في عالمه، فإن انضم إلى ذلك استغناؤه عن كل الناس فتلك رتبة الأنبياء، يليهم العلماء وملكهم بقدر قدرتهم على إرشاد العباد ، بهذه الصفات يقرب العبد من الملائكة في صفاته ويتقرب إلى الله
الملك لله الّذي عنت الوجو *** هـ له وذلّت عنده الأرباب
متفرد بالملك والسّلطان قد *** خسر الذين تجاذبوه وخابوا
دعهم وزعم الملك يوم غرورهم *** فسيعلمون غدا من الكذّاب
العنصر الثاني: فضل التلبية
============
اعلم زادك الله علما :أن للتلبية فضل عظيم؛ فهي شعيرة مِن شعائر الحجِّ، تَنشرِح لها الصدور، وتَستمتِع بسماعها الآذان، وتخشَع لها القلوبُ المؤمنة؛ فهي تعبير صادقٌ عن حُسن الإجابة، ولزوم الطاعة، وإخلاص المحبَّة، وصدقِ النيَّة؛ فعن سهل بن سعد الساعديِّ -رضي الله عنه -أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما مِن مسلم يُلبِّي إلا لبَّى ما عن يَمينه وشماله مِن حجر أو شجر أو مدر، حتى تَنقطِع الأرض مِن ها هنا وها هنا عن يمينه وشماله))؛ والحديث صحيح.
وعن أبي بكر - رضي الله عنه - قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أي الأعمال أفضل؟ قال: ((العَجُّ والثَّجُّ))؛ حسن لغيره.
وعن زيد بن خالد الجهني - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أتاني جبريل فقال: مرْ أصحابك فليَرفعوا أصواتهم بالتلبية؛ فإنها مِن شعائر الحج))؛ صحيح لغيره.
رَوى أبو هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما أهلَّ مُهِلٌّ، ولا كبَّر مُكبِّر قطُّ، إلا بُشِّر)) قيل: يا رسول الله، بالجنة؟ قال: ((نعم))؛ أخرجه الطبراني.
العنصر الثالث حكم التلبية
===============
و التلبية من شعائر الحج و لكن الفقهاء اختلفوا فيما بينهم في حكمها على ما يلي :
أولا: ذهب الشافعي وأحمد إلى أنها سنَّة.
ثانيا: حكى الخطَّابي عن مالك وأبي حنيفة الوجوب[انظر: نيل الأوطار (5/53).]، وهذا هو الراجح؛ لحديث السائب السابق، وفيه الأمر برفع الصوت بالتلبية.
ثالثا : قال ابن حزم: "وهو فرض، ولو مرة"[ المحلى (7/104).].
* وعلى كل فالمسألة اجتهادية كما رأيت، وقد توقف العلامة الشنقيطي في حكمها فلم يجزم فيه بشيء كما في الأضواء، ومن ترجح له هذا القول أو ذاك فلا تثريب عليه.
العنصر الرابع: متى يبدا التلبية ومتى يقطعها
================================
تشرع التلبية عند انعقاد الإحرام، وتبدأ التلبية بعد الإحرام من الميقات، إما بعد الصلاة إن وافق ذلك وقت صلاة، وإما بعد استوائه على راحلته، واعلم أنه ليس هناك صلاة سنة الإحرام كما سبق بيان ذلك.
وأما انتهاؤها، ففي العمرة تنتهي عند رؤية البيت واستلام الحجر، وفي الحج تنتهي حين يَشْرَع في جمرة العقبة يوم النحر، وقال بعض أهل العلم: حتى ينتهي من رميه إياها.
والراجح الأول؛ فعن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا استوت به راحلته قائمة عند مسجد ذي الحُلَيفة، أَهَلَّ فقال: ((لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك))؛ متفق عليه.
وأما الدليل على وقت انتهاء التلبية، فعن الفضل بن العباس - رضي الله عنهما - قال: "كنت رَدِيف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من جَمْعٍ[ المقصود بـ "جَمع": المزدلفة.] إلى مِنى، فلم يزل يلبِّي حتى رمى جمرة العقبة" البخاري
وفي لفظ لمسلم: "لم يزل يلبي حتى بلغ الجمرة".
هذا بالنسبة للحج، وأما بالنسبة للعمرة، فعن عطاء عن ابن عباس - رفَعَ الحديثَ -: "أنه كان يُمْسِك عن التلبية في العمرة إذا استلم الحجر"؛ رواه الترمذي وصحَّحه، ورواه أبو داود نحوَه.
العنصر الخامس: من أحوال الملبيين
=========================
وذكرا ابن الجوزي – رحمه الله -عن عبد الله بن الجلاء قال : كنت بذي الحليفة وأنا أريد الحج والناس يحرمون فرأيت شابا قد صُب عليه لما يريد الإحرام وأنا أنظر إليه فقال : أريد أن أقول لبيك اللهم لبيك وأخشى أن تجيبني لا لبيك ولا سعديك وبقى يردد هذا القول مراراً وأنا أتسمع عليه فلما أكثر قلت له ليس لك من الأمر بد فقل فقال يا شيخ أخشى إن قلت لبيك اللهم لبيك أجابني بلا لبيك ولا سعديك فقلت له احسن الظن بالله وقل معي لبيك اللهم لبيك فقال : لبيك اللهم وطولها وخرجت نفسه مع قوله اللهم فسقط مغشيا عليه 0
وهذا الشاب يشير إلى حديث رسول الله -صلي الله عليه وسلم- " إذا خرج الرجل حاجاً بنفقه طيبة ووضع رجله في الغرز فنادي لبيك اللهم لبيك ناداه مناد من السماء : لبيك وسعديك زادك حلال وراحلتك حلال وحجك مبرور غير مأزور" . وإذا خرج بالنفقة الخبيثة فوضع رجله في الغرز فنادي لبيك اللهم ناداه مناد من السماء لا لبيك ولا سعديك زادك حرام ونفقتك حرام وحجك مأزور غير مبرور
وصلي الله على سيدنا محمد واجعلنا من اتباعه يوم القيامة يوم لا تنفع الشفاعة إلا لمن أذن له الرحمن واجعلنا اللهم من اتباع سنته واجعلنا من رفاقه في. الجنة اللهم أمين
اللهم. إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى ... ونسألك ربي العفو والعافية في الدنيا والاخرة ..
اللهم. أحسن خاتمتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة
اللهم. أحينا على الشهادة وأمتنا عليها وابعثنا عليها
الهنا قد علمنا أنا عن الدنيا راحلون، وللأهل وللأحباب مفارقون، ويوم القيامة مبعوثون، وبأعمالنا مجزيون، وعلى تفريطنا نادمون، اللهم فوفقنا للاستدراك قبل الفوات، وللتوبة قبل الممات، وارزقنا عيشة هنية، وميتة سوية، ومرداً غير مخز ولا فاضح، واجعل خير أعمارنا أواخرها، وخير أعمالنا خواتمها، وخير أيامنا يوم نلقاك، برحمتك يا أرحم الراحمين! وصلِّ اللهم على محمد عدد ما ذكره الذاكرون الأبرار، وصلِّ اللهم على محمد ما تعاقب ليل ونهار، وعلى آله وصحبه من المهاجرين والأنصار، وسلِّم تسليماً كثيراً، برحمتك يا عزيز يا غفار!
نشرت فى 11 سبتمبر 2015
بواسطة ahmedeldfar
الشيخ احمد احمد سلطان
إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
7,911


