الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين ... أما بعد:
فإن موضوع التسويق الشبكي من النوازل المعاصرة التي انتشرت في السنوات الأخيرة في البلاد الإسلامية قادمة من الغرب ، وقد كثر السؤال عنها، وأصبحت الحاجة ماسة إلى بيان معناها، وكيفيتها الفقهية، ومن ثم الحكم عليها وقد تصدى بعض العلماء والباحثين لذلك –جزاهم الله خيرا- ، لكن الموضوع لا زال بحاجة للبحث من جهة تحرير كيفية عقد التسويق الشبكي، من خلال النظر في صوره، ومن ثم الحكم عليه. لذلك رأيت المشاركة في ندوة التسويق الشبكي التي يعقدها مركز التميز البحثي في جامعة الإمام بهذه الورقة التي جلها مأخوذ من بحثي الموسوم: بالتسويق الشبكي والهرمي وأحكامه في الفقه الإسلامي، والمقبول للنشر في مجلة جامعة الإمام. وسأركز في هذه الورقة على تكييف التسويق الشبكي ومن ثم الحكم عليه، مبينا الأدلة وما وقفت عليه من المناقشات حول الموضوع.
وقد قسمت البحث إلى مبحثين:
المبحث الأول: معنى التسويق الشبكي(الهرمي) ونشأته وأنواعه وصوره.
المبحث الثاني: تكييف التسويق الشبكي (الهرمي) وحكمه
أسأل الله أن يكون هذا العمل خالصا لوجه الله، موافقا للصواب وأن ينفع به. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا.
المبحث الأول: معنى التسويق الشبكي(الهرمي) ونشأته وأنواعه وصوره.
أولا: معنى التسويق الشبكي- الهرمي-[1] :
هو تسويق مباشر يهدف إلى حصول العميل على السلعة من المنتج مباشرة دون واسطة، معتمدا في تسويق السلعة وبيعها على المشترين أنفسهم، وذلك وفق آلية تعتمد على اشتراط الشراء من الصنف الذي تسوقه الشركة ليحق للمشتري بعد ذلك تسويق تلك السلعة أو الصنف على مشترين جدد يصبحون بعد الشراء مسوقين، ويحصل كل مشتر مسوق على عمولة عن بيعه للسلعة وعلى عمولة عن بيع من اشترى منه، وعلى من اشترى ممن اشترى منه الخ، وفق ضوابط معينة تختلف باختلاف الشركات ونوع التسويق الشبكي المتبع، تسمح بتحقيق الربح للشركة وبتوزيع عمولات على المشترين المسوقين، فالمبلغ الذي يدفعه المشتري هو لشراء السلعة وللحصول على وظيفة مسوق يحصل بها على عمولات عن جهده وعن جهد من وظفهم.
ثانيا: الفرق بين التسويق الشبكي وشبكات التسويق:
تنشر بعض الشركات أعدادا كبيرة من المسوقين – شبكات من المسوقين- حول العالم لتحقيق أكبر عدد من المبيعات، ولكن المسوقين هنا موظفون بعمولة أو براتب أو على شكل وكلاء ونحو ذلك، يحصلون على العمولة بمجرد بيعهم للسلعة والمنتج، دون اشتراط شراء للمنتج من قبلهم، ولا توظيف لغيرهم في نظام هرمي وطبقي ومتعدد المستويات كالذي يحصل في التسويق الشبكي وهذا هو الفرق المؤثر بين الأمرين. صحيح أن التسويق الشبكي يعتمد على جمع من المسوقين وشبكات من المسوقين ولكنه نوع خاص من شبكات المسوقين يتكسب في المقام الأول من اشتراكات العملاء، ووضعهم في طبقات ومستويات متعددة لا من بيع المنتج كالذي يحصل في شبكات التسويق التقليدية[2]. وبعبارة أخرى التسويق الشبكي يهدف إلى زيادة المسوقين، بينما شبكات التسويق تهدف إلى زيادة المبيعات.
ثالثا: أنواع التسويق الشبكي (الهرمي) وصوره:
تختلف أنواع التسويق الشبكي(الهرمي) وصوره باختلاف الشركة ونظامها في ربط المسوقين في أهرامات أو طبقات أو شبكات أو مستويات، لكن ما وقفت عليه من أنواع وصور يمكن إجمالها –اختصارا- في:
1- ينقسم التسويق الشبكي باعتبار وجود منتج- سلعة- أو عدمه إلى:
أ- التسويق الشبكي القائم على وجود منتج يشترط شراؤه[3] للانضمام إلى هرم وشبكة الشركة.وهذا النوع هو محل البحث هنا.
ب- التسويق الشبكي القائم على الدفع النقدي المجرد للاشتراك في شبكات وطبقات التسويق، وذلك للحصول على عمولات عن كل عميل أتيت به، أو أتى به أحد أفراد شبكتك. وهذا ليس محل البحث هنا، إذ إنه أصبح قليلا جدا وممنوعا حتى في الغرب.[4].
2- وينقسم التسويق الشبكي باعتبار شروط صرف العمولات والمكافآت، ومقدارها إلى أقسام وصور كثيرة يكفيني هنا أن أضرب أمثلة لها:
أ- شركات تشترط لتحصيل العمولة إدخال عدد من الأعضاء وتحقيق عدد من المبيعات، تقل أو تكثر حسب شروط كل شركة، و شركات تعطي عمولة عن كل عضو جديد أدخلته، وعن كل منتج بعته[5]، دون اشتراط عدد محدد.
ب- شركات تشترط للاستمرار في تحصيل العمولة، معاودة شراء المنتج بعد فترة معينة تحددها كل شركة حسب التنظيم الذي تراه أربح لها. وشركات لا تشترط معاودة شراء المنتج.
ج- شركات تضع برنامجا واحدا لتحصيل العمولة، وشركات تضع أكثر من برنامج.
دـ شركات تجعل العمولة عن بيع المنتج فقط بعد شرائك إياه، وفق أنظمة تختلف من شركة إلى أخرى، وشركة قد تجعل العمولة بعد شرائك المنتج عبارة عن هدية أوهبة[6].
المبحث الثاني: تكييف التسويق الشبكي (الهرمي) وحكمه
أولا: تكييف التسويق الشبكي (الهرمي)[7]:
أقسم التكييف حسب الصور والأنواع إلى أقسام هي:
القسم الأول: تكييف ما تتفق عليه أغلب شركات التسويق الشبكي الهرمي وهو: اشتراط شراء منتج للشركة للحصول على حق التسويق والحصول من ثم على العمولات، وتنظيم المشترين المسوقين في شبكة وهرم ومستويات وطبقات بعضها فوق بعض يحصل الأعلى درجة والأقدم على عمولة عن شراء وانضمام من تحته ومن تحت تحته وهكذا، الأعلى يحصل على عمولة عن بيع الأقل درجة، في تنظيم يشبه نظام القطعان المرتبط بعضها ببعض، فمصلحة كل واحد بدخول غيره عن طريقه وعن طريق من دخل عن طريقه …………الخ فالمشترون هم المسوقون، وشراء السلعة غير مقصود بعينه وإنما هو وسيلة للانضمام إلى قائمة المسوقين للحصول على الغرض الرئيسي وهو العمولات، فشراء السلعة في العقد هو وسيلة وليس غاية ويكفي نظرة واحدة في إعلانات شركات التسويق الشبكي لتتبين المقصد الأهم للمشترين وهو الانضمام للمسوقين نظرا لما تتضمنه الإعلانات من مميزات مادية كبيرة للتسويق في مقابل سلع كمالية لا أهمية كبيرة ولا قيمة اقتصادية لها، ولا عبرة بما يقوله بعض المروجين لشركات التسويق الشبكي من المستفيدين والحائزين على درجات عليا فيها والذين يخشون من انهيارها وفقدان مكاسبهم عند خروج المسوقين المشترين من طبقات التسويق الشبكي الهرمي فدعواهم أن السلع مقصودة بذاتها باطل يبينه إعلانات الشركات نفسها في منتدياتها ودعاياتها.
وكيفية هذا العقد الذي يشترط فيه عقد لتحقيق عقد –والله أعلم وأحكم- أنه عقد مالي مركب من بيع وجعالة[8] جديدة ليس لها نظير في الفقه من جهة أن الجعل فيها موعود به على عمله وعمل غيره ممن يدخلهم في هذه الشبكة، إضافة إلى أن العقد يتضمن إلزام المشتري الثاني ومن بعده بوجوب الانضواء تحت غيره ممن يستفيد من جهده. والخلاصة أنه بهذه الكيفية عقد حادث ليس له نظير مماثل من العقود المعروفة فقهيا، ولا صحة لما يقال بأنه عقد سمسرة ، أو جعالة محضة، أو وكالة بأجر لما بينه وبين هذه العقود من الفروق الظاهرة الناتجة عن التركيب و الشروط المصاحبة. والراجح –والله أعلم – أن التركيب لا يمنع ولا يحرم بمجرده وإنما إذا أدى إلى محرم أو
تضمن محرما أو كان وسيلة إلى محرم ، والذي يظهر لي- والله أعلم-أن عقد التسويق الشبكي
( الهرمي) بهذه الكيفية يشتمل على الغرر والتغرير نتيجة علم شركة التسويق الهرمي بمكسبها-غالبا- وجهالة الأمر بالنسبة للمشتري المسوق فهو يدخل العقد ويدفع مبلغا لشراء سلعة -لا حاجة له فيها غالبا- توسلا بهذا الشراء إلى الحصول على العمولات الاحتمالية مجهولة التحقق وهذا عين الغرر.
كذلك هو يتضمن القمار والميسر في جانب المشتري المسوق[9] ذلك أنه يدفع المال مخاطرا به أن يغنم أكثر مما دفعه، أو يغرم فلا يحصل على شيء.
كذلك هو يتضمن بهذه الكيفية أكل أموال الناس بالباطل من جهة ربط المشترين في رباط طبقي هرمي يأكل الأعلى من جهد الأدنى.
ومن جهة أنه يتضمن الغبن والظلم الناتج من إجبار الناس على شراء ما لا رغبة لهم فيه وبالثمن المحدد لهم-وهو غالبا أكثر من قيمة السلعة- للانضمام للمسوقين.
ثم إن النظام المتبع في التسويق الشبكي (الهرمي) القائم على ربط الناس في شبكات لا يشتري فيه السلع إلا المسوق نفسه طمعا في العمولات المتحققة من شراء مسوق آخر هو عبث ينزه عنه العقلاء فكيف يظن بشريعة الله أن تقره.
والتركيب فيه بين البيع والجعالة الحادثة هو حيلة لإقراره بعدما حرمت عليهم القوانين الوضعية التسويق الشبكي الخالي من السلعة.
وهو في الأخير من البيعتين في بيعة، ومن الصفقتين في صفقة، ومن الشرطين في البيع التي جاء
النهي عنها في حديث أبي هريرة - - رضي الله عنه - - قال: "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم-عن بيعتين في بيعة"[10] وفي حديث ابن مسعود - - رضي الله عنه -- أن النبي - صلى الله عليه وسلم-: (نهى عن صفقتين في صفقة واحدة)[11]
وفي قوله - صلى الله عليه وسلم- "لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع"[12] فمما فسرت به الصفقتان والبيعتان
والشرطان أن يشرط عقد في عقد على وجه يؤدي إلى محرم[13].
القسم الثاني: تكييف ما تدعيه بعض شركات التسويق الشبكي من أنها لا تشترط شراء المنتج للانضمام إلى طبقات المسوقين وشبكاتهم وإنما تشترط فقط دفع رسم مالي فقط ، أو إنشاء مركز مالي يتضمن دفع مبلغ مالي[14] للحصول على حق التسويق والحصول مقابل ذلك على العمولات الاحتمالية المعلن عنها مقابل إغراء مجموعة من الناس –بضوابط وعدد يختلف من شركة إلى أخرى- لشراء المنتج والانضمام إلى شبكتك التسويقية، فالإعفاء من الشراء هو عن المشتري الأول وليس عمن جاء من طريقه.
وتكييف هذا القسم لا يختلف عن القسم الأول إلا في عدم اشتراط الشراء على المشتري الأول واشتراط دفع مبلغ من المال للحصول على حق التسويق والعمولات الناتجة عنه. وهذا الأمر من المشتري الأول الذي يدفع مبلغا من المال للحصول على العمولات الاحتمالية مجهولة التحقق –التي يمكن أن تزيد عما دفعه أو تنقص أو تنعدم- الناتجة من تسويق السلعة على مشترين مسوقين آخرين هو أصرح في القمار والميسر من القسم الأول بالإضافة إلى المفاسد الأخرى التي ذكرت في القسم الأول. والخلاصة: أن العقد الأول في هذا القسم عقد قمار وميسر ذلك أنه يدفع المال مقابل الحصول العمولات الناتجة من التسويق والتي قد تزيد فيغنم أو تنقص أو تنعدم فيغرم وهذا عين القمار -والله أعلم-.
القسم الثالث:وهذا القسم افتراضي لا وجود له في الغالب ولكنني وضعته على احتمال أن تدعي إحدى شركات التسويق الشبكي العمل به وهو: أن لا يشترط الشراء ولا الدفع مقدما على المشتري المسوق الأول للحصول على حق التسويق والحصول على العمولات ولكن تبقى المعضلة الملازمة للتسويق الشبكي وهي نظم الناس في طبقات وشبكات؛ لأن هذا يستلزم منه أن اشتراط شراء المنتج إذا سلم منه الأول فلن يسلم منه الثاني الذي سيشترط عليه لزاما الشراء حتى يحصل الأول على العمولات، وهذا يعيد الأمر إلى القسم الأول ولا بد، فلا فرق إذا بين القسمين إلا في المشتري الأول دون بقية المشترين المسوقين وهذا لا يعد فرقا مؤثرا في الحكم على تسليم وجوده.
ثم الأمر الثاني وهو جوهر نظام التسويق القائم على ربط الناس ونظمهم في طبقات يأكل بعضهم من جهد بعض والشركة تأكل من جهد الجميع دون وجه حق فهو من أكل أموال الناس بالباطل، وشراء المنتج فيه صوري للوصول إلى العمولات والأموال الموعودة الاحتمالية التحقق وهذا من الحيل المذمومة[15] لاستباحة القمار والميسر.
القسم الرابع: تكييف التسويق الشبكي إذا كانت الأموال الموعود بها المشتري المسوق قائمة على الوعد والهبة الاحتمالية وليست قائمة ومرتبطة بالتسويق[16].
هذا النوع من أصرح صور القمار والميسر، لأن المشتري للسلعة المسوق لمنتجات الشركة إنما دخل في هذا العقد رغبة في الهبات والمنح الاحتمالية الموعود بها من قبل الشركة فهو مخاطر بالغنم أو الغرم من أول العقد، ولا عبرة بدعوى أن الرغبة في المنتج. والدليل أن المنتج لوترك دون هبات لما التفت إليه إلا أقل القليل لوجوده بسعر أقل من سعر الشركة بكثير، ولما احتاجت الشركة إلى النظام الهرمي في التسويق، فالتسويق الهرمي أكبر دليل على أن المنتج صوري لا قيمة له، فلا بد أن تناط الأحكام الشرعية بحقائق الأمور التي دل العقل والواقع على اعتبارها والقصد إليها، لا أن تناط بأمور صورية لا تغير من حقيقة الأمر وواقعه شيئا[17].
والمال الموعود به المشتري هو في حقيقته عين القمار والميسر ولا عبرة بتسميته هبة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-: الواهب لا يهب إلا للأجر فتكون صدقة، أو لكرامة الموهوب له فتكون هدية، أو لمعنى آخر فيعتبر ذلك المعنى[18].
وقبل أن أختم الحديث عن تكييف التسويق الشبكي الهرمي لابد من التنبيه على أن شركات التسويق الشبكي إذا تخلت عن النظام الشبكي الهرمي الطبقي فقد خرجت من التسويق الشبكي إلى تسويق آخر لا علاقة للبحث به، ولا يعد من صور التسويق الشبكي في شيء.
ثانيا: حكم التسويق الشبكي:
بناء على ما سبق بيانه في تكييف التسويق الشبكي بصوره المختلفة، وما اتضح من اشتمال عقد التسويق الشبكي على القمار والميسر والغرر والغبن وأكل أموال الناس بالباطل، فهو عقد محرم فاسد لا يجوز التعامل به ولا الإعانة عليه، وهذا ما ذهب إليه جماهير العلماء والباحثين في هذا العصر[19]. وقد استدلوا بالأدلة الدالة على تحريم الميسر والقمار والغرر والغبن والظلم والغش وأكل أموال الناس بالباطل وتحريم كل ما تضمنها أو أدى إليها ومن تلك الأدلة:
1- قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ}[20]
2- وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً* وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيراً} [21]
3- وقوله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً}[22] والتسويق الشبكي بربطه الناس في طبقات يخدع بعضهم بعضا، ليأكل بعضهم من بعض ينافي الكرامة التي امتن الله بها على عباده.
4- وحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال:"نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم-عن بيع الغرر"[23]
5- وقوله - صلى الله عليه وسلم-: "فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا"[24]
6- و حديث أبي هريرة ـ - رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- "الصلح جائز بين المسلمين، إلا صلحاً أحل حراماً، أو حرم حلالاً، والمسلمون على شروطهم إلا شرطاً حرم حلالاً، أو أحل حراماً"[25] وشرط الشراء أو دفع الرسم في التسويق الشبكي من الشروط التي تحل الحرام وهو القمار والميسر –والله أعلم-
ثالثا: أدلة المجيزين للتسويق الشبكي والجواب عنها:
ذكر بعض المجيزين [26] للتسويق الشبكي شبها، انبرى للرد عليها بعض العلماء
وطلبة العلم[27]، وسأطرح هنا بعض الشبه التي وردت في أحد المواقع[28] وأحاول الإجابة عنها وهي:
1- أن التسويق الشبكي يختلف عن التسويق الهرمي الذي كانت شركات مثل: هبة الجزيرة، وبزناس، وجولد كويست تتعامل به، حيث إن السلع فيه وهمية وغير ذات قيمة ولذا انهارت هذه الشركات أما التسويق الشبكي الذي تتعامل به شركة كويست نت وغيرها من الشركات الحديثة، فهو تسويق حقيقي فيه سلع ذات قيمة .
والجواب: هذه الشبهة متناقضة ذلك أن التسويق الهرمي والشبكي الذي لا يعتمد على المنتج ممنوع حتى في الغرب وأمريكا تحديدا. والتفريق بين الشبكي والهرمي لا وجه له ولا حقيقة إلا للتلبيس على الناس فالفرق هو بين تسويق شبكي هرمي لا منتج فيه وبين ما فيه منتج، أما حصر الهرمي في الذي لا منتج فيه فهذا كذب صريح للتسويق الدعائي لا غير[29]. ثم إن شركة كويست نت وفي بعض منتدياتها تجعل للمشترك حرية في عدم الشراء لكن بشرط دفع رسوم اشتراك فوقعت في ما رمت به الشركات الأخرى المندثرة. وأما الطعن في الشركات الأخرى التي اختفت من الساحة حسب إعلانهم وأنها شركات وهمية وهرمية لا شبكية ولا يوجد فيها منتج فهو كلام باطل كاذب فهذه الشركات أيام رواجها كانت تعلن نفس إعلانات كويست نت وتعلن أن فيها منتجات وأنها تختلف عن الشركات الهرمية[30]. فالإعلانات واحدة، والطريقة متفقة في الجوهر، والهدف، والغاية واحدة، والتفريق ظهر بعد سقوط تلك الشركات وبروز هذه الشركة فوجدت الساحة فارغة فملأتها ضجيجا كاذبا وروجت لنفسها بلعن أخواتها في المنهج والطريقة.
2- أن الأصل في المعاملات والعقود الإباحة إلا ما دل الدليل على تحريمه ، لذا فالتسويق الشبكي مباح بناء على هذا الأصل.
والجواب: مع التسليم بصحة المقدمة والأصل إلا أن النتيجة غير مسلمة، ذلك أنه عند التحقيق يتبين أن التسويق الشبكي لم يعرف عند العلماء السابقين، فالحكم عليه استناداً إلى مجرد الأصل يوقع في خطأ في الحكم ناتج عن خطأ في طريقة الاستدلال، إذ قد تبين في التسويق الشبكي بعد فهم طبيعته معان أدت إلى تحريمه فيكون حراماً لدلالة الدليل المحرم، وهذا يتفق مع الأصل الراجح في المعاملات والعقود وهو الإباحة إلا ما دل الدليل على حرمته. وبناء عليه فالتسويق الشبكي حرام لتضمنه الغرر والقمار وأكل أموال الناس بالباطل وكل هذه الأمور جاءت الأدلة بتحريمها وهذا هو معنى الأصل المستند عليه في الشبهة، ولا عبرة بعدم النص على تحريمه باسمه.
3- أن المنتج في شركات التسويق الشبكي منتح حلال، ويلبي رغبات حقيقية للناس، وما في الشركة من منتجات محرمة فهي خاصة بغير المسلمين ذلك أن الشركة شركة عالمية تسوق للمسلمين ولغيرهم فلا وجه للتحريم هنا[31].
والجواب: أن موضع الإشكال ليس طبيعة المنتج ولا في كونه يلبي حاجات أو لا يلبي، وإنما في طبيعة العقد والتركيب فيه المؤدي للقمار والميسر وأكل أموال الناس بالباطل حيث جعلت السلعة وسيلة لا غاية بدليل أن طبيعة نظام التسويق تركز على نظم الناس في شبكات وأهرامات عن طريق ترغيبهم في العمولات التي لا تتحقق إلا بشراء السلع أو دفع الرسوم.
4- أن شركات التسويق الشبكي تجعل للناس ثلاثة خيارات:
1- شراء دون تسويق.
2- شراء لتسوق لتحصل على العمولات.
3- دفع رسوم [32]تسجيل لتسوق لتحصل على العمولات[33].
والجواب: أن الخيار الأول لا علاقة له بالبحث وهو التسويق الشبكي، أما الخيار الثاني والثالث فهو محل التحريم الذي وضح سابقا ومع الأسف أنهم يرمون الشركات العاملة سابقا في السوق بأنها لا تسوق منتجا حقيقيا، وأنها تتبع ما سموه بالتسويق الهرمي، ثم الآن وقعوا في الخيار الثالث فيما اتهموا به الشركات الأخرى حيث خلى الخيار الثالث من المنتج واكتفوا باشتراط دفع مال لتسوق لتحصل على العمولات، وهذا ما بينت تكييفه في الكيفية الثانية من تكييف التسويق الشبكي.
5- أن كل تاجر يريد الكسب، والمال وكذلك المشترك في التسويق الشبكي لا ينكر عليه رغبته في الكسب والمال[34].
الجواب: أن كل تاجر خمور ومقامر يريد الكسب والمال فهل يصح هذا دليلا للإباحة؟
الحق أن مناط التحريم في التسويق الشبكي هو اشتماله على القمار والميسر والغرر وغير ذلك من أوجه التحريم، والأمر يناط بالحقائق لا بالدعاية والتلاعب بالألفاظ.
6- المسوق في التسويق الشبكي له الحق في أخذ العمولات، لأنه ينفع الناس بالتسويق عليهم، وفي المقابل يستفيد.
الجواب:هذا التعليل لا يصح، لأنه لا يدفع وجه التحريم القائم وهو القمار والغرر المتجذر في النظام الشبكي، وربط الناس في طبقات يأكل بعضهم من بعض. أما استفادة الناس بعضهم من البعض فهذا لا إشكال فيه، ولكن أين هذا من النظام الشبكي؟.
7- إن المال والعمولة التي يأخذها المسوق هي من الشركة وليست من المشترين فأين أكل أموال الناس بالباطل التي تدعون[35]؟
الجواب: أن الشركة أخذت أموال الناس بالباطل فقسمتها بالباطل بنظام القمار المسمى الشبكي. فشبهتكم لا تدفع إشكالا ولا تقدم جوابا للمشكلة القائمة.
8- إن العمل في التسويق الشبكي عمل شاق فيه تعب ونصب فيستحق المسوق فيه العمولات الممنوحة له، وحتى لو سلمنا بعدم وجود تعب فلا يحرم المسوق من العمولات لأجل ذلك ولا تعد العمولات من أكل أموال الناس بالباطل، ومن أكل جهد الناس بدون تعب؛ لأن المرء قد يحصل على المال المباح بدون تعب مثل المال الحاصل من الهبة والميراث[36].
الجواب: العلة في تحريم التسويق الشبكي هي القمار وأكل أموال الناس بالباطل دون وجه حق، لا أنه بتعب أو بدون تعب. وهذا النظام القائم على الشبكات والأهرام والطبقات هو أكل لأموال الناس بالباطل ، لأنه أكل بدون وجه حق وهذا غير محصور في المشترين المسوقين، بل الشركة هي أهم وأول آكل لأموال الناس بالباطل في هذا النظام العبثي.
9- ليس في التسويق الشبكي غرر وجهالة فالعمولات تحصل إذا تحقق عدد من المبيعات المعينة ثلاث من اليمين وثلاث من اليسار، فأين الجهالة والغرر؟، فالسلعة ثمنها حقيقي ليس مبالغا فيه، والأمر الآخر أن الشركة أعطته خيار أن يشتري دون أن يسوق[37].
الجواب: إن الخيار الأخير لا علاقة للبحث به.
وأما أن الغرر منتف ببيان مقدار العمولة، وأنه سيحصل عليها عند تحقق العدد المحدد من المبيعات، فهذا غير صحيح؛ لأن المشتري المسوق دخل من بداية العقد -المركب من الشراء والتسويق للحصول على العمولات- على أنه يدفع هذا المبلغ لشراء السلعة مخاطرا بهذا المبلغ، فإما أن يكسب أكثر من خلال تحقيق عدد من المبيعات يعطيه عمولات تفوق قيمة السلعة التي اشتراها، أو يخسر إذا لم يحقق العدد المرجو من المبيعات، وهذا عين القمار والميسر والغرر.
10- القياس على مالك الدكان، وتاجر الجملة، حيث يستفيدان من تاجر التجزئة بأخذ أجرة المحل، وقيمة البضاعة، وكذلك المسوق الأول يستفيد من شراء الذي بعده لأنه أسس له الطريق والشبكة[38].
الجواب: هذا قياس مع الفارق؛ لأن صاحب الدكان قدم الدكان، وتاجر الجملة قدم البضاعة أما المسوق الأول في النظام الشبكي لم يقدم شيئا عندما باع السلعة على من تحته.
وأنبه هنا إلى أن الإشكال في عقد التسويق الشبكي الذي لم يتنبه له المجيزون هو: أنه عقد مركب أثمر التركيب فيه القمار والغرر، وإعطاء المشتري الخيار ليشتري دون أن يسوق لا يجيز العقد المركب فهذا عقد وهذا عقد آخر، وإجازة العقد المركب استدلالا بعقد آخر، خلط وقلب للأمور، وتلاعب بالألفاظ لا معنى له ولا فائدة في الحكم.
والفوائد والمنافع المزعومة للتسويق الشبكي لا تعني إباحته مع ما تضمنه من المحرمات، فالخمر فيها منافع. {الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}[39]
ولكن الله حرمها. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ} [40]
الخاتمة
أ- أهم النتائج: من النتائج التي جاءت في البحث:
1- تكييف ما تتفق عليه أغلب شركات التسويق الشبكي الهرمي هو : أنه عقد مالي مركب من بيع وجعالة جديدة ليس لها نظير في الفقه من جهة أن الجعل فيها موعود به على عمله وعمل غيره ممن يدخلهم في هذه الشبكة، إضافة إلى أن العقد يتضمن إلزام المشتري الثاني ومن بعده بوجوب الانضواء تحت غيره ممن يستفيد من جهده. والخلاصة أنه بهذه الكيفية عقد حادث ليس له نظير مماثل من العقود المعروفة فقهيا، ولا صحة لما يقال بأنه عقد سمسرة ، أو جعالة محضة، أو وكالة بأجر لما بينه وبين هذه العقود من الفروق الظاهرة الناتجة عن التركيب و الشروط المصاحبة. والذي يظهر لي- والله أعلم-أن عقد التسويق الشبكي( الهرمي) بهذه الكيفية يشتمل على الغرر والتغرير نتيجة علم شركة التسويق الهرمي بمكسبها-غالبا- وجهالة الأمر بالنسبة للمشتري المسوق فهو يدخل العقد ويدفع مبلغا لشراء سلعة -لا حاجة له فيها غالبا- توسلا بهذا الشراء إلى الحصول على العمولات الاحتمالية مجهولة التحقق وهذا عين الغرر. كذلك هو يتضمن القمار والميسر في جانب المشتري المسوق ذلك أنه يدفع المال مخاطرا به أن يغنم أكثر مما دفعه، أو يغرم فلا يحصل على شيء. كذلك هو يتضمن بهذه الكيفية أكل أموال الناس بالباطل من جهة ربط المشترين في رباط طبقي هرمي يأكل الأعلى من جهد الأدنى، ومن جهة أنه يتضمن الغبن والظلم الناتج من إجبار الناس على شراء ما لا رغبة لهم فيه وبالثمن المحدد لهم-وهو غالبا أكثر من قيمة السلعة- للانضمام للمسوقين.
2- بناء على ما سبق بيانه في تكييف التسويق الشبكي، وما اتضح من اشتمال عقد التسويق الشبكي على القمار والميسر والغرر والغبن وأكل أموال الناس بالباطل، فهو عقد محرم فاسد لا يجوز التعامل به ولا الإعانة عليه، وهذا ما ذهب إليه جماهير العلماء والباحثين في هذا العصر . وقد استدلوا بالأدلة الدالة على تحريم الميسر والقمار والغرر والغبن والظلم والغش وأكل أموال الناس بالباطل وتحريم كل ما تضمنها أو أدى إليها.
ب- التوصيات:
1- أوصي نفسي وجميع المسلمين بتقوى الله، وتحري الحلال والبعد عن الحرام والمشتبه.
2- وأوصي المسلمين بعدم الاغترار بمجرد الدعايات، بل عليهم التأكد وسؤال أهل العلم عما أشكل. {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}[41]
3- وأوصيهم بالنزول عند حكم الله، وعدم تقديم هوى النفس. {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً}[42]
4- وأوصي العلماء وطلبة العلم ببيان حكم ما يجد من النوازل، وتنبيه الناس على المعاملات المحرمة ليجتنبوها.
5- كذلك أوصيهم بالتعاون في نفع الأمة، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ اللّهِ وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلاَ الْهَدْيَ وَلاَ الْقَلآئِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَاناً وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}[43]
واجتناب التنازع. {وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}[44]
6- وأوصي الأقسام، والكليات الشرعية، والمراكز البحثية ببذل الجهد في بحث النوازل المعضلة.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا.