قوة المؤمن
قال صلى الله عليه وسلم: «ليسَ الشَّديدُ بالصُّرَعةِ ، إنَّما الشَّديدُ الَّذي يملِكُ نفسَهُ عندَ الغضبِ» (الراوي: أبو هريرة. صحيح البخاري؛ رقم 6114) والشدة المقصودة في الحديث هي القوة النفسية، فالمؤمن القوي إذن ليس صاحب القبضة القوية أو الضربة القاضية كما يطلقون عليها وإنما الأمر أعمق من ذلك بكثير فهو بمقياس الإيمان هو القدرة على التحكم في الذات وقيادة النفس.
وإن كان المؤمن لديه القدرة على التحكم في ذاته عند الغضب وهو أعلى الحالات الانفعالية فكل ما عدا ذلك سهل يسير ومن الممكن أن يكون تحت السيطرة. ومن حباه الله الفضل بحق هو من يملك توجيه نزعاته وطاقاته وفقاً لما يحب الله ويرضى؛ فالله سبحانه وتعالى أفسح مجال الحلال و عدد المجالات التي يستطيع من خلالها تفريغ طاقاته البدنية والمعنوية وفتح له أبواب اللهو الحلال التي يستطيع عبرها قضاء أمتع الأوقات، ولم أجد إنساناً أكثر استمتاعاً بحياته من أصحاب الأنشطة البريئة المفيدة سواء البدنية أم الذهنية التطوعية أو مدفوعة الأجر، ومع كل ذلك نجد من يترك كل هذا ويسلم نفسه دون أي مقاومة للإغراءات والفتن التي يقوم شياطين الإنس والجن بالترويج لها ومحاصرة بني آدم بها وقد تبلغ بهم الوقاحة ليس بتزيين للغواية فحسب بل بتقبيح الفضيلة أيضاً.
والمؤمن الفطن القوي بحق هو المؤمن اليقظ الذي يدرك خطورة الفخ الذي يُنْصَب له بمنتهى الدقة والإحكام من ناحية والمكر والدهاء من ناحية أخرى ويحرص دائماً على وجود مسافة كافية بينه وبين الوقوع في شَرَك المعصية. {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّـهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُون} [البقرة:187].