خرج علينا في هذه الايام النحسات وزير الثقافة المصري الهمام بتصريحات حول لباس المراة المسلمة معتبرا اياه عودة للوراء واعتبر ان الفتاوي التي تؤيد هذا الزي عودة للوراء، ولما كانت هذه التصريحات عودة للوراء وانبطاحا وارتماء في احضان الغرب فانني اجد نفسي مضطرا لان اتناول هذا الموضوع بالتحليل من جميع جوانبه لمواجهة سماسرة الغزو الثقافي لاقف منهم موقف الشرطة من اللصوص.
فبادئ ذي بدء احب ان اعرف ما هو الحجاب اصلا خاصة وان هناك العديد من الاسماء الخاصة باللباس الشرعي للمراة مثل الحجاب والنقاب والخمار والعباءة والجلباب، والحقيقة ان هناك فرقا بين ما يستخدمه الناس في اعرافهم واسواقهم وبين المصطلحات المستخدمة في الشرع الاسلامي، صحيح انه لا مشاحة في الاصطلاح كما يقول الاصوليون بمعني ان العبرة بالمسمي لا بالاسم غير اني سوف اوضح فروقا مهمة بين الفاظ معروفة. اولا الحجاب في القرآن هو الساتر كما قال الله عن مريم عليها السلام "فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَاباً وقوله تعالي وَاِذَا سَاَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْاَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ وقوله وَاِذَا قَرَاْتَ الْقُرآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَابا مَّسْتُوراً وقوله وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وقوله حَتَّي تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ وقوله وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ وقوله وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ اَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إلا وَحْياً اَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ اَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِاِذْنِهِ مَا يَشَاءُ وبالتالي استعمل الفقهاء مفهوم الحجاب للتعبير عن اللباس الذي يحجب جسد المراة بالكامل شاملا الوجه والكفين. وثانيا: النقاب فهو اشبه بالبرقع الذي تغطي به المراة وجهها فلا يظهر الا عينيها وهو الذي منع النبي من لباسه اثناء الحج لقوله ص لا تلبس المراة النقاب والقفازين في الحج وهو عند جمهور علماء السنة والشيعة فرض علي نساء النبي فقط لقوله تعالي وَاِذَا سَاَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْاَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ مستحب لغيرهن اذا اردن التاسي بامهات المؤمنين. واما الخمار فهو قطعة القماش التي تغطي بها المراة راسها وشعرها وعنقها وتسدلها علي صدرها لتغطي فتحة ثوبها والمعروفة في القرآن باسم الجيب والتي تلبس من خلالها الثوب لقوله تعالي وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَي جُيُوبِهِنَّ وخُمُرِ جمع خمار وجُيُوبِ جمع جيب. واما الجلباب مفرد جلابيب هو الثوب الفضفاض الواسع السابغ تلتحف به المراة من فوق راسها وهو اشبه بالملاءة التي تلبسها المراة العراقية او الشادور الذي تلبسه المراة الايرانية او الجلابة في المغرب او العباءة في الدول الاخري. وقد قال الله: (يَا اَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ اَدْنَي اَن يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ).
وعلي ضوء تعدد تلك الاسماء كما وردت في القرآن الكريم فان مسميات اللباس الشرعي للمراة تختلف من بلد لآخر حسب اختلاف الثقافة والتعبيرات اللغوية، غير ان مواصفات الزي الشرعي للمراة المسلمة بناء علي تلك الآيات وغيرها وتفسيرها والاحاديث النبوية وتفسيرها حدد العلماء مواصفات اللباس الشرعي الذي يجب علي المراة المسلمة التي تلتزم بتعاليم الاسلام ان ترتديه ثماني صفات، اولا: لا يصف اي لا يجسد بدن المراة بمعني ان يكون ضيقا بحيث يجسد مفاتن البدن كالاسترتش والجينز وغيره. ثانيا: لا يشف اي لا يكون خفيفا رقيقا يكشف عن ما تحته. ثالثا: ان لا يكون معصفرا اي الوانه خلابة علي نحو يخطف الابصار. رابعا: ان لا يكون معطرا بمعني ان تضع المراة عطرا من شانه ان يجذب الرجال ويهيج شهواتهم. خامسا: ان لا يشبه لباس الرجال اي مما يختص به الرجال في ازيائهم. سادسا: ان لا يكون زينة في نفسه كمن تزين خمارها علي نحو ما لجلب انظار الرجال. سابعا: ان لا يكون لباس شهرة اي تلبس المراة زيا لا مثيل او نظير له بحيث اذا سارت في الطريق اشار اليها الناس بالبنان. ثامنا: ان لا يشبه لباس الكافرات اي لا تتحري المراة المسلمة احدث صيحات الموضة العالمية التي يصمم ازياءها المخنثون ومن لا غيرة لهم ومن لا دين لهم.
وفي الواقع وللاسف فنسبة ضئيلة من المسلمات يلتزمن بهذه الضوابط غير انني احب ان اشير هنا الي ان المراة المصرية في الاقاليم تلتزم بزي اقرب الي الشرع وهو عبارة عن ما يطلق عليه الجلابية السودة والطرحة بدون تزمت او تعقيد. وكذا المراة العراقية بملاءتها واللبنانية والايرانية بشادورها والخليجية بعباءتها والمغربية بجلبابها والطالبات المتدينات في المدارس والجامعات وبقية العالم الاسلامي بلباسها المعتاد بدون تبرج. غير اني اعتقد ان تكون النسبة لا تزيد عن 25% غير ان نسبة النساء المسلمات الملتزمات بهذا الزي في الغرب لا تزيد عن 10% فوفق استطلاع للراي انجز مؤخراً في فرنسا، تبين ان ما يناهز 80 بالمئة من النساء المولودات في فرنسا، وهن من اصل مسلم، يؤكدن بانهن لم يرتدين الخمار يوماً! وعليه فاننا يمكن ان نحدد طبيعة المشكلة التي قامت في فرنسا واوروبا حول الحجاب والآن في تونس وبعضا منها في استراليا بعد تصريحات مفتيها حول الاغتصاب ويثيرها اليوم الوزير غير المثقف تدور حول الخمار اي غطاء الراس والعنق وفتحة اللباس من الصدر، وليس عن الحجاب الذي يشمل تغطية البدن والوجه. وبالتالي فان كثيرا من نسائنا يولولن علي الحجاب واكثرهن غير محجبات من الناحية الشرعية وينبغي ان نتعلم ضوابطه واحكامه ومن ثم نثور علي التهجم عليه او منعه. ولم ازل اذكر تلك المضيفة او الطيارة التي تم فصلها من شركة طيران مصرية خاصة بعد ان لبست غطاء راس واستضافتها قناة الجزيرة فظهرت علي الشاشة بملبس الطيار كبدلة رجل طيار والبدلة تصف اعضاء بدنها مثل الرجال والمسكينة ومن استضافها تظن انها التزمت بالحجاب والزي الشرعي بينما هي ما فعلت اكثر من انها غطت شعرها.
وقد يسأل شخص عن الحكمة في ان التشريع الاسلامي متشدد في شان ملابس النساء علي هذا النحو وكيف تعرض القرآن الكريم للعلاقة بين الزي والسلوك والاخلاق؟ والحقيقة احب ان اشير هنا الي ان الزي الشرعي الشكلي ليس وحده فقط دليلا علي العفة وليس عدم وجوده دليلا علي العهر، فقد تجد امراة متبرجة وهي في سجاياها وطباعها افضل من امراة تلبس النقاب وقد تكون مصدر نكد دائم لزوجها واهلها، وليس معني ذلك تبريرا للتبرج، وعلي المراة حسنة الباطن ان تضيف له حسن الظاهر امتثالا لامر ربها، وللاسف فان كثيرا من المسلمين يخلطون ما بين المظهر والجوهر، والشكل والمضمون، بل انهم ينحازون في اغلب الاحوال الي الجانب الشكلي فقط، حيث يعتبرون ارتداء الزي الشرعي معيارا وحيدا للحكم علي ايمان المراة المسلمة بالرغم من اهمية ذلك. واما حكمة التشريع فهو حماية للمراة وحصانة للمراة اكثر مما هو حماية للرجال. فالاسلام حرص علي عدم خدش حياء المراة ولو بالكلمات او التعرض لها علي اي نحو صيانة لها من اي عابث مستهتر. فقد امر الله نساء النبي وهن في موطن القدوة: يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَاَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء اِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ بترخيم الصوت وتليينه وترقيقه علي نحو يغري بهن الفساق والفجرة ويسيء الظن بهن. وامرهن بان لا يظهرن زينتهن الا ما تدعو الضرورة اليه من وجه وكفين وهو قول جمهور العلماء في تفسير قول الله ولا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا . بل ونهاهن الله ان يلفتن الانظار الي زينتهن المستورة فقال سبحانه ولا يَضْرِبْنَ بِاَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ كما انه لا يخطر ببال المسلمة وهي ترتدي الملابس الشرعية تلك السخافات الغربية ويقتدي بها الوزير المتعلقة بالقهر، وبانها مكرهة علي ارتدائها بدليل بقائه في افغانستان حتي بعد سقوط طالبان، وانما الذي يسيطر علي عقلها وروحها ان هذا الزي اداة شرعها الله للحفاظ علي قدسية جسدها وخصوصيته فلا تسمح لمتسولي الاجساد وسارقي النظرات ومسعوري الشهوات ان يلتقطوا ولو نظرة تخدش حياءها ويشبعون بها سعارهم الجنسي، وان غايته ضبط العلاقة بين الجنسين بالابتعاد بها عن عنصر الاثارة او التاثر بردود الفعل من معاكسات وتحرشات واعتداءات واغتصابات وهو منضبط باخفاء او ستر الزينة نزولا علي قوله تعالي وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ اَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ الا مَا ظَهَرَ مِنْها وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَي جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ الا لِبُعُولَتِهِنَّ اَوْ آبَائِهِنَّ اَوْآبَاء بُعُولَتِهِنَّ اَوْ اَبْنَائِهِنَّ اَوْ اَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ اَوْ اِخْوَانِهِنَّ اَوْ بَنِي اِخْوَانِهِنَّ اَوْ بَنِي اَخَوَاتِهِنَّ اَوْ نِسَائِهِنَّ اَوْ مَا مَلَكَتْ اَيْمَانُهُنَّ اَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ اُوْلِي الْاِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ اَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَي عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلا يَضْرِبْنَ بِاَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا اِلَي اللَّهِ جَمِيــــعاً اَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ .
وللاسف ان بعض معارضي الحجاب يقولون ان الحرمان والمنع والتحريم (تعتبر نوعا من محاصرة النساء وكبت حرياتهن عبر التاريخ) برزت كرد فعل لواقع ثقافي اجتماعي اقتصادي خاص او كجزء اساسي من ايديولوجيا دينية وسياسية مقنعة وانعكس ذلك في صورة الحجاب. فوفقًا للفكر الاسلامي ان للملابس فلسفة خاصة تستند الي فلسفة العفة ، وغايتها ليست ستر البدن فقط، فاللباس نوعان وهو ما ذكرهما الله بقوله: يَا بَنِي آدَمَ قَدْ اَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَيَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ فالحجاب بمفهومه الشامل والحقيقي هنا بما هو لباس للبدن دعوة الي لباس الباطن الذي هو التقوي، تلك المفردة التي تستر مساوئ الاخلاق وذميم الملكات وتعمل علي ابدالها بمحاسن الاخلاق وجميل الصفات وممدوح الملكات، فاذا كانت الحضارة تحتاج الي ترشيد العقل وسلامة النفس من الموبقات والرذائل، فان في الحجاب بمعناه الشامل وليس غطاء الراس فقط دعوة الي تحرير العقل من اسر الشهوة وتحفيز لطهارة النفس واعمارها بالتقوي فهذا هو الحجاب في حقيقته وجوهره وفلسفته. حيث تضع المراة لباسا علي جسمها بطريقة تسهم في ستر مفاتنها وتعمل علي حجب الجانب البدني والمادي في جسد المراة لصالح اظهار الجانب الانساني والمعنوي في شخصيتها. ان هناك حاجة لادراك فلسفة الحجاب، حيث ان الحجاب هو حجاب للشهوة، فالحجاب في فلسفته هو منع لغلبة البعد الحيواني علي البعد الانساني والعقلي في شخصية الانسان وفي هذا الاطار لا يعد الحجاب زيا لطائفة خاصة، او زي فقر او عوز ترتديه من لا تستطيع مواجهة تكاليف عصر ما بعد الحداثة، او زيا فولكلوريا تراثيًّا تعبيرا عن تمسك بتقاليد بالية. بل هو زي ينطلق من بعد عقائدي، حاملا قيمة دينية، ومظهرا لثقافة خاصة كما هو واضح وجلي في تنوع شكل الزي الشرعي المختلف بين الدول الاسلامية بحسب الثقافات، لكنه يتفق علي ستر حدود ما يُعتبر عورة شرعًا، والتمسك به يعني التزاما بالتشريع الالهي في مواجهة محاولات التشريع الوضعية من قبل حضارة تستهدف قولبة البشر، واعادة صياغتهم وفق منظورها الحضاري الذي تراه المنظور الوحيد الجدير بالتعميم طوعا واحيانا كرها. ان شعار الزي الشرعي يتجاوز الجانب الشكلي ليصل في تعبيره واقع النفس الانسانية وطبيعة الصراع الدائر فيها بين الشهوة والعقل او بين البعد الحيواني والبعد المعنوي الانساني، حيث يكون الحجاب هنا مناصرة للعقل والبعد المعنوي والجانب المتعالي علي الشهوة والبعد الحيواني والجانب المتسافل في شخصية الانسان. ومن هذا المنطلق فلن يكون الحجاب تعبيرا عن الحرمان والمنع والتحريم كما يشكك البعض او مجرد تكيف لضغوط اقتصادية مرحلية. ان الحجاب يدعو الي تحويل ميدان المجتمع الي ساحة تغلب فيها العفة والطهارة علي الابتذال والتنافس في اظهار المفاتن، ولا يخفي ان توفير البيئة الاجتماعية المناسبة سوف يسهم في التاكيد اكثر علي قيم العمل الصالح والانتاج المتوازن في جميع الميادين ومن ثم صناعة الحضارات النافعة. ان الحرمان الحقيقي هنا ان الكثيرين حرموا من فهم حقيقة الحجاب، حيث تصوروه جسدا بلا روح وقالبا بلا معني وشكلا بلا مضمون. ان المنع الحقيقي هنا هو الا تأخذ بالاسباب التي تسهم في منع سفور الشهوة وحجاب العقل، حيث ان الحجاب هنا في فلسفته يعمل علي المنع من سفور الشهوة لصالح حجابها، وليس كبتها، ويعمل علي المنع من حجاب العقل الصالح ظهوره وسفوره. فالاسلام كما قلت لا يدعو النساء الي حجاب البدن وفقط، بل يدعو النساء الي الحجاب الذي يستر الرذائل وينمي الفضائل، الحجاب الذي يستر الخبث والشقاوة لصالح العفة والطهارة، الحجاب الذي يستر في الانسان بعده الحيواني والشهواني لصالح بعده الانساني والواعي، وبالتالي ليس ذنب الاسلام اذا كانت بعض النسوة يرتدين الحجاب بشكل خاطئ، او اذا تلقاه البعض علي اساس انه مجرد تقليد اجتماعي موروث، فان الفهم الصحيح للاسلام واحكامه وفلسفته يؤخذ فقط من الذين يلتزمون الدين وقضاياه عن وعي وعلم ومعرفة لا عن وراثة وتقليد، ومن خلال الرجوع الي اهل المعرفة والخبرة بالدين وفلسفته واحكامه وقضاياه. وقد يقول قائل لكن الحجاب كان معروفا في الجزيرة العربية قبل بعثة النبي (ص) وان التشريع الاسلامي اقره كواقع اجتماعي وليس تشريعا اصيلا والواقع انه كان معروفا ليس فقط في الجزيرة بل كان معروفا من لدن ابينا آدم عليه السلام وكذلك في اليهودية والمسيحية. فقد جاء في كتاب قصة الحضارة للكاتب (ويل ديورانت) القول بانه كان في وسع الرجل ان يطلق زوجته اذا عصت اوامر الشريعة اليهودية، بان سارت امام الناس عارية الراس . والذي يشاهد اليهود المتدينين في امريكا والمعروفين بالارثوذكس يراهم مع نسائهم وهن يلبسن لباسا سابغا لا يكشف سوي الوجه والكفين كزي المسلمات، ولم ازل اذكر يوما كنت مسافرا من مطار لوس انجليس ورايت احدهم مع زوجته المحجبة ونحن في انتظار المغادرة فهممت ان اقوم لتحيتهما وشكر اتباع نبي الله موسي علي احترامهما لاوامر الله، غير اني خشيت ان يسيئا الظن، فيفهما انني اسلم بكل ما يدعون من تبعية لموسي، فالتزمت الصمت. والذي يؤكد ان اللباس الشرعي وغطاء الراس من تعاليم رسول الله عيسي بن مريم عليه السلام الصورة الخيالية التي يعلقها المسيحيون للسيدة مريم عليها السلام سواء في الكنيسة او في المنازل، تظهر السيدة مريم بزي شرعي مع غطاء راسها لا يظهر الا الوجه والكفين، وكذا لباس الراهبات لا يظهر منهن الا الوجه والكفين. فاذن اللباس الشرعي مع غطاء الراس هو تعاليم السماء في جميع الاديان السماوية وليس من بدع او مستحدثات الاسلام. وقد يخرج علينا جاهل بالقول اننا لا نوافق علي لبس الحجاب قياسا علي منع سيدنا عمر بن الخطاب الجواري والاماء من لبس الحجاب في زمن خلافته وما كان ليقول ذلك لو علم ان مفهوم الحجاب الذي يعني كما قلت يشمل تغطية الوجه والكفين بمعني وضع النقاب او القناع كلباس اشتهرت به معظم الحرائر والمنقول عن عمر كما اخرج ابن ابي شيبه عن ابي قلابة رضي الله عنه قال: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه لا يدع في خلافته امة تقنع ويقول: انما القناع للحرائر لكيلا يؤذين. ولقد اخرج ابن ابي شيبه وعبد بن حميد عن انس رضي الله عنه قال: رأي عمر رضي الله عنه جارية مقنعة، فضربها بدرته وقال: القي القناع لا تشبهين بالحرائر. اذن عمر منع الاماء من تغطية الوجه وليس تغطية الشعر. ومما يؤسف له ان بعض المسلمين الغربيين ممن يسمون بالمفكرين الاسلاميين منهم الالماني مراد هوفمان والذي كان قد عمل في السلك الدبلوماسي لالمانيا بالقول انه يمكن تطبيق الحجاب بدون تغطية الراس، وخاصة في امريكا واوروبا، حيث لا يمثل شعر المراة اثارة للرجل!! واضاف انه يعتقد ان غطاء الراس يصبح ضروريًّا فقط عندما يؤدي كشفه الي احداث اثارة جنسية ! ومع احترامي للرجل وخدماته وجهده في خدمة الدعوة الاسلامية في المانيا واوروبا الا انني اعيب عليه عدم التزامه بحدوده العلمية بالفقه الاسلامي شأنه شأن السيد جارودي في فرنسا وشان النخب المثقفة التي اعتنقت الاسلام مع تقديري لجهودهم جميعا في نشر الاسلام. فآراء هؤلاء سببت خيبة امل كبيرة في اوساط المسلمين في اوروبا والغرب. فاذا اعتبرنا علي حد زعمهم ان العلة في فرض الخمار وتغطية الراس هي عدم الاثارة فاذا انتفت الاثارة انتفي الحكم والفرضية، فاذا كانت المراة قبيحة او شعرها ليس جميلا او قصيرا معدوما لا يثير ولا يلفت النظر فيجوز والحال كذلك ان نفتي قبيحة الشعر بان تكشفه، وجميلة الشعر ان تحجبه وتستره، فيكون كشف الراس جائزا للبعض محرما علي اخريات!!، وهذا سيجرنا الي ما هو اكثر فاذا كان الصدر والثديان مما لا يثيران الشهوة في بعض المجتمعات كما هو الحال في بعض دول افريقيا فاننا يجوز ان نفتي بان كشفهما حلال، وهلم جرا حتي سنفتي بجواز كشف جميع البدن الا من ورقة التوت التي تستر السوأة لان بعض الاقوام في الغابات الذين يعيشون اشباه عرايا مع ستر السوأة فقط دون ان تستثار شهواتهم من هذا التعري شبه المطلق. هذا اذا سلمنا جدلا بان الشعر لا يثير شهوة الغربيين، والمتتبع لعدد قضايا التحرش الجنسية والاغتصاب واتيان المحارم في الغرب بالرغم من شبعهم الجنسي بجميع الوسائل، يعرف ان الشعر لا شك من محاسن ومفاتن المراة التي تجذب الرجال من اي جنس كانوا سواء من الشرق او الغرب، فالانسان هو الانسان، ونهي الله في سورة النور عن ابداء الزينة بقوله وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ اِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا كان واضحا في ان المراة المسلمة يجب ان تستر زينتها الا ما يظهر منها بحكم حركة الحياة الوجه والكفان، ولا ينازع اي عاقل او حتي مجنون في ان شعر المراة من اهم محاسن المراة التي تتفنن في تغيير الوانه واختراع تسريحاته، ولهذه التسريحات مصمموها العالميون، وقد بلغ من قداسة اللباس الشرعي ان الله لم يسمح للعجائز والقواعد التي التزمن بيوتهن لكبرهن من النساء اللاتي انتهي ميلهن للرجال، وميل الرجال لهن، ان يكشفن زينتهن وشعرهن تبرجا بالرغم من انهن لا يطمعن في احد او يطمع فيهن احد، وان كان اذن لهن ترخصا بجواز عدم التحفظ الشديد من ثوب فضفاض وسابغ وغيره من مواصفات كاملة للزي الشرعي مع ان النص القرآني رغبهن استحبابا ان يلتزمن بالضوابط الكاملة كمؤشر للعفة فقال تعالي وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاء اللاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ اَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَاَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ . ولا ادري ماذا سيقول اخونا هوفمان ومن نهج نهجه في وجوب تغطية المراة راسها اثناء الصلاة ولو كانت تصلي نفلا ولو كانت منفردة وحدها في غرفة مغلقة او حتي في كهف تحت الارض طالما تملك ملابس تكفي لتغطية شعرها.
الواقع ان رؤي النخب المسلمة المثقفة الغربية والمعروفين بالمفكرين تنبع من الرغبة في تحقيق مصالحة او مقاربة بين الاسلام وقيم الحداثة الغربية، وايجاد مخرج يكفل للمسلمين في الغرب لا سيما من هم من اصل اوروبي، التعايش مع مجتمعاتهم الجديدة، الا ان تلك التوجهات، وذلك التعايش يجب الا تتم عبر التنازل عن احكام شرعية قطعية الثبوت، قطعية الدلالة، للالتقاء مع الحضارة الغربية في منتصف الطريق، وانما تتم المصالحة عبر الاعتراف والتسليم بمفهوم الالتزام بالواجبات الشرعية الدينية والخصوصية الثقافية والتسامح مع الآخر. واما موقف بعض المنسوبين للثقافة من امثال وزيرنا من النخب العربية الذين يعارضون مبدأ الحجاب ويدللون علي صحة آرائهم بتفسيرات خاصة لبعض النصوص القرآنية ويعتبرون ذلك نوعا من الاجتهاد فانه والحق يقال ان موقفهم هذا ياتي اتساقًا مع الرؤية الغربية، نظرا لانها تدين بالفضل في تكونها الفكري والطبقي للثقافة الغربية، وتعد اطروحاتها بشأن المراة بشكل عام والحجاب والزي الشرعي بوجه خاص مجرد اعادة وتكرار اجوف للطرح الغربي، ولا تحمل اي فكر جديد. وقد تتمسح بعض هذه النخب من امثال المستشار سعيد عشماوي في كتابه حقيقة الحجاب وحجية الحديث ، ببعض التأويلات الفاسدة للآيات القرآنية وللنصوص الشرعية الواردة في شأن الخمار والجلباب والحجاب، وهم يخالفون اجماع علماء الاسلام عبر تاريخ الاسلام حتي اليوم من سنة وشيعة وغيرهم في وجوب الزي الشرعي وغطاء الراس، ولقد لطمهم شيخ الازهر لطمة http://www.maktoobblog.com/search?s=%D9%85

90 تصويتات / 868 مشاهدة
نشرت فى 30 نوفمبر 2009 بواسطة ahmedelbebani

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

281,168