والدي في ذمة الله
شعر د / أحمد أبوزيد
والديِ الحبيبْ
رحمةُ الله عليكَ
ملءُ الأرضِ والسماءْ
ومن فجركَ الذي فارقت فيه الحياة
إلى يوم اللقاءْ
******
والديِ الحبيبْ
مرَّ على فراقكَ
شهرٌ وبضعتُ أيامْ
وما زالَ صوتكَ في أُذنيِ
وما زالَ وجودكَ حوليِ
وما زلتُ أتوقع أنكَ أمام بيتنا تنتظرني
وما زلتُ اترقبُ تليفوني
انتظرُ سؤالكَ عني
ودعواتكَ التي تبدأُ بها الكلامُ
وتُنهي
******
والديِ الحبيبْ
فارقتني
وكم كانت لديّ أحاديثٌ
جمعتها في غُربتي
كنتُ أودُّ أن أقُصها عليكَ
وكم كان لديّ شوقٌ
أن أنامَ بين يديكَ
وكم واعدتُ أطفالي
للعب بين يديكْ
******
والديِ الحبيبْ
لمْ أُدرك معناكَ
ولم أفهمْ
أن فراقَ الأب كربٌ عظيمْ
******
والديِ الحبيبْ
فارقتني
وفي لحظةٍ
تَجَمَعَ في ذاكرتي
مشواركَ الطويلْ
وأنتَ تجري
في البردِ القارس
وفي الحر الشديد
حاملاً متاعنا وزادنا
ما تأخرت
حاملاً جروحنا وهمومنا
في سرٍ عظيمْ
******
والديِ الحبيبْ
اقسم إليكَ في ثلث اليل الأخير
ودموعي تبللُ أوراقي
ودمي يحترقُ بالبطيء
أني ما غفلتُ يوماً عنكَ
عن الدعوات والرحمات
وما قصرتُ عن الحنين
للقريب والغريب
وما فارقَ صوتكَ أُذني
وأنتَ تُنادي اسمي بحروفٍ ممدودةٍ
ونغمٍ طويلْ
كأنكَ تُغني اسمي
وتستعذبُ لحناً جميل
******
والديِ الحبيبْ
كم كنتَ عزيزاً
في حياتكَ
في مرضكَ
وفي موتكَ عزيزْ
عشتَ ومتَّ
وفي يديكَ كتابُ الله
ما فارقَ يديكَ
وما جفَّ عن صدرك حرفٌ
وسعتَ كتابَ الله
عن حبٍ
تشهدُ يديكَ
وينطقُ صدركَ بكل آيةٍ فيهْ
لك الفخرُ فقد شهدَ لك كلُ فقيهْ
******
والديِ الحبيبْ
بين بكاءٍ ودموعْ
يمرُّ بيّ فرحٌ شديدْ
أنكَ حفظتَ كاتب الله لفظاً وفقهاً
وما قصّرّتَ من إبداعٍ فيهْ
وأنكَ اعتكفتَ طويلاً
عن القيل والقال
فصرتَ مثلاً لكل عقلٍ رشيدْ
وأنكَ مرضتَ مرضاً
يكونُ لكَ شفيعاً وشهيدْ
وأنكَ متَّ على الشهادة
وكل من دعوتهُ لوداعكَ
كان حاضراً ومُجيبْ
فلتسعد يا والدي
فكل العلاماتِ تشهدُ
أنك في رحمة الرحمن الرحيم
******
والديِ الحبيبْ
تغلبني الدموع
ويُمزقني الأنينْ
ولكن هذا قضاءُ الله
ورضينا بيهْ
رحمةُ الله عليكَ
يا والدي
وطاب مرقدكَ
في جنات النعيمْ
ساحة النقاش