لاقت فئة المتخلفين عقلياً العديد من أشكال الظلم والاضطهاد على مر العصور , واجه فيها المتخلفين عقلياً أشكالاً متعددة من الظلم , بداية من القتل والتعذيب , وحتى تركهم في العراء للبرد القارس أو الحر الملتهب أو تركهم للسباع والضالات وتجار الرقيق , وفي بعض الأوقات كان يحتفظ بهم الأغنياء للتسلية , وأخيراً نادى البعض بتعقيمهم ؛ وبالفعل تم تعقيم عدداً كبيراً منهم , وأخر ألوان الظلم كان عزلهم في ملاجئ ومؤسسات خارج الأحياء السكنية أشبه بالسجون , لا تُقدم فيها أي رعاية.

وبفضل جهود الفلاسفة والمصلحين وظهور النزعات الإنسانية مع بداية عصر النهضة اختلاف الوضع تماماً ؛ فظهرت المؤسسات والجمعيات التي تهتم بحقوق المتخلفين عقلياً , وإن كانت الجهود فردية وخاصة ومحدودة إلا أنه بدأ يُنظر إليهم كأفراد وأقران مناظرين للعاديين , لهم كل الحقوق والواجبات والفرص المتاحة للعاديين.

وأصبح وضع المتخلفين عقلياً في العصر الحالي مكافئ لأقرانهم العاديين تماماً ؛ فانتقل الاهتمام بهم من الجهود الفردية إلى جهود الحكومات والسياسات الدولية , وأصبحت قضية التخلف العقلي محور اهتمام الساسة والباحثين في المجالات الطبية والنفسية والاجتماعية والتربوية والقانونية , وغيرها , كلٌ في مجاله.

ونلفت الانتباه إلى الجدل حول مصطلح التخلف العقليmental retardation  والمصطلح الجديد الصادر عن الجمعية الأمريكية للتخلف العقلي هو intellectual disabilities , حيث انتفدت العديد من الدوائر العملية المصطلح الجديد , والذي من المفترض أن يكون أكثر تعبيراً عن المصطلح القديم , وقد نتعرض في الكتاب لهذا الحوار والجدل حول المصطلح الجديد , ونقترح مصطلح " متلازمة الصعوبات المعرفية التكيفية " لوصف تلك الفئة من الأطفال الذين يقل ذكاؤهم عن المتوسط بمقدار اثنين انحراف معياري , ويصاحبه قصور في اثنين أو أكثر من مهارات السلوك التكيفي كما حدداتها الجمعية الأمريكية للتخلف العقلي , ويحدث هذا خلال الفترة النمائية والتي تمتد حتى سنة ثمانية عشر عاماً.

ويعد الكتاب الحالي " الإعاقة الفكرية رؤية حديثة " واحد من الجهود المقدمة لخدمة فئة التخلف العقلي , ولخدمة المجتمع , نعرض فيه الجهود المبذولة لرعاية المتخلفين عقلياً على مر العصور , بداية من العصور القديمة وحتى الوقت الحاضر , ويهدف هذا الكتاب بصفة عامة إلى تزويد القراء المهتمين برؤية شاملة عن قضية التخلف العقلي من وجهات النظر الطبية والنفسية والاجتماعية والتربوية والقانونية. مستندا في ذلك إلى نتائج البحوث والدراسات الحديثة , كما يتعرض المؤلفان في هذا الكتاب لموضوع المتلازمات التي تتصف بالتخلف العقلي , والتي تمثل إضافة جديدة في هذا الكتاب قد لا تكون المؤلفات العربية قد تعرضت لها باستفاضة في ظل نتائج البحث العلمي الجديدة , وبصفة عامة يقدم هذا الكتاب معالجة جديد لمتلازمة التخلف العقلي مما يجعله أضافة للمكتبة العربية.