رواية ملك يمينك الفصل الثاني 2 - غاردينيا
وقفت امام المرآه اتأمل شكلي وأنا أعي اختلاف شكلي وملامحي عن والديّ واختي الأكبر سنا ، فعيوني سوداء مدوره صغيرة وشعري اسود قصير مائل للحمره يدور ليلتف حول وجهي فيضيف لبشرتي الشديده البياض جمالا حيث كان كل من يراني يقول انني لوحه قد تناسقت الوانها بطريقه رائعه ومنسجمه . أنف مدوَّر صغير وشفتان ممتلئان كريهتان ذات لون احمر قاني وكأنهما قد طليتا بأحمر الشفاه .
لقد كنت نسخه من جدتي لوالدي التي توفيت وأنا صغيره . حمراء الوجه والطباع كما كان يدعوني ابي حين يغضب فيشفع لي الشبه بيني وبين جدتي ليقترب مني يضمني الى صدره ويداعب شعري وهو يردد :
ـ تشبهينها في كل شيء . قصر القامه وطول اللسان .
أما أنا فقد كنت اكره لون شفاهي اشد الكره حيث أن لونهما يسبب لي المشاكل دوما مع مدرساتي ، فقد كانت المديرة تأتي بالمنديل صباحا في الأسبوع الاول لبدء الدوام في مدرستي الجديدة وتدعك لي شفتي بقوه لتزيل احمر الشفاه عنها كما كانت تظن هي . وأنا اتوسلها واقسم بأني لا أضع شيئاً حتى اقتنع الجميع أخيرا أن لون شفتي طبيعي ولا علاقه لمساحيق التجميل به !
والدي كان فارس احلامي الوسيم ، زميلاتي قليلات الادب كن يتغزلن به امامي دون خجل بطوله الفارع وجسده الذي ما زال محتفظاً بتناسقه رغم سنوات عمره التي تعدت الخمسين بقليل وجهه ابيض مشوب بحمره يتلون للاحمر عندما يغضب بشده فنكاد نقسم ان قطرات من الدماء ستنبثق من وجهه ، ذو وشعر اسود كثيف قد غزاه الشيب بلونه الفضي فزاده وسامة، اما والدتي او " السيد اللواء " كما كنت اسميها ، كانت منضبطه الى ابعد الحدود .. ذات جمال مثير ببشرتها الصافية ذات اللون الخمري وعيونها السوداء الواسعة المزينة بأهداب طويلة تظهرها دائما وكانها كحيلة العينين ، شعر بني غامق مع غمازات تزين جانبي وجهها الجميل.
كانت تعشق والدي لدرجه اني اغار احيانا، حين تتواجد والدتي في أي مكان وزمان كانت الأنظار تتجه نحوها لأذوب أنا رغما عني . هذا مؤكد فقد كانت متكلمه ومثقفه ، وحنونه جدا أيضا .
انتهت الامتحانات لنصف السنه وكنت الثانيه على المدرسه والأولى على فصلي . فرحت كثيرا لأنني سأحقق أمنيه والدي بدخول كليه الطب التي لم تتمكن اختي سمر من دخولها . امسكت النتيجه بيدي بكل فخر وخرجت راكضه من المدرسه باتجاه البيت .
ـ نجحتِ يا مهرتي ؟
سأل عماد .
ـ ابتعد عني وإلا حطمت سيارتك وجعلتك تقضي الليل في الشارع !
ـ احب جنونك هذا !
امسكت بحجر كبير وكنت على وشك رميه لولا اني تذكرت توعد والدي لي بالخصام اذا ما اسأت الادب فتركت الحجر ينزلق من بين اصابعي وأنا ألتفت لاصطدم بعيونه البنيه التي تنظر لي بمرح مشاعب وهو يقف بعيداً ووجهه الأشقر الوسيم يبتسم لي بطريقه تغيضني، فتجاهلته اكراما لوالدي .
كان ابي فرحا بنتيجتي وطلب من امي أن تذهب لشراء الخاتم الذي كنت قد شاهدته سابقا واعجبني ولكن زيارة عمتي سعاد وزوجها وتأخرهم حتى العشاء ضيع علي هذه الفرحه .
أنا لم اكن قليلة الصبر ولكن كنت خائفه أن يشترى احد ما خاتمي .
جلست ابكي بعد خروجهم واندب حظي بالضبط كالطفل الذي يتمسك بلعبة ولا ينتهي من نوبة بكائه وصراخه حتى يشتريها ووالدتي كانت توبخني وهي تشتاط غضبا من دلعي كما تسميه دوما .
ـ ألا تستطيعين الصبر حتى الصباح ! لا تكوني مزعجه !
ـ اذهبي الأن يا وداد واشتري لها الخاتم .
تردد الصوت الحازم في البيت بأمره لأنتعش واشعر بنشوة الانتصار فقد وعدت والدي بالتفوق ووفيت وعليهم الآن أن يفوا هم بوعدهم لي .
ـ الساعه الحادية عشر الآن يا زياد !
اجبت بفرح طاغٍ وأنا اعلم انها لن تتعدى الدقائق . دقائق قليله فقط حتى اشتري خاتمي الجميل :
ـ الصائغ يبقى فاتحاً ابوابه حتى الساعه الثانيه عشر يا امي .
ـ أفٍ منكِ ! هذا سبب فسادها يا زياد .
ـ لقد وعدت وأوفت بوعدها والان جاء دوري انا لأفي بوعدي . أن كنت متعبه يا وداد فسأذهب أنا !
ـ انت استرح يا زياد فأنا أراك شاحبا وسأذهب أنا وأسلم امري لله فيكما انتما الاثنان .
ـ ستنامين يا حلوتي والخاتم بيدك . واما هديه التخرج فستكون مفاجأة جميله لك اذا رفعتِ لي رأسي عالياً بتفوقك .
ـ سأفعل يا أبي ، اعدك .
وعدت والدي ولم أكن اعلم ساعتها أن ما يخبئه لي القدر كان اغرب من الخيال !
ـ سأفعل يا أبي ، اعدك .
وعدت والدي ولم أكن اعلم ساعتها أن ما يخبئه لي القدر كان اغرب من الخيال !
ركضت فرحة للبيت مع نتائج الامتحانات الشامله للمرحله المنتهيه وقد كانت اصغر طالبه في صفي وذلك لأني خضت تجربه التسريع وهو برنامج دراسي استحدث ، يمكن الطلاب المتفوقين من اختزال سنه دراسيه بأكملها بأداء امتحانات تلك المرحله في الصيف وعند النجاح بتفوق يتمكن الطالب من تجاوز هذه المرحله الى المرحله التي تليها وقد تمكنت أنا من تجاوزتها وسبقت جميع اقراني حين انهيت امتحان مرحلة الثاني المتوسط في الصيف ونجحت بتفوق . ومع اني رغبت في أن اعيد التجربه مره ثانيه في الرابع الاعدادي إلا أن والدي رفض خوفا علي من الفشل وحينها كنت سأصاب بالإحباط حسب رأيه فاقتنعت ولم أقدم على هذه الخطوة مره ثانيه.
كدت أن اصل للبيت تلفحني شمس الظهيرة الحارقه ولكن ساعتها كان كل ما حولي يتلاشى وهمي الوحيد أن اصل لحضن والدي واضع النتيجه التي تؤهلني لدخول الامتحان النهائي بين يديه لأجلس أنا في احضانه .
لمحني عماد وبدأ يسير خلفي كالعاده . يا إلهي انه لا يمل أبدا من اللحاق بي ! اشعر الان اني الوحيده التي ينعكس لها ظلان على الأرض واحد يمثلني والآخر يمثل عماد .
بدأ يحاول استفزازي بعبارات الغزل :
ـ ارحمي الاسفلت الذي تدوسين عليه وسيري كما تسير الانثى ! لا تجعليني اشعر اني امام ضابط في الجيش .
أطلقت زفرة ضيق وانا أحاول بصعوبه أن اتجاهله ، فاستجرت بدكان العم توفيق الذي كان مغلقا على غير العادة . كنت اسير مسرعة وهو خلفي حتى وصلت الى الشارع حيث يقع بيتي فشاهدت سيارة الإسعاف متوقفه امام منزلي فوقفت مذهوله ووقف عماد معي .
ـ زينه ، الإسعاف امام بيتك !
لم أجب وتقدمت ببط خائفه مرتجفه وكل املي أن الإسعاف لم تتوقف امام داري إلا لعدم وجود موقف فارغ لها . بدأت اقنع نفسي بتحليلي الغبي ، حتى وانا اشاهد الشارع امامي خالٍ من أي سيارة مركونه على الارصفه سوى تلك الإسعاف المقيته بلونها الأبيض الكرالفصل
جررت قدماي رغما عني حتى وصلت إلى مسافه قريبه من بيتي لأشاهد ابي مستلقيا بشحوب على الحماله التي يسرع رجلان بإدخالها الى الإسعاف وصوت بكاء امي المكتوم وصل الى اذني خافتا ينذر بخطر كبير يرسم طريقه لعائلتي السعيده ، فبدأت اسرع شيئا فشيئا وانا اهمس خائفه من المجهول :
ـ ابي !
أمسكني عماد فدفعته بقوه وقد بدأت بالركض وانا أحاول الوصول لسياره الإسعاف قبل أن تذهب .
لمحتني امي التي كانت قد صعدت وجلست قرب ابي النائم ونفس الرجلين حوله يحاولان ادخال تلك الانابيب البيضاء في انفه وفمه .
غافلني صوتها المرتعش ليجبرني على الإفاقه من حالة الذهول التي انتابتني فنظرت اليها وعيوني متعلقه بجسد والدي المسترخي بطريقه مؤلمة لعقلي :
ـ ابنتي ،ابقي مع خالتك سندس .
أغلِقَ باب سيارة الإسعاف بوجهي وانا ما زلت مصدومه وعيوني مفتوحه باستغراب والذهول باد على وجهي دون أن أقوَ على أي رد فعل للمشهد الذي يمر امامي متسارعا دون أن يمهلني الوقت لاستيعابه .
تقدمت الخاله سندس نحوي ومعها العم توفيق وبدأت الإسعاف تسير مبتعده ، وانا واقفه كالصخرة .
فجاءه بدأ عقلي يعود لعمله الذي توقف منذ رأيت والدي بهذا المنظر ، وبدأت أعي أن مجرد رؤية والدي لنتيجتي كفيل بأن يجعله يقف على قدميه ، لا بل لربما ضرب هؤلاء الذي يقومون بتعذيبه بتلك الأنابيب الشفافه التي يحاولون إدخالها لأنفه . صرخت بصوت عالٍ :
ـ ابي لقد نجحت مثل ما وعدتك !
وأخذت اركض خلف سيارة الإسعاف وانا ألوِّح بالنتيجه في يدي ، دون أن أعي الذهول الذي سيطر على من حولي . كان املي أن يسمعني والدي ويقوم :
ـ ابي أنا الأولى ابي أتسمعني ؟! أنا الأولى !
ـ عماد يا ولدي اسرع والحق بها !
كان عماد والعم توفيق يركضون خلفي ولكني كنت اركض بأقصى سرعه في وسط الشارع وخرجت نحو الشارع الرئيسي غير آبهة بالسيارات من حولي ، كل همي اللحاق بالإسعاف حتى اعطي لوالدي نتائج امتحاناتي فيقوم فرحا
بي . ولم توقفني إلا سيارةً خرجت مسرعه من الشارع الفرعي وكانت على وشك دهسي وصدمتني في ركبة ساقيّ فأجبرتني الصدمه على التوقف.
الفصل الثالث من هنا
عدد زيارات الموقع