ما هما الموتتان والحياتان؟
خواطر شبراوية ل……..أحمد الشبراوى بن محمد محمود أحمد خليل
قال تعالى: (قَالُواْ رَبّنَآ أَمَتّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَىَ خُرُوجٍ مّن سَبِيلٍ) [سورة: غافر – الأية: 11]
لقد قيل الكثير فى شرح معنى الموتتين والحيلتين نذكر منا ثلاثة أقوال :
القول الأول
قبل أن الله جلا وعلا خلق الناس من ظهر آدم عليه السلام و أحياهم وأخذعليهم الميثاق ثم أماتهم ثم أحياهم فى الدنيا ثم أماتهم . واستدلوا فى ذلك بقوله تعالى فى سورة الأعراف :
قال تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ رَبّكَ مِن بَنِيَ آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرّيّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىَ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبّكُمْ قَالُواْ بَلَىَ شَهِدْنَآ أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنّا كُنّا عَنْ هَـَذَا غَافِلِينَ) [سورة: الأعراف – الأية: 172]
القول الثانى :
قيل أن الناس أماتهم الله فى الدنيا وأحياهم فى القبور ثم أميتوا ثم أحيوا فى الآخرة واستدلوا فى قولهم هذا بقول الله تعالى :
قال تعالى: (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمّ يُمِيتُكُمْ ثُمّ يُحْيِيكُمْ ثُمّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [سورة: البقرة – الأية: 28]
القول الثالث :
قيل أن الناس كانوا أمواتا فى أصلاب آبائهم ثم أحياهم ثم أماتهم الموتة التى لابد منها فى الدنيا ثم أحياهم للبعث والقيامة .
واستدلوا فى ذلك بنفس الآية من سورة البقرة رقم 28 .
عند تحليل الأقاوال السبقة بصفة عامة نجد أن هناك حيوات أكثر من اثنتين وموتات أكثر من اثنتين .
فإذا قلنا أن الإحياء من ظهر آدم (حياة) ثم الإماتة بعده (موت ) فلدينا اذا حياة رقم واحد وموت رقم واحد .
وإذا قلنا أن الحياة فى الدنيا (حياة) والموت فى الدنيا (موت) فلدينا اذا الحياة رقم اثنين والموت رقم اثنين .
وإذا قلنا أن الحياة فى القبر (حياة) فلدينا اذا الحياة رقم ثلاثة . وإذا قلنا أن النفخة الأولى فى الصور (موت) والنفخة الثانية (حياة) فلدينا اذا الموتة رقم ثلاثة والحياة رقم أربعة .
أى لدينا ثلاث موتات واربع حياوات .
إذا السؤال مازال مطروحا وهو :
ما هما الحياتان وما هما الموتتان؟
هذا من ناحية ومن ناحية أخرى لو قرأنا سورة غافر الآية 11 : قال تعالى: (قَالُواْ رَبّنَآ أَمَتّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَىَ خُرُوجٍ مّن سَبِيلٍ) [سورة: غافر – الأية: 11]
ثم قرأنا بعدها سورة الدخان الآية :56
(لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاّ الْمَوْتَةَ الاُولَىَ وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ)
بعد قرآتنا لهذه الآيات من سورة غافر وسورة الدخان يطرح سؤال آخر نفسه وهو :
هل الموتتان لكل الناس وهل الحياتان لكل الناس ؟ ففى “غافر” يعترف الكافرون بموتتين وحياتين وفى الدخان يعد الله المتقين بموتة واحدة كيف وقد استنتجنا من الأقوال السابقة أن هناك أربع حياوات وثلاث موتات ؟ .
فلنقف مع المتقين وقفة تأملية
قال تعالى: (إِنّ الْمُتّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ)(فِي جَنّاتٍ وَعُيُونٍ) (يَلْبَسُونَ مِن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مّتَقَابِلِينَ) (كَذَلِكَ وَزَوّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ) (يَدْعُونَ فِيهَا بِكلّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ) (لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاّ الْمَوْتَةَ الاُولَىَ وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ) [سورة: الدخان – الأية: 52-53-54-55-56)]
اولئك فى مقام أمين . آمنين من ماذا بالطبع والله أعلم آمين من من صعقة النفخة الأولى وقد أشلر الله لذلك فى سورة الزمر فقال فصعق من فى السماوات والأرض إلا ماشاء الله . من هم الذين استشناهم الله من الصعقة هذه فى قوله إلا من شاء الله . أليس هم المتقون ؟ بلى .
وهناك أدلة على ذلك من آيات الكتاب العزبز .حين يقول الله فى سورة النمل أنهم من فزع يومئذ آمنون ويقول فى سورة الدخان إن المتقين فى مقام أمين ويقول أيضا سبحانه وتعالى فى سورة النمل ففزع من فى السماوات والأرض إلا ماشاء الله.
قال تعالى: (وَنُفِخَ فِي الصّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأرْضِ إِلاّ مَن شَآءَ اللّهُ ثُمّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىَ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ) [سورة: الزمر – الأية: 68]
وذكر الله سبحانه وتعالى أنهم من فزع يومئذ آمنون وماذا هذا الفزع إلا الصعقة من النفخة الأولى .ويؤكد ذلك قول الله جل وعلا فى سورة النمل قال تعالى: (وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأرْضِ إِلاّ مَن شَآءَ اللّهُ وَكُلّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ) [سورة: النمل – الأية: 87]
ندرك أن الله يستشنى مجموعة من هذا الفزع ويجعلهم آمنون فى مقام أمين كما ذكر فى سورة الدخان ويؤكد الله هذا الأمن الذى خص به المؤمنين المتقين الذين يؤتون الحسنات فى نفس السورة بقوله تعالى :(مَن جَآءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مّنْهَا وَهُمْ مّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ) [سورة: النمل – الأية: 89]
ولا شك أن كلمة “يومئذ” هذه تشير إلى يوم القيامة يوم البعث .حين يكون المؤمنون فى مكان أمين فى جنة النعيم عند ربهم يرزقون . وذكر هذا الإستثناء أيضا فى سورة الزمر فى لفظة “إلا من شاء الله” أى أن هناك من لن يصعق فى النفخة الأولى التى يصعق فيها من فى السماوات ومن فى الأرض.وهؤلاء هم المؤمنون المتقون المحسنون جعلنا الله وإياكم منهم .
إذا هذه المجموعة ليس لها موتة إلا موتة الحياة الدنيا التى قال عنها الله الموتة الأولى.
أما الكافرون فيموتون الموتة الأولى فى الحياة الدنيا والتى اعترفوا بها حين رأوا آباءهم يموتون أمامهم .
وكانواغير معتقدين أن الله هو الذى أحياهم فى الدنيا وهو الذى يميتهم فيها. إذ قالوا ماهى إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر .ذلك قولهم بالسنتهم فى سورة الجاثية
قال تعالى: (وَقَالُواْ مَا هِيَ إِلاّ حَيَاتُنَا الدّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَآ إِلاّ الدّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاّ يَظُنّونَ) [سورة: الجاثية – الأية: 24]
وهم بذلك لا يعترفون بأن الله هو الذى وهبهم الحياة فى الدنيا ولو أنهم اعترفوا بذلك ما كفروا وما أشركوا بربهم .
ولم يعترفوا بموتة الحياة الدنيا أنها من الله إلا عند موتهم حين تسألهم رسل ربهم أين ماكنتم تدعون من دون الله فيقولوا ضلوا عنا ويشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين
قال تعالى: حَتّىَ إِذَا جَآءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفّوْنَهُمْ قَالُوَاْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ قَالُواْ ضَلّواْ عَنّا وَشَهِدُواْ عَلَىَ أَنْفُسِهِمْ أَنّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ) [سورة: الأعراف – الأية: 37]
وهذه هى الحياة الأولى (فى الحياة الدنيا)والموتة الأولى (فى الحياة الدنيا)للكافرين . والحياة الثانية بعد الصعق أى بعد الموتة الثانية قال تعالى: (يَوْمَ تَشَقّقُ الأرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعاً ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ) [سورة: ق – الأية: 44] حياة للحساب الذى بعده الخلود الأبدى فى النار.
قال تعالى:(فأما الذين شقوا ففى النار لهم فيها شهيق وزفير) (خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السّمَاوَاتُ وَالأرْضُ إِلاّ مَا شَآءَ رَبّكَ إِنّ رَبّكَ فَعّالٌ لّمَا يُرِيدُ) [سورة: هود – الأية: 107]
ويتضرع الكافرين إلى الله قائلين : ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا إثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل من خروج من سبيل؟
ويرد عليهم الله قائلا أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير