في كثير من دول العالم النامي شجع الاعتماد المتزايد على الموارد الطبيعية غير المتجددة مثل النفط والغاز والمعادن الثمينة على ظهور أعراض ما يسمى ب"المرض الهولندي" وهو اسم لحالة من الكسل والتراخي أصابت الشعب الهولندي في النصف الاول من القرن الماضي (1900 الي 1950) حيث اعتمدت الحكومة سياسة الانفاق الاستهلاكي البذخي بعد اكتشاف النفط في بحر الشمال فكان ان دفعت هولندا ضريبة هذه الحالة بعد أن أفاقت على حقيقة نضوب الأبار النفطية التي استنزفتها في الاستهلاك دون أن تبني أي من القطاعات الاقتصادية الغير نفطية المنتجة فدرج على تسمية الحالات المشابهة بالمرض الهولندي. ويبدو ان ليبيا ليست بعيدة عن تلك الحالة حيث ان القطاعات غير النفطية وعلى رأسها الزراعة هي قطاعات لا تستطيع الإنفاق على نفسها وتعتمد على ايرادات النفط للانفاق على عملياتها التشغيلية وعلى مشاريعها العامة وعلى عمليات التنمية ايضا. إن الاعتماد الكبير على النفط قلل من إستعداد الحكومات المتعاقبة في ليبيا لإعطاء مزيد من الاهتمام لزيادة إنتاجية القطاعات غير النفطية، على اعتبار أنه ليس هناك حاجة حقيقية لتنمية تلك القطاعات طالما أن إيرادات النفط قادرة على تلبية كل الإحتياجات. ورغم وجود محاولات لتقليل الإعتماد على النفط، ولكن يمكن القول أنها كانت مجرد حبر على ورق ولم تدخل حيز التنفيذ الفعال والمؤثر ولازالت الدولة حتى الآن تعتمد على النفط كمصدر وحيد للدخل دون اي اعتبار إلي أنه مصدر غير متجدد وسينضب يوما ما. ورغم تدهور ظروف استخراجه من الحقول النفطية المنتشرة شرقا وغربا وجنوبا، وما يؤشر إليه من ضرورة الالتفات نحو مصادر للدخل أكثر استقرارا ولكن جميع من هم في موقع اتخاذ القرار يبدو أنهم فقط "متكالبين على السلطة" وينطبق عليهم قول الشاعر: ستسمع لو ناديت حيا .... ولكن لا حياة لمن تنادي ولوكانت نارا أضاءت ..... ولكن تنفخ في رماد !! من ناحية أخرى لعب التدفق المستمر للعائدات النفطية الضخمة دورا أساسيا في سد الفجوة بين السياسات العامة لصالح الوطن والمصالح الشخصية للأفراد في السلطة. كما لعب دورا هاما في إخفاء نقاط الضعف في القطاع غير النفطي من خلال تمويل أنشطتها من خزينة الدولة التي كانت تغذيها عائدات النفط، وهذا كان واضحا من خلال الإنفاق المستمر على قطاع الزراعة بغض النظر عن الكفاءة الاقتصادية وعوائد لذلك الإنفاق، وفي غياب أي جهد لرصد ومتابعة سير هذه النفقات فقد أدى ذلك إلى استغلال الدعم الحكومي في مسارات أخرى بدلا من اتباع طريق التنمية الزراعية من خلال انتشار الفساد المالي والإداري بين المستويات الإدارية المختلفة من اعلى هرم في السلطة والي ادنى مستوى وظيفي في وزارة الزراعة والادارات والمؤسسات والاجهزة التابعة لها. كل هذا جعل الانفاق الحكومي يستمر ولكن بدون أي جدوى اقتصادية. فمتى سنرى سياسة اقتصادية تفطم القطاع الزراعي عن الرضاعة من آبار النفط وتخلصه من سموم الفساد والترهل وضعف الاداء وانخفاض الكفاءة. د.مسعودة بوعروشة
د.مسعودة بوعروشة
عضو هيئة تدريس بجامعة عمر المختار- البيضاء- ليبيا قسم الإقتصاد الزراعي التخصص العام ادارة اعمال بكالورويس زراعة - جامعة عمر المختار- البيضاء - 1998 ماجستير ادارة- اكاديمية الدراسات العليا بنغازي - 2003 دكتوراة ادارة مزارع سمكية - شافيلد هالم - بريطانيا 2013 »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
87,842