أسس قيام نهضة زراعية في ليبيا إن ثقلك السياسي الدولي يساوي وزن إنتاجك من القمح ، فإذا كان صفراً ، فوزنك كذلك ولو كنت مثقلاً بحمل الأوسمة والنياشين . ((قد يتسأل البعض , ويتعجب كثيراً ربما لدرجة الاستغراب قائلاً كيف يمكن إحداث نهضة زراعية في بلد صحراوي , وبواد غير ذي زرع ؟ أن الإنسان السوي لا يقنط لأن اليأس صفة الضعفاء , والجهلاء , والفاشلين , والمتخلفين , فالإنسان القوى لا يقنط بل يعمل ولا ييئس بل يحاول , ولا يمل بل يثابر , فبالعمل والعلم لا يوجد مستحيل , فالعلم , يلاحق المشكلة ويركض خلفها كما تركض الشمس والنهار خلف الليل ويركض الليل ورائها , فلا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار في دأب مستمر إلى أن يرث الله الأرض وما عليها , فلا المشاكل تتوقف , ولا نهاية للعلم , فلو أن البحار مداداً وشجر الأرض أقلاماً لنفذ البحر قبل أن ينفذ العلم , فالعلم نعمة الله سبحانه على عباده , وطالما أن المسألة هي علم وعمل وأخلاق, وأن العلم محله عقل الإنسان , والعمل من خصائص الإنسان , والأخلاق الحميدة هي الفطرة التي فطر الله عليها الإنسان إذن يجب على من يريد بناء النهضة أن يهتم بهذا الإنسان تنمية , وتربية وتعليماً وتدريباً وتحفيزاً وتطويراً اهتماما مادياً ومعنوياً شاملاً لكي تتفجر ينابيع الخير والعلم في أعماقه كسيل جارف يجتاح الصحراء القاحلة,والوادي غير ذي الزرع فيحولهما إلى زروع ومروج تزخر بالخير كجناة خضراء تسر الناظرين هكذا يفعل الإنسان,ألم يجعله الله خليفة في أرضه ؟! )) . تمثل الزراعة النشاط الإنتاجي الوحيد الذي يهدف إلى توفير الغذاء مباشرة عكس الأنشطة الإنتاجية الأخرى التي توفر الغذاء بصورة غير مباشرة كالصناعة , والسياحة , والتجارة الدولية , والأنشطة الاستثمارية في المجالات الأخرى غير الزراعية , وعلى ذلك فإن النشاط الزراعي المنتج , والمتطور يترتب عليه تحقيق الأهداف الإستراتيجية الغذائية فوراً أي من قمح بالمزرعة إلى رغيف عيش على المائدة دون الحاجة إلى خطوات أخرى بالإضافة إلى تحقيق الأهداف الآتية :- تحقيق الأمن الغذائي الوطني وخاصة في أوقات الحروب,والأزمات الاقتصادية والمالية الشديدة . ومن أهم عناصر العملية الإنتاجية الزراعية الأرض الزراعية ، والمياه ، واليد العاملة ، ورأس المال الاستثماري الزراعي وفيما يلي توضيح هذه العناصر كالأتي :- أولاً : الأرض الزراعية وهذا هو العنصر الأساسي في العملية الإنتاجية الزراعية إذ لا يمكن القيام بالزراعة بدون وجود أرض ، ويشترط فيها أن تكون صالحه للزراعة بأن لا تكون ملحية كالساخات …. الخ وتنقسم الأرض الزراعية من حيث توفر مياه الري إلي :- 1 – أراضي يمكن زراعتها على مياه الأمطار . 2 – أراضي زراعية يمكن غرسها بالأشجار المثمرة كأشجار الزيتون والنخيل التي تنمو على رشح مياه البحر وتشمل هذه الأرض طول الساحل الليبي من السلوم إلي رأس جدير وهي غير مستغلة حتى الآن . 3 – أراضي زراعية خصبة تفتقر إلي مياه الري الكافية . 4 – أراضي صحراويه وواحات وهذا التقسيم يسري على الأراضي الزراعية في ليبيا مع تشابه في أراضي كثير من الدول الأخرى وخاصة العربية ودول الصحراء مثل النيجر ، ومالي ، وموريتانيا ودول الخليج العربي ، وجنوب الجزائر ، وتونس والمغرب . ثانياً : رأس المال الاستثماري الزراعي المادي والبشري :- فأما رأس المال المادي فيتمثل في السيولة النقدية اللازمة لتسير العملية الإنتاجية ، وتوفير مواد التشغيل كشراء الأسمدة ، والمبيدات الحشرية …. والأدوات والآلات الزراعية كالحصادات ، والرباطات ، وآلات الحرث وغير ذلك من الأدوات ، وأما رأس المال البشري فيتمثل في توفير اليد العاملة الماهرة و ممارسة النشاط الزراعي ، وما تحتاجه من تدريب وتطوير … الخ . ثالثاً : مياه الري الزراعي : - ومن أهم مصادر هذه المياه 1 – مياه الأمطار واستحلاب السحب . 2 – المياه الجوفية . 3 – تحليه مياه البحر . 4 – استجلاب المياه من الخارج عن طريق مد خطوط من الأنابيب من مصدر المياه الأجنبية إلي داخل البلد. 5 – ما يكتشف من مصادر أخرى حسب التطور والتقدم التكنولوجي . رابعاً : كيف يمكن إحداث نهضة زراعية في ليبيا في ضوء الإمكانيات المتاحة والظروف المناخية السائدة ؟ إن الإجابة على هذا السؤال الهام يتطلب البحث في موضوعين هما :- كيفية معالجة مشكلة ندرة مياه الري ، والثانية كيفية تحديد نوعية المزروعات وتنظيم المزارع بما يتناسب مع ندرة المياه وكالأتي : - 1 – كيفية معالجة مشكلة ندرة المياه في ليبيا : من أهم مصادر المياه المتاحة في ليبيا هي مياه الأمطار ، والمياه الجوفية ، وتحليه مياه البحر ، واستجلاب المياه من الخارج وما يستجد من مصادر مياه حسب التطور العلمي والتكنولوجي . وبما أن أغلب هذه المصادر إما أنها شحيحة كمياه الأمطار ، والمياه الجوفية ، وأما أن هذه المصادر لم تنجز بعد كتحليه مياه البحر ، واستجلاب المياه من الخارج عن طريق مد خطوط أنابيب من مصادر المياه بالخارج إلي داخل الأراضي الليبية وعليه يمكن معالجة مشكلة ندرة المياه في ليبيا بالاستفادة من مزايا جميع مصادر المياه المتاحة وكالأتي :- أ – الاستفادة من مصادر المياه الأجنبية وذلك بمد خط أنابيب من تركيا إلي ليبيا لتغذية المنطقة الشمالية ، ومد خط أنابيب من إحدى الدول الأفريقية النهرية إلي المنطقة الليبية الجنوبية على أن تكون هذه الأنابيب اقتصادية غير مبالغ في حجمها وفي صناعتها كالنهر الصناعي مثلآ والشرط الوحيد فيها هو أنها يجب أن تؤدي الغرض المطلوب لأطول مدة زمنية ممكنه . ب – الاستفادة من المياه الجوفية وذلك على النحو الذي لا يؤدي إلي انخفاض منسوبها بشكل عنيف مما يترتب عليه موت الواحات الأمر الذي يشكل خطورة بيئية ، واقتصادية ، وسكانية كبيرة ، ومن أمثلة هذه الواحات الجنوبية كواحة الكفرة ، وجالو ، و أوجلة ، و واحات فزان … الخ لذلك يجب أن يقتصر استغلال هذه المياه في مجال الشرب فقط وعدم استغلالها في الزراعة ، والصناعة …. الخ . ج – مصدر تحليه مياه البحر وهذا من أهم المصادر المائية في ليبيا بشرط أن يتم ذلك عن طريق محطات الكهروذريه ، والكهروشمسيه ، والكهروغازيه وذلك بسبب قدرة هذه المحطات على تحليه كميات كبيرة من المياه وبأقل تكلفة وفي أسرع وقت ويمكن استخدام هذه المياه في الزراعة والصناعة والشرب . د – مياه الأمطار : وهو مصدر هام جداً إذا تم استغلاله بصورة جيدة ، وعلمية ويمكن تحقيق الاستغلال الأمثل لمياه الأمطار بتجميعها في خزانات وسدود ، وبحيرات صناعية وفق تصميم علمي يتم بموجبه تجميع مياه الأمطار في منطقة معينه في سدود وخزانات فرعيه ثم يتم ضخها في خزان رئيس ضخم على شكل بحيرة صناعية مرصوفة ، ومبطنة جدرانها بالأسمنت لمنع التسرب لكي تحفظ المياه لأطول مدة ممكنة ونوضح هذا التصور أكثر كالأتي :- نختار مناطق سقوط الأمطار ثم نقسم كل منطقة مربعات مائية تم نشيد في كل مربع خزان تجمع فيه مياه الأمطار ثم ربط خزانات المربع بخزان رئيسي ضخم على شكل بحيرة صناعية تجمع فيه مياه الخزانات الفرعية بشرط أن تصمم البحيرة الصناعية على النحو الذي يستفاد منها في استيعاب مياه التحلية الإضافية والمياه المستجلبة من المصادر المائية الأجنبية كل ذلك في شبكة مائية تربط بين الخزانات الفرعية ، والخزانات الرئيسية أو البحيرات الصناعية مع توفير محطات الدفع اللازمة لدفع المياه من الخزانات الفرعية إلي الخزانات الرئيسية . 2 – تنظيم المزارع بما يتناسب مع مصادر المياه المتاحة على النحو الأتي :- أ - المزارع النموذجية الإستراتجية لإنتاج القمح والشعير والحبوب الغذائية تقام على مياه البحيرات الصناعية السالف ذكرها على أن تحاط بغرس أشجار مصدات الرياح . ب - الأشجار المثمرة كالزيتون والنخيل التي تنمو على رشح مياه البحر تزرع وتغرس كغابات كثيفة على طول الساحل الليبي من السلوم إلي رأس جدير . ج – زراعة الخضروات والفواكه الطازجة وتزرع على المياه الجوفية ومياه الصرف الصحي المكررة وغير ذلك من المصادر المتاحة . د – مشروعات الثروة الحيوانية وتقام إلي جنب المزارع الإستراتجية . هـ - الاهتمام الكبير بمصادر اللحوم من خلال التوسع في مزارع الدواجن ، والثروة البحرية صيداً ، وصناعة ، وتوزيعاً . أمثلة لتوضيح للاستفادة القصوى من مياه المطر بشكل فعَّال نفترض أن جزء من منطقة الجبل الأخضر توجد بها أربعة وديان رئيسية تتجمع بها مياه الأمطار بكمية كبيرة ، فكيف يمكن الاستفادة القصوى من مياه هذه الوديان ؟ يتم الاستفادة منها اقتصادياً كالأتي :- 1 – عمل خزان فرعي أو سد في مصب كل وادي من الوديان الأربعة لتجميع مياه كل وادي . 2 – عمل خزان رئيسي على شكل بحيرة صناعية قد يصل حجمها مثلاً إلي ( 10 ) ألاف متر طول × 200 متر عرض × 20 متر عمق أي ما يساوي ( 4000.000.000 ) متر مكعب تجمع فيه مياه المواسم الماطرة من أولها إلي آخرها وبما يضمن الاستفادة ، وجمع كل نقطة ماء نزلت من السماء ، بشرط أن تتوافر في الخزان الشروط الآتية :- أ – أن يتم تشييده في موقع مناسب يصلح لاستخدامه لعدة أغراض منها تجميع مياه ألتحليه الزائدة ، والمياه المستجلبة من الخارج بالإضافة إلي تجميع مياه الأمطار . ب – أن يتم تبطين أرضية الخزان وجدرانه بالأسمنت والمواد المانعة لتسرب المياه في التربة بكميات كبيرة أو على الأقل تخفيض عملية التسرب . ج – وأن يكون موقع الخزان أو البحيرة الصناعية يقرب الأراضي الصالحة للزراعة وتربية الحيوان والدواجن أي الأراضي الصالحة " للرعي " ولأقامت منتزهات سياحية حيث تشكل البحيرة الصناعية معلماً سياحياً رائعاً وجاذباً للسياحة المربحة . 3 – أن يتم الربط بين البحيرة الصناعية " الخزان الرئيسي " وبين الخزانات الفرعية بخطوط أو شبكة من الأنابيب ، ومحطات الضخ حيث يتم ضخ المياه من الخزانات الفرعية إلي البحيرة الصناعية بشرط أن تكون عملية الضخ متزامنة مع تدفق السيول من أجل ضمان الاستفادة من جميع المياه قبل أن تفيض الخزانات الفرعية وتهدر المياه . 4 – تحدد القدرة الاستيعابية للبحيرة الصناعية " الخزان الرئيسي " طبقاً لكميات المياه المتوقعة ، وعلى العموم يجب أن تكون هذه السعة الاستيعابية أكبر من كميات المياه المتوقعة وذلك على سبيل الاحتياط من أجل الحصول على الفائدة كاملة وخاصة عندما يكون موسم الأمطار غزير جداً . 5 – يجب تطبيق هذا النموذج المشار إليه أعلاه في منطقة الجبل الأخضر على جميع المناطق الليبية الأخرى وخاصة في مناطق الوديان العملاقة كوادي عين كعام ، والمجينين ، ووادي القطارة التي بها سدود ولكن ليس بها خزانات فرعية ورئيسيه مما يجعل الاستفادة من مياه هذه السدود متواضعة جداً وربما لا توجد استفادة اقتصادية حقيقة نهائياً . خاتمة :- نوصي بالأتي :- 1 ) الاهتمام والتنفيذ في أسرع وقت للمشروعات المائية المذكورة آنفاً اغتناماً لوجود ثروة البترول وقبل نضوبها حيث بعد ذلك يستحيل تنفيذ هذه المشروعات . 2 ) الاهتمام أو على الأقل التفكير في تكوين المزارع النموذجية . 3 ) الشروع فوراً في غرس غابات من الزيتون والنخيل على طول الساحل الليبي من رأس جدير إلى السلوم مع حزام من أشجار مصدات الرياح ومكافحة التصحر في شكل حزام عريض يفصل بين غابة الزيتون والنخيل وبين الصحراء مع حمايته وصونه . 4 ) تجريم قطع أشجار الزيتون والنخيل و مصدات الرياح وتوقيع العقوبات الرادعة بحزم وعدم أي تهاون مع تجريم البناء بالمناطق الزراعية وهدم المباني والمنشآت التي أقيمت على أنقاض وتدمير المزارع وقطع الأشجار المثمرة في المدة الماضية . 5 ) إن هذه المشروعات الحيوية وغيرها يجب أن يشرع في تنفيذها فوراً استغلالاً لفرصة توفير رأس المال المناسب نتيجة لتصدير البترول ذلك لأن بعد نضوب البترول يستحيل تنفيذ أي مشروع بسبب عدم وجود المال حيث لا يوجد بعد ذلك إلا الحسرة والندامة وحيث لا ينفع الندم ولا التحسر .
الزراعة المتطورة تمثل مصدراً أساسياً للدخل , والناتج القومي , والمحلي الحقيقي .
الزراعة تمكن المجتمع من تنمية ثروة حيوانية هائلة عن طريق توفير الأعلاف الحيوانية .
الزراعة تمثل دعماً للسيادة , والاستقلال الوطني وأهم مقومات الدولة الاقتصادية .
الزراعة تمكن المجتمع من اكتساب مكانة دولية اقتصادية محترمة عكس الموارد الطبيعية الأخرى كالبترول والغاز الذي تكتشفه , وتستخرجه , وتسوقه الشركات الأجنبية وتبذر ثمنه أنظمة الحكم غير الرشيدة وعند نضوبه يقع المجتمع في كارثة مدمرة مؤكداً .
النشاط الزراعي يتميز بالبساطة بالمقارنة مع الأنشطة الصناعية التي تحتاج إلى خبرات كبيرة , وقدرات خاصة وعلى ذلك يستطيع أي مجتمع القيام بالنشاط الزراعي إذا ما توافرت عناصره ومقوماته المائية , والمالية , والإرادة والعزيمة والخبرة الزراعية ولا نقصد بالزراعية المتطورة التوسع الكبير في الرقعة الزراعية , إذا أن مثل هذا التوسع يتوقف على مدى توافر عناصر الإنتاج الزراعي كالمياه , ورأس المال الزراعي , واليد العاملة وهذه العناصر جميعاً تتميز بالندرة في أغلب الدول وخاصة الصحراوية مثل الوطن العربي ومنه ليبيا ولكننا نقصد بالزراعة المتطورة هو ضرورة تصميم نموذج زراعي يتناسب مع الإمكانيات الزراعية المتاحة , ونري أن تصميم هذا الأنموذج مسألة أجبار لا اختيار , إذا المنطق , وضرورات الحياة تحتم علينا معالجة أي مشكلة وحلها أما كلياً أو جزئياً ولو كان هذا الحل الجزئي لا يحقق الغرض المطلوب كلية , فتحقيق أي شيء خير من خسران كل شيء , ذلك لأن تحقيق أي مكسب يمثل تحقيق قيمة مضافة تضاف إلى قيم أخرى تكوَّن في مجموعها رأس المال الوطني .