وضع الإسلام منهاجاً كاملاً للفرد والأسرة والمجتمع، يقوم على أساس المحبة والمودة والسماحة والتراحم في جميع مراحل الحركة الاجتماعية، وفي جميع مجالاتها، حفاظاً على السلامة الأخلاقية والصحة النفسية.


ويبدأ التوجيه الإسلامي للطفل منذ الأيام الأولى لتكوينه بانتقاء الزوج أو الزوجة ضمن مواصفات معينة لإنجاب الأطفال الأصحاء الأسوياء بدنياً ونفسياً، ويتدرج في الاهتمام في مرحلة انعقاد الجنين بوضع برنامج في العلاقة الزوجية، يحافظ على سلامة الجنين العاطفية والنفسية؛ ودعا المنهج الإسلامي إلى الحفاظ على سلامة الأمّ وصحتها النفسية في مراحل الحمل والرضاعة والحضانة، حفاظاً على صحة الطفل النفسية المتأثرة بصحة الأم؛ ومن العوامل التي أكّد عليها الإسلام للحفاظ على صحة الطفل النفسية هى إشعاره بالمحبة والتقدير، لأن "نمو الطفل على نحو سليم وحسن حتى يصبح راشداً صالحاً، يتوقف على ما إذا كان الطفل محبوباً مقبولاً ويشعر بالاطمئنان في البيت"(1).

والطفل في مرحلة الطفولة المبكرة ومرحلة الصبا يحتاج إلى المحبة والتقدير والحاجة إلى توكيد الذات وإشعاره بقيمته الاجتماعية.

فأكّد الإسلام على وجوب محبة الطفل، قال الإمام جعفر الصادق (ع): ((إن الله عزّوجلّ يرحم الرجل لشدّة حبّه لولده))(2).

ومحبة الطفل والرفق به ورحمته حق على الوالدين، قال الإمام زين العابدين (ع): ((وأمّا حقّ الصغير فرحمته وتثقيفه وتعليمه والعفو عنه والستر عليه والرفق به والمعونة له والستر على جرائر حداثته..))(3).

ومن مظاهر أو مصاديق إشعار الطفل بالمحبة والتقدير من قِبَل الوالدين:


أولاً: النظرة العاطفية:

إن الطفل بعد العام الأول من عمره يميّز بين النظرات الموجهة إليه، سلباً وإيجاباً، اندفاعاً وانكماشاً، لذا أكّد الإسلام على أن تكون النظرة إلى الطفل نظرة محبة ومودة، ترافقها البشاشة والابتسامة، قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ((نظر الوالدين إلى ولدهما حبّاً له عبادة))(4).

ونظرة الحب تنعكس على الطفل ويتفاعل معها تفاعلاً عاطفياً، وتؤثر على ثباته العاطفي وتوازنه الانفعالي.


ثانياً: التقبيل

إنَّ تقبيل الطفل أكثر إيقاعاً في نفسيته وأكثر العوامل تأثيراً في إشعاره بالمحبة والقبول والرضا والتقدير، فيشعر بالأمن والدفء العاطفي، المحسوس والعملي، وقد تضافرت الروايات المشجعة لذلك.

قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ((من قبّل ولده كتب الله له حسنة، ومَن فرّحه فرّحه الله يوم القيامة..))(5).

وقال صلى الله عليه وآله : ((أكثروا من قبلة أولادكم، فإنّ لكم بكل قبلة درجة في الجنّة))(6).

وقد راعى رسول الله صلى الله عليه وآله وأهل بيته هذه الظاهرة في العلاقة مع أولادهم وبناتهم، قال الإمام جعفر الصادق (ع): ((كان النبي صلى الله عليه وآله لا ينام حتى يقبّل عرض وجه فاطمة))(7).

وقال ابن عباس: (كنت عند النبي صلى الله عليه وآله وعلى فخذه الأيسر ابنه إبراهيم، وعلى فخذه الأيمن الحسين بن عليّ، وهو تارة يقبّل هذا وتارة يقبّل هذا)(8).

ونهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن ترك التقبيل، ففي رواية (أن الأقرع بن حابس إبصر النبي صلى الله عليه وآله وهو يقبّل حسيناً، فقال: إنّ لي عشرة من الولد ما فعلت هذا بواحدٍ منهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : من لا يرحم لا يُرحم)(9).


ثالثاً: الاهتمام بالطفل

إنّ الطفل بحاجة إلى اهتمام الوالدين به والانتباه إليه، ومن خلال التجربة نجد أن كثيراً من الأطفال يقومون بأعمال وممارسات متنوعة من أجل جذب الانتباه إليهم والاهتمام بهم، وخصوصاً في حالة وجود أفراد من خارج الأسرة، فالاهتمام بالطفل حاجة فطرية تشعره بالمحبة والتقدير لمكانته في الأسرة وفي المجتمع، ويتنوع الاهتمام به ليدخل في كل مجالات شؤونه، فإذا عمل عملاً فإنه ينتظر المدح والثناء، وإذا أصابته شدة أو مشكلة فإنه ينتظر المعونة على حلّها، ومن الاهتمام به إشباع حاجاته المادية، كالمأكل والملبس والألعاب.

فمن اهتمام رسول الله صلى الله عليه وآله بالأطفال، ما جاء في الرواية التالية: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله يخطب على المنبر، فجاء الحسن والحسين.. يمشيان ويعثران، فنزل رسول الله صلى الله عليه وآله عن المنبر فحملهما ووضعهما بين يديه)، (وكان صلى الله عليه وآله يصلّي فجاء الحسن والحسين فارتدفاه، فلما رفع رأسه أخذهما أخذاً رفيقاً، فلمّا عاد عادا، فلمّا انصرف أجلس هذا على فخذه الأيمن وهذا على فخذه الأيسر)(10).

ومن الاهتمام بالطفل شراء الهدية له، قال صلى الله عليه وآله : ((من دخل السوق فاشترى تحفة فحملها إلى عياله، كان كحامل صدقة إلى قوم محاويج، وليبدأ بالإناث قبل الذكور، فإنّه من فرّح أنثى فكأنما عتق رقبة من ولد إسماعيل، ومن أقرّ عين ابن فكأنما بكى من خشية الله))(11).


رابعاً: اللين والتساهل والرفق

قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ((رحم الله مَن أعان ولده على برّه.. يقبل ميسوره ويتجاوز عن معسوره، ولا يرهقه ولا يخرق به...))(12).

وقال صلى الله عليه وآله : ((رحم الله مَن أعان ولده على برّه، وهو أن يعفو عن سيئته، ويدعو له فيما بينه وبين الله))(13).

الطفل في مرحلة الطفولة المبكرة يعيش مرحلة تعلّم الصواب والخطأ، وقد يرتكب بعض الأخطاء المضرّة بسلامته البدنية والخلقية، أو مضرّة بأسرته، فقد يكذب أو يسرق أو يمارس بعض أنواع العنف أو يتلف بعض الأثاث المنزلي، فعلى الوالدين التساهل معه والرفق به، ثم توضيح الخطأ الذي ارتكبه، وتعليمه الصواب وتشجيعه عليه، يوجب أن لا "يلجأ الآباء دائماً إلى الزجر والضرب والإهانة في معاملة الطفل، فليس العقاب هو العامل الرئيس الذي يردع الطفل عن سوء السلوك"(14).

والطفل لا يميّز في هذه المرحلة بين كراهية الوالدين لعمله الخاطئ وكراهيتهما إياه، ويجب أن يشعر ببقاء الحب والود حتى في حالة الخطأ حينما يرى التعامل رقيقاً ليّناً، وإن أهم العوامل التي تساعد الطفل على الطاعة هو "الحب والحنان الذي يشعر به الطفل من كل أفراد الأسرة"(15).

وإذا اضطر الوالدان إلى الزجر أو العقاب، فيجب أن يكون محدوداً، وأن العقاب من والدين حنونين لا يترك آثاراً سلبية على نفسية الطفل.


خامساً: الإحسان والتآلف

قال رسول الله صلى الله عليه وآله : (رحم الله عبداً أعان ولده على برّه بالإحسان إليه، والتآلف له، وتعليمه وتأديبه)(16).

والإحسان والتآلف له مصاديق عديدة منها إشباع حاجاته المادية، وإشباع حاجاته النفسية، بتشجيعه والثناء عليه أمام أفراد الأسرة أو أمام الأجانب، وفسح المجال له في اللعب في اختيار نوع اللعب ووقته ومكانه الذي لا ضرر فيه على الطفل ولا على الأسرة، والرفق به والتلطف معه وإدخال السرور على قلبه.


سادساً: تكريم الطفل وتقديره الاجتماعي

إنّ الطفل بحاجة إلى التكريم والتقدير الاجتماعي، وإشعاره بمكانته في داخل الأسرة وفي المجتمع، فهو بحاجة إلى توكيد ذاته وإشعاره بأنه شخصية قائمة بذاتها، وأنه عضو في الأسرة والمجتمع.

فكان (... رسول الله صلى الله عليه وآله يسلّم على الصغير والكبير، وأنه صلى الله عليه وآله مرّ على صبيان فسلّم عليهم)(17).

ومرّ الإمام الحسن (ع) على أطفال يتغذون، فدعوه إلى الأكل فأكل معهم.

وأشرك رسول الله صلى الله عليه وآله الحسن والحسين وعبدالله بن جعفر بالبيعة، وأخذ منهم البيعة وهم صغار(18)، لإشعارهم بمكانتهم الاجتماعية، فتعامل معهم كتعامله مع الكبار.

والأفضل تشجيع الطفل على روح الاستقلال التي يبرزها بأن يأكل في صحن خاص به، وأن يفرش له فراشاً خاصاً به للنوم، وأن يجلس في مقعد خاص به في البيت أو في واسطة النقل وإلى غير ذلك، وأن يترك للطفل إدارة شؤونه بنفسه، وخصوصاً في اللعب ليتّبع ما يقوله له خياله، وأفضل الوسائل في ذلك كما يقول موريس تي يش: "يجب أن تسلكوا مع أولادكم وتعاملوهم كأنهم أصدقاء، أن تعملوا معهم، أن تشاركوهم في اللعب.. أن تتحدثوا معهم بعبارات الودّ والصداقة"(19).

ويجب ملاحظة سلوك الطفل والتعامل معه على ضوء ما يسعى إليه لتأكيد ذاته، وقد يحاول الطفل "أن يتحدّى وأن يفعل ما يغيظ الأهل ليعلن أنه كائن موجود مستقل له إرادة غير إرادة الكبار"(20).

فالمفروض بالوالدين أن يراعوا ذلك ويقابلوه برفق ويشبعوا هذه الحاجة لديه. وفي بعض الأحيان قد يلاحظ الطفل خطأ يصدر من أحد والديه فيقوم بالتنبيه عليه وإشعاره بالخطأ، فيجب على الوالدين تشجيعه على ذلك، وتقبّل الاعتراض من قبله، قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ((إقبل الحقّ ممّن أتاك به صغيراً أو كبير))(21).

ومن تكريم الطفل إرضاؤه كما قال صلى الله عليه وآله لعثمان بن مظعون ومعه صبي يقبّله "أتحبّه ياعثمان؟ قال: يارسول الله إنّي أحبّه. قال صلى الله عليه وآله : أفلا أزيدك له حبّاً؟.. إنّه من يُرض صبياً صغيراً من نسله حتى يرضى، ترضّاه الله يوم القيامة حتى يرضى"(22).

وخلاصة القول: إن الشعور بالمحبة والتقدير ينعكس على التوازن الانفعالي للطفل في جميع مراحل نموه إلى الأعمال المتقدمة في الحياة، ويحدّد صحة الطفل والإنسان الناضج النفسية، ومرحلة الطفولة في رأي علماء التربية "من أهم المراحل التربوية في نمو الطفل الحركي والعقلي واللغوي والاجتماعي، وهي فترة تشكيل البناء النفسي الذي تقوم عليه أعمدة الصحة النفسية ومتطلباتها كالشعور بالمحبّة والطمأنينة والتقدير الأسري"(23).

ومن خلال التجارب وجد أن الأطفال الذين لم يحصلوا على الحب والودّ والتقدير نتيجة المعاملة السيئة التي عوملوا بها "كانت صحتهم العقلية سيئة"(24)، ونجدهم في الكبر منزوين وهيّابين، أو متمرّدين على كل المفاهيم والقيم والقوانين، لشعورهم بالحقد والعداء اتجاه المجتمع الذي لم يمنحهم التقدير والحب الكافي في مرحلة الطفولة.

والطفل لا يتعلّم قواعد السلوك إلاّ في وسط إحساسه "بالصداقة مع الأسرة"، ويتميز الطفل بدرجة من التقليد الشديد "لأي إنسان يعجب به، وهو يحاول بكل ما في طاقاته أن يقلّد من يحبّه"(25).

فبالحب يستطيع الوالدان توجيه الطفل وتربيته تربية سليمة وإيصاله إلى قمة الصحة النفسية، فيكون سوياً متزناً في جوانب الشخصية: العقلية والعاطفية والنفسية، فلا قلق ولا اضطراب ولا ازدواجية.


التوازن في المحبة

إنّ المحبّة والمودّة والتقدير أمور ضرورية في الصحة النفسية، ولكن ضمن الحدود المعقولة، وأن يكون التعامل مع الطفل متوازناً بين اللين والشدّة واليسر والعسر، فلا اهتمام زائد ولا إهمال، ولا إفراط ولا تفريط، والتوازن هو الموقف المنطقي العقلائي الذي ينسجم مع جميع المفاهيم والقيم الموضوعة في التربية من قِبَل المنهج الإسلامي أو منهج علماء النفس والتربية المنسجم مع القواعد الكلية للمنهج الإسلامي في أغلب الأحيان.

قال الإمام محمد الباقر (ع): ((شرّ الآباء مَن دعاه البرّ إلى الإفراط))(26).

فالحبّ الزائد عن الحدود، والذي يدفع الوالدين إلى ترك الطفل يفعل ما يشاء دون ردع أو زجر أو تنبيه، وإشباع جميع رغباته بلا حدود لها تأثيرات سلبية على صحة الطفل النفسية، "لأن ذلك يجعل الطفل لا يقوى على ترك هذا الجو الأسري والمجازفة بتكوين علاقات جديدة"(27).

والاهتمام الزائد بالطفل والمبالغة التي تتبعها بعض الأمهات عندما يصاب الطفل بالمرض "تؤثر على نفسية الطفل في الكبر.. ويخلق منه طفلاً مكتئباً كثير الشكوى، سريع الانفعال"(28).

والطفل المدلّل أو الطفل غير المرغوب فيه، والذي لا يحصل على الحبّ والتقدير، لا يكون طفلاً سوياً و"لا ينضج عاطفياً، وتطول فترة الطفولة لديه"(29).

وعلى الوالدين أن يتفقا على أسلوب واحد في التعامل في قضية واحدة ومشكلة واحدة وموقف واحد، أمّا التذبذب في الأسلوب بين لين الأم وشدة الأب أو الدلال من قِبَل أحدهما والإهمال من قِبَل الآخر في القضية نفسها التي صدرت من الطفل، فإن ذلك يؤثر على صحة الطفل النفسية، يقول الدكتور الزين عباس عمارة: "إن الاضطرابات السلوكية والأمراض النفسية التي تصيب الطفل في

وضع الإسلام منهاجاً كاملاً للفرد والأسرة والمجتمع، يقوم على أساس المحبة والمودة والسماحة والتراحم في جميع مراحل الحركة الاجتماعية، وفي جميع مجالاتها، حفاظاً على السلامة الأخلاقية والصحة النفسية.


ويبدأ التوجيه الإسلامي للطفل منذ الأيام الأولى لتكوينه بانتقاء الزوج أو الزوجة ضمن مواصفات معينة لإنجاب الأطفال الأصحاء الأسوياء بدنياً ونفسياً، ويتدرج في الاهتمام في مرحلة انعقاد الجنين بوضع برنامج في العلاقة الزوجية، يحافظ على سلامة الجنين العاطفية والنفسية؛ ودعا المنهج الإسلامي إلى الحفاظ على سلامة الأمّ وصحتها النفسية في مراحل الحمل والرضاعة والحضانة، حفاظاً على صحة الطفل النفسية المتأثرة بصحة الأم؛ ومن العوامل التي أكّد عليها الإسلام للحفاظ على صحة الطفل النفسية هى إشعاره بالمحبة والتقدير، لأن "نمو الطفل على نحو سليم وحسن حتى يصبح راشداً صالحاً، يتوقف على ما إذا كان الطفل محبوباً مقبولاً ويشعر بالاطمئنان في البيت"(1).

والطفل في مرحلة الطفولة المبكرة ومرحلة الصبا يحتاج إلى المحبة والتقدير والحاجة إلى توكيد الذات وإشعاره بقيمته الاجتماعية.

فأكّد الإسلام على وجوب محبة الطفل، قال الإمام جعفر الصادق (ع): ((إن الله عزّوجلّ يرحم الرجل لشدّة حبّه لولده))(2).

ومحبة الطفل والرفق به ورحمته حق على الوالدين، قال الإمام زين العابدين (ع): ((وأمّا حقّ الصغير فرحمته وتثقيفه وتعليمه والعفو عنه والستر عليه والرفق به والمعونة له والستر على جرائر حداثته..))(3).

ومن مظاهر أو مصاديق إشعار الطفل بالمحبة والتقدير من قِبَل الوالدين:


أولاً: النظرة العاطفية:

إن الطفل بعد العام الأول من عمره يميّز بين النظرات الموجهة إليه، سلباً وإيجاباً، اندفاعاً وانكماشاً، لذا أكّد الإسلام على أن تكون النظرة إلى الطفل نظرة محبة ومودة، ترافقها البشاشة والابتسامة، قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ((نظر الوالدين إلى ولدهما حبّاً له عبادة))(4).

ونظرة الحب تنعكس على الطفل ويتفاعل معها تفاعلاً عاطفياً، وتؤثر على ثباته العاطفي وتوازنه الانفعالي.


ثانياً: التقبيل

إنَّ تقبيل الطفل أكثر إيقاعاً في نفسيته وأكثر العوامل تأثيراً في إشعاره بالمحبة والقبول والرضا والتقدير، فيشعر بالأمن والدفء العاطفي، المحسوس والعملي، وقد تضافرت الروايات المشجعة لذلك.

قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ((من قبّل ولده كتب الله له حسنة، ومَن فرّحه فرّحه الله يوم القيامة..))(5).

وقال صلى الله عليه وآله : ((أكثروا من قبلة أولادكم، فإنّ لكم بكل قبلة درجة في الجنّة))(6).

وقد راعى رسول الله صلى الله عليه وآله وأهل بيته هذه الظاهرة في العلاقة مع أولادهم وبناتهم، قال الإمام جعفر الصادق (ع): ((كان النبي صلى الله عليه وآله لا ينام حتى يقبّل عرض وجه فاطمة))(7).

وقال ابن عباس: (كنت عند النبي صلى الله عليه وآله وعلى فخذه الأيسر ابنه إبراهيم، وعلى فخذه الأيمن الحسين بن عليّ، وهو تارة يقبّل هذا وتارة يقبّل هذا)(8).

ونهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن ترك التقبيل، ففي رواية (أن الأقرع بن حابس إبصر النبي صلى الله عليه وآله وهو يقبّل حسيناً، فقال: إنّ لي عشرة من الولد ما فعلت هذا بواحدٍ منهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : من لا يرحم لا يُرحم)(9).


ثالثاً: الاهتمام بالطفل

إنّ الطفل بحاجة إلى اهتمام الوالدين به والانتباه إليه، ومن خلال التجربة نجد أن كثيراً من الأطفال يقومون بأعمال وممارسات متنوعة من أجل جذب الانتباه إليهم والاهتمام بهم، وخصوصاً في حالة وجود أفراد من خارج الأسرة، فالاهتمام بالطفل حاجة فطرية تشعره بالمحبة والتقدير لمكانته في الأسرة وفي المجتمع، ويتنوع الاهتمام به ليدخل في كل مجالات شؤونه، فإذا عمل عملاً فإنه ينتظر المدح والثناء، وإذا أصابته شدة أو مشكلة فإنه ينتظر المعونة على حلّها، ومن الاهتمام به إشباع حاجاته المادية، كالمأكل والملبس والألعاب.

فمن اهتمام رسول الله صلى الله عليه وآله بالأطفال، ما جاء في الرواية التالية: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله يخطب على المنبر، فجاء الحسن والحسين.. يمشيان ويعثران، فنزل رسول الله صلى الله عليه وآله عن المنبر فحملهما ووضعهما بين يديه)، (وكان صلى الله عليه وآله يصلّي فجاء الحسن والحسين فارتدفاه، فلما رفع رأسه أخذهما أخذاً رفيقاً، فلمّا عاد عادا، فلمّا انصرف أجلس هذا على فخذه الأيمن وهذا على فخذه الأيسر)(10).

ومن الاهتمام بالطفل شراء الهدية له، قال صلى الله عليه وآله : ((من دخل السوق فاشترى تحفة فحملها إلى عياله، كان كحامل صدقة إلى قوم محاويج، وليبدأ بالإناث قبل الذكور، فإنّه من فرّح أنثى فكأنما عتق رقبة من ولد إسماعيل، ومن أقرّ عين ابن فكأنما بكى من خشية الله))(11).


رابعاً: اللين والتساهل والرفق

قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ((رحم الله مَن أعان ولده على برّه.. يقبل ميسوره ويتجاوز عن معسوره، ولا يرهقه ولا يخرق به...))(12).

وقال صلى الله عليه وآله : ((رحم الله مَن أعان ولده على برّه، وهو أن يعفو عن سيئته، ويدعو له فيما بينه وبين الله))(13).

الطفل في مرحلة الطفولة المبكرة يعيش مرحلة تعلّم الصواب والخطأ، وقد يرتكب بعض الأخطاء المضرّة بسلامته البدنية والخلقية، أو مضرّة بأسرته، فقد يكذب أو يسرق أو يمارس بعض أنواع العنف أو يتلف بعض الأثاث المنزلي، فعلى الوالدين التساهل معه والرفق به، ثم توضيح الخطأ الذي ارتكبه، وتعليمه الصواب وتشجيعه عليه، يوجب أن لا "يلجأ الآباء دائماً إلى الزجر والضرب والإهانة في معاملة الطفل، فليس العقاب هو العامل الرئيس الذي يردع الطفل عن سوء السلوك"(14).

والطفل لا يميّز في هذه المرحلة بين كراهية الوالدين لعمله الخاطئ وكراهيتهما إياه، ويجب أن يشعر ببقاء الحب والود حتى في حالة الخطأ حينما يرى التعامل رقيقاً ليّناً، وإن أهم العوامل التي تساعد الطفل على الطاعة هو "الحب والحنان الذي يشعر به الطفل من كل أفراد الأسرة"(15).

وإذا اضطر الوالدان إلى الزجر أو العقاب، فيجب أن يكون محدوداً، وأن العقاب من والدين حنونين لا يترك آثاراً سلبية على نفسية الطفل.


خامساً: الإحسان والتآلف

قال رسول الله صلى الله عليه وآله : (رحم الله عبداً أعان ولده على برّه بالإحسان إليه، والتآلف له، وتعليمه وتأديبه)(16).

والإحسان والتآلف له مصاديق عديدة منها إشباع حاجاته المادية، وإشباع حاجاته النفسية، بتشجيعه والثناء عليه أمام أفراد الأسرة أو أمام الأجانب، وفسح المجال له في اللعب في اختيار نوع اللعب ووقته ومكانه الذي لا ضرر فيه على الطفل ولا على الأسرة، والرفق به والتلطف معه وإدخال السرور على قلبه.


سادساً: تكريم الطفل وتقديره الاجتماعي

إنّ الطفل بحاجة إلى التكريم والتقدير الاجتماعي، وإشعاره بمكانته في داخل الأسرة وفي المجتمع، فهو بحاجة إلى توكيد ذاته وإشعاره بأنه شخصية قائمة بذاتها، وأنه عضو في الأسرة والمجتمع.

فكان (... رسول الله صلى الله عليه وآله يسلّم على الصغير والكبير، وأنه صلى الله عليه وآله مرّ على صبيان فسلّم عليهم)(17).

ومرّ الإمام الحسن (ع) على أطفال يتغذون، فدعوه إلى الأكل فأكل معهم.

وأشرك رسول الله صلى الله عليه وآله الحسن والحسين وعبدالله بن جعفر بالبيعة، وأخذ منهم البيعة وهم صغار(18)، لإشعارهم بمكانتهم الاجتماعية، فتعامل معهم كتعامله مع الكبار.

والأفضل تشجيع الطفل على روح الاستقلال التي يبرزها بأن يأكل في صحن خاص به، وأن يفرش له فراشاً خاصاً به للنوم، وأن يجلس في مقعد خاص به في البيت أو في واسطة النقل وإلى غير ذلك، وأن يترك للطفل إدارة شؤونه بنفسه، وخصوصاً في اللعب ليتّبع ما يقوله له خياله، وأفضل الوسائل في ذلك كما يقول موريس تي يش: "يجب أن تسلكوا مع أولادكم وتعاملوهم كأنهم أصدقاء، أن تعملوا معهم، أن تشاركوهم في اللعب.. أن تتحدثوا معهم بعبارات الودّ والصداقة"(19).

ويجب ملاحظة سلوك الطفل والتعامل معه على ضوء ما يسعى إليه لتأكيد ذاته، وقد يحاول الطفل "أن يتحدّى وأن يفعل ما يغيظ الأهل ليعلن أنه كائن موجود مستقل له إرادة غير إرادة الكبار"(20).

فالمفروض بالوالدين أن يراعوا ذلك ويقابلوه برفق ويشبعوا هذه الحاجة لديه. وفي بعض الأحيان قد يلاحظ الطفل خطأ يصدر من أحد والديه فيقوم بالتنبيه عليه وإشعاره بالخطأ، فيجب على الوالدين تشجيعه على ذلك، وتقبّل الاعتراض من قبله، قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ((إقبل الحقّ ممّن أتاك به صغيراً أو كبير))(21).

ومن تكريم الطفل إرضاؤه كما قال صلى الله عليه وآله لعثمان بن مظعون ومعه صبي يقبّله "أتحبّه ياعثمان؟ قال: يارسول الله إنّي أحبّه. قال صلى الله عليه وآله : أفلا أزيدك له حبّاً؟.. إنّه من يُرض صبياً صغيراً من نسله حتى يرضى، ترضّاه الله يوم القيامة حتى يرضى"(22).

وخلاصة القول: إن الشعور بالمحبة والتقدير ينعكس على التوازن الانفعالي للطفل في جميع مراحل نموه إلى الأعمال المتقدمة في الحياة، ويحدّد صحة الطفل والإنسان الناضج النفسية، ومرحلة الطفولة في رأي علماء التربية "من أهم المراحل التربوية في نمو الطفل الحركي والعقلي واللغوي والاجتماعي، وهي فترة تشكيل البناء النفسي الذي تقوم عليه أعمدة الصحة النفسية ومتطلباتها كالشعور بالمحبّة والطمأنينة والتقدير الأسري"(23).

ومن خلال التجارب وجد أن الأطفال الذين لم يحصلوا على الحب والودّ والتقدير نتيجة المعاملة السيئة التي عوملوا بها "كانت صحتهم العقلية سيئة"(24)، ونجدهم في الكبر منزوين وهيّابين، أو متمرّدين على كل المفاهيم والقيم والقوانين، لشعورهم بالحقد والعداء اتجاه المجتمع الذي لم يمنحهم التقدير والحب الكافي في مرحلة الطفولة.

والطفل لا يتعلّم قواعد السلوك إلاّ في وسط إحساسه "بالصداقة مع الأسرة"، ويتميز الطفل بدرجة من التقليد الشديد "لأي إنسان يعجب به، وهو يحاول بكل ما في طاقاته أن يقلّد من يحبّه"(25).

فبالحب يستطيع الوالدان توجيه الطفل وتربيته تربية سليمة وإيصاله إلى قمة الصحة النفسية، فيكون سوياً متزناً في جوانب الشخصية: العقلية والعاطفية والنفسية، فلا قلق ولا اضطراب ولا ازدواجية.


التوازن في المحبة

إنّ المحبّة والمودّة والتقدير أمور ضرورية في الصحة النفسية، ولكن ضمن الحدود المعقولة، وأن يكون التعامل مع الطفل متوازناً بين اللين والشدّة واليسر والعسر، فلا اهتمام زائد ولا إهمال، ولا إفراط ولا تفريط، والتوازن هو الموقف المنطقي العقلائي الذي ينسجم مع جميع المفاهيم والقيم الموضوعة في التربية من قِبَل المنهج الإسلامي أو منهج علماء النفس والتربية المنسجم مع القواعد الكلية للمنهج الإسلامي في أغلب الأحيان.

قال الإمام محمد الباقر (ع): ((شرّ الآباء مَن دعاه البرّ إلى الإفراط))(26).

فالحبّ الزائد عن الحدود، والذي يدفع الوالدين إلى ترك الطفل يفعل ما يشاء دون ردع أو زجر أو تنبيه، وإشباع جميع رغباته بلا حدود لها تأثيرات سلبية على صحة الطفل النفسية، "لأن ذلك يجعل الطفل لا يقوى على ترك هذا الجو الأسري والمجازفة بتكوين علاقات جديدة"(27).

والاهتمام الزائد بالطفل والمبالغة التي تتبعها بعض الأمهات عندما يصاب الطفل بالمرض "تؤثر على نفسية الطفل في الكبر.. ويخلق منه طفلاً مكتئباً كثير الشكوى، سريع الانفعال"(28).

والطفل المدلّل أو الطفل غير المرغوب فيه، والذي لا يحصل على الحبّ والتقدير، لا يكون طفلاً سوياً و"لا ينضج عاطفياً، وتطول فترة الطفولة لديه"(29).

وعلى الوالدين أن يتفقا على أسلوب واحد في التعامل في قضية واحدة ومشكلة واحدة وموقف واحد، أمّا التذبذب في الأسلوب بين لين الأم وشدة الأب أو الدلال من قِبَل أحدهما والإهمال من قِبَل الآخر في القضية نفسها التي صدرت من الطفل، فإن ذلك يؤثر على صحة الطفل النفسية، يقول الدكتور الزين عباس عمارة: "إن الاضطرابات السلوكية والأمراض النفسية التي تصيب الطفل في حداثته، والرجل في مستقبله، تكون نتيجة المعاملة الخاطئة للأبوين.. وتناقضات أسلوب المعاملة كالتذبذب بين التسامح والشدّة.. والدلال والإهمال، وتكون نتيجة هذه التورطات إمّا خلق روح العدوان والجنوح وبرود العاطفة، والإحباط والوسواس من ناحية، أو المغالاة في الاعتماد على الآخر والسلوك المدلّل وضعف الشخصية من ناحية أخرى"(30).

والأسلوب الناجح هو التوازن في المعاملة، فلا دلال ولا إهمال، ولا إشباع مطلق للحاجات الضرورية وغير الضرورية، ولا حرمان مطلق، ولا مدح مطلق، ولا ذمّ مطلق، وإنما يكون التعامل معتدلاً مع مراعاة عمر الطفل العقلي والزمني وصحته البدنية، فالطفل المعوق في بدنه يحتاج إلى رعاية استثنائية واهتمام أكبر.

وفي جميع حالات المعاملة، إنّ الصداقة مع الطفل تعطي الأبوين صورة متكاملة عن رغبات الطفل وميوله وقدراته العقلية والعاطفية، ومن خلالها يمكن اختيار الأسلوب المناسب في الوقت المناسب.

حداثته، والرجل في مستقبله، تكون نتيجة المعاملة الخاطئة للأبوين.. وتناقضات أسلوب المعاملة كالتذبذب بين التسامح والشدّة.. والدلال والإهمال، وتكون نتيجة هذه التورطات إمّا خلق روح العدوان والجنوح وبرود العاطفة، والإحباط والوسواس من ناحية، أو المغالاة في الاعتماد على الآخر والسلوك المدلّل وضعف الشخصية من ناحية أخرى"

(30).

(30).

 

والأسلوب الناجح هو التوازن في المعاملة، فلا دلال ولا إهمال، ولا إشباع مطلق للحاجات الضرورية وغير الضرورية، ولا حرمان مطلق، ولا مدح مطلق، ولا ذمّ مطلق، وإنما يكون التعامل معتدلاً مع مراعاة عمر الطفل العقلي والزمني وصحته البدنية، فالطفل المعوق في بدنه يحتاج إلى رعاية استثنائية واهتمام أكبر.

وفي جميع حالات المعاملة، إنّ الصداقة مع الطفل تعطي الأبوين صورة متكاملة عن رغبات الطفل وميوله وقدراته العقلية والعاطفية، ومن خلالها يمكن اختيار الأسلوب المناسب في الوقت المناسب.

abrihemnasser

ارجو من السادة نشر الموقع واضافة تعليقات

  • Currently 322/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
109 تصويتات / 2500 مشاهدة
نشرت فى 8 سبتمبر 2009 بواسطة abrihemnasser

ساحة النقاش

salam35
<p>التقليد هو احدى قواعد نمو الطفل.وقد خطر على بالي بعد قراءة مقالتكم مشكورين عليها,الدمج بين مصاديق اشعار الطفل بالمحبة والتقدير وتلك القاعدة التنموية التي ذكرت.بحيث نستفيد من هذة القدرة التي خلقها&nbsp;الله (عزوجل&nbsp; )</p>

ابراهيم عبد المنعم الحباك

abrihemnasser
الموقع يضم العديد من المقالات الصور »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

81,423